المشهد الأول
(ساحة خارج منزل ليوناتو، وتفصلها مسافة
محدودة عن مكان حفل «العشاء العظيم»، وعن بقية الصحبة الذين
يدخلون للرقص والقصف في السطر ٧٥. يدخل أولًا ليوناتو، وأخوه
أنطونيو، وهيرو ابنته، وبياتريس بنت أخيه، والمعتاد أن يكون
ذلك في المساء.)
١
ليوناتو
:
ألم يحضر الكونت جون حفل العشاء هنا؟
أنطونيو
:
لم أره.
بياتريس
:
ما أشد المرارة التي تلوح في وجه ذلك الرجل!
ما شاهدته مرة إلا
وأحسست بحموضة في المعدة بعد ساعة!
هيرو
:
طبعه الاكتئاب الشديد. (٥)
بياتريس
:
لو خلق الله رجلًا وسطًا بينه وبين بينديك
لكان ممتازًا! فأحدهما
يشبه التمثال الذي لا ينطق، والآخر مثل
الابن الأكبر الذي لا
يكف عن الثرثرة!
ليوناتو
:
فإذا وضعنا نصف لسان السنيور بينديك في فم
الكونت جون، (١٠)
ونصف اكتئاب الكونت جون في وجه السنيور
بينديك …
بياتريس
:
وكانت لمثل هذا الوجه ساق مستقيمة، وقدم
بارعة الحركة، ونقود
كافية في جيبه، فلن تستعصي عليه امرأة في
الدنيا؛ إن استطاع
الفوز برضاها! (١٥)
ليوناتو
:
أقسم يا بنت أخي، لن تنجحي في العثور على
زوج أبدًا ما لم
تمسكي لسانك السليط!
أنطونيو
:
الحق إنها جد مشاكسة.
بياتريس
:
جد مشاكسة
٢ تعني أكثر من مشاكسة، ولن ينالني
أي ضرر من هذه
المنحة الربانية! فإنه قد قيل «إن الله يمنح
البقرة المشاكسة قرنين (٢٠)
قصيرين»، ولكن الله لا يمنحها قرونًا
٣ إن كانت جِدَّ مشاكسة!
ليوناتو
:
وما دمت جد مشاكسة فلن يمنحك الله قرونًا!٤
بياتريس
:
تمامًا! إن لم يرسل لي زوجًا! وأنا أحمده
على هذه النعمة راكعة
صبحًا ومساءً. يا ربي! كيف أطيق زوجًا له لحية؟
٥ بل أوثر خشونة (٢٥)
البطاطين الصوف!
ليوناتو
:
ربما تجدين زوجًا بلا لحية.
بياتريس
:
وماذا أفعل به؟ أُلْبِسَهُ فساتيني
٦ وأجعله وصيفتي الراقية؟ إن من
له
لحية أكثر من شاب، ومن لا لحية له أقل من
رجل. أما من هو أكثر (٣٠)
من شاب فليس لي، وأما من هو أقل من رجل
٧ فلست له. ومن ثم
فسوف أتقاضى أجري مقدمًا من «القُرَدَاتِي»
وأمتثل لعقاب العوانس
بقيادة القردة إلى الجحيم! (٣٥)
ليوناتو
:
وإذن تدخلين النار؟٨
بياتريس
:
لا … بل أصل إلى الباب فقط حيث أقابل
الشيطان في صورة
ديوث عجوز في رأسه قرنان، ويقول لي «ادخلي
الجنة
يا بياتريس، فلا مكان في النار للعذارى!»
٩ وهكذا أقوم بتسليمه (٤٠)
قرودي وأتجه إلى القديس بطرس،
١٠ الذي يحمل مفتاح الجنة أمام
بابها! وسوف يدخلني مشيرًا إلى مكان إقامة
كل من لم يتزوج،
وهناك نمرح ما شاء الله لنا أن نمرح!
أنطونيو
(إلى هيرو)
:
أما أنتِ يا بنت أخي فأرجو ألا تعصي والدكِ!
(٤٥)
بياتريس
:
نعم وأقسم! واجب ابنة عمي أن تنحني إجلالًا
وتقول «افعل ما
شئتَ يا أبي». ولكن اسمعي يا بنت عمي، فليكن
العريس وسيمًا!
وإلا كان عليك أن تنحني من جديدٍ قائلةً
«سأفعل يا أبي ما أشاء
ليوناتو
:
أرجو يا بنت أخي أن أراك يومًا ما وقد رُزِقت بزوج.
(٥٠)
بياتريس
:
لن يحدث ذلك حتى يخلق الله الرجال من معدن
غير التراب.
أفلا يحزن المرأة أن تسودها
١٢ قطعة من تراب الأرض؟
١٣ وأن تقدم
حسابًا عن حياتها إلى مُضْغَةٍ من حَمَأٍ مسنون؟
١٤ لا يا عمي لن
أتزوج! إن أبناء آدم إخوةٌ لي، وأعتقد حقًّا
أن زواج المحارم (٥٥)
خطيئة!
ليوناتو
:
هيرو يا ابنتي! تذكري ما قلته لك؛ إذا فاتحك
الأمير في هذا
الموضوع
١٥ فأنتِ تعرفين الجواب. (٦٠)
بياتريس
:
سيكون الذنب ذنب الموسيقى يا بنت عمي، إذا
لم يخطبك في
اللحظة المناسبة.
١٦ فإذا كان الأمير شديد الإلحاح،
قولي له إن
الاعتدال لازم في كل شيء، وأجيبيه برقصة
وحسب! كما أريدك
أن تفهمي يا هيرو أن مراحل الخطبة والزواج
والندم تشبه ثلاث
رقصات مختلفة: هي الرقصة الدوارة
الاسكتلندية، والرقصة (٦٥)
المعتدلة العاقلة، والرقصة الخماسية.
١٧ أما الخطبة فهي حارة
متعجلة،
كالرقصة الاسكتلندية، ودوَّارة مثلها تدير
الرءوس بالأوهام!
١٨ وأما
الزواج فهو رقصة معتدلة مهذبة حافلة
بالفخامة ومراعاة التقاليد،
وبعدها يأتي الندم،
١٩ حين تتخاذل السيقان ولا تقدر إلا
على الرقصة (٧٠)
الخماسية التي تزداد سرعتها حتى السقوط في
القبر!
ليوناتو
:
إن نظرتك بالغة السخرية يا بنت أخي.
بياتريس
:
عيني قادرة على البصر يا عمي! من ذا الذي لا
يبصر كنيسة في
ليوناتو
(إلى أنطونيو)
:
الضيوف قادمون يا أخي! أفسح الطريق! (٧٥)
(ينتحي أنطونيو جانبًا ويضع قناعًا على
وجهه.)
(يدخل دون بيدرو، وكلوديو، وبينديك،
وبالتازار مرتديًا قناعًا وممسكًا بطبلة، ومارجريت
وأورسولا، ودون جون، وبوراكيو، وغيرهم، وكلهم
مُقَنَّعُوُن، وتُعزَف الموسيقى ويبدأ الرقص.)
٢١
دون بيدرو
(إلى هيرو)
:
هل تسمحين يا آنستي برقصة مع صديق؟٢٢
هيرو
:
بشرط أن تبطئ في خطوك، وتتلطف في نظرك،
وتلتزم الصمت.
وأوافق أن أخطو معك، وخصوصًا حين أخطو مبتعدة!
٢٣
دون بيدرو
:
وأنا في صحبتك؟ (٨٠)
هيرو
:
قد أقول ذلك إذا أحببت.
دون بيدرو
:
ومتى تحبين أن تقولي ذلك؟
هيرو
:
عندما أحب وجهك، لا قدَّر الله أن يكون شكل
العود مثل غطاء
دون بيدرو
:
بلْ قِنَاعِي سَقْفُ كُوخٍ حَلَّ جُوفُ فيه ضَيْفًا!٢٥ (٨٥)
هيرو
:
ذا قِنَاعٌ إذنْ مِنَ القَشِّ حَقًّا!
دون بيدرو
:
أَخْفِضِيِ الصَّوْتَ عِنْدَ ذِكْرِ الغَرَامِ!٢٦
(ينتحيان جانبًا. ويتقدم بالتازار
ومارجريت راقصين.)
بالتازار
:
ليتك كنت تميلين إليَّ!
مارجريت
:
بل ليتني لا أميل إليكَ، وهذا في صالحك، بسبب عيوبي
الكثيرة. (٩٠)
بالتازار
:
وما أولها؟
مارجريت
:
إني أجهر بصلاتي.٢٧
بالتازار
:
هذا يزيدني حُبًّا لك، فقد يقول السامعون آمين!
(٩٥)
مارجريت
:
يا رب! هَبْنِي راقصًا بارعًا!
بالتازار
:
آمين!
مارجريت
:
وليغرب عن وجهي يا رب حين ينتهي الرقص! قل
آمين!
بالتازار
:
لن أقول شيئًا! فهمت الرسالة. (١٠٠)
(ينتحيان جانبًا. ويتقدم أنطونيو
وأورسولا راقصين.)
أورسولا
:
أعرفك خير المعرفة … أنت السنيور أنطونيو.
أنطونيو
:
باختصار: لا!
أورسولا
:
عرفتك من هزة رأسك.٢٨
أنطونيو
:
الحق أنني أقلده! (١٠٥)
أورسولا
:
لا يمكن أن تنجح في تقليد عيوبه بهذه
البراعة إلا لو كنت الشخص
نفسه. وهذه راحة يده الجافة تمامًا، أنت هو
بلا شك.
أنطونيو
:
قلت بإيجاز لا!
أورسولا
:
«اطلع من دول!»
٢٩ هل تظن أنني لا أعرفك من ذكائك
البارع؟ هل (١١٠)
تستطيع الفضيلة أن تتخفَّى؟ لا تقل كلمة
أخرى! إنك هو!
فالصفات الحميدة لا بد أن تظهر، وهذا كل ما
هناك.
(ينتحيان جانبًا، ويتقدم بينديك
وبياتريس راقصين.)
بياتريس
:
ألن تقول لي من قال لك ذلك؟
بينديك
:
لا … واصفحي عني!
بياتريس
:
ولن تقول لي من أنت؟ (١١٥)
بينديك
:
فيما بعد!
بياتريس
:
قيل إني متعجرفة وإن لماحيتي البارعة مأخوذة
من كتاب النوادر
المائة!
٣٠ نعم! والسنيور بينديك هو الذي قال
هذا!
بينديك
:
ومن هو؟ (١٢٠)
بياتريس
:
تعرفه ولا شك خير المعرفة.
بينديك
:
بل لا أعرفه … صدقيني!
بياتريس
:
ألم يجعلك تضحك قط؟
بينديك
:
أرجوكِ قولي مَن يكون.
بياتريس
:
عجبًا! إنه مضحك الأمير، مهرج شديد البلادة!
٣١ موهبته الوحيدة (١٢٥)
ابتكار وشايات لا تُصَدَّق! ولا يجده
مُسَلِّيًا غير المُنْحَلِّين، ولا يُزَكِّيه
ذكاؤه بل خبثه؛ إذ إنه يرضي الرجال
ويُغضِبهم، وهكذا يضحكون
منه ويضربونه، وأنا واثقة أنه هنا بين
الحاضرين، وأتمنى أن
يواجهني! (١٣٠)
بينديك
:
سأبلغه ما تقولين حين أعرفه.
بياتريس
:
ليتك تفعل! لن يزيد على كسر رمح أو رمحين من
رماح فكاهاته
٣٢
عني، إذ ربما لن يلتفت إليها أحد، أو لن
يضحك منها أحد،
فيصاب بالاكتئاب، ويوفر لنا جناح طائر مشوي،
٣٣ لأن المغفل لن (١٣٥)
يتناول العشاء الليلة! علينا أن نتابع قادة
هذه الرقصة في الحركة!
بينديك
:
في كل حركة جميلة.
بياتريس
:
وإن ساءت الحركة تركنا الصف عند أول دورة.
(١٤٠)
(يخرج الراقصون جميعًا، ولا يبقى على
المسرح إلا دون جون وبوراكيو وكلوديو.)
دون جون
:
لا شك أن أخي يحب هيرو،
٣٤ وقد اختلى بوالدها حتى يفاتحه
في
الموضوع … لقد مضت النساء خلفها ولم يبق سوى
شخص واحد
يرتدي قناعًا.
بوراكيو
(جانبًا إلى دون جون)
:
وهو كلوديو، وأعرفه من أسلوب حركته. (١٤٥)
دون جون
(إلى كلوديو)
:
ألست السنيور بينديك؟
كلوديو
:
تعرفني خير المعرفة. فأنا هو.٣٥
دون جون
:
يا سنيور! إنك صديق حميم لأخي، وهو يهيم
غرامًا بالآنسة
هيرو! أرجوك أن تثنيه عن حبها، فليست تساويه
في كرم المحتد،
٣٦ (١٥٠)
ولك أن تؤدي بذلك خدمة المخلص
الأمين.
كلوديو
:
وكيف عرفت أنه يحبها؟
دون جون
:
سمعته يقسم على هواه.
بوراكيو
:
وأنا كذلك، كما حلف أن يتزوجها الليلة. (١٥٥)
دون جون
:
هيا بنا نتناول المرطبات والفاكهة.٣٧
(يخرج الجميع ما عدا كلوديو.)
كلوديو
:
وهكذا أجبتُ باسمِ بينديكْ،
لكنْ سَمِعْتُ أسوأَ الأَنْبَاءِ في
أُذُنَيْ كُلُودْيُو،
لا شكَّ في هذا إذنْ! فإنَّما الأميرُ
يَخْطُبُهَا لِنَفْسِهِ!
قد يُخْلِصُ الصَّديقُ في كُلِّ الأمورِ
غيرَ خِدْمَةِ المُحِّبِّ (١٦٠)
أو أدَاء ما يرجوهُ في سَبيلِ حُبِّهِ!
٣٨
وهكذا لا ينبغي للقلبِ أن يَبُثَّ حُبَّهُ
على لِسَانِ غَيْرِهِ
ولتَعتَمِد عُيُونُنَا على ذَوَاتِها في
الفَوْزِ بالذي تُحِبُّهُ
دُوُنَ الوُثُوُقِ في وَكِيِلْ! إنَّ
الجَمَالَ مثلُ السَّحَرَةْ!
٣٩
إذْ إنه يُحَوِّل الإخلاصَ شَهْوَةً
بِفِعْلِ تَعْوِيذَاتِهِ السِّحْرِيَّةْ
(١٦٥)
وذاكَ ما نَرَى في كُلِّ سَاعَةٍ أَدِلَّةً
عَلَيْهِ
لكنِّنِي لَمْ أَسْتَرِبْ في الأَمْرِ! هذا
هو الوَدَاعُ يا هِيِرُو إِذَنْ!
(يدخل بينديك.)
بينديك
:
الكونت كلوديو؟
كلوديو
:
نعم … هذا أنا!٤٠
بينديك
:
هيا بنا … ألن تأتي معي؟ (١٧٠)
كلوديو
:
إلى أين؟
بينديك
:
إلى أقرب شجرة صفصاف، بخصوص أحوالك يا كونت.
ما
الصورة التي تريدها لإكليل زَهْرِهِ؟ هل
تضعه حول عنقك مثل
سلسلة المرابي الذهبية؟ أم على صدرك في شكل
شريط يمتد من
الكتف إلى ما تحت ذراعك مثل وشاح الضابط؟ لا
بد أن تلبس هذا (١٧٥)
الإكليل بأي أسلوب ما دام الأمير قد ظفر
بحبيبتك هيرو.
كلوديو
:
فَلْيَهْنَأْ بها!
بينديك
:
عجبًا! إنك تتكلم بلهجة بائع الماشية الأمين
بعد أن يبيع بعض
عجوله! ولكن هل كنت تظن أن الأمير يفعل هذا
بك؟ (١٨٠)
كلوديو
:
اتركني أرجوك!
بينديك
:
لا لا! لا تهاجمني مثل الأعمى! إن الغلام هو
الذي سرق
طعامك، ولكنك تضرب الذي يبلغك النبأ!
كلوديو
:
ما دمت لن تسكت فسأرحل.
(يخرج كلوديو.)
بينديك
:
وا أسفا على الطائر الجريح المسكين! لسوف
يمضي زاحفًا ليختفي (١٨٥)
في دغلة قريبة! ولكني أعجب للآنسة بياتريس
كيف تعرفني ولا
تعرفني حقًّا! مهرج الأمير؟ ها! لربما
أُطْلِقَ عَليَّ ذلك اللقب بسبب
مرحي. نعم، لكنني بذلك أظلم نفسي فلم أشتهر
حقًّا بهذه
الصفة، ولكنها من ابتكار بياتريس ذات الطبع
المنحط وإن كان لاذعًا (١٩٠)
مريرًا، فهي تتصور أن ذاتها وحدها تمثِّل
العالم وتتكلم من ثَمَّ
بلسانه، لكنني سوف أثأر منها بصورة
ما!
(يدخل دون بيدرو، وهيرو،
وليوناتو.)
دون بيدرو
:
والآن يا سنيور! أين الكونت؟ هل رأيته؟
بينديك
:
الحق يا مولاي أنني لعبت دور شائعة هانم!
٤١ فقد وجدته هنا وحده (١٩٥)
في كآبة الكوخ الصغير في أراضي الصيد!
وأخبرته، وأظنني كنت
على حق، أن معاليك ظَفَرْتَ برضا هذه
الشابة، وعَرَضْتُ عليه أن
يصحبني إلى شجرة صفصاف، إما لأصنع له
إكليلًا من زهرها
بعد أن هجرته حبيبته، وإما لإعداد عصا منها
بعد أن استحق أن (٢٠٠)
يُجْلَدَ!
دون بيدرو
:
أن يُجلَدَ؟ بأيِّ ذنب؟
بينديك
:
خطأ صريح وقع فيه تلميذ، إذ غلبه الفرح
بالعثور على عُشِّ أحد
الطيور فأخبر به صاحبه، فإذا بالصاحب يسرق
العُشَّ! (٢٠٥)
دون بيدرو
:
وهل تعتبر الثقة خطأ؟ الخطأُ خطأُ السارق.
بينديك
:
ولكننا أصبنا في إعداد العصا وإعداد إكليل
الزهر أيضًا، إذ إن له
أن يلبس الإكليل بنفسه، وله أن يضربك
بالعصا، فأنت، حسبما
أفهم، سابق العش المذكور. (٢١٠)
دون بيدرو
:
سأُعَلِّمُ الصِّغَارَ التغريد وحسب، ثم أعيدها
لصاحبها.
بينديك
:
إن أكد تغريدُها صحةَ ما تقول، فقد تحدثتَ
والله حديثَ ذي
الشرف والأمانة! (٢١٥)
دون بيدرو
:
الليدي بياتريس عاتبة عليك، فالسيد الذي
راقصها أخبرها أنك
تظلمها ظلمًا شديدًا.
بينديك
:
لقد أساءت إليَّ إساءةً لا يحتملها الجماد!
ولو كان المُخَاطَبُ شجرةَ
بلوط لم يَبْقَ بها غيرُ ورقةٍ خضراءَ
واحدة، لَرَدَّتْ عليها! بل إن (٢٢٠)
قناعي نفسه بدأ ينبض بالروح ويناوئها! قالت
لي دون أن تعرف من
أكون إنني مضحك الأمير، وإنني أبلد من الجو
المكفهر! وظلَّت
ترميني بفكاهة من فوق فكاهة، وببراعة لا
تصدق، حتى
ظننتُ أنني أصبحت هدفًا يرميه أفراد جيش
كامل بسهامهم! (٢٢٥)
كلماتها خناجر، وكل لفظة طعنة! لو كانت
أنفاسها في بشاعة
ألفاظها لما استطاع كائن أن يحيا بالقرب
منها، بل إنها لتصيب
بعدواها النجم القطبي نفسه. ومن المحال أن
أتزوجها ولو
وُهِبْتُ كُلَّ ما أَنْعَمَ اللهُ به على
آدم قبل عصيانه! ولو تزوجها
٤٢ (٢٣٠)
هرقل لجعلته يتولى تقليب الشواء على النار
في المطبخ، ولحَطَّمَ
هراوته واستخدمها حطبًا أيضًا.
٤٣ يكفي ذلك! لا تتحدث عنها!
ولسوف تجد أنها ربة الشقاق «آته»
٤٤ وإن اكتست أثوابًا خلابة! ليت
الله يتيح لعالم
٤٥ ضليع أن يعيدها إلى مثواها،
فطالما ظلَّت بيننا (٢٣٥)
على الأرض لن يشعر الناس بالفرق في الراحة
بين الجحيم والحرم المقدس، وسوف يتعمَّد الناس
ارتكاب الخطيئة حتى
يهربوا منها إلى الجحيم! فهكذا يجيء من
ورائها القلق والرعب
والإزعاج!
(يدخل كلوديو وبياتريس.)
٤٦
دون بيدرو
:
انظر! ها هي ذي مقبلة! (٢٤٠)
بينديك
:
هل تأمرني يا صاحب المعالي بأداء خدمة لك في
أقصى الأرض؟
لسوف أذهب مهما تكن تفاهة المهمة إلى الجهة
الأخرى من الكرة
الأرضية! لسوف أحضر لك سِوَاكًا
٤٧ من أقصى أصقاع آسيا، أو
طول
قدم برستر جون،
٤٨ حاكم الحبشة المسيحي، أو شعرة من
لحية قبلاي (٢٤٥)
خان
٤٩ ملك المغول، أو أذهب سفيرًا لك
إلى بلاد الأقزام!
٥٠ فهذا أهون
عليَّ من إجراء محادثة من ثلاث كلمات مع وحش الهاربي
٥١ المقبل!
أما لديك عمل تكلِّفني به الآن؟
دون بيدرو
:
لا شيء سوى الائتناس بصحبتك. (٢٥٠)
بينديك
:
يا لله! هذا ذا سيدي طعام لا يطيب لي! لا
أستطيع احتمال الآنسة
(يخرج بينديك.)
دون بيدرو
:
أقبلي أيتها الليدي! تفضلي! لقد خسرتِ قلب السنيور
بينديك!
بياتريس
:
حقًّا يا مولاي! كان قد أعارني إياه فترة
ما، وأعطيتُه فوائد القرض (٢٥٥)
في صورة قلبين بدلًا من قلب واحد، وأقسم إنه
كان قد كسبه مني
ذات يوم في مباراة بِنَرْدٍ مغشوش، ومن
ثَمَّ فمن حق معاليك أن
دون بيدرو
:
لقد طَرَحْتِهِ أرضًا يا ليدي! طَرَحْتِهِ أرضًا!٥٤ (٢٦٠)
بياتريس
:
ولهذا أرجو ألا يُفعَل بي ذلك يا مولاي،
وإلا أنجبت ذرية من
الحمقى.
٥٥ ها أنا ذا أحضرت الكونت كلوديو
الذي أرسلني في طلبه.
دون بيدرو
:
كيف حالك يا كونت؟ وما الداعي لحزنك؟٥٦ (٢٦٥)
كلوديو
:
لست حزينًا يا مولاي.
دون بيدرو
:
هل أنت إذن مريض؟
كلوديو
:
ولست مريضًا يا مولاي.
بياتريس
:
ليس الكونت حزينًا ولا مريضًا، ولا فرحًا
ولا في صحة جيدة،
فهو كونت وقور،
٥٧ مذاقه حِمْضِيٌّ كالبرتقالة، وله
بعض لونها الذي (٢٧٠)
دون بيدرو
:
الحق أيتها الليدي أن رموزك صحيحة،
٥٩ وإن كنت أقسم إنه مخطئ
فيما يتوهمه! يا كلوديو لقد خطبتُ باسمك،
وفُزْتُ لك بالحسناء
هيرو، وفاتحت أباها في الموضوع، ونِلْتُ منه
الرضا! وما عليك (٢٧٥)
إلا أن تحدد يوم القِرَانِ، أسعدك
الله!
ليوناتو
:
تفضَّل يا كونت! خذ ابنتي وخذ معها ثروتي؛
فلقد قام معاليه
بالخطبة، وليبارك الله فيها!
بياتريس
:
تكلَّم يا كونت! هذا وقت كلامك! (٢٨٠)
كلوديو
:
لا يبشِّر بحلول الفرح مثل الصمت! ولو
استطعت تحديد مقدار
سعادتي لبدت محدودة! أيتها الليدي! إن كنتِ
مِلْكَ يميني فأنا مِلْكُ
يَمِينكِ، وها أنا ذا أهب نفسي لك مفتونًا
بالمبادلة!
بياتريس
:
تكلمي يا بنت عمي! فإن لم تقدري فأغلقي فمه
بقبلة حتى يكف (٢٨٥)
هو الآخر عن الكلام!
دون بيدرو
:
أُقسِمُ إنك مرحةُ القلبِ يا آنسة!
بياتريس
:
حقًّا يا مولاي! إني أشكره على ما هو عليه،
ما دام يحرص على
تجنُّب الهموم! بنت عمي تهمس في أذنه بأنه
في قلبها! (٢٩٠)
كلوديو
:
مثلما هي في قلبي يا بنت عمي!
بياتريس
:
ما أروع رابطة القرابة!
٦٠ لقد تزوج كل من في هذه الدنيا ما
عداي
أنا، أنا التي لَوَّحَتْها الشمس!
٦١ لي أن أقبع في ركن وأهتف «أما
من
دون بيدرو
:
يا ليدي بياتريس، سوف آتيك بزوجٍ! (٢٩٥)
بياتريس
:
أوثر أن يكون من أبناء أبيك! ألم يكن لك يا
صاحب المعالي في
يوم ما أخ مثلك؟
٦٣ فلقد أنجب أبوك أفضل الأزواج، إن
كان لآنسة
أن تنال أحدهم!
دون بيدرو
:
هل تقبلينني يا آنسة؟ (٣٠٠)
بياتريس
:
لا يا مولاي! إلا إذا كان لديَّ زوج آخر
لغير يوم الأحد! فمعاليك
ثوب أغلى من أن يُلْبَسَ كل يوم.
٦٤ ولكنني أرجو الصفح من
معاليك، فقد فُطِرْتُ على قول الهَزْلِ
وتحاشي الجِدِّ!
دون بيدرو
:
أرجوكِ لا تشعري بالحرج من الكلام فالمرح
أفضل ما يناسبك! (٣٠٥)
ولا شك أنك وُلدْتِ في ساعة فرحة!
بياتريس
:
قطعًا لا يا مولاي فقد صَرَخَتْ
٦٥ أمي وبَكَتْ، ولكنَّ نجمًا كان
يرقص
في السماء، وهو الطالع الذي ولدتُ في برجه!
(إلى هيرو
وكلوديو) يا بْنَيْ العم، أسعدكما الله!
(٣١٠)
ليوناتو
(مومئًا إليها بالرحيل)
:
أرجوكِ يا بنت أخي أن تقومي بما
طلبته
منك.
بياتريس
:
أستمحيك عذرًا يا عمِّي!
٦٦ (إلى دون بيدرو) وأرجو
الصفح
يا مولاي!
(تخرج بياتريس.)
دون بيدرو
:
أقسم إنها ذات ظَرْفٍ ولُطْفٍ! (٣١٥)
ليوناتو
:
ليست الكآبة من عناصر طبعها
٦٧ يا مولاي. ولا تُمسِي جادة إلا
حين تنام، بل إنها لا تعرف الجِدَّ حتى في
النوم، فقد سمعت
ابنتي تقول إنها كثيرًا ما كانت تتعرض
لكوابيس فتوقظ نفسها
بالضحك! (٣٢٠)
دون بيدرو
:
لا تُطيقُ أن تسمعَ مَنْ يُحَدِّثُها عن
الزواج.
ليوناتو
:
إطلاقًا، وكلما تقدَّم منها خاطب سخرت منه
فَصَدَّتْهُ.
دون بيدرو
:
إنها خير من يتزوج بينديك.
ليوناتو
:
مولاي يا مولاي! لو تزوجا أسبوعًا واحدًا
لأَدَّت مناقشاتهما إلى (٣٢٥)
الجنون!
دون بيدرو
:
متى تنتوي يا كونت كلوديو الذهاب إلى
الكنيسة؟
كلوديو
:
في الغد يا مولاي! الزمن يسير على عكازين
٦٨ حتى استكمال شعائر
رب الحب جميعًا! (٣٣٠)
ليوناتو
:
لن يكون ذلك قبل يوم الاثنين يا ولدي
العزيز، أي بعد أسبوع
تمامًا، وهو وقت أقصر من أن أنجز فيه كل ما
أريده.
دون بيدرو
:
اسمع! أنت تهز رأسك مستنكرًا
٦٩ طول المدة، لكنني أعدك يا
كلوديو
أننا لن نشعر بالملل فيها، إذ إنني أعتزم في
هذه الفترة النهوض (٣٣٥)
بمهمة شاقة، مثل المهام التي فُرِضَتْ على هرقل،
٧٠ ألا وهي إقامة
طود
٧١ من الحب المتبادَل بين السنيور
بينديك والليدي بياتريس! لَكَم
يسرني أن يتزوجا، ولا أشك أنني قادر على
تدبير ذلك،
٧٢ إذا
شاركتموني أنتم الثلاثة، وساعدتموني بالصورة
التي سوف أحددها (٣٤٠)
لكم!
ليوناتو
:
مولاي إني معك، ولو كلَّفني ذلك أن أسهر عشر
ليالٍ!
كلوديو
:
وأنا يا مولاي.
دون بيدرو
:
وأنت أيضًا يا هيرو الرقيقة؟ (٣٤٥)
هيرو
:
سأقوم يا مولاي بأي دور ملائم حتى أساعد بنت
عمي على الزواج
من رجل صالح.
دون بيدرو
:
وليس بينديك بالزوج غير الصالح، في حدود ما
أعرف، وأستطيع
أن أزكيه قائلًا إنه كريم المحتد، وذو شجاعة
مشهودة وشرف مؤكد. (٣٥٠)
وسوف أُعَلِّمُكِ كيف تستثمرين طبع بنت عمك
في إذكاء حبها
لبينديك. (إلى كلوديو وليوناتو) وأما أن
فسوف أستعين بكما في
التحايل على بينديك حتى أجعله يحب بياتريس،
على الرغم من
لماحيته الفائقة
٧٣ وكبريائه الشديدة. فإذا استطعنا
إنجاز هذا فلن يعود (٣٥٥)
رب الحب رامي السهام في القلوب، بل سنسلبه
المجد ونغدو أرباب
الحب دون غيرنا. هيا ادخلوا معي حتى أشرح
لكم الخطة التي
وضعتها.
(يخرجون.)
المشهد الثالث
(المنظر: حديقة ليوناتو، ولا بد أن يضم
الديكور ما يكفل اختفاء بينديك عن خادعيه وظهوره أمام الجمهور.
يدخل بينديك وحده.)
٧٨
بينديك
:
يا غلام!
(يدخل الغلام.)
الغلام
:
أمرك يا سنيور.
بينديك
:
على شباك مخدعي كتاب، أحضره لي هنا في
الحديقة.
الغلام
:
لقد حضرت فعلًا للحديقة يا سيدي.٧٩ (٥)
بينديك
:
أعرف ذلك، ولكني أريدك أن تذهب إلى المخدع
ثم تعود!
(يخرج الغلام)
أعجب كثيرًا حين أرى رجلًا يدرك حماقة من
يكرس جهوده
للحب، ويضحك من ضحالة هذه الحماقات عند
الآخرين، ثم إذا
به يصبح هو نفسه موضِع احتقار ذاته بالوقوع
في الحب! وكلوديو (١٠)
مثال لذلك الرجل!
٨٠ كنت أعرفه عندما كانت موسيقاه
تنحصر في
بوق الحرب وطبول الحرب، فإذا به يفضِّل
اليوم نغمات المزمار
ودقات الدف! كنت أعرفه عندما كان يسير عشرة
أميال على قدميه
حتى يشاهد نموذجًا ممتازًا للدروع، فإذا به
الآن يسهر ليالي عشرًا في
ابتكار طراز صدار جديد! كنت أعرفه عندما كان
يتحدث الحديث (١٥)
الصريح الواضح الذي يفي بالغرض، شأن كل رجل
شريف وكل
جندي، فإذا به الآن يتحوَّل إلى الحذلقة،
ويستخدم ألفاظًا توحي
بالمائدة المبالَغ في تنميقها، وما تحتويه
من أطعمة بالغة الغرابة. تراني
أتحوَّل مثله وأنظر بعينيه؟ لا أدري، وإن
كنت أستبعد ذلك. لن (٢٠)
أقسم إلا بأن الحب سوف يمسخني فأصبح مثل
المحار في قوقعته،
ولكنني أقسم إنه حتى يحدث ذلك لن أهبط إلى
مستوى حُمْقِهِ! في
النساء الحسناءُ لكنها لا تُغْوِينِي، وفيهن
العاقلة الحكيمة، ولكنها (٢٥)
لا تأسرني، وفيهن الشريفة الفاضلة، ولكنها
لا تستهويني،
٨١ وهكذا
لن تفلح امرأة واحدة في إرضائي حتى تجتمع
فيها هذه الشمائل
الحسنة كلها. ستكون ثرية، هذا مؤكد، وحكيمة
وإلا فلا، وفاضلة
وإلا ما طلبتُها، وحسناء، وإلا ما نظرتُ
إليها قط، وهادئة الطبع
وإلا استبعدتُها، وكريمة المحتد وإلا ما
قاربتُها ولو كنتُ ملاكًا. (٣٠)
ستكون حسنة الحديث، بارعة في عزف الموسيقى،
٨٢ وليكن شعرها
باللون الذي خلقه الله عليه!
٨٣ ها! هذا هو الأمير والمسيو كيوبيد!
٨٤
فلأختبئ عنهما في الخميلة هنا.
(يختبئ عنهما ولكن الجمهور يراه
ويسمعه.)
(يدخل دون بيدرو وليوناتو وكلوديو،
وبالتازار، وبعض الموسيقيين.)
٨٥
دون بيدرو
:
هيا، هل نستمع إلى الموسيقى هنا؟ (٣٥)
كلوديو
:
لا بأسَ إذن يا مولايْ! ما أَسْجَى هَذِى
الأُمسيَّة!
أَتُرَاهَا سَكَنَتْ عن عَمْدٍ حتى
يَزْدَادَ ثَرَاءُ الأَلْحَانِ؟
دون بيدرو
(جانبًا إلى كلوديو
وبالتازار)
:
تَرَيانِ مَعِي أَيْنَ اخْتَبَأَ السِّنيور
بِينديك؟
كلوديو
(جانبًا)
:
نُبْصِرُهُ قطعًا يا مولاي! فإذا انْتَهَتِ
المُوسِيقَى،
قَدَّمْنَا لِلثَّعْلَبِ في الجُحْرِ هُنَا
أكثَرَ مِمَّا يَتَوَقَّعُهُ! (٤٠)
دون بيدرو
:
يا بالتازار! نَبغِي تَكْرَارَ غِنَاءِ
الأُغْنِيَّةْ!
بالتازار
:
يا مَوْلَايَ الأكْرَمْ! لا تَطْلُبْ مِنْ
صَوْتِي المَبْحُوحِ
بأَنْ يَظْلِمَ هذي المُوسيقَى أكثرَ مِنْ
مَرَّةْ!
دون بيدرو
:
مِنْ شِيَمِ البَارِعِ والمُتَفَوِّقِ
دَوْمًا
أنْ يَتَظَاهَرَ بالنَّقْصِ بِرَغْمِ
كَمَالِهْ! (٤٥)
أرجُوكَ إذَنْ غَنِّ ولا تجْعَلْنِي
أتَغَزَّلُ في صَوْتِكْ!
بالتازار
:
ما دُمْتَ تَحَدَّثْتَ عَنِ الغَزَلِ فسوفَ
أُغنِّيِ
إذْ مَا أكثرَ غَزَلَ فَتًى يَخْطُبُ وُدَّ
فَتَاةٍ
لا يَجِدُ جَمَالًا فيها! لكنَّ الخَاطِبَ
يَتَغَزَّلُ فيها،
بَلْ يَحْلِفُ دَوْمًا إنَّ الحُبَّ تمكَّنَ
مِنْ قَلْبِهْ!
دون بيدرو
:
هَيَّا أرْجُوكَ فإنْ كانَ لديكَ مَزيدٌ
مِنْ هذي الألفاظِ (٥٠)
اجعَلْها أنغامًا في أُغْنِيَتِكْ.
بالتازار
:
فَلتَسْمَعْ هذا قَبْلَ الأنغَامْ:
ليسَ بأنغامي ما يُسْمَعْ!
٨٦
دون بيدرو
:
هذا لا يتكلَّمُ إلَّا هَذَرًا،
أَتْحِفْنَا بالأنغامِ ولا شيءَ سِواها!
(٥٥)
(يبدأ بالتازار عزف الموسيقى.)
بينديك
:
يا له من لحن رباني! لقد فتن اللحن روحه!
أليس من الغريب أن
الأوتار المصنوعة من أمعاء الضأن تستطيع أن
تنتزع الروح من الجسم
انتزاعًا؟ فأما أنا فأوثر أن أستمع إلى صوت
النفير المصنوع من
بالتازار
(يغني)
:
كُفِّي يا فَتَيَاتُ إذَنْ عَنْ آهات
الصَّدرْ (٦٠)
فالرَّجُلِ خَئُونٌ دَوْمًا شيمتُهُ
الغَدْرُ
قَدَمٌ في البحر اليَومَ وأخرى في
البَرِّ
لا يَثبُتُ في حالٍ واحدةٍ أبَدَ
الدَّهرْ
لا تتأوَّهْنَ إذَنْ واترُكْنَهمو
يَنْطَلِقُونْ
وامرَحنَ كثيرًا واسعدْنَ بألوانِ فُتُونْ
(٦٥)
بلْ حَوِّلْنَ جميعَ الآهات وأنَّات
المَحْزُونْ
لفُنُونِ مَرَاحٍ باسمةٍ وجميلِ
لُحونْ!
لَنْ نسمعَ بعدُ أغانِي الحُرقَةِ
والحِرمانْ
زاخِرةً بالبَاردِ والمَمْجُوجِ مِنَ
الألحانْ
فخِداعُ الرَّجُلِ امتدَّ على مَرِّ
الأزمانْ (٧٠)
بَلْ مُنْذُ غَدَتْ للصَّيفِ الأوراقُ على
الأفنانْ
لا تتأوَّهْنَ إذنْ واترُكْنَهُمو
ينطلِقُونْ
وامرَحنَ كثيرًا واسعَدْنَ بألوانِ
فُتُونْ
بَلْ حَوِّلْنَ جميعَ الآهاتِ وأنَّاتِ
المحزونْ
لفُنُونِ مَرَاحٍ باسمةٍ وجميلِ لحونْ!
(٧٥)
دون بيدرو
:
أقسم إنها أغنية جميلة.
بالتازار
:
والمُغَنِّي قبيحٌ يا مولاي.
دون بيدرو
:
ماذا؟ لا لا بالحق. لقد أحسنت الغناء كبديلٍ
مؤقتٍ.
بينديك
(جانبًا)
:
لو كان كلبًا وصدر منه هذا العواء لشنقوه!
وأرجو الله (٨٠)
مخلصًا ألا يكون صوته القبيح نذيرَ سوء!
وإني لأوثر الاستماع إلى
غربان الليل
٨٩ وإن كانت منذِرة بحلول
الطاعون!
دون بيدرو
(مواصلًا حديثه مع صاحبيه)
:
نعم … حقًّا! هل سمعت يا بالتازار؟
(٨٥)
أرجو أن تستأجر بعض الموسيقيين الممتازين
للحضور غدًا ليلًا،
ونريدهم أن يعزفوا الألحان تحت شباك مخدع
هيرو.
بالتازار
:
سأبذل قصارى جهدي يا مولاي.
دون بيدرو
:
عليك بهذا، مع السلامة. (٩٠)
(يخرج بالتازار)
تعالَ هنا يا ليوناتو، ما الذي قلته اليوم
لي؟ هل قلت إن بنت
أخيك بياتريس تحب السنيور بينديك؟
كلوديو
(جانبًا إليه بنبرات هامسة)
:
نعم نعم … تتبع الطائر بحرص، فهو
جاثم في مكانه. (رافعًا صوته) لم أكن أتصور
يومًا أن تلك الآنسة (٩٥)
سوف تحب أي رجل.
ليوناتو
:
ولا أنا! ولكن أعجب العجب أن تهيم حبًّا
بالسنيور بينديك، بعد
أن بدا لنا من ألوان سلوكها الظاهر أنها
تكرهه!
بينديك
(جانبًا لنفسه)
:
هل هذا ممكن؟ هل هذا اتجاه الريح؟٩٠ (١٠٠)
ليوناتو
:
أقسم يا مولاي إنني حائر لا أدري ما أقول!
٩١ ولكن الواقع أنها تُكِنُّ
له حُبًّا جارفًا، بل لا يكاد يتخيله
العقل!
دون بيدرو
:
لعلَّها تتظاهر وحسب.
كلوديو
:
حقًّا … محتمل! (١٠٥)
ليوناتو
:
يا لله! تتظاهر؟ لم يشهد التاريخ تظاهرًا
بالحب أقرب إلى الحب
الصادق أكثر مما تبديه!
دون بيدرو
:
وما مظاهر الحب الصادق التي تبديها؟
كلوديو
(جانبًا بنبرات هامسة)
:
أَصْلِحِ الطُّعْمَ في السنَّارة فسوف تأكله
هذه
السمكة! (١١٠)
ليوناتو
:
ما مظاهره يا مولاي؟ لقد دأبت على الجلوس …
أقصد، كما
سمعت ابنتي تحكي لك كيف كان ذلك.
كلوديو
:
ذَكَرَتْ لي ذلك فعلًا.
دون بيدرو
:
وكيف كان ذلك، قل أرجوك؟! إنك تدهشني! كنت
أظن أن (١١٥)
روحها حصينة تستعصي على جميع هجمات
الحب.
ليوناتو
:
بل إنني كنت أقسم على ذلك يا مولاي، خصوصًا إزاء
بينديك!
بينديك
(جانبًا لنفسه)
:
لولا أن الرجل الأشيب
٩٢ هو الذي يتكلم لَظَنَنْتُ
في
الأمر خُدعة! ولكن الخداع لا يمكن أن
يتخفَّى في ذلك الوقار
٩٣ (١٢٠)
قطعًا!
كلوديو
(جانبًا لصاحبيه)
:
لقد ابتلع الطُّعمَ، فاستمرَّا في العمل!
دون بيدرو
:
وهل صَارَحَتْ بينديك بحبِّها؟
ليوناتو
:
كلَّا! بل تُقْسِمُ ألَّا تصارحه أبدًا، وهذا مصدر
عذابها! (١٢٥)
كلوديو
:
هذا صحيح فعلًا، حسبما تقول ابنتك، إذ قالت
لها «هل أكتب
إليه بحبي وأنا التي كثيرًا ما قابلته
باستهزاء؟»
ليوناتو
:
هذا ما تقوله الآن، ولكنها بدأت تكتب إليه
فعلًا، إذ تصحو من (١٣٠)
نومها نحو عشرين مرة ليلًا، وتجلس وهي بقميص
النوم حتى تملأ
صفحة كاملة! وابنتي حدَّثتنا عن كل
شيء!
كلوديو
:
حديثك عن ملء صفحة كاملة ذكَّرني بفكاهة
طريفة ذكرتها لنا
ابنتي. (١٣٥)
ليوناتو
:
تقصد أنها عندما مَلأتْها وطَوَتْها
وَجَدَتْ في طياتها بياتريس
وبينديك، كأنما كانت الصفحة المليئة مُلَاءَة؟!
٩٤
كلوديو
:
نعم.
ليوناتو
:
ولكنها مزَّقت الخطاب إلى ألف قطعة، وجعلت
توبِّخ نفسها (١٤٠)
وتستنكر كيف أهدرت حياءها، وكتبت إلى شخص
تعرف أنه سوف
يسخر منها. وكانت تقول «إنني أهتدي بما
كنت
أفعله أنا لو كنت في مكانه! فلو كتب إليَّ
لسخرت منه؛ حقًّا ذلك ما ينبغي رغم
حبي له.»
كلوديو
:
ثم تَخِرُّ جاثيةً وتبكي وتُنَهْنِه،
وتدُقُّ صدرَها وتُمَزِّقُ شعرهَا،
(١٤٥)
ضارعةً لاعنة، وتهتف: «يا بينديك الرقيق!
٩٥ اللهم ألهمني الصبر!»
ليوناتو
:
ذلك ما تفعله حقًّا، حسبما تقول ابنتي، بل
لقد غلبها جنون الحب
حتى إن ابنتي تخشى أحيانًا أن يدفعها يأسها
إلى إيذاء نفسها. هذا (١٥٠)
لا شك صحيح.
دون بيدرو
:
لعلَّ من الخير أن يعرف بينديك بذلك من شخص
آخر، إن أصَرَّتْ
على عدم مصارحته.
كلوديو
:
ولماذا؟ لن يزيد على أن يستهزئ بها فيزيد عذاب
المسكينة سوءًا! (١٥٥)
دون بيدرو
:
لو فعل لكان شنقه من باب الإحسان! إنها فتاة
ممتازة رقيقة،
وفاضلة دون أدنى شك.
كلوديو
:
وبالغة الحكمة.
دون بيدرو
:
في كل شيء ما عدا حب بينديك. (١٦٠)
ليوناتو
:
يا مولاي! إذا تصارعت الحكمة والعاطفة في
مثل جسدها الغض،
فالأدلة قاطعة على انتصار العاطفة.
٩٦ إني أشفق عليها وعندي كل
مبرر فأنا عَمُّها والوصيُّ عليها.
دون بيدرو
:
ليتها كانت قد أغدقت عليَّ أنا ذلك
الافتتان! إذن لتجاهلتُ جميع (١٦٥)
الاعتبارات الأخرى وجعلتها تناصفني ذاتي!
أرجوك أن تخبر
بينديك بذلك واسمع ما سوف يقول.
ليوناتو
:
أتظن في ذلك فائدة؟
كلوديو
:
تعتقد هيرو أنها سوف تموت قطعًا، إذ تقول
إنها سوف تموت لو لم (١٧٠)
يكن بينديك يحبها، وإنها تؤثر أن تموت على
أن تعلن حبها، وأن
تموت إذا خطبها على أن تتخلى عن ذرة واحدة
من أسلوب مناكفتها
المعتاد!
دون بيدرو
:
ما أحسن ما قالت! فلو أنها عرضت حبَّها
عليه، فربما سخر منه (١٧٥)
وصَدَّها، فالرجل، كما تعرفون جميعًا، ذو
روح ساخرة.
كلوديو
:
بل إنه وسيم ورائع.
دون بيدرو
:
ظاهره جميل رائع فعلًا.
كلوديو
:
أعتقد أنه بالغ الحكمة وأُشْهِدُ الله على ذلك!
(١٨٠)
دون بيدرو
:
تبدو منه لمحات بارعة حقًّا تشبه اللماحية.
كلوديو
:
وأعتبره شجاعًا!
دون بيدرو
:
بل مثل هكتور،
٩٧ بالتأكيد. وعند وقوع المشاجرات لك
أن تقول إنه (١٨٥)
حكيم، فهو يتجنَّبها بحصافة بالغة أو يخوضها
برهبة أقرب ما تشبه
ليوناتو
:
لو أنه يتقي الله لكان عليه الحفاظ على
السَّلم، وأما إن انتهك
السَّلم، فينبغي عليه دخول المشاجرة خائفًا مرتجفًا.
٩٩ (١٩٠)
دون بيدرو
:
وهو ما يحدث في الواقع، فالرجل يخشى الله حقًّا،
١٠٠ وإن لم يبد
ذلك فيه بسبب ضروب هزله الصارخ. إني على أية
حال أشفق
على بنت أخيك. هل نذهب لمقابلة بينديك
وإبلاغه بحبها؟
كلوديو
:
لا تخبره أبدًا يا مولاي، ولْنُقَدِّمْ
للفتاة المشورة الصالحة حتى يَبْلَى
(١٩٥)
هذا الحب.
ليوناتو
:
لا لا! محال! قد يَبْلَى قلبُها قبل أن يبلى حُبُّها!١٠١
دون بيدرو
:
فلنسمع المزيدَ عن الموضوع من ابنتك. دع
الأمور تبرد الآن. إنني
أحب بينديك حقًّا، وأتمنى أن يتواضع بالنظر
في حاله حتى يدرك (٢٠٠)
كم هو غير جدير بحب هذه الفتاة
الرائعة.
ليوناتو
:
مولاي! هل تود دخول المنزل؟ العشاء جاهز.
كلوديو
(جانبًا وهامسًا إلى دون بيدرو
وليوناتو)
:
إذا لم يُشْغَفْ بها حُبًّا الآن
فلن أثق بعد الآن في حساباتي! (٢٠٥)
دون بيدرو
(جانبًا هامسًا إلى ليوناتو
وكلوديو)
:
ولنطرح الشبكة نفسها للفتاة،
وهو ما لا بد أن تتولاه ابنتك ووصيفاتها.
وسوف نتلهَّى حقًّا حين
يظن كلٌّ منهما أن الآخر يهيم بحبه، على
خلاف الواقع!
١٠٢ هذا هو
المشهد الذي أتمنى مشاهدته، ولن يزيد عن
الإيماءات الصامتة.
١٠٣ (٢١٠)
فلنرسل الفتاة إليه حتى تدعوه إلى
العشاء.
(يخرج الجميع ما عدا بينديك.)
بينديك
(خارجًا من مخبئه)
:
محال أن يكون في ذلك خداع! لقد كانت
المناقشة جادة، وعرفوا الحقيقة من هيرو.
يبدو أنهم يشفقون على (٢١٥)
الفتاة، ويبدو أن لواعج حبها بلغت مداها!
تحبني؟ لا بد من مبادلتها
تلك العاطفة. وسمعت حكمهم عليَّ قائلين إنني
سوف أستكبر
١٠٤
حين أدرك الحب الذي تكنُّه لي. ويقولون
أيضًا إنها تؤثر الموت على
التلميح بأدنى دليل على الحب. لم أفكر يومًا
في الزواج، لكنني لا (٢٢٠)
ينبغي أن أبدو متكبرًا، وما أسعد الذي يصغي
لمن يدلُّه على عيوبه
ويستطيع إصلاحها. يقولون إن الفتاة جميلة،
وهذا حق، وأشهد
لهم بصحته. وفاضلة، وهذا هو الواقع، ولا
أستطيع نقضه،
وحكيمة، إلا في حبها لي. أقسم إنه لا يزيد
من ذكائها، ولا يُعتبَر
دليلًا دامغًا على حماقتها، فلسوف أحبها
حُبًّا جمًّا، وربما تعرضتُ (٢٢٥)
لبعض ما تبقى لديها من سهام السخرية
والاستهزاء بسبب إصراري
طويلًا على مهاجمة الزواج. ولكن ألا تتغير
الشهية؟ فقد يحب
الرجل اللحم في شبابه ثم لا يطيقه في
شيخوخته. وهل تتسبب
الفكاهات والعبارات المأثورة و«القذائف الورقية»
١٠٥ التي يطلقها الذهن (٢٣٠)
في إرهاب الإنسان وتحويل مسار هواه؟ لا! لا
بد من إنجاب الأطفال
لعمران الدنيا!
١٠٦ وعندما قلت إنني سأموت عزبًا لم
أكن أتصور أن
أحيا حتى أتزوج. (٢٣٥)
(تدخل بياتريس)
ها قد أتت بياتريس! قسمًا بضوء هذا النهار
إنها فاتنة! وإني لألمح
بعض أمارات الحب في وجهها.
بياتريس
:
أُرْسِلْتُ على كُره مني لأطلب منك الدخول
للعشاء.
بينديك
:
يا مرحبًا بياتريس الفتانة! شكرًا على تعبك!١٠٧ (٢٤٠)
بياتريس
:
لم ألقَ تعبًا يستحق الشكر أكبر من تعبك في
شكري، ولو كانت
المهمة مُتْعِبَةً لما أتيت.
بينديك
:
هل سَرَّكِ إذن إبلاغُ الرسالة؟
بياتريس
:
بما يعادل سرورك حين تُمسِكُ سِكِّينًا
وتخنق بسنَانِها طائرًا أبله!
١٠٨ (٢٤٥)
لستَ جوعانًا يا سنيور؟ أستودعك
الله.
(تخرج بياتريس.)
بينديك
:
ها! «أُرْسِلْتُ على كُرْهٍ مني لأطلب منك
الدخول للعشاء»؛ عبارة
لها معنيان. «لم ألق تعبًا يستحق الشكر أكبر
من تعبك في
شكري»! هذا يعادل قولها إن أي تعب أتحمَّله
في سبيلك يسير (٢٥٠)
مثل تقديم الشكر! لو لم أشفق عليها كنت
وغدًا، ولو لم أحبها
كنت يهوديًّا!
١٠٩ سأذهب لأحصل على صورة مصغرة
١١٠ لها.
١١١
إذا كنا رأينا من قبل أن بينديك لا يريد
الزواج، وتمتعنا بجاذبية استخدامه للمنطق
لتحاشي تلك القضية، نرى الآن أنه أصبح يريد أن
يتزوج، وأن الحيل الأسلوبية نفسها تساعده في
إعلان تحوُّله … إذ إنه يقلب تقاليد التراشق
المسرحي رأسًا على عقب، وهي التقاليد التي
أرساها شيكسبير بحذقٍ وبراعة، فبدلًا من أن
يتلقى الدلالات المهينة في قول بياتريس ويعيد
تشكيلها ليردَّ عليها مستخدمًا صورها نفسها،
نجده يتناول المعنى السطحي المهين ويُسَخِّرُ
طاقات ذهنه جميعًا لاكتشاف ما يوحي بالمديح
فيه (ص١٨٥).
(يخرج.)