لحظةُ الانطلاق!
بدأ العدُّ التنازلي أخيرًا …
– مائة … تسعة وتسعون … ثمانية وتسعون …
ومن الخارج كان كلُّ شيء هادئًا رائعًا لا يُوحي أن ثمة تغيُّرًا عالميًّا في موازين القوة سيحدث خلال دقائق قليلة.
… خمسة وستون … أربعة وستون … ثلاثة وستون … اثنان وستون …
كانت القاعدة الأرضية الواقعة في قلب الصحراء تبدو كما لو كانت مصنعًا لإنتاج الزجاج من خام السليكا من الرمال … وكانت المباني البيضاء البسيطة لا تَشِي بما تَحْوِيه في الداخل من أحدث الأجهزة والعقول الإلكترونية …
– واحد وأربعون … أربعون … تسعة وثلاثون … ثمانية وثلاثون …
وكانت الربوة العالية الواقعة على حدود المباني البيضاء هادئةً ساكنة، لا يعرف إلا قلةٌ تُعَدُّ على أصابع اليد الواحدة أن هذه الربوة بطنَت في قلبها برقائق من النحاس والفضة في طبقات عديدة متتالية حتى لا يمكنَ لأية أجهزة كشْف ما يحويه باطنُها …
– ثمانية عشر … سبعة عشر … ستة عشر …
بدأت فوهة الربوة تنتفخ قليلًا … ببطءٍ وبلا أصواتٍ كاشفة عن المكوك الصغير المستقر في مكانه وعلى جانبَيه صاروخَا الدعم، ويلتصق به من الأمام خزان الوقود الضخم …
– تسعة … ثمانية … سبعة …
لم يكن هناك أيُّ شخص يقف بجواره حتى على بُعْد مسافة كيلومتر، خشيةً من الحرارة الشديدة التي ستنبعث عند انطلاق المكوك … كان هناك عشرات العلماء العرب الجالسين أمام شاشاتهم وأجهزتهم وقد حبسوا أنفاسهم يراقبون الأجهزة وقلوبُهم تدقُّ بعنف.
– خمسة … أربعة … ثلاثة …
سكن الشياطين الأربعة فوق مقاعدهم في جلسة أشبه بالرقاد حتى يتغلَّبوا على قوة انطلاق المكوك والتي تُعادل عشرةَ أمثال قوة الجاذبية الأرضية … وتبادَلَ الشياطين الأربعة نظرةً أخيرة.
– اثنان … واحد … زيرو … انطلق.
وهدرَت محركاتُ الصاروخَين الكبيرَين على جانبَي المكوك عندما اختلط الأكسجين السائل بالهيدروجين السائل داخلهما في غرفة الاشتعال فحدث انفجارٌ هائل واندفع الغاز والنار من مؤخرتها كالجحيم …
وبدأ المكوك يرتفع ببطء في البداية كأنه ماردٌ عملاق مشتعل يخرج من بطن الربوة العالية وزاد الهدير، وما لبثَت سرعةُ المكوك أن زادَت أيضًا وانطلق كالسهم يشقُّ أجواءَ الفضاء كنسْرٍ جهنميٍّ.
وبعد أقل من دقيقتَين تحرَّر المكوك من صاروخَي الدعم على مسافة ستين كيلومترًا من الأرض، وبذلك انتهى الجزء الأول من مهمته بنجاح رائع، وما لَبِث أن تخلَّص من خزَّان الوقود الضخم وهو يخطو إلى قلب الفضاء الخارجي …
وهلَّل العلماء العرب داخل مقرِّهم الأرضي في سعادة وأخذوا يتعانقون مباركين لبعضهم ذلك النجاح الرائع وقد بلَّلَت عيونَهم الدموعُ …
وفي مكان ما داخل مقر الشياطين السري كان رقم «صفر» يمسح دمعةً كادَت تسقط من عينَيه … كان نادرَ التأثر كأنَّ قلبَه قد تشكَّل من المعدن أو الحجارة، ولكنه في تلك اللحظة لم يستطع منْعَ نفسه من الانفعال، فقد كان بشرًا برغمِ كلِّ شيء.
وما لَبِث أن انتبهَ إلى أجهزة الاستقبال حولَه، والتي بدأَت تدقُّ لتُفصحَ له عن الاضطراب الرهيب الذي ساد أجهزةَ الرادار والاستكشافات العالمية، والتخبُّط الذي وقعَت فيه القوى العظمى، وكلٌّ منها تتَّهم الأخرى أنها أرسلَت مكوكًا فضائيًّا في مهمة سرية إلى الفضاء، بدون أن تبلغَها عنه حسبما تنصُّ اتفاقيَّتُهم.
وابتسم رقم «صفر» ابتسامةً عريضة … ستكون مفاجأة، وأية مفاجأة للعالم كله عندما يكتشف الحقيقة …