مقدمة
يُقبِل علينا شهر يوليه من كل سنة فيذكرنا باليوم الأسود يوم ١١ منه، ذلك اليوم الذي داست فيه إنكلترا المعاهدات الدولية وتعلقت بأوهى الأسباب وضربت مدينة الإسكندرية. فاقترفت بذلك سبة الاعتداء على أمة لم يكن بينها وبينها إلا السلام، واجترحت إثم التهجم على بلاد لم تناوئها الحرب ولم تبادئها بالعدوان والخصام.
ومن رأينا أنه لا يجدينا شيء أكثر من ذكريات تاريخنا، وأن الجِّد لنا كل الجِّد في استثارة دفائن هذا التاريخ والاعتبار بتلك الذكريات حلوها ومرها. فإذا قلبنا صفحاته ورأينا فيها صفحة مجيدة نشرناها؛ لأنها تحيي فينا روح الأمل بعودة ماضينا، وإن كانت الأخرى وألفيناها صفحة سوداء لم نطوِ دونها كشحًا ولم نضرب عنها صفحًا؛ لأننا لو سترناها وأغمضنا الطرف عنها أمسينا في عماية ولم نعرف أخطاءنا، فكان ذلك مدعاة لبقائنا في غفلتنا سادرين، وسببًا في جهلنا بعللنا الخلقية وأمراضنا الاجتماعية أبد الآبدين.
نعم ضربت إنكلترا بمدافع أسطولها حصون مدينة الإسكندرية وتغلبت عليها، وترتب على ذلك ما ترتَّب من الاحتلال وما جره وراءه من النتائج الخطيرة التي لا زلنا نعاني شدائدها ونقاسي أهوالها ونكتوي بنارها. وهذا كله أمر معروف مفروغ منه. ولكن ما هي الأسباب التي حملتها على هذا العدوان؟ وما هي الحالة التي كانت عليها حصون مدينة الإسكندرية؟ وهل كان في إمكانها مقاومة هذا الأسطول؟ وهل كانت قواهما متفاوتة؟ وما مقدار هذا التفاوت، وهل قام الجيش المصري المرابط في هذه الحصون بواجبه الوطني في الذود عن البلاد والدفاع عن هذه الحصون حتى النفس الأخير؟ وهل كان في مقدور ساستنا وأولي الرأي والأمر فينا تغيير موقف إنجلترا العدائي؟ وما الذي حال بينهم وبين هذه السياسة القويمة الحكيمة؟ ثم على مَن تقع بعد ذلك تبعة تخريب هذه الحصون وقتل هذه الأنفس العزيزة وضياع البلاد؟ هذه كلها أمور تمر بخواطر الناس وخواطر المصريين خاصة، ولكنهم لا يجدون عنها جوابًا، فأردنا أن نكتب هذه الرسالة في هذا الموضوع لندعو بها المصرين إلى تذكر يوم ١١ يوليه سنة ١٨٨٢ حتى يخطر دائمًا ببالهم ويمتزج بأنفسهم ويكون نصب أعينهم في ليلهم ونهارهم، ثم لنجلو هذه الأمور الغامضة ولنكون على بينة من الأسباب والنتائج ولنستخلص من كل ذلك العبرة التاريخية؛ لتكون لنا تذكرة ننتفع بها في حاضرنا ومستقبلنا، وإنما يتذكر أولو الألباب.