المشهد الأول١
(المنظر: أمام منزل ليوناتو)
٢
(يدخل ليوناتو، حاكم مدينة مسينا، وابنته
هيرو، وابنة أخيه بياتريس، ومن خلفهم رسول.)
ليوناتو
(للرسول)
:
يقول هذا الخطاب إن دون بيدرو،
٣ أمير مقاطعة أراجون،
قادم لزيارتنا الليلة هنا، في مسينا.
الرسول
:
لا بد أنه اقترب الآن كثيرًا منَّا، فلم يكن
على بُعد ثلاثة فراسخ
٤ من
مسينا حين تركته.
ليوناتو
:
كم من السادات فَقَدْتُم في هذه الموقعة؟ (٥)
الرسول
:
قليلًا من ذوي الرُّتَبِ الرفيعة، ولم نفقد أحدًا من
ذوي الرفعة.
ليوناتو
:
يصبح النصر مضاعفًا حين يعود المنتصِر دون
فقدان أحد. ويقول
الخطاب أيضًا إن دون بيدرو أضفى شرفًا
عظيمًا على شاب من (١٠)
الرسول
:
لقد ناله بكل جدارة، وكافأه دون بيدرو
المكافأة العادلة، إذ أبلى
الشاب بلاءً حسنًا غير مألوف في أترابه،
فإذا بالذي يبدو حَمَلًا (١٥)
ينهض بما تنهض به الأسود!
٦ والحق أنه فاق في الشجاعة
كل
التوقعات، أو ما تتوقع مني أن أحكي لك
عنه.
ليوناتو
:
لديه عم٧ يقيم هنا في مسينا، وسوف يسرُّه ذلك كل
السرور!
الرسول
:
لقد سلَّمته قبل أن آتي خطابًا ففرح فرحًا
شديدًا، بل بلغ من شدته (٢٠)
أن اضطر إلى إخفائه بقناع الجد!
ليوناتو
:
فهل أجهش بالبكاء؟
الرسول
:
بل بكى بكاءً مُرًّا. (٢٥)
ليوناتو
:
فيض الدموع فيض حنان الفطرة! لا أصدق من وجه تبلِّله
٨ مثل هذه
الدموع. أن يبكي المرء فرحًا أجمل من أن
يفرح لبكاء غيره!
بياتريس
(للرسول)
:
قل لي أرجوك: هل عاد السنيور «الطَّعَّانُ» من
الموقعة؟ (٣٠)
الرسول
:
لا أعرف أحدًا بهذا الاسم يا مولاتي! ولم
يكن يشارك في الجيش
أحد بهذا الاسم في أية رتبة!
ليوناتو
:
من الذي تسألين عنه يا بنت أخي؟
هيرو
:
تسأل بنت عمي عن السنيور٩ بينديك من أهل بادوا.
الرسول
:
نعم عاد! ولم يفقد أيًّا من بشاشته المعهودة.
(٣٥)
بياتريس
:
لقد رفع لافتات هنا في مسينا تعلن تحدِّيه
لرب الغرام
١٠ في رمي
السهام! وعندما قرأ المهرج من بيت عمي
١١ هذا التحدي، قبله وانضم
إلى فريق رب الغرام في مباراة للرمي بالنبال
فقط! قل لي أرجوك (٤٠)
كم عدد من قتلهم وأكلهم في هذه الحرب؟ أو كم
عدد من قتلهم،
فقد وعدته أن آكل أي شخص يستطيع أن يقتله!
١٢
ليوناتو
:
أقسم يا بنت أخي إنك تتحاملين كثيرًا على
السنيور بينديك! ولا
شك عندي أنه سوف يرد على هذا
التحامل!
الرسول
:
لقد أبلى بلاءً حسنًا يا مولاتي في هذه الحرب.
(٤٥)
بياتريس
:
لم يكن أعداؤكم غير طعام غثٍّ، وساعدكم هو
في التهامه! فهو
شجاع مقدام على المائدة، وجوفه يقبل كل
شيء!
الرسول
:
وهو محارب بارع كذلك يا مولاتي! (٥٠)
بياتريس
:
تعني إن قورن بالمرأة!١٣ فهل يقارن بالسادة؟
الرسول
:
فإنه لسيد يلاقي سيدًا، ورجل يلاقي رجلًا،
ومُفعَمٌ مُدَجَّجٌ بكل
فضيلة مُشَرِّفة!
بياتريس
:
صدقت! فإنه ليس سوى رجل مُفْعَمٍ مُدجَّج!
١٤ ولولا ما أُفعمنا به، (٥٥)
أقصد لتساوينا في جوهرنا الفاني!
ليوناتو
:
لا تسيء يا سيدي فهم بنت أخي، فقد دأبَتْ
على منازلة السنيور
بينديك بروح التفكُّه والسخرية وحسب! وكلما
تلاقيا اشتبكا في
مباراة مازحة عابثة! (٦٠)
بياتريس
:
لكنه لم يكسب للأسف قط! ففي آخر مباراة
بيننا كسرتُ أرجلَ
أربع مَلَكَاتٍ من مَلَكَاتِهِ الذهنية الخمس،
١٥ ولم يعد لديه سوى مَلَكَةٍ
واحدة يتجنَّب بها البرد القارس
١٦ فإذا كان لديه من العقل بقية،
فعليه
أن يحافظ عليها حتى لا نخلط بينه وبين
جواده! إنها كل ما يملك (٦٥)
الآن كيما يُعَدَّ من ذوي العقل! من الذي
يصاحبه الآن؟ إنه يصاحب
في كل شهر من يقسم إنه أخوه (في السلاح)!
١٧
الرسول
:
هل هذا ممكن؟
بياتريس
:
وبكل سهولة! إنه يعتبر عهد «الصداقة» طرازًا
مثل طُرُز القبعات،
١٨ (٧٠)
ويتغير كلما تغيَّر طرازها!
الرسول
:
الواضح يا مولاتي أنك لا تنزلينه منزلة خاصة!
بياتريس
:
كلا! لو كنت أنزله لديَّ لأحرقت منزلي!
١٩ ولكن قل لي أرجوك من (٧٥)
رفيقه الآن؟ أفلا يصاحب رفيقًا متباهيًا
يصلح للرحلة معه إلى
الشيطان؟
الرسول
:
نشاهده في أغلب الأحيان في رفقة النبيل الحق كلوديو!
(٨٠)
بياتريس
:
يا لله! لسوف يلازمه ملازمة الداء! وعدواه
تنتقل بسرعة أكبر من
الوباء فيفقد المصاب عقله! كان الله في عون
كلوديو النبيل! لو
أصابه هذا «البينديك»
٢٠ لأنفقَ ألف جنيه
٢١ قبل أن يُشفَى منه! (٨٥)
الرسول
:
سأحرص على صداقتك يا مولاتي!
بياتريس
:
لا بأس أيها الصديق الأمين!
ليوناتو
:
لن يصيبك الجنون يومًا٢٢ ما يا بنت أخي!
بياتريس
:
إلا لو جاء الحرُّ في شهر يناير.
الرسول
:
ألمحُ دون بيدرو قادمًا. (٩٠)
(يدخل دون بيدرو، وكلوديو، وبينديك،
وبالتزار، ودون جون ابن السفاح.)
٢٣
دون بيدرو
:
سلامًا يا سنيور ليوناتو الكريم! هل خرجت
لاستقبال المشقة
والعناء؟ لقد جرى العُرفُ في الدنيا على
تحاشي التكاليف وأنت
ترحب بها!
ليوناتو
:
ما حَلَّ العناء في منزلي قط في صورة
معاليك! بل إن العناء يمضي (٩٥)
ويبقى الهناء! والواقع أنك حين تغادرنا تحل
بنا الأتراح وتمضي
الأفراح!
دون بيدرو
:
ما أشد ما ترحب بالمغارم التي حَلَّتْ بك! أظن أن
هذه ابنتك.
ليوناتو
:
ذلك ما قالته لي أمها عدة مرات!٢٤ (١٠٠)
بينديك
:
هل راودك الشك يا سيدي حتى تسألها؟
ليوناتو
:
لا يا سيد بينديك! لا شك هناك إذ كنتَ لا تزال طفلًا!٢٥
بينديك
:
قد أفحمك تمامًا يا بينديك! ولنا أن نحدس ما
أصبحت عليه الآن
بعد أن بلغت أشُدَّكَ! والحق أن ملامح
الآنسة تدل على من أنجبها، (١٠٥)
ولتهنئي بذلك يا آنستي فإنك تشبهين أبًا
رفيع الشرف.
(دون بيدرو وليوناتو يتحادثان على
انفراد.)
بينديك
:
ولئن يكن السنيور ليوناتو أباها، فلن يسعدها
أن تكون لها رأسه
ولو ملكت مسينا كلها، على الرغم من شبهها
الكبير به!
بياتريس
:
أدهش لك كيف تواصل الحديث يا سنيور بينديك
دون أن يلتفت (١١٠)
إليك أحد!
بينديك
:
عجبًا يا «سخرية هانم»٢٦ أما زلت في قيد الحياة؟
بياتريس
:
وهل يمكن أن تموت سخرية هانم وهي تتغذى على
أنسب طعام لها
وهو السنيور بينديك؟ بل إن «مجاملة هانم»
نفسها تتحول إلى (١١٥)
«سخرية هانم» لو حَلَلْتَ بصحبتها!
بينديك
:
إذن فإن «مجاملة هانم» مارقة مرتدة! ولكن
المؤكد أن جميع
الفتيات يهوينني، باستثنائك أنتِ فقط!
وليتني أستطيع أن أقول إني
لست قاسي القلب! فالحق إني لا أحب أيًّا
منهن! (١٢٠)
بياتريس
:
ما أسعد حظ الفتيات! وإلا ابتلين بعاشق
مرذول! وأنا أحمد الله
وأشكره على برود الطبع،
٢٧ إذ خلقه الله معادلًا لطبعك! فأنا
أوثر أن
أسمع كلبي ينبح غرابًا على أن أسمع رجلًا
يقسم على حبي! (١٢٥)
بينديك
:
أدعو الله ألا تتحولي عن هذا الموقف قط، حتى
ينجو رجل ما من
خدش وجهه بأظافرك حتمًا!
بياتريس
:
لن يزيد الخدش الوجه سوءًا لو كان الوجه مثل وجهك!
(١٣٠)
بينديك
:
قدرتك على التكرار تؤهلك لتعليم الببغاوات!
بياتريس
:
طائر لساني الناطق أفضل من حيوان لسانك الأعجم!٢٨
بينديك
:
ليت جوادي يتمتع بسرعة لسانك وطاقته على
الركض دون مشقة! (١٣٥)
لك أن تستمري إذا شئتِ ولكنني والله
انتهيت!
بياتريس
:
دائمًا ما تنتهي بخدعة كالحصان الذي يوقع
الراكب عن متنه!
٢٩ فأنا
دون بيدرو
:
هذه هي الخلاصة
٣١ يا ليوناتو. (يتحوَّل لمخاطبة
الحاضرين) والآن (١٤٠)
يا سنيور كلوديو ويا سنيور بينديك! إن
ليوناتو صديقي العزيز
يدعونا جميعًا للنزول ضيوفًا عليه. قلت له
إننا سوف نقيم هنا
شهرًا على الأقل، فإذا به يتمنى مخلصًا أن
يطرأ ما يجعلنا
نقيم فترة أطول! وأكاد أُقسم إنه لا ينافقني
بل يتمنى ذلك من كل (١٤٥)
قلبه.
ليوناتو
:
إن أقسمت يا مولاي فلن تحنث في قَسَمِك.
(إلى دون جون)
ودعني أرحب بك يا مولاي بعد أن تصالحت مع
أخيك الأمير،
ولسوف أقوم بكل ما يمليه واجب
ضيافتك.
دون جون
:
شكرًا لك. لست صاحب ألفاظ٣٢ ولكن شكرًا لك. (١٥٠)
ليوناتو
(إلى دون بيدرو)
:
هل تتفضَّل معاليك حتى نتبعك؟٣٣
دون بيدرو
:
هات يدك يا ليوناتو، سوف ندخل المنزل معًا.
(يخرج الجميع ما عدا بينديك
وكلوديو.)
كلوديو
:
اسمع يا بينديك! هل تأمَّلت٣٤ ابنة السنيور ليوناتو؟ (١٥٥)
بينديك
:
لم أتأمَّلها ولكنني أبصرتها.
كلوديو
:
أليست فتاة ذات أدبٍ جم؟
بينديك
:
هل تسألني سؤال الصادق الجاد ابتغاء حكمي
الصادق المباشر؟ أم
تريدني أن أتحدث بما اعتدت عليه من معاداة
جنس النساء كله؟ (١٦٠)
كلوديو
:
كلا أرجوك! أريد حكمك المتزن الصادق.
بينديك
:
إذن! أظن حقًّا أن الفتاة أقصر من أن تستحق
الثناء الرفيع، وأشد
سمرةً من أن تستحق الإطراء الناصع، وأصغر
جُرْمًا من أن تستحق
المديح العظيم.
٣٥ ولا أستطيع أن أزكيها إلا بقولي
إنها لو كانت (١٦٥)
شخصًا آخر لكانت غير جميلة، ولكنها ما دامت
كما هي، فلست
أحبها.
كلوديو
:
أنت تتصور أنني أمزح! ولكني أرجوك أن تقول
لي صادقًا رأيك
بينديك
:
هل تريد أن تشتريها ولذلك تستفسر عن أحوالها؟
(١٧٠)
كلوديو
:
وهل يستطيع مال الدنيا شراء مثل هذه الجوهرة؟
بينديك
:
بل وشراء عُلْبةٍ
٣٧ توضع فيها أيضًا! ولكن تراك
تسألني هذا السؤال
جادًّا؟ أم تراك هازلًا عابثًا، تزعم أن رب
الحب الكفيف صياد ماهر
للأرانب، وأن رب الحدادين نجار نادر المثال؟
٣٨ حدِّد بصراحة النغمة
التي تغني بها هذه الأغنية! (١٧٥)
كلوديو
:
تبدو لعيني أرق فتاة رأيتها في حياتي.
بينديك
:
ما زلت قادرًا على البصر دون نظارات، ولا
أرى مثل ذلك إطلاقًا!
انظر إذن ابنة عمها! إنها، لولا عفريت الغضب
٣٩ الذي يركبها، (١٨٠)
تفوقها كثيرًا في الجمال، مثلما يفوق أول
مايو آخر ديسمبر! ولكني
أرجو ألا تكون قد اعتزمت الزواج
حقًّا!
كلوديو
:
لقد حلفت ألا أتزوج، ولكن إذا رضيت هيرو أن
تتزوجني، فربما
لم أستطع المقاومة! (١٨٥)
بينديك
:
هل وصل بك الحال إلى هذا؟ ألم يعد في الدنيا
رجل واحد يلبس
قبعته دون أن يتوجس أن تحتها قرنين؟
٤٠ أفلن أرى بعد الآن عَزَبًا في
الستين من عمره؟ تبًّا لك حقًّا! إن كان
عليك أن تضع رقبتك في
النِّير،
٤١ فسوف يترك آثاره فيها ويجعلك تقضي
أيام الأحد في حسرة (١٩٠)
كل سجين!
٤٢ انظر! لقد عاد دون بيدرو في
طلبك!
(يدخل دون بيدرو.)
دون بيدرو
:
ما سر بقائكما هنا وعدم دخول منزل ليوناتو؟
(كلوديو يشير بالصمت إلى
بينديك.)
بينديك
:
هل ترغمني يا مولاي على الكلام؟
دون بيدرو
:
بل آمرك بحق ولائك لي! (١٩٥)
بينديك
:
هل تسمع يا كونت كلوديو؟ أستطيع الصمت مثل
البُكْم، وأريدك
أن تعرف ذلك. ولكن بحق ولائي — لاحظ يا
كلوديو، «بحق
ولائي» — أقول إن كلوديو عاشق، أما من
يعشقها، فذلك موكول
بمعاليك! وتأمَّل قِصَرَ الإجابة: إنه يعشق
هيرو، ابنة ليوناتو (٢٠٠)
القصيرة!
كلوديو
:
لو كان الأمر كذلك لباح به للجميع!
بينديك
:
مثلما يحدث في الحكاية القديمة
٤٣ «ليس الأمر كذلك، بل لم
يكن
كذلك» ولكني أقول: لا قَدَّر الله أن يكون
الأمر كذلك!
كلوديو
:
لو لم تتغير مشاعري بعد وقت قصير، لا قَدَّر
الله أن يكون الأمر (٢٠٥)
دون بيدرو
:
آمين إذا كنت تحبها، فالفتاة ذات جدارة٤٥ حقة!
كلوديو
:
تقول هذا لتوقعني في الفخ يا مولاي!
دون بيدرو
:
أقسم إني أقول ما أعتقده. (٢١٠)
كلوديو
:
وأقسم يا مولاي إنني قلت ما أعتقده.
بينديك
:
وبقسمك وقسمه يا مولاي قلت ما أعتقده.
كلوديو
:
فأما أنني أحبها فذلك ما أشعر به.
دون بيدرو
:
وأما أنها ذات جدارة فذلك ما أثق به. (٢١٥)
بينديك
:
وأما أنني لا أشعر كيف تكون موضع حب،
٤٦ ولا أثق أنها ذات
جدارة، فذلك هو الرأي الذي لا تستطيع النار
أن تصهره فأتحوَّل
عنه ولو أعدموني على المحرقة!
٤٧
دون بيدرو
:
لقد كنت دائمًا مارقًا عنيدًا تكفر بالجمال.
(٢٢٠)
كلوديو
:
ولم يستطع يومًا الالتزام بموقفه إلا مكابرة
وحسب!
بينديك
:
أما أن امرأة حملت بي فأنا لها شاكر، وأما
أنها رَبَّتْنِي، فأنا لها
شاكر كذلك وبكل تواضع! وأما أن يُسْتَخْدَمَ
القَرْنُ على جبهتي بوقًا
لنداء كلاب الصيد، أو أن يعلق البوق في حزام
خفي على صدري، (٢٢٥)
فأنا أرفضه، وأرجو من جميع النساء أن يصفحن
عني! وما دمت لن
أظلم النساء بالشك في أيُّهن،
٤٨ فسوف أنصف نفسي بألا أثق في
أي
منهن! والخلاصة أنني سوف أظل عزبًا كي أنفق
أموالي خالصة
دون بيدرو
:
لسوف أراك قبل أن أموت شاحب اللون٥٠ من العشق!
بينديك
:
بل من الغضب أو المرض أو الجوع يا مولاي لا
من العشق! ولن
تشهدني أفقد من الدم عشقًا
٥١ أكثر مما أستعيده بالشراب، أو
فافْقَأْ
عيني بقلم شاعر شعبي يكتب المواويل،
٥٢ وعَلِّقْ صورتي على باب
(٢٣٥)
ماخور رمزًا لرب الغرام الأعمى!
٥٣
دون بيدرو
:
لو قُدِّر لك أن تتنكر لهذه العقيدة فسوف
تصبح مُضْغَةً منكرة
في الأفواه!
بينديك
:
لو حدث فعلقوني في سلة مثل القطة
٥٤ وارموني بسهامكم! فإن
(٢٤٠)
أصابني أحدكم فَرَبِّتُوا على كتفه وادعوه
آدم الرامية!
٥٥
دون بيدرو
:
لسوف يثبت الزمن أنني على حقٍّ! فكما يقول
المثل: «الزمن كفيل
برضا الثور الوحشي بالنير في عنقه.»
٥٦
بينديك
:
قد يرضى الثور الوحشي، لكن إن رضي العاقل
بينديك به،
فانتزعوا قرني الثور واجعلوهما في جبهتي،
وارسموا لي صورة (٢٤٥)
قبيحة، واكتبوا تحتها بخطوط عريضة — مثل
الخط المستخدَم في
الإعلان عن تأجير الجياد — «انظروا! هذا
بينديك، الرجل
المتزوج!»
كلوديو
:
لو حدث هذا يومًا ما فسوف تُجَنُّ جُنُونَ ذوات القرون!٥٧ (٢٥٠)
دون بيدرو
:
ولو لم يكن رب الغرام قد أرسل كل سهامه إلى البندقية،
٥٨ فلن
تلبث حتى ترتجف عشقًا وغرامًا!
بينديك
:
إذن تزلزل الأرض زلزالها!
دون بيدرو
:
لسوف تلين بمرور الوقت! وأرجوك الآن يا
سنيور بينديك أن تذهب (٢٥٥)
إلى منزل ليوناتو وتقرئه سلامي، وتقول له
إنني لن أتخلف عن
العشاء، فالواقع أنه استعد استعدادًا
عظيمًا.
بينديك
(ضاحكًا)
:
أعتقد أن في رأسي من العقل ما يكفي لإنجاز
المهمة! (٢٦٠)
وهكذا أترككما في …
كلوديو
(مكملًا جملة بينديك)
:
في رعاية الله! كتبته في منزلي — إن
كان
لي منزل —
دون بيدرو
(مكملًا صيغة الرسالة على لسان
بينديك)
:
«بتاريخ السادس من
يوليو! صديقك المخلص بينديك!»
٥٩ (٢٦٥)
بينديك
:
لا تسخرا مني! حقًّا لا تسخرا! إذ إن مَتْنَ
حديثكما أحيانًا ما يكون
مزركشًا بزخارف مصطنَعة، والزخارف نفسها لا
تتصل بالمتن إلا من
بعيد!
٦٠ وإذن فقبل أن تقتطفا التعبيرات
البالية وتسخرا منها، عليكما
أن تسألا ضميركما! وهكذا أترككما.
(٢٧٠)
(يخرج بينديك.)
كلوديو
:
أفَلا يَقدِرُ مولاي الآنَ على أنْ يُسدي لي
معروفًا؟
دون بيدرو
:
حُبِّي لكَ يطلُبُ أن يعلَمَ كيف أُفِيدُكْ!
عَلِّمه إذن كيفَ
يُفيدُك ولسوفَ تراهُ القادرَ أن يتعلَّمَ
حقًّا،
أيَّ دُروسٍ مَهْمَا صَعُبَتْ في إسداءِ
المعروفْ!
كلوديو
:
أَلَدَى ليوناتو أولادٌ يا مَوْلَايْ؟٦١ (٢٧٥)
دون بيدرو
:
لا وَلَدَ لَدَيْهِ سِوَى ابنتِهِ هِيرُو!
لا وَارِثَ إلَّا إيَّاهَا!
أَتُرَاكَ كلوديو تَهْوَاهَا؟
كلوديو
:
قبلَ قيامِكَ يا مَوْلاي بخَوْضِ الموقعةِ
المُنْطَوِيَةِ
لَمْ أَكُ أُبصِرُهَا إلَّا بعيونِ
الجُنْديِّ وحَسْب،
وهي عيونٌ يستهويها ما تشهدُ لكنْ يشغَلُها
عَمَلٌ أقسىَ (٢٨٠)
لمْ يسمحْ لمشاعرِ مَيْلِيِ للغادةِ أن
تحمِل اسمَ الحُبِّ.
أمَّا الآنَ وقد عُدْتُ ووَلَّتْ أفكارُ
الحربِ
وأَخْلَتْ كُلَّ مواقِعِها في ذهني فَلَقَدْ
أحسَسْتُ بحشدٍ
مِنْ رَغَبَاتٍ ألطفَ وأرقَّ تَحُلُّ
مَكَانَ الأفكارِ الذَّاهِبَةِ
جَميعًا!
وجميعُ الرغباتِ تُؤَكِّدُ لي حُسْنَ
الشَّابَّةِ هيرو
٦٢ (٢٨٥)
وتقول بأنِّي كنتُ أميلُ إليها قبل ذَهَابِي
للحربِ.
دون بيدرو
:
لَنْ تَلْبَثَ أنْ تُصبِحَ كالعُشَّاقِ
٦٣ تمامًا
تُجهِدُ مَنْ يَسْمَعُكَ بألوانِ الإطْنَابِ
المُرْهِقْ!
فإذا كنتَ تُحِبُّ إذنْ هيرو الحسناءَ فلا
تَنْكُصْ
ولسوفَ أُفاتِحُها وأُفَاتِحُ والدَهَا في
المَوْضُوعْ (٢٩٠)
ولسوفَ تَنَالُ الغَادَةَ لا شَكَّ.
أَفَلَمْ تَرْمِ إلى هذِه الغَايَةِ
حين بدأتَ بِنَسْجِ رِوَايَتِكَ
المُلْتَوِيَةْ؟
كلوديو
:
ما أعْذَبَ أُسْلُوبَكَ في مَدِّ يَدِ
العَوْنِ إلى عَاشِقْ!
إذْ تَعْرِفُ لَذْعَ الحُبِّ إذا شاهدتَ
مُحَيَّاهُ وحَسْب!
٦٤
لكنِّي لم أَرْغَبْ أنْ تَبدوَ عاطِفَتِي في
شكلِ مُفَاجأةٍ لَكْ (٢٩٥)
ولكَمْ كُنْتُ أَوَدُّ زيادَةَ زَرْكَشَةِ
القِصَّةِ وإطَالَتَهَا!
دون بيدرو
:
ولماذا يحتاجُ الجِسرُ إلى طُوُلٍ أكبَرَ
مِنْ عَرْضِ النَّهْرِ؟
ما يُشْبِعُ حَاجةَ مُحتاجٍ أجملُ ما يمكن
أنْ يُمنَحَه مُحتَاجْ!
وانظرْ ما سَوْفَ يَفِي بالحَاجَةْ:
٦٥ أنتَ تُحِبُّ ولا رَادَّ لهذا
الحُبِّ
ولسوفَ أُوافيكَ بما سَوْفَ يُوَفَّى
بالحَاجَةْ: (٣٠٠)
مَبْلَغُ عِلْمِي أنَّا سَوْفَ نُقِيمُ
الليلة حفْلًا،
وإذْنْ أتَنَكَّرُ فيه بِقِنَاعٍ كَيْ
أتَحَدَّثَ باسمِكْ
فأقولُ لهيرو الحَسْنَاءِ بأنِّي الشَّابُّ
كلوديو،
وسأُفْصِحُ عن مَكْنُونِ فُؤَادِي في
خَلْوَتِنا لِلْحَسْنَاءِ،
وسَأُرْسِلُ سِحْرَ بَيَانِي العَاتِي في
قَصِّ (٣٠٥)
رِوَايَةِ حُبِّي كيْ يَأْسِرَ أَسْمَاعَ
المحبُوبَةْ.
وسَيَعْقُبُ ذلك إخبَارِي وَالِدَهَا
بالأمْرِ،
وتكونُ نتيجَتُهُ أنْ تَظْفَرَ أنتَ
بها.
وعَلَيْنَا فورًا تنفيذُ المَشْرُوُعِ
المذكورْ.
(يخرجان.)
المشهد الثالث
(يدخل دون جون، ابن السفاح، وكونراد رفيقه.)
٧٠
كونراد
:
خيرًا يا مولاي؟! لِمَ تبدو في حزن يتجاوز
الحدود؟
دون جون
:
المنبع الذي يصدر منه لا حدود له، وهكذا فالحزن بلا
حدود!
كونراد
:
عليك أن تصغي لصوت العقل. (٥)
دون جون
:
وأي خير في الإصغاء إليه؟
كونراد
:
إن لم يكن فيه العلاج الناجز ففيه الاحتمال الصابر!٧١
دون جون
:
أعجب لك وأنت ذو الطبع الجهم المولود في
طالع زحل،
٧٢ كما (١٠)
تقول، كيف تحاول وصف دواء معنوي لداء مهلك!
٧٣ إنني لا أستطيع
أن أخفي حالي، فلا بد أن أحزن حين ينشأ ما
يدعو للحزن
ولا أبتسم لفكاهات أحد، وآكل حين أجوع دون
انتظار من
يشاركني الطعام، وأنام حين يغلبني النعاس
دون أن أكترث لرأي (١٥)
أحد، وأضحك حين أشعر بالمرح دون اعتبار
لمزاج غيري من
كونراد
:
نعم ولكنَّ عليك ألا تفصح عن هذا كله حتى
يَتَيَسَّرَ لك ذلك دون
موانع! لقد تمردت أخيرًا على أخيك وحاربته،
٧٥ ثم صفح عنك (٢٠)
وأعلن رضاه، ومن المحال أن ترسخ جذور الصلح
إلا إذا عَمِلْتَ
عامدًا على صَفَاءِ الجَوِّ بينكما! أي إن
عليك أن تخلقَ الجَوَّ المناسبَ
لحصاد ما تبغي!
دون جون
:
أوثر أنْ أكون نبتًا شيطانيًّا في سياجٍ على
أن أكون وردة في بستان (٢٥)
رضاه! وطبعي يؤثر احتقار الجميع لي على
اصطناع سلوك أسترق به
حبَّ أحد! وفي هذا لا يمكن أن يقال إنني ذو
شرف يتملق الناس،
ولا يمكن إنكار أنني ذو شر وذو مسلك صريح!
لقد رَضِيَ عني بعد
أن كَمَّمَ فمي، وأطلق سراحي بعد أن وضع
قَدَمَيَّ في الأصفاد! (٣٠)
ولهذا قررت ألا أُغَنِّي وأنا حبيسٌ في
قفصي. ولولا تكميم فَمِي
لاستطعتُ العَضَّ! ولولا سلبُ حريتي
لاستطعتُ أنْ أفعلَ ما يحلو
لي! وما دام الأمر كذلك فلأَبْقَ كما أنا،
دونَ أنْ أسعى لتغيير
كونراد
:
أفلا يمكنك الانتفاع باستيائك منه؟ (٣٥)
دون جون
:
بل أنتفع كل انتفاع به،٧٧ ولا أنتفع بسواه! من ذاك القادم؟
(يدخل بوراكيو.)
ماذا وراءك يا بوراكيو؟
بوراكيو
:
أتيتُ من حفل عشاءٍ عظيم، أقامه ليوناتو
ترحيبًا بأخيك الأمير، (٤٠)
وأستطيع إبلاغك أن زواجًا يلوح في
الأفق!
دون جون
:
تراه يصلح لتدبير مكيدة شريرة؟ ومن ذاك
الأحمق الذي يخطب ودَّ
القلق والنشاز؟
بوراكيو
:
الحق إنه الساعد الأيمن لأخيك. (٤٥)
دون جون
(ساخرًا)
:
من؟ أروع الرائعين كلوديو؟
بوراكيو
:
نعم!
دون جون
(ساخرًا)
:
العاشق المثالي! ومن الفتاة؟ من الفتاة؟ وإلى من
يتطلَّع؟
بوراكيو
:
إلى هيرو، بنت ليوناتو ووريثته.٧٨ (٥٠)
دون جون
:
كتكوتة جميلة فعلًا!٧٩ كيف عرفت هذه الأخبار؟
بوراكيو
:
كلَّفوني بتعطير بعض الحجرات
٨٠ المهملة، وبينما كنت أحرق
بعض
البخور في غرفة زهمة، دخلها الأمير ممسكًا
بيد كلوديو، ومنهمكًا (٥٥)
في حوار جاد معه. فأسرعت بالاختباء خلف
الستار، وسمعت من
موقعي الاتفاق على أن يخطب الأمير هيرو لنفسه،
٨١ فإذا نال رضاها
سَلَّمَها إلى الكونت كلوديو!
دون جون
:
هيا بنا هيا إلى هناك! ربما كان في ذلك وقود
لنار سخطي! إن هذا (٦٠)
الشابَّ حديثَ النَّعْمةِ
٨٢ هو الذي حَصَدَ مَغَانِمَ هزيمتي!
٨٣ فإذا استطعتُ
تعكيرَ صَفْوِهِ بأيِّ سبيل جنيتُ الفوائد
من كل السبل! هل أنتما
مخلصان لي وتتعهدان بمساعدتي؟
كونراد
:
حتى الموت يا مولاي. (٦٥)
دون جون
:
هيا بنا ندركْ حفل العشاء العظيم. ما أسعدهم
حين يرونني
بعد هزيمتي. ليت الطاهي يشاركني الرأي (فيضع
السم لهم في الطعام)!
٨٤
هل نمضي حتى نرى ما نستطيع أن نفعل؟
بوراكيو
:
إنَّا أتباعك دومًا يا مولاي.
(يخرجون.)