مهمة … بين الأرض والقمر!
تكلَّمَت «إلهام» لأول مرة هاتفةً: ولكن يا سيدي … هذا خطيرٌ جدًّا!
رقم «صفر»: بالضبط يا «إلهام» … إنه شيء لا يمكن السكوتُ عليه أبدًا … فبرغمِ كلِّ تحصينات الكهف السري للشياطين اﻟ «١٣» فإن مما لا شك فيه أن هذا القمر الصناعي ولنُطلِق عليه اسمَ «أكس تسعة» لديه من التكنولوجيا المتطورة ما يُمكنه كشف المقرِّ السري للشياطين واكتشاف كافة أسراره … ومن أجل هذا كان استدعاؤكم … إن إطلاق هذا القمر الصناعي بمثابةِ تحدٍّ للعالم العربي … وللشياطين اﻟ «١٣» على وجه الخصوص …
تساءل «عثمان»: ومَن هم الذين أطلقوا هذا القمر الصناعي؟
رقم «صفر»: إنها منظمةٌ إرهابية عالمية تضمُّ مجموعةً من العلماء من شتى الأجناس، وهذه المنظمة على استعداد لأن تبيع ما تحصل عليه من معلومات بواسطة قمرها الصناعي إلى مَن يشتريها … ولا شك أن هناك أعداءً كثيرين لنا مستعدُّون لأن يدفعوا عشراتِ الملايين للحصول على هذه المعلومات الثمينة.
وقلب رقم «صفر» مجموعةً من الأوراق ثم قال: إن المعلوماتِ التي وصلَتنا تؤكِّد أن هذا القمر تكلَّف حوالي مائتي مليون دولار شاملةً نفقاتِ إطلاقه إلى الفضاء بواسطة صاروخٍ عابرٍ للقارات، وهذا القمر يبلغ طولُه ثلاثةَ أمتار وعرضُه مترين ونصفًا ووزنُه مائتَي كيلو جرام، وهو يدور في مدار بيضاوي حول الأرض، وأقربُ نقطة له نحوها تكون فوق مقرِّ الشياطين تمامًا … وفي تلك الأثناء يكون القمر في أقرب نقطة إلى الأرض على مسافة ٢٥٠ كيلومترًا، أما أقصى نقطة له فتكون على مسافة ١١٠٠ كيلومتر … وهو يدور حول الأرض مرة كلَّ ساعة ونصف … أي أنه يمرُّ فوق كلِّ بقعة من عالمنا العربي ومقر الشياطين ست عشرة مرة كلَّ يوم … وهو يحصل على وقوده وطاقته من الطاقة الشمسية التي يمتصُّها من سطحه المعرَّض للشمس ليمتصَّ أقصى قدرٍ منها.
أحمد: ومتى أُطلق هذا القمر الصناعي يا سيدي؟
رقم «صفر»: لقد أُطلق منذ ثلاثة أيام في سريَّة شديدة … وهو يمارس عملَه منذ اللحظة الأولى لإطلاقه.
أحمد: إنه في العادة يُرسل المعلومات غير الهامة بالبثِّ اللاسلكي، أما المعلومات الهامة فسوف يُسقطها في نهاية الأسبوع في بقعة خاصة فوق المحيط الأطلنطي، وسوف يُبادر مَن أطلقه بالتقاط كبسولة المعلومات … وأغلب الظن أنها تحوي أسرارًا هائلة عن مقر الشياطين.
صاح «عثمان» في انفعال: يجب منعُ وصول هذه الكبسولة إلى الأعداء وتدميرها.
بهدوء أجاب رقم «صفر»: سيُرسلون غيرَها وغيرَها … وسندخل في صراعات لا تنتهي … إن تدمير الكبسولة ليس هو الحلَّ الأمثل …
أحمد: يجب تدمير القمر الصناعي نفسه، أليس كذلك؟
رقم «صفر»: بالضبط يا «أحمد» … هذا ما توصَّلنا إليه … إن هذا القمر الصناعي يجب أن يُمحَى من الوجود تمامًا … وسيكون في هذا فائدة مزدوجة … التخلُّص من القمر الصناعي وأيضًا تلقين هؤلاء الأعداء درسًا بأنَّ أيديَنا ستطولهم … ولو كانوا في أجواء الفضاء …
تساءل «رشيد» بقلق: ولكن كيف يا سيدي؟! إننا لا نملك سلاحًا نُوجِّهه إلى الفضاء لتدمير هذا القمر.
إلهام: من الممكن إطلاق صاروخ ليجتاز غلاف الأرض الجوي، ويفجِّر هذا القمر الصناعي؟
أجاب رقم «صفر»: هذا الاقتراح دار في حسباننا، ولكن مما يُضعفه أنه ربما كان القمر الصناعي «أكس» مزوَّدًا بأجهزة أو صواريخ قتالية فيتمكن من تدمير الصاروخ قبل الوصول إليه.
عثمان: يمكن إطلاق أشعة ليزرية قوية من الأرض لتفجر القمر الصناعي؟
رقم «صفر»: وحتى هذا غير ممكن؛ فالحصول على شعاع ليزري قوي يَصِل إلى هذه المسافة أمرٌ لم نَصِل إليه بعدُ.
تساءل «أحمد» بقلق: إذن ما الحل؟!
ردَّ رقم «صفر» بهدوئه المعهود: ستنطلقون أنتم إلى حيث القمر الصناعي وتقومون بنسفه في الفضاء.
تساءلَت «إلهام»: ولكن كيف يا سيدي؟!
رقم «صفر»: إن هناك مكوكًا فضائيًّا سيحملكم خارج الأرض … ومنه ستنطلقون لأداء مهمتكم في الفضاء على مسافة مئات الكيلومترات من الأرض.
وتقابلَت نظراتُ الشياطين … لقد كان رقم «صفر» يعني ما قاله تمامًا، بأن مهمَّتَهم القادمة ستكون في مكان ما … بين الأرض والقمر!
وبدأ رقم «صفر» يشرح خطته، قائلًا: أنتم تعرفون أن هناك وسيلتَين لإطلاق الأقمار الصناعية إلى الفضاء الخارجي … أولاها بواسطة الصواريخ الكبيرة العابرة للقارات، وثانيها بواسطة مكوك الفضاء؛ فعندما تمَّ اختراعُه كان الغرض منه هو حملَ موادَّ وأجهزةٍ كبيرةٍ لإطلاقها إلى الفضاء الخارجي والعودة إلى الأرض، ثم القيام برحلات أخرى متعددة تَصِل إلى مائة رحلة قبل أن يتمَّ تحويله … بمعنى أن المكوك الفضائي أشبهُ بصاروخ عندما ينطلق إلى الفضاء ليخترق الغلاف الجوي … وهو طائرة عادية عندما يعود إلى الأرض.
تساءل «أحمد» بدهشة: ولكن من أين سنحصل على مكوك فضائي يا سيدي؟!
رقم «صفر»: إنه موجود لدينا … وجاهزٌ للعمل تمامًا بفضل مئات العقول الهندسية والإلكترونية العربية التي ساهمَت في إنجاز هذا المشروع في سرية تامة منذ سنوات بعيدة وظهر فوق الشاشة السينمائية المكوك الفضائي العربي، وكان أشبهَ بالمكوك الأمريكي، غير أنه كان أقلَّ طولًا وارتفاعًا وعرضًا.
وجاء صوت رقم «صفر» شارحًا: المكوك الأمريكي يصل طولُه ٣٧٫٢٥ مترًا، وارتفاعُه ١٧٫٢٥ مترًا، ووزنُه ٦٨ طنًّا بدون وقود … وهو في حجم وزن الطائرة التجارية «سي ٩»، وهو يتكوَّن من عدة أجزاء كالمحركات الرئيسية والفرملة والرافعات في مؤخرته، ومجموعة الهبوط الأمامي في مقدمته، أما في الوسط فهو يحتوي على كُوَّة كبيرة تَصِل إلى نصف طول المكوك وهي بمثابة مخزن لحمل الأشياء المراد إيصالها إلى الفضاء … وكما تعرفون فإن إطلاق المكوك يتم بواسطة صاروخَين للدعم مهمَّتُهما حملُ المكوك خارج نطاق الجاذبية الأرضية بما يحملان من وقود هائل، وكذلك هناك خزانٌ ضخم للوقود يلتصق بجسم المكوك وينفصل عنه بعد اختراق الغلاف الجوي …
أما مكوكنا العربي فهو لا يختلف كثيرًا في نظام عمله وتكنولوجيته عن المكوك الأمريكي، غير أنه أقلُّ حجمًا؛ فطولُه يَصِل إلى خمسة وعشرين مترًا، وارتفاعُه ١٥ مترًا، ووزنُه لا يزيد عن أربعين طنًّا بلا وقود أو حمولة وذلك باختصار الفراغ الموجود في وسط المكوك لحمل المعدات والأشياء إلى الفضاء. إن مكوكَنا أكثرُ قدرة على الحركة والمناورة في الفضاء … ويحتاج إلى صواريخ إطلاق أقل قدرة من مثيله الأمريكي بسبب خفة وزنه بالمقارنة …
وصمت رقم «صفر» لحظة، ثم أضاف: أما الإضافة الجوهرية للمكوك الفضائي العربي فهو قدراته القتالية؛ فهو مزوَّد بصواريخ وقنابل مدارية وألغام فضائية، بحيث يتحوَّل إلى طائرة صاروخية مقاتِلة في الفضاء إذا ما واجهَ عدوًّا ما … إنه سلاحُنا الفضائي المستقبلي وهو سيدفع بنا للِّحاق بتكنولوجيا الفضاء التي تخلَّفنا عنها كثيرًا … أما خطَّتُنا في نسْفِ «أكس٩» فلن تكون بإطلاق الصواريخ أو أشعة الليزر عليه، هذه كلُّها وسائلُ تم استبعادها؛ فنحن لا نريد الإعلان علانيةً بأننا أولُ مَن قام بنسْفِ ذلك القمر التجسُّسي؛ لأن لهذا العمل عواقبَ دولية وسيتَّهمنا البعضُ بالقرصنة الفضائية … إن خطَّتَنا هي بثُّ لغمٍ فضائي محمَّل بالمتفجرات وهو على شكل نيزك صغير، هذا اللغم سيحمله المكوك العربي حيث تُطلقونه في الفضاء في مدار قريب من مدار القمر التجسسي «أكس٩». وسيبدأ اللغم الفضائي في مطاردة القمر التجسسي؛ حيث يقوم بالاصطدام به ونَسْفه، كأنه نيزكٌ عاديٌّ شاء سوءُ حظِّ «أكس٩» أن يصطدم به … وسيكون هذا الاصطدام في توقيت ما بعد عودتكم بالمكوك العربي إلى الأرض … وبهذا لن تتجه أصابعُ الاتهام إلينا … وإن كان أعداؤنا لن يغفلوا الرسالة التي سنُوجِّهُها إليهم بمكوكنا العربي!
هتف «رشيد»: إنه إنجاز هائل … سلاح رائع!
وتساءلَت «إلهام»: ولماذا لم يُعلَن عن وجود هذا المكوك من قبل؟
رقم «صفر»: لكلِّ شيء أوانُه يا «إلهام» … وأظنَّ أن لحظة الإعلان عن مكوكنا قد حانَت، فما إن تنهون به مهمَّتَكم في الفضاء وتعودون به حتى يُصبحَ الإعلان عنه أمرًا لا مفرَّ منه؛ لأن أغلب دول العالم المتقدمة سوف تكون قد رصدَته … فكما تعرفون فإن إطلاق مكوك فضائي بصواريخ عابرة للقارات أمرٌ لا يمكن إخفاؤه، لأن الحرارة الناتجة عن الانطلاق سوف تلتقطها الأقمار الصناعية لكل الدول الكبرى، ومن ثَم سيكتشف الجميعُ حقيقتَه، كذلك فإن المكوك عندما يخترق الغلاف الجوي الأرضي فسوف ترصده الرادارات والأقمار الصناعية للدول الكبرى وستُحدد مكان إطلاقه بالضبط … هذه أمور لا تخفى عن العيون التجسُّسية للأقمار الصناعية العالمية.
تساءلَت «إلهام» بعينَين ضيقتَين: ولكن … ألن تعترضَ إطلاقَ المكوك أيةُ قوةٍ عظمى عندما تظنُّه موجَّهًا ضدها فتحاول التصدِّي له مثلًا؟
ردَّ رقم «صفر»: ستكون محاولة غير مجدية؛ فمكوكُنا العربي يخترق الغلاف الجوي في زمن قياسي أقل من دقيقتين … والزمن الواقع ما بين اكتشاف حقيقته ومحاولة التصدي له أو نَسْفه بواسطة السلاح الجوي، وحتى الصواريخ لأية قوة عظمى، هذا الوقت يستغرق ليس أقل من خمس دقائق، يكون خلالها مكوكُنا قد أخذ مكانَه في الفضاء، ولن يمكن لأية قوة أن تطولَه أبدًا في مداره، وحتى لو فكَّر أحدٌ في إطلاقِ مكوكٍ فضائي لاعتراضِه في الفضاء الخارجي، فهذا الأمر يستغرق أربعًا وعشرين ساعةً وهو الوقت اللازم لتجهيز المكوك الاعتراضي … وقبل هذا الوقت سيكون مكوكُنا العربي قد أنجز مهمتَه وعاد إلى الأرض مثل أية طائرة عادية … وستكون العودة مأمونةً تمامًا؛ لأنَّ أيَّ رادارٍ وقمرٍ صناعي لن يستطيعَ تفريقَه عن أية طائرة عادية، وستهبطون به في مكان سيحدِّد لكم بالصحراء الأفريقية الكبرى. إنها نفس نقطة إطلاق المكوك.
ابتسم «أحمد» قائلًا: يبدو أن المسألة أسهل مما تصوَّرنا … إنَّ قدراتِ مكوكِنا العربي وتكنولوجيتَه المتطورة تجعل مهمتَنا في غاية اليسر … إذ إنها تتعدَّى الانطلاق به إلى الفضاء … وحتى قيادته ستتولَّاها عقولُه الإلكترونية …
رقم «صفر»: ليس بالضبط يا «أحمد».
كان صوت رقم «صفر» يحمل لمسةَ توتُّرٍ انتقلَت إلى الشياطين الأربعة على الفور، وجاء صوتُه مكملًا: لقد كان مقررًا إنهاء التجارب على المكوك العربي خلال شهر وبعد ذلك يتم تجربتُه عمليًّا … ولكن تطوُّر الظروف دفعنا إلى التعجيل بكل شيء … ستكونون أنتم أولَ مَن يقوم باستخدامِ المكوك العربي وتجربتِه … عمليًّا … وأرجو ألَّا يكونَ علماؤنا قد نسوا أو أخطئوا في شيء ما؛ فإن أيَّ خطأ ولو بنسبة واحد على المليون معناه إما انفجار المكوك عند انطلاقه كما حدث للمكوك الأمريكي «تشالينجر» … أو ضياعكم في الفضاء اللانهائي … إننا لا يمكننا إلَّا أن ندعوَ الله بأن يكون كلُّ شيء على ما يرام … وفَّقكم الله!
وسمعوا صوتَ خطوات رقم «صفر» وهي تبتعد … وتلاقَت نظراتُ «أحمد» و«عثمان» و«رشيد» و«إلهام» في نظرة جامدة … كان الأمر مخاطرةً هائلة … ولكن أحدًا منهم لم تراودْه أيةُ رغبةٍ في التراجع أو ذرَّةٌ من الخوف … ولو بنسبة واحد على المليون …