صفقة الكلاشنكوف!
مع بدايات الصباح في «روما» عاصمة «إيطاليا» الشهيرة بمبانيها القديمة وبآثارها العريقة … استقبل الشياطين الرسالة الشفرية الأولى من المجموعة الثالثة الموجودة ﺑ «فرنسا» … كانت الرسالة تقول: «حاولنا الاتصال بكم أمس دون جدوى، وقد تم الاتصال بالمجموعة الثانية ﺑ «ألمانيا» … وقد أطلعونا على الاتصال الذي تم بينكم … نحن الآن في «باريس»، وسنبدأ التحرك اليوم بناء على اتصال «جان كلود» بالزعيم …» وانتهت الرسالة التي ترجمَتها «إلهام» بسرعة لحظة وصولها، قال «أحمد» موجهًا حديثه ﻟ «هدى»: لقد تأخر «باريزي» … ثم نظر لساعته … كان الوقت يقترب من العاشرة صباحًا بتوقيت «إيطاليا» حين سمعوا طرقات خفيفة على باب الغرفة، وسرعان ما ظهر «باريزي» قال مخاطبًا «أحمد» بعد أن ألقى عليهم تحية الصباح: مستر «دونادوني» في انتظاركم مسيو «أحمد».
ضحك «أحمد» وهو يردد: وهو كذلك مسيو «باريزي».
كانت الساعة تُشير إلى الثانية ظهرًا حين تحركت العربة «الليموزين» الزرقاء من أمام فندق «انترناشيونالي» في قلب العاصمة «روما» وبداخلها «أحمد» و«إلهام» و«هدى» و«زبيدة»، ومعهم «باريزي»، وقد تولى قيادة السيارة … كانت شوارع «روما» الواسعة تضج من حركة المواصلات التي كانت في الذروة.
قال «باريزي» موجِّهًا حديثه ﻟ «أحمد»: إن مستر «دونادوني» لا يقابل أحدًا مطلقًا في النهار وكل مقابلاته تتم ليلًا … ولكني تعجلتُ اللقاء حتى يكون أمامكم متسعٌ من الوقت.
قال «أحمد»: وأين سنلتقي به؟
قال «باريزي»: بجلسته الخاصة جدًّا.
قال «أحمد»: لا أعرف ماذا تقصد بالضبط؟
قال «باريزي»: إن «دونادوني» رجل ثري جدًّا؛ ولذلك فالناس دائمًا ما تسعى إليه وهو الذي يحدد المكان والوقت.
قال «أحمد»: إنني أعرف ذلك جيدًا … فقط أريد أن أعرف متى وأين سنلتقي به؟
قال «باريزي»: ستعرف الآن يا صديقي، لا تتعجل الأمور … وبعد نصف ساعة من السير المتواصل في شوارع «روما» هدَّأ «باريزي» من سرعة السيارة قبل أن ينحرف يمينًا بجانب كنيسة «العذراء» ليتوقف أمام مبنى مكوَّن من خمسة طوابق.
قال «باريزي» وهو يوقف السيارة جانبًا ويشير إلى المبنى: هنا ستلتقي بالمليونير «دونادوني».
قال «أحمد» وهو يفتح باب السيارة: اسم «دونادوني» له وقعٌ موسيقي ظاهر!
قالت «إلهام»: إن معظم أسماء الإيطاليين لهم نفس الوقع تقريبًا … وأكملت وهي تهبط من السيارة: إن معظم أسماء الإيطاليين تنتهي بالنون والياء تمامًا كما تنتهي أسماء «الروس» بالواو والفاء «كخرشوف» … «كنتروف» وحتى «كاسباروف» بطل الشطرنج العالمي، أو «كارايوف» وغيره من الأسماء!
وهنا صاحت «هدى»: لقد نسيتم مقابلة «دونادوني» واستهوتكم الأسماء!
ردَّت «زبيدة»: انظروا إنه فندق خاص جدًّا … وأشارت إلى اللوحة المعلقة على المبنى … كانت اللوحة تقول: «خاص بالأثرياء.»
كان المبنى شديد النظافة والنظام؛ فما إن دخل الشياطين ومعهم «باريزي» حتى اندفع إليهم عمال المبنى وهم يرتدون الثياب الفاخرة النظيفة، وانحنوا أمام الشياطين وهم يرحبون بهم بلهجة إيطالية سليمة.
قال «باريزي» مخاطبًا العمال باللهجة نفسها: شكرًا لكم … وتقدَّم إلى مكتب الاستعلامات وألقى التحية على الموظف الذي وقف بسرعة وهو يردد: كم غرفة؟ كم ليلة؟ مرحبًا بكم!
قال «باريزي»: إنها مقابلة سريعة لمستر «دونادوني»، فانتفض الرجل عند سماع الاسم وقد زاد من الاهتمام بالشياطين ومعهم «باريزي»، وسرعان ما ضغط على زرٍّ صغير أمامه، وقال مسيو «دونادوني»: هناك من يريد مقابلتك.
وجاء الرد سريعًا: بعد خمس دقائق.
كان الردُّ جافًّا … ولكنه أعطى للشياطين فكرة صغيرة عن شخصية «دونادوني» المليونير الشهير.
مرَّت خمس دقائق سريعة … قبل أن يأتيَ صوتُ «دونادوني» من جديد … مرحبًا … قام رجل الاستعلامات بسرعة وتوجَّه إلى الشياطين ومعهم «باريزي»، وقال: الآن يمكنكم مقابلة مسيو «دونادوني»، وسأكون معكم.
في المصعد الفاخر المكيف … قضى الشياطين بضع ثوانٍ، غادروا بعدها المصعد، واتجهوا إلى حيث أشار موظف الاستعلامات ويدعى «فاكتي»، كان من الواضح أن «دونادوني» يستأجر جناحًا كاملًا في فندق الأثرياء أو مبنى الأثرياء.
ثلاث دقائق قضاها الشياطين في التنقل بين ردهات الجناح الكبير قبل أن يقفوا على بُعد خطوات من «دونادوني»… تقدَّم «فاكتي» بحذرٍ منه.
كان «دونادوني» جالسًا في إحدى شرفات الجناح التي تطلُّ على إحدى البحيرات الصغيرة التي تشتهر بها «إيطاليا» والتي تحيط «روما» من كل جانب تقريبًا.
كان من الواضح أن «دونادوني» مستغرقًا في التأمل؛ فلم يسمع نداء «فاكتي» المتواصل مسيو «دونادوني» وأحيانًا أخرى مستر «دونا»!
استدار بعد فترة مستر «دونادوني» بكرسيه الوثير … كان رجلًا حادَّ القسمات وفي منتصف العمر تقريبًا، وقد بدَا على عينَيه الحادتَين الذكاء المتوهج … ابتسم وهو يردد: مرحبًا مستر «فاكتي»!
فقال «فاكتي» وهو ينحني ويشير في الوقت نفسه باتجاه الشياطين ومعهم «باريزي»: هؤلاء يريدون مقابلتك.
ألقى «دونادوني» نظرة سريعة على الشياطين وتوقَّفَت عيناه قليلًا على «هدى» … ثم صاح ببطء: مرحبًا! وأشار إليهم بالجلوس … كان من الواضح أن «دونادوني» له أسلوبه الخاص في التعامل، وهذا ما عرفه الشياطين من الوهلة الأولى.
وما إن استقر الشياطين على مقاعدهم … حتى فاجأهم «دونادوني» بقوله: كم تريدون؟ ومتى … وأين؟ … ثم أخرج سيجارًا ضخمًا ووضعه بين شفتَيه وأشعله بعود ثقاب ثم نفث دخانه الكثيف ليطفئَ به الثقاب، ويضع قدمًا على قدم.
كانت ملابس «دونادوني» تدل على أنه فاحش الثراء، وقد تهدل شعره الأسود الفاحم على جبهته برغم محاولاته لإرجاعه للوراء وقد ظهر ذلك على شكله.
قال «أحمد» مجيبًا على تساؤله بتساؤل آخر … حين قال: ماذا تقصد بالضبط مستر «دونادوني»؟!
ضحك «دونادوني» ضحكة خفيفة سرعان ما تلاشت كالوميض، ثم قال: أقصد ما نوعية السلاح؟! وكم عدد قطعِه التي تريدونها؟ ومتى تستلمون الشحنة؟ وأين سيكون الاستلام؟ … وأكمل: ليس لديَّ وقت للتفاوض؛ فجلسة عمل واحدة تكفي بدلًا من عشر جلسات!
صمت «دونادوني» قليلًا، وفاجأ الشياطين بتساؤل آخر: متى عرفتم هذا السمسار؟ وأشار إلى «باريزي» الذي ابتسم ابتسامة مصطنعة وهو ينظر إلى الشياطين.
قال «أحمد»: منذ وقت قريب مسيو «دونادوني»، وأكمل «أحمد»: أما من ناحية السلاح فنحن نريد صفقة «كلاشنكوف».
قال «دونادوني»: كم ألفًا؟
قال «أحمد»: خمسة آلاف مبدئيًّا.
قال «دونادوني»: لا بأس … سألقاكم غدًا في نفس المكان ونفس الموعد … وأكمل: أعتقد أنكم تعرفون ثمن البندقية الواحدة!
قال «أحمد»: نعم نعرفها ولكن السوق الآن مليء بالأسلحة.
ضحك «دونادوني» ضحكة طويلة، ولكنها حادة كالسيف، وقال: لا تساومني يا صديقي؛ فليست كل الأسلحة معدة للبيع، بل هناك بعض الأسلحة لا تستحق حتى الإلقاء في سلات القمامة!
قال «أحمد»: أعرف ذلك … ولكن هذه المخلفات كما تشير أنت قد يدخل عليها بعضُ التعديلات بطريقة أو بأخرى.
فقال «دونادوني»: نعم يحدث هذا هذه الأيام، ولكن السلاح الجديد له قيمته، وعلى كل حال السعر عندنا لا ينخفض لأي سبب … والبندقية الواحدة ثمنها ألفا دولار.
قال «أحمد»: لا بأس … ولكن متى ستنتهي الصفقة؟
قال «دونادوني»: قريبًا … ثم أكمل: أنتم تجار جدد؟!
قال «أحمد»: لسنا كذلك، ولكنها المرة الأولى التي نعقد فيها الصفقات مباشرة.
قال «دونادوني»: لا بأس … غدًا نلتقي … ثم استدار بكرسيه إلى الناحية العكسية.
قام «أحمد» وتَبِعه بقيةُ الشياطين وتقدموا إلى المصعد ومعهم «باريزي»، وسرعان ما احتوتهم العربة «الليموزين» ﻟ «أحمد» الزرقاء، وانطلقت بهم إلى فندق «انترناشونالي» الشهير.
قال «باريزي» ﻟ «أحمد» وهو يوقف العربة أمام الفندق: ما دوري الآن مسيو «أحمد»؟
ضحك «أحمد»، وقال: الدور الثاني يا صديقي «باريزي». فضحك «باريزي» لقفشة «أحمد»!
وقال: سأكون عندكم بعد ساعتين … وانطلق بالعربة في الوقت نفسه الذي صعد فيه الشياطين إلى غُرَفهم.
كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساء حين أمسك «أحمد» بجهاز اللاسلكي، وقبل أن يتخذ أي قرار كانت اللمبة الحمراء تشير بأن هناك رسالة في الطريق.
أعطى «أحمد» جهاز اللاسلكي بسرعة إلى «هدى» التي راحَت تنقل الشفرة في نفس الوقت الذي استعدت فيه «إلهام» لترجمتها. كانت الرسالة الشفرية تقول: «من المجموعة الثانية ﺑ «ألمانيا» … إلى المجموعة الأولى.
لقد تحركنا.
نريد أخبارًا.
وجارٍ الآن الإعداد للصفقة.
هل هناك اتصال بالمجموعة الثالثة؟
ماذا عندكم؟!
وأخيرًا … نحن في أشد القلق على المجموعة الثالثة الموجودة ﺑ «فرنسا» … تُرى ماذا حدث لها؟!
انتهت الرسالة.»
قرأ «أحمد» الرسالة التي ترجمَتها «إلهام» في نقاط، ثم أخذ جهاز اللاسلكي من «هدى»، وبدأ في إرسال رسالة للمجموعة الثالثة.