ديناصور الفضاء!
اندفع «أحمد» بالمكوك بأقصى سرعته، وهتفَت «إلهام» ذاهلةً: «أحمد» هل سنترك «عثمان»؟!
أجابها «أحمد»، وقد احمرَّت عيناه حتى صارتَا بلون الدم: ليس أمامنا غير ذلك … لقد كنَّا في وضعٍ يسهل على المكوك المعادي اقتناصنا … علينا أن نُناورَه ونُواجهَه … أما «عثمان» ونظر إلى «رشيد» و«إلهام»، وبحزنٍ أكمل: فأرجو أن يتسع لنا الوقت لإنقاذه.
وصاح «رشيد» ذاهلًا: ولكن من أين أتى هذا المكوك المعادي … لم يكن هناك وقتٌ لإرساله خلفنا؟!
قالت «إلهام» بغضب: لا بد أنه كان يستعد للقيام برحلة سرية … تجسُّس مثلًا؛ ولذلك لم يُعلن عن رحلته، وكان جاهزًا للانطلاق عند إطلاق مكوكنا؛ ولذلك أرسلوه خلفنا ليُطاردَنا وربما ليمنعنا من تفجير القمر «أكس٩»، فربما انكشفَت أسرارُ مهمتنا بطريقة ما.
وألقَت «إلهام» نظرةً إلى شاشة الرادار أمامها، وقالَت مندهشة: ولكن أين ذهب هذا المكوك؟! لقد اختفى من على شاشة الرادار.
تألَّقَت عينَا «أحمد»، وهتف: لا بد أنه ذهب لتفجير اللغم الفضائي حتى لا ينسفَ القمر التجسُّسي، علينا أن نمنعَه من ذلك.
وقبل أن يتحرك المكوك مغيِّرًا اتجاهَه لمعَت أضواءُ انفجارٍ بعيدة … ولم يسمع الشياطين أيَّ صوت … فالأصوات لا تسري في الفراغ والفضاء لعدمِ وجودِ هواء يحمل ذبذباتِها.
التفتَت «إلهام» بغضب جامح، وهي تقول: لقد نسفوا اللغم!
وأكمل «رشيد»: وأعتقد أنهم سيتفرغون لنا الآن.
أحمد: حسنًا … لقد كنَّا نبحث عمَّن نُجرِّب معه أسلحة المكوك … وها هي قد جاءت الفرصة. وأدار محركات المكوك بأقصى سرعتها وانطلق تجاه مكان اللغم، وبرز أمامهم المكوك المعادي يتأهَّب لقتالهم.
وألقى «أحمد» نظرةً إلى ساعة يده … تبقَّت سبعُ دقائق فقط وينتهي الأكسجين في أنبوبة «عثمان»، وخلال هذه الدقائق السبع كان عليهم الدخول في معركة مع المكوك والانتصار عليه، ثم البحث عن «عثمان» والتقاطه …
كانت مهمةً أشبه بالمستحيل، بل لعلها المستحيل نفسه، ولكن هل أوقف المستحيل الشياطين من قبل؟!
وغمغم «أحمد» وهو يجزُّ على أسنانه قائلًا: لسوف أُريهم جزاءَ عملهم الرديء هذا.
وعلى الفور انقضَّ على المكوك المعادي وأطلق صاروخًا نحوه، ولكن شعاعًا من الليزر انطلق من المكوك المعادي وأصاب الصاروخ في منتصف الطريق فشقَّه على الفور.
ارتفع «أحمد» بالمكوك عاليًا بأقصى سرعته، وأطلق صاروخًا ثانيًا من الخلف، ولكن شعاعًا جديدًا من الليزر انطلق نحوه وفجَّره في منتصف المسافة.
هتفت «إلهام» قلقةً: يبدو أنهم يملكون أجهزةً متطورة جدًّا … إن ما أراه أمامي يذكِّرني ببرنامج حرب الكواكب التي تزمع بعضُ القوى العظمى بصُنْعه للسيطرةِ على الفضاء وشنِّ الحرب منه على أعدائها.
رشيد: ولكن هذا البرنامج أعلن عن إلغائه.
أحمد: من الواضح أن هذا الإعلان كان كاذبًا … لقد تمَّ البرنامج … وهم يريدون تجربتَه علينا فيما يبدو … إن لديهم تكنولوجيا وأسلحة هائلة وعلينا مواجهتها بأسلحتنا البسيطة داخل مكوكنا.
وانطلق من المكوك المعادي شعاعُ ليزر قاتل نحو جسم مكوك الشياطين، ولكن «أحمد» قاد المكوك بسرعة ومهارة ليتفادى الشعاع، والذي أصاب قمرًا صناعيًّا على البعد فنثرَه إلى حطام … وانطلق شعاعٌ جديد، وجاهد حتى يتفاداه، ومسَّ الشعاعُ طرفَ جناح المكوك فحطَّمه، وصوَّب «أحمد» شعاع الليزر تجاه المكوك المعادي الذي لم يحاول تفاديه، وأصاب الشعاعُ جسمَ المكوك، ثم انحرف إلى زاوية بعيدة في الفضاء …
وتبادل الشياطين الثلاثة النظرات في ذهول … كان من الواضح أن ذلك المكوك مصنوعٌ من موادَّ لا يخرقها الليزر، كان بمثابة «ديناصور» فضائي حقيقي يستحيل القضاء عليه … واهتزَّ مكوك الشياطين قليلًا ثم عاود اعتداله.
قالت «إلهام» بقلق: أعتقد أن المعركة لا تسير في صالحنا يا «أحمد»!
تألَّقَت عينَا «أحمد»، فقال: لم تكن الأسلحة المتطورة في أيِّ حرب هي السبب الوحيد للانتصار.
إلهام: ماذا تقصد؟
أحمد: سترَين حالًا.
وضغط «أحمد» فوق زرٍّ أمامه، وعلى الفور انفتحَت طاقةٌ صغيرة في منتصف المكوك وسقطت منه عشرة ألغام فضائية واستقرَّت في مدارات متقاربة على مسافة أمتار قليلة من بعضها.
وقال «أحمد» بغموض: الآن … لنجرَّ الفأرَ إلى مصيدته الفضائية.
واندفع بأقصى سرعته ليدور بالمكوك دورة واسعة، وتَبِعه المكوك المعادي على الفور وهو يُطلق الليزر عليهم، ولكن «أحمد» نجح في المناورة وتحاشَى الشعاع القاتل، واندفع «أحمد» ليأخذ مدارَه الأصلي مرة أخرى بعد أن أكمل دورةً واسعة، ثم اندفع للأمام يشقُّ الفضاء نحو الألغام العشرة المتقاربة كأنه يبغي الانتحار. وصرخَت «إلهام» في رعب هائل: «أحمد» … ماذا تفعل؟! … سوف تنفجر هذه الألغام عند اصطدامها بنا …!
ولكن «أحمد» بدَا كتمثال من الحجر لا حياةَ فيه، ومن الخلف اندفع المكوك المعادي وراء مكوك الشياطين الذي حجب وجود الألغام أمامه.
واقتربت الألغام بسرعة رهيبة من مكوك الشياطين وهو يندفع نحوها بسرعة خارقة، وأغمضت «إلهام» عينَيها ذُعْرًا من الانفجار المتوقع، أما «رشيد» فأدرك ما يقصده «أحمد» … وبحركةٍ بارعة مال «أحمد» بمكوك الشياطين ليخترق الألغام العشرة من منتصفها وهو يكاد يمسُّها، ولكن براعته وصِغَر حجم المكوك مكَّناه من أن يخترقَ قلبَها بدون أن يصطدم بها، ومن الخلف اندفع المكوك المعادي بنفس السرعة ليفاجأ بالألغام الفضائية العشرة أمامه، وفوجئ قائد المكوك بها، ولم يكن هناك أيُّ وقت لتفاديَها أو تغيير المسار واضطرَّ قائد المكوك لاختراقها كما فعل «أحمد»، وكان الشيطان الماكر يعرف النتيجة مقدمًا.
فما كاد المكوك المعادي ينجح في تفادي أول لغم حتى اصطدم الثاني بجناحه، وترنَّح المكوك قليلًا ليصطدم الثالث والرابع بمقدمته، واندفعَت بقيةُ الألغام لتصطدم بالمكوك وتنسفه، وتُحيله إلى شظايا في الفضاء.
وابتسم «أحمد» وهو يشاهد انفجارَ المكوك خلفه، وقال: لقد حاولوا أن يقلدوني، ولكنهم نسوا أن مكوكَهم أكبرُ حجمًا من مكوكنا.
وابتسم «رشيد» في سعادة، وهو يقول: ونسوا أيضًا أنهم ليسوا شياطين.
ودمعَت عينَا «إلهام» وهي تقول بفرحة: إن نجاتَنا أشبهُ بالمعجزة … لم أكن أتخيَّل ولو بنسبة واحد إلى المليون أننا سننجو من هذا المكوك الرهيب الذي لا يؤثر فيه شيء!
ونظرَت إلى «أحمد» بإعجاب شديد، وقالت: إنني معك أحسُّ باطمئنان شديد! حتى إنني قد أفكر في النوم ونحن على وشك الدخول في حرب مع جيشٍ مُعادٍ …!
وصرخت فجأةً متذكرة: «عثمان»!
وعلى الفور أدار «أحمد» محركاتِ المكوك الفضائي، واندفع نحو النقطة التي تركوا «عثمان» فيها وشقَّ المكوك طريقَه بأقصى سرعة … ونظر «أحمد» في ساعته … لم يكن هناك غيرُ ثوانٍ قليلة وينتهي الأكسجين لدى «عثمان» … وكان البحث عنه في ذلك التيه الفضائي أمرًا يستغرق أعوامًا!