المشهد الأول
(المنظر: داخل كنيسة
١ ما، يدخل دون بيدرو، ودون جون ابن السفاح،
وليوناتو، والقس فرانسيس، وكلوديو، وبينديك، وهيرو، وبياتريس
وآخرون).
ليوناتو
:
هيا أيها القس فرانسيس، وأوجز: اقتصر على
الصورة البسيطة
لعقد القران، وعليك أن تؤجل تفاصيل واجبات
الزوجين لوقتٍ
لاحقٍ.
القس
:
هل جئت يا مولاي إلى هنا لتتزوج هذه الليدي؟
كلوديو
:
لا. (٥)
ليوناتو
(مصححًا الصيغة)
:
قُلْ جئتَ لتزويجكَ منها، وأنت الذي سوف
يُزَوِّجُهُما يا قِس!
القس
:
يا ليدي، هل جئتِ إلى هنا لتزويجكِ من هذا
الكونت؟
هيرو
:
نعم.
القس
:
لو كان أحدكما يعرف عائقًا خفيًّا
٢ يحول دون عقد القران، فإنني
(١٠)
أطلب إليه بحق روحه أن يفصح عنه.
كلوديو
:
هل تعرفين أي عائق يا هيرو؟
هيرو
:
لا يا مولاي.
القس
:
وهل تعرف أنت أي عائق يا كونت؟ (١٥)
ليوناتو
:
أتجاسر بالإجابة عنه بالنفي.
كلوديو
:
يا لما يتجاسر الناس على فعله! ويا لما
يفعلونه! ويا لما يفعلونه كل
يوم جاهلين ما يفعلون!
بينديك
:
ما هذه الألفاظ؟ هل هي استعراض لصيغة
التعجب؟ لو كان الأمر
كذلك فكتاب النحو يقول إنها مثل أصوات
التعبير عن الضحك: ها ها هي!
٣ (٢٠)
كلوديو
:
أرجو أن تتنحَّى يا قِسُّ قليلًا.
(إلى ليوناتو) عفوًا يا أبَتِ أقول:
هل تُعلِنُ أنَّك قدَّمت إليَّ بروحٍ طائعةٍ
مختارة
هذي العذراء ابنتك إليَّ؟
ليوناتو
:
مختارًا يا ولدي وكما أعطانيها الله.
كلوديو
:
وبماذا ألتزمُ بأن أعطيك مقابلها وبحيث
يوازي (٢٥)
هذي الهبة الغالية البالغة
القِيمَةْ؟
دون بيدرو
:
لا شَيء إلَّا إنْ رَدَدْتَها له هي
نَفْسَها.
كلوديو
:
علَّمتَنِي أمِيرَنَا الكَريم نُبْلَ
الامْتِنَانِ والشُّكرِ الجَزِيلْ!
خُذْها لِيُونَاتو إذَنْ! إنِّي أردُّها
إليك!
لا تُعْطِ بُرتقالةً فَاسِدةً
٤ كَهذه إلى صَدِيقِكْ! (٣٠)
ولَيْسَ فيها غَيْرُ مظهرِ الشَّرَفْ
بلِ انظُرُوا الخَدَّينِ قد عَلَتْهُمَا،
كأنَّها عَذْرَاءُ، حُمرةُ الخَجَلْ!
٥
ما أقْدَرَ الخَطِيئَةَ التي إذَا
اسْتَعَانَتْ بالدَّهاءِ
أخْفَتْ ذَاتَها ثم اكْتَسَتْ مَظَاهِرَ
الإقْنَاعِ بالحَقِيقَة!
فهَلْ أتَتْ تلكَ الدِّمَاءُ لِلخُدُودِ
شَاهِدًا بالصِّدقِ (٣٥)
كي يُؤكِّدَ الفَضِيلَةَ البَرِيئَة؟ هَلَّا
حَلَفتُم،
يا مَنْ جَمِيعًا تَشْهَدُونَها بأنَّها
عَذْرَاءُ
بالذي تَرَوْنَهُ مِنَ المَظَاهِر؟ لكنَّها
لَيْسَتْ كذلك.
فهذه عَرَفَتْ حَرَارَةَ الفِراشِ الفَاسِقِ
الدَّنِسْ،
وهذِه الدِّمَاءُ في الخُدودِ آيةُ الآثَامِ
لا البَرَاءَة. (٤٠)
ليوناتو
:
ماذا تَعْنِي يا مَوْلَاي؟
كلوديو
:
أعْنِي أنِّي لنْ أتَزَوَّجْ! لَنْ أَربِطَ
رُوحي.
بامرأةٍ ثَبَتَ عَليها العُهْر!
ليوناتو
:
يا مَوْلَاي الأَكْرَمْ! إنْ كُنْتَ
بخِبْرَتِكَ
قَهَرْتَ مُقَاوَمَةَ شَبَابِ ابْنَتِنا
(٤٥)
وظَفَرتَ بِعُذْرِيَّتِها …
كلوديو
:
أفْهَمُ ما تَبْغِي قَوْلَه! أي إنْ كنتُ
أنا ضَاجَعْتُ
٦ البِنت
فَلَسَوْفَ تَرُدُّ بأنَّ فَتَاتَك
قَبِلَتْني واعْتَبَرتْنِي زوجًا،
وبِذَلِكَ ستُخَفِّفُ مِن ذَنْبِ دُخُولي
٧ بِفَتَاتِي قَبْلَ
المَوْعِدْ.
لا لِيُوناتو! (٥٠)
لم أُغْوِ فَتَاتي قَطُّ بِلَفْظٍ
خَارِجْ.
لكني كنتُ أُعَامِلُهَا مِثلَ شَقيقٍ
يُظهِرُ لِشَقيقَتِه الإخْلَاصَ
وآياتَ الحُبِّ الأسْمَى وعلى
استِحيَاءْ
هيرو
:
أتُراني أبْدَيتُ إذَنْ ما يَنْقُضُ ذلك؟
كلوديو
:
فَلْيَخْسَأ ما تُبْدِين إذَن!
وسَأَنْقُضُهُ بالحُجَّةِ والبُرهَان!
٨ (٥٥)
تَبْدِينَ لِعَيْنِي مِثْلَ دِيَانَا
رَبَّةِ هذا القَمَر السَّيَّار
٩
في عِفَّةِ بُرْعُمِ زهرٍ لم يَتَفتَّحْ
بَعْد،
لكنَّكِ جَامِحةٌ في دَمِكِ
الفوَّارِ
جُمُوحَ الرَّبَّة فينوس!
١٠ أو حَيَوَانَاتِ التَّدْلِيلِ المعْرُوفَة
١١
ذاتِ الشَّهواتِ الصَّارِخَةِ الوَحْشِيَّة!
(٦٠)
هيرو
:
هَلْ مَوْلَاي بخيرٍ حَتَّى يَجْنَحَ في القَوْلِ
لِهذا الحد؟
ليوناتو
(إلى دون بيدرو)
:
لماذَا يا أمِيرنَا الكَرِيمَ لا ترُدُّ؟
دون بيدرو
:
مَاذا عَسَايَ أنْ أردَّ بِه؟
إني أُحِسُّ ها هُنَا بالخِزْيِ بَعْدَ أن
سَعَيْتُ
في ارتباطِ صَاحِبي الحَبِيب بهذه
الدَّنِيئَة العَاهِرة!
ليوناتو
:
هل قِيلَتْ هذي الألفاظُ هنا حقًّا أم أني أحلُم؟
(٦٥)
دون جون
:
قِيلت حقًّا يا سيِّد وهي صَحِيحة.
بينديك
:
لا يبْدُو هذا حَفْلَ زَفَاف.
هيرو
:
وهي صحيحة؟ يا لله!
كلوديو
:
اسمعْ ليوناتو! ألستُ واقِفًا هُنا؟
أليسَ ذلك الأمير؟ أما هذا أخُو الأمِير؟
(٧٠)
ألَيْسَ هذا الوَجْهُ وَجْهَ هيرو؟ أليستِ
العيونُ هذه عُيُونَنا؟
١٢
ليوناتو
:
بل ذاك حقٌّ كُلُّهُ فما الذي تَرمي إليه يا
مَوْلاي؟
كلوديو
:
فَلأقْتَصِر على سُؤالٍ واحدٍ إلى
ابنتِك،
واطلُبْ إليها أن تُجِيبَني بِصِدق،
بِحقِّ سُلطة ِ القَرَابةِ … وحقِّ سُلطانِ
الأُبُوَّةْ! (٧٥)
ليوناتو
:
آمُرُكِ إذَن بالصِّدْقِ بِحقِّ الأب عِنْدَ
ابْنَتِهِ!
هيرو
:
اللَّهُمَّ أغِثْنِي فلقد حُوصِرْتُ
تمامًا!
ماذا تَدْعُون إذن هذا التحقِيقْ؟
كلوديو
:
نُرِيدُ أن تُجيبِينا إجَابَة تليقُ باسمِكِ العَرِيق.١٣
هيرو
:
أليسَ هيرو؟ مَنْ يَسْتَطِيعُ أن يَشُوبَ
ذاكَ الاسم (٨٠)
بأيِّ إثمٍ صادقٍ وثابِتْ؟
كلوديو
:
بل تستطيعُ هيرو أن تَشُوبَه!
وتستطيعُ هيرو أن تَشُوبَ عِفَّتَها
بِنَفسِها!
مَنِ الذي حَادَثتِهِ في اللَّيلَةِ
البارِحةِ
إذ كُنْتِ واقِفةً لدى شُبَّاكِ
مَخْدَعِكْ
ما بَيْن نِصفِ اللَّيلِ والوَاحِدة؟ لو
كُنْتِ عذراءَ أجيبي. (٨٥)
هيرو
:
مَولايَ ما حَادَثْتُ آنَذَاك أيَّ رَجُلْ.
دون بيدرو
:
لستِ إذَن يا هيرو عَذْرَاء! يا
ليوناتو!
يُؤسِفُنِي أن أُجْبِرَكَ على أن تُصْغِي؛
فَبِشَرَفي أُقسِمُ
إني وأخِي والكُونت المَكْلومَ هنا
شاهَدْنَاها وسَمِعنَاها في تلك السَّاعةِ
لَيْلَةَ أمس، (٩٠)
تتحدَّثُ مع وَغْدٍ من شُبَّاكِ
المخدَعْ،
بل إنَّ الوَغْدَ انْفَلَتَ
لِسَانُه،
وأقرَّ بأنَّهما الْتَقَيا سِرًّا
دون جون
:
تبًّا لِلِقَاءَاتٍ آثِمَةٍ تبًّا! لا
وَصْفَ لها يا مَولاي
١٥ (٩٥)
ولا يَجْدرُ أن نَتَحَدَّثَ عَنْها!
لا نَمْلِكُ في اللُّغَةِ مِنَ الألْفَاظِ
العَفَّة ما نقدِرُ أن
نَنْطِقَه إلَّا وجَرَحْنا الإحْسَاس! وإذن
يا ليدي يا حَسْنَاء،
يُؤْسِفُنِي أن يَثْبُتَ مَسْلَكُكِ
المُنحَلُّ المُنْحطُّ!
كلوديو
:
آهٍ يا هِيرو! كَمْ كَان بِوسْعِكِ
تَخْلِيدُ اسْمِكِ (١٠٠)
لو أنَّكِ جنَّدتِ ولَوْ نِصْف مَفَاتِنِ
جِسْمِكِ
لمحَاصرةِ نَوَازعِ قَلْبِكِ وشَوَارِدِ
أفْكَارِك!
لكنِّي أسْتَودِعُكِ الله! يا شرَّ الخلقِ
وخَيْرَ الخَلْق!
١٦
ووَدَاعًا يا أطْهَرَ دَنَسٍ، يا أَدْنَس
طُهرٍ!
من أجلِكِ أُغلِقُ أَبْوَابَ الحُبِّ جميعًا
١٧ (١٠٥)
ولَسَوفَ تُقِيمُ الرَّيبَةُ فَوْقَ
جُفُوني،
لِتُحوِّلَ كُلَّ جَمَالٍ لخَواطِرِ
ضُرٍّ؛
كي يَفْقِدَ للأَبَدِ الفِتْنَةَ
والسِّحر!
ليوناتو
:
أفَلا يغرِسُ أحدٌ خِنْجَرَهُ في هذا الصَّدر؟ (تسقط
هيرو مغشيًّا عليها.)١٨
بياتريس
:
ماذَا بِكِ يا ابنَة عَمِّي؟ ولماذا انْهَرتِ عَلى
الأرْضِ؟ (١١٠)
دون جون
:
هيَّا نَذْهَب! إنَّ تَكَشُّفَ ما انْكَشَفَ
هنا
قد خَنَقَ قُوَاهَا حتَّى أرْدَاهَا.
(يخرج دون بيدرو، وكلوديو، ودون
جون.)
بينديك
:
ما حالُ اللِّيدي؟
بياتريس
:
ماتَتْ في ظَنِّي! النَّجْدَة يا عَمِّي!
أقْبِلْ!
هيرو! لَهفِي يا هيرو يا عَمِّي، يا سِنيور بينديك،
١٩ يا كاهنْ!
ليوناتو
:
أطْبَقْتَ عليها يا قَدَرُ فلا تَرْفَعْ
كَفَّكَ عَنها، (١١٥)
فالموْتُ لَدَيْنا خَيْرُ دِثَارٍ نَرْجُوهُ
لِسَتْرِ العارْ.
بياتريس
:
ما حالُكِ يا ابنةَ عَمِّي هيرو؟
(هيرو تتحرك وتومئ.)
القس
:
مَوْلَاتي اطْمَئِنِّي.
ليوناتو
:
هل تَجْرُؤُ عَيْنَاكِ على النَّظرِ إلى المَلأ الأعْلَى؟٢٠
القس
:
قَطْعًا! لمَ لا؟
ليوناتو
:
لِمَ لا؟ أفَلَا تَصْرُخُ كُلُّ
المَخْلُوقَاتِ الأَرْضِيِة (١٢٠)
بالعارِ عَلَيْها؟ هَل تَقْدِرُ أن تُنْكِرَ
في هذا المَوقِفِ
قِصَّتَها المطبُوعَة في دَمِها؟ لا
تَحْيِيْ يا هيرو!
بل إيَّاكِ وفتْح عُيُونكْ!
لو أنِّي كنتُ أظُنُّ بأنَّ الموتَ
سيَتَأخَّرُ عَنْك،
أو أنَّ قواكِ الجَسَديَّة أقوَى من عارِكْ،
(١٢٥)
لَهرِعتُ على أثَرِ فَضِيحَتِكِ بِغَرْسِ
الخِنْجَرِ في صدْرِك!
هل كنتُ حَزِينًا أنِّي لم أُرْزَق إلا
بفَتَاةٍ واحدةٍ؟
هل كان لِساني يَشْكُو من تَقْتِير
الأقْدَار؟
واحدةٌ مِثْلُكِ أكثرُ ممَّا يبْغِي المَرء!
ولماذا جَاءَتني؟
ولماذا كُنتِ بِعَيني دومًا ذاتَ جمَال؟
(١٣٠)
لِمَ لَمْ يتلطَّف قَدَرِي ويَمُدَّ إليَّ
يَدَ الإحْسَانِ فَيَجعلَني
شحَّاذًا أحمِلُ بين يديَّ رضِيعةْ،
حتَّى أقفَ لدى مَدْخَلِ بَيْتِي وأصيحَ،
وقد
لوَّثَها العارُ ولَطَّخَها، ليْسَت تِلْكَ
فَتَاتي!
«ينبُعُ هذا العَارُ هُنا من صُلْبٍ
مَجْهُولْ!»
لكنَّك بنتي! مَنْ أحْبَبتُ ومَنْ
أَثْنَيْتُ عَلَيها،
بِنتِي، مَنْ كنتُ بها أتفاخَرْ! بل كانت
عِندي
— مِن فَرْطِ وُلُوعي وفَنَائِي فيها —
أغْلَى مِن نَفْسي!
لكنَّ فَتَاتي، وا أسفَا، سَقَطَتْ في جُبٍّ
مِن حِبرٍ أسوَدْ
ومِدَادُ الجُبِّ الأسوَدِ لا يَغْسِلُهُ
البَحرُ الشَّاسِعُ؛ (١٤٠)
إذ لا يَقْدِرُ ما فيه من الماء على مسْحِ
العارِ،
ولا يَقْدِرُ ما فيه من المِلْحِ على حِفْظِ
الجَسَدِ
وقَدْ لَوَّثَهُ الشَرِّ!
٢١
بينديك
:
يا سيِّدي عَلَيكَ بالصَّبْرِ الجَمِيل!
أمَّا أنا فإنَّنِي،
مِن فَرْطِ دَهْشَتِي التي غَمَرتْني،
أصبَحتُ عَاجِزًا عنِ الكلام.
٢٢ (١٤٥)
بياتريس
:
أقْسَمتُ بِرُوحي إنَّ ابْنَةَ عمِّي
مَظْلُومة!
بينديك
:
تُراكِ قد شَاركْتِها الفِرَاش لَيْلَة أمْس؟
بياتريس
:
كلَّا بالحقِّ ولكنِّي حتَّى ليلةِ
أمس،
كنتُ أشَاركُها المَضْجَعَ طِيلَةَ عامٍ كامل.
٢٣
ليوناتو
:
في ذَاكَ توكيدٌ وتَثبيت! زادَ اليَقينُ
قُوَّةً (١٥٠)
حتى وإنْ دعَمَتْهُ قُضْبَانُ الحَديدِ
قَبْلًا!
هل يكذِبُ الأمِيرَان؟ وهَل كُلُوديو
كاذبٌ،
وهوَ الذي أحبَّها حُبًّا حَدَا به عند
الحديثِ عن آثَامِها،
أنْ يَغْسِلَ الآثَامَ بالدُّمُوع؟ إنِّي
نَبَذتُها وليَختَطِفها الموت!
القس
:
أرجو أن تُصغِيَ لي لحظاتٍ مَعْدُودَة:
(١٥٥)
لم ألجأ للصَّمتِ طُوالَ المشهدِ
تاركًا الأقدارَ تُحَقِّقُ ما تَبغي،
إلَّا كي أرقُبَ هيرو! ولقد لاحَظْتُ
٢٤
ظُهُورَ طُيُوفٍ لا حَصْرَ لها من ألوَانِ
حَيَاءٍ جَمٍّ
فوق مُحَيَّاهَا،
٢٥ وطُيُوفًا أخرى لا حَصْرَ لها
أيضًا (١٦٠)
تشهَدُ بِبَراءَتِها، بَيْضَاء بَيَاض
ملائِكةٍ نُورَانيَّةْ،
تهزِمُ ألوانَ الخجَلِ المذكورة! وبِعَينيها
اشتَعَلت نارٌ
تُحرِقُ مُفتريات أميريْنا
٢٦ والتشكيك كذلك في
صادِقِ عُذريَّتِها! لكَ أن تدعُونِيَ
أحمَقَ،
أو تنزِع ثِقَتَكَ في مَعرِفَتي أو في
نَظَراتِي الثَّاقِبة (١٦٥)
مُدَعَّمَةً بتجارِبَ تَطبعُ أقوالي
وقِرَاءاتي
بالحقِّ السَّاطِع! بلَ وانزعَ ثِقَتَك في
هرَمِي
ووَقَاري أو كَهَنُوتي أو ربَّانيَّة
عِلْمِي
إنْ كانت هيرو كاذبة، أو لم تكُ في الحقِّ
بريئة
وضحيَّةَ خَطَأٍ فَاحشْ. (١٧٠)
ليوناتو
:
ذاكَ مُحالٌ يا قِس! إذ تشهَدُ أن لم يَبْقَ
لها من كفَّارة،
إلا عَدَم إضافةِ إثمٍ آخر لِسِجِلِّ
مساوِئِها
بخَطِيئة حِنثٍ في القَسَمِ! لم تُنكِر هي
تلك التُّهمَة،
فلماذا يا قِسُّ تحاول أنتَ الإتيَان لنا
بِذَرَائع شتَّى،
كي تُخفي ما يبدو في صُورَةِ حقٍّ ساطِعْ؟
(١٧٥)
القس
:
مَنِ الذي اتُّهِمْتِ يا هيرو بهذا الإثم في
صُحبَتِه؟
هيرو
:
يعرِفُه أصحابُ التُّهمة! لكنِّي لا أعرِفُ
أحدًا!
لو كنتُ أحيطُ بمعرفةٍ عنْ أيِّ رجالِ
الأرضِ الأحياءْ
تَتَجاوزُ ما يَقبَلُه خَفَرُ
العَذْراء،
لا رَحِمَ الله خَطَايَايَ جَمِيعًا! إيِه
يا أبتيِ!
٢٧ (١٨٠)
لو أثبتَّ بأنِّي كنتُ أُحادِثُ
رجلًا،
في وقتٍ غيرِ مُلائِم، أو أنِّي ليلةَ
أمس
كنت أُبادِلُ مخلوقًا أيَّة كلمات؛
فانْبِذنِي واكرَهْني بل عذِّبني حتى
الموت!
القس
:
خطأٌ غَرِيبٌ قد تردَّى فيه كلُّ مِنْ أميرَيْنا!٢٨ (١٨٥)
بينديك
:
مِنْ بينهمو اثنانِ من السَّادَة، مَشهُودٌ
لهما بالشَّرفِ الحقِّ!
وإذا كانا قد خُدِعَا، رغمَ الفِطنَة
والحِكمة،
فالخُدْعَةُ مِن تَدبيرِ السَّافِلِ جون النَّغْل،
٢٩
فهو ابنُ سِفَاحٍ ويُوجِّه كلَّ قُوَاه
لِتَدبيرِ أحابِيل الشَّرِّ!
ليوناتو
:
لا أدْرِي. لو صَدَقَتْ أقوَالُهمو عَنْها
(١٩٠)
فلسوفَ أقطِّعُها إربًا بيديَّ. أمَّا إن
كانوا قد ثَلَمُوا شَرَفَ البنتِ
فسوف أُجَازِي أكثرَهُم عِزًّا وتفاخرْ!
٣٠
ما جَفَّفَ كرُّ الزَّمن دِماءَ شبابي
بَعْد!
لم يُفلِح هَرَمِي في أن يَلتَهِمَ ذَكَائي
ودَهَائي،
أو تعصِف أقْدَاري القُلَّبُ بثرائي،
(١٩٥)
بل ما عِشْتُ حياةً ظالمةً تحرِمُني من
أصحابي،
وغَدًا يشهدُ كُلٌّ منهم فيَّ الصَّحْوَةَ
كاملةً،
بالقُوَّةِ في الأطرافِ وخيرِ الفِطنَةِ في
العَقْل،
والسَّعَةَ بإنفاقِ المَالِ وحُسنِ خياري للأصحاب،
٣١
كي أثأرَ مِنهُم ثَأرًا يَشفِيني.
(٢٠٠)
القس
:
أرجوكَ تَريَّثْ، ولتَعْمَل بمشُورَتي الآن
عليك:
تَرَكَ أميرانا هيرو مُقتَنِعيْن بموتِ
البِنت!
فلْتَحْتَجِبِ البنتُ عن الأعيُن زمنًا
ما،
وأذِع في الناس بأنَّ البِنتَ بحقٍّ
ماتت،
وأشِعْ كُلَّ مظاهِر حُزنِكَ وحِدادِكَ.
(٢٠٥)
وعلى شاهِدِ مَدْفَنِ أُسْرَتِكَ التالِد
عَلِّقْ
أشعار رثاءٍ وأقِمْ كُلَّ شعائِرِكَ
المُعتادةِ
في دَفْنِ الموتَى.
ليوناتو
:
ما غاية هذا كُلِّه؟ ماذا يُجْدِي ذلك؟
القس
:
أُقْسِمُ إنْ نحنُ أجدْنا التنفيذَ أفَدْنا
هيرو؛ (٢١٠)
فلسوف نحوِّلُ ما كان سبابًا للبنتِ إلى
نَدَمٍ وأسًى،
لكنَّ مَرَامي مِن هذا المشْرُوع
المستغْرَبِ أبعدُ مِنْ ذلك؛
إذ أرجُو أن تَتَمخَّض آلامُك عن مَولِدِ
شيء أعظم!
فَلَسوف نُؤكِّد دومًا أنَّ الِبنتَ قَضَت
فور سماعِ التهمة، (٢١٥)
ولَسَوفَ إذَن يَبْكِيها النَّاس ويُبدُون
الإشفاق،
ويلتمِسُون الأعذَار بِلا استثنَاء. فالواقع
أنَّا
لا نُدرِك قيمةَ ما في أيدِينا حقًّا أثناء
تمتُّعنا بِوجودِه،
لكنْ حين يَضيعُ ونفتقده،
فَلسَوْفَ نُغَالي في قِيمَتِه بل نُدْرِك
فيه مَزَايَا (٢٢٠)
لمْ تتكشَّفْ أثناء وُجُودِ الشَّيء بأيدينا
حِين مَلَكنَاه.
وَلَسَوفَ يكونُ كلوديو في تِلكَ
الحَال:
فإذا سمِعَ بأنَّ حَبِيبَتَه ماتت فوْرَ
الإصغاءِ لِكلماتِه،
فلَسوفَ نرى صورةَ محيَاهَا تَتَسلَّلُ في
رِفْقٍ وعُذُوبةِ خَطوٍ
لحياة مُخيِّلَتِه! وستكسو كلَّ مَلامِحِهَا
الفاتنة الحية (٢٢٥)
برداءٍ أثْمَنَ ورُوَاءٍ أكثر إيقاظًا
للحسِّ،
رقيقًا يزخَرُ بالرُّوحِ الحيَّة كيْ
يَتَغلغلَ في عَيْن الذِّهنِ وما يُدركُه
القلبُ
بأكثر ما كان الحالُ عليه في أثناءِ حَيَاة
حَبِيبَتِه.
ولسوف إذن يبكي ما فَقَدَه — (٢٣٠)
إنْ كان الحُبُّ تمكَّن يومًا ما من كَبدِه —
٣٣
بل يتمنَّى لو لم يرْمِ ابنَتَكَ بتلك
التُّهمة،
حتَّى لو كان يظنُّ بأنَّ التُّهمة ثابِتةً
وصَحِيحة.
نفِّذْ هذي الخطَّة، وتأكَّد أنَّ التنفيذَ
سيأتي
بثمارٍ أفضلَ وعواقِبَ أجمل ممَّا
(٢٣٥)
أقدِر أن أحدِسَه أو أتوقَّعَهُ
الآن.
أمَّا إنْ أخطَأنَا المرمَى في كُلِّ
عَوَاقِبَ نرجُوها،
باستِثنَاء العاقِبةِ المَذكُورَة،
فتَظَاهُرُنا بوَفَاةِ ابنتِكَ
كفيلٌ أن يوقِف لَوْكِ الألسنةِ لِعَار
فَضيحَتِها.
وإذا لم نَنجَح فعَلَيْكَ بأن تُخْفِيها —
(٢٤٠)
سترًا ووقاءً للصِّيتِ المجرُوح —
في مَأوًى مَعْزُولٍ أو في أحَد
الأدْيِرَة،
بِمَنْأى عَن كُلِّ لِسانٍ أو عَينٍ أو
ذِهنٍ أو ضُرٍّ.
بينديك
:
سنيور ليوناتو! أرجُوك أن ترضَى ِبِمَا أشار
هذا القِسُّ بِه!
ورغمَ ما عَلِمْتَهُ مِنْ حُبِّي العَمِيقِ
والعَلاقَة الحمِيمَة (٢٤٥)
بَيني وبَينَ ذلك الأميرِ وكلوديو،
فَسَوفَ أُبقِي السِّرَّ مكتُومًا، قَسَمًا
بما لي من شَرَف،
مُراعِيًا مَبَادِئَ الإنصَافِ في هذي
القضية،
كأنَّني بالحَقِّ رُوحُكَ التي في
بَدَنِك!
ليوناتو
:
ما دُمْتُ ببحرِ الأحزان فإنِّي أتعلَّقُ في اليمِّ
بأصغر قَشَّةْ! (٢٥٠)
القس
:
أحسنتَ بأن وافَقْتَ فهيَّا للعمل بلا
إبطاءْ؛
فغَرِيبُ الأدوية وأعجَبُها لِغريبِ الأمراض
شِفاءْ.
هيَّا يا آنسة إلى الموتِ تعُودي بَيْن
الأحياءْ،
واعتبري أنَّ زَفَافَكِ لمْ يُلْغَ وإن طال
الإرجاءْ.
واعتَصَمي بالصَّبر إذنْ وتَحَمُّلِ كُلِّ
عناءْ.
(يخرج الجميع ما عدا بينديك
وبياتريس.)
بينديك
:
هل كُنتِ تَذرِفين الدَّمعَ يا بياتريس طُولَ هذا المشهَد؟٣٤٣٥ (٢٥٥)
بياتريس
:
نعم وسوف أذرف الدموع فترة أطول.
بينديك
:
لن أرجو ذلك.
بياتريس
:
لا داعي لرجائك؛ فأنا أبكي باختياري.
بينديك
:
أعتقد واثقًا أن ابنة عمك الحسناء أضيرت.
(٢٦٠)
بياتريس
:
ما أعظم الجزاء الذي يستحقه عندي الرجل الذي يثأر
لها!
بينديك
:
هل من سبيل إلى إثبات مثل هذه الصداقة؟
بياتريس
:
أرى السبيل واضحًا مباشرًا، ولا أرى هذا
الصديق!
بينديك
:
هل لرجلٍ أن يقوم بذلك؟ (٢٦٥)
بياتريس
:
المهمة مهمة رجال، ولكنك لا تصلح لها!٣٦
بينديك
:
لا أحب شيئًا في الدنيا قدر حبي لك! أليس هذا
غريبًا؟
بياتريس
:
بل غريبًا غرابة كل ما أجهله. وربما استطعت
أن أقول أنا أيضًا إنني
لا أحب شيئًا قدر حبي لك، لكن لا تصدقني!
ومع ذلك فلست (٢٧٠)
كاذبة، فأنا لا أعترف بشيء ولا أنكر شيئًا،
وأشعر بالأسى لما حلَّ
بابنة عمي.
بينديك
:
أقسم بسيفي يا بياتريس إنك تحبينني.
بياتريس
:
لا تقسم قسمًا وتبتلعه!
بينديك
:
أقسم على السيف إنك تحبينني، وسأرغم من ينكر
حبي لك على (٢٧٥)
ابتلاع السيف!
بياتريس
:
ألن تبتلع كلمتك؟
بينديك
:
بل مهما تكن الصلصلة التي تبتكر لها! وأنا
مصرٌّ على إعلان حبي
لك!
بياتريس
:
وإذن فليغفر الله لي!٣٧ (٢٨٠)
بينديك
:
أي ذنب يا بياتريس الرقيقة؟
بياتريس
:
لقد استوقفْتني في ساعة هنيئة،
٣٨ إذ كنت أوشك أن أعلن أنني
أحبك.
بينديك
:
أعلنيها من كل قلبك.
بياتريس
:
لقد مَلَكَ حُبُّكَ أقطار قلبي فلم يترك فيه ذرةً
مُعارِضَةْ! (٢٨٥)
بينديك
:
هيا اطلبي مني أن أفعل شيئًا من أجلك.
بينديك
:
لا لا! ولو نلت الدنيا وما فيها!
بياتريس
:
إنك تقتلني برفضك، إلى اللقاء. (٢٩٠)
(تبدأ السير في طريق الخروج.)
بينديك
:
تمهَّلي يا بياتريس الرقيقة (يستبقيها بيده)
بياتريس
:
إني ذهبت وإن كنت هنا. ليس في قلبك حب. لا
أرجوك! ارفع
يدك ودعني أذهب!
بينديك
:
بياتريس …
بياتريس
:
أقسم إني سأذهب. (٢٩٥)
بينديك
:
فلنصبح أصدقاء أولًا!
بياتريس
:
هل تستَسهِلُ مصادقتي عن مقاتلة عَدُوٍّ لي؟!
بينديك
:
وهل كلوديو عدو لك؟
بياتريس
:
أفلم يُثبِتْ أنه وغد إلى أقصى الحدود؟ أفلم
يقذف بالباطلِ (٣٠٠)
والبهتان ابنة عمي، ويحتقرها ويلوِّث شرفها؟
ليتني كنتُ
رجلًا حتى أنازله! يا عجبًا! هل يخدعها
بالذهاب إلى موقع عقد
القران ثم يرميها فيه بالتهمة علنًا،
بالباطل والبهتان السافر المباشر
والحقد القاهر؟ يا لله ليتني كنت رجلًا! إذن
كنت ألوكُ قلبه وسط
السوق! (٣٠٥)
بينديك
:
أصغي إليَّ يا بياتريس …
بياتريس
:
«تتحدث مع رجل من النافذة!» رواية تقبل
التصديق!
بينديك
:
كلا ولكن يا بياتريس …
بياتريس
:
واهًا لهيرو الرقيقة! إنها مظلومة، مفترًى عليها،
ضاع شرفها! (٣١٠)
بينديك
:
بياتريس …
بياتريس
:
أمراء وأشراف
٤٠ حقًّا! شهادة أميرية، ورواية
مشرفة! الكونت
«مهلبية»،
٤١ لا بد أن يكون شهمًا حلو المذاق!
آه ليتني كنت رجلًا (٣١٥)
حتى أتصدى له! أو ليت لي صديقًا يغدو رجلًا
من أجلي! ولكن
الرجولة ذابت اليوم في مظاهر السلوك
«المهذبة»، كما ذابت
الشجاعة في المداهنات الخاوية، واستحال
الرجال ألسنة، بل ألسنة
ذربة ذلقة! لقد أصبح الرجل اليوم شجاعًا مثل
هرقل الذي يقتصر
على قول الكذب ويقسم إنه صادق! لن تفلح
الأماني في تحويلي (٣٢٠)
لرجلٍ، ومن ثَمَّ فسوف أموت امرأة من فرط
الحزن!
بينديك
:
تمهَّلي يا بياتريس الرقيقة! أقسم بهذه اليد٤٢ إني أحبك!
بياتريس
:
أَثْبِتْ بها حبك لي بأسلوب آخر غير
القَسَمِ!
بينديك
:
هل تؤمنين في قرارة نفسك أن الكونت كلوديو يتجنى على
هيرو؟ (٣٢٥)
بياتريس
:
نعم! ثقتي بذلك ثقتي بفكري أو بروحي.٤٣
بينديك
:
يكفي ذلك، هذا عهدي لك! سأتحداه للمبارزة،
وسوف أَقَبِّلُ
يَدَكِ الآن قبل أن أتركك.
٤٤ قسمًا بهذه اليد سوف أحاسب
كلوديو
حسابًا عسيرًا. وليعتمدْ رأيُك فيَّ على ما
يصلك من أنبائي، اذهبي (٣٣٠)
فَسَرِّي عن بنت عمك، أما أنا فلا بد أن
أقول إنها ماتت. إلى اللقاء
إذن.
(يخرجان، كلٌّ منهما من باب
مختلف.)
المشهد الثاني
(المنظر: غرفة مكتب أو استقبال في السجن.
يدخل الكونستابلان دوجبري وفيرجيز، والقَنْدَلَفْت الذي يقوم
بمهمة كاتب المحضر، وهم يرتدون الأرواب الرسمية، ومعهم أفراد
الحرس وبوراكيو وكونراد.)
دوجبري
:
هل اكتمل لنا النصاب القانوني؟٤٥
فيرجيز
:
نعم، وهذا الكرسي والوسادة لحضرة الكاتب.
الكاتب
(وهو يجلس)
:
مَنْ المُتَّهَمُون؟
دوجبري
:
نحن! أنا وشريكي هذا.
فيرجيز
:
قطعًا! إذ لدينا التكليف٤٦ بإجراء التحقيق. (٥)
الكاتب
:
ولكن من المُتَّهَمُونَ الذين سوف يجري
التحقيق معهم؟ (إلى
دوجبري) مُرْهُمْ أن يحضروا يا حضرة
الكونستابل.
دوجبري
:
فعلًا! فليحضروا أمامي. (الحرس يأتون
بالرجلين، بوراكيو
وكونراد، ثم يتراجعون)، (إلى بوراكيو) ما
اسمك؟ (١٠)
بوراكيو
:
بوراكيو.
دوجبري
(إلى الكاتب)
:
اكتب بوراكيو أرجوك. (إلى كونراد) وما اسمك
أنت يا غلام؟
كونراد
:
بل سيد شريف يا سيدي، واسمي كونراد. (١٥)
دوجبري
:
اكتب «السيد الشريف كونراد». أيها السيدان هل تعبدان
الله؟
كونراد وبوراكيو
:
نعم يا سيدي، نرجو ذلك.
دوجبري
:
اكتب إنهما يرجوان أن يعبدا الله. واكتب لفظ
الجلالة أولًا! فمعاذ (٢٠)
الله أن نُقَدِّمَ عليه هذين الشقيَّين.
أيها السيدان، لقد ثَبَتَ قَبْلًا
أنكما
من الأوغاد الخونة، وسوف نقيم البرهان على
ذلك بعد قليلٍ، ما
ردكما على ذلك؟ (٢٥)
كونراد
:
نقول يا سيدي لسنا كذلك.
دوجبري
:
رجل ذو لماحية بارعة، قطعًا! لكني أعرف كيف
أحاوره! (إلى
بوراكيو) تقدم أنت يا غلام! يا سيدي، دعني
أقول لك في أذنك
٤٧
إننا نرى أنكما وغدان خائنان. (٣٠)
بوراكيو
:
وأقول لك يا سيدي لسنا كذلك.
دوجبري
:
تنحيا إذن. أقسم يمين الله إنهما متواطئان.
(إلى الكاتب) هل كتبت
إنهما ليسا كذلك؟
الكاتب
:
يا سيدي الكونستابل، ليست هذه طريقة
التحقيق. لا بد أن تستدعي (٣٥)
الحراس الذين اتهموهم.
دوجبري
:
فعلًا والله! هذه أبرع طريقة! فليتقدم
الحرس! (الحراس يتقدمون)
أيها السادة الحراس آمركم باسم الأمير أن
توجهوا الاتهام إلى هذين
الرجلين. (٤٠)
الحارس ١
(مشيرًا إلى بوراكيو)
:
هذا الرجل يا سيدي، قال إن دون جون،
شقيق الأمير، وغد!
دوجبري
:
اكتب يا كاتب «الأمير جون وغد». يا عجبًا!
هذا في ذاته يُشَكِّلُ
خيانة واضحة! أن يدعو أخا الأمير
وغدًا!
بوراكيو
:
يا حضرة الكونستابل … (٤٥)
دوجبري
:
أرجوك أنت أن تصمت! ولا يعجبني شكلك أيضًا، ثِق في
هذا!
الكاتب
:
وماذا سمعته يقول أيضًا؟
الحارس ٢
:
بالحقِّ أنه تقاضى ألف دينار من دون جون
مقابل توجيه تهمة ظالمة (٥٠)
لليدي هيرو!
دوجبري
:
خيانة صريحة لا تدانيها خيانة!
فيرجيز
:
نعم وأُقْسِمُ!
الكاتب
:
وماذا أيضًا يا رجل؟
الحارس ١
:
وأن الكونت كلوديو كان ينتوي، وفقًا لما
قاله، أن يُشَهِّرَ بالليدي (٥٥)
هيرو أمام الحشد كله، وألَّا
يتزوجها!
دوجبري
:
يا للشرير! لسوف يعاقبك الله «بالخلاص»
٤٨ الأبدي لقاء قولك
هذا!
الكاتب
:
وماذا أيضًا؟ (٦٠)
الحارس
:
هذا كل شيء.
الكاتب
:
وهو أكثر أيها السيدان مما تستطيعان إنكاره.
فلقد فَرَّ الأمير جون
هذا الصباح، مُتَسَلِّلًا خفية، ووُجِهَتْ
الليدي هيرو بالتهمة على
النحو المذكور، ورفضَ كلوديو الزواج بها على
النحو الموصوف
أيضًا، وما إن سمعتْ ذلك الاتهام حتى صعقها
الحزن فماتت. (٦٥)
يا حضرة الكونستابل، ضَع هذين الرجلين في
القيود، وأحضرهُما
إلى منزل ليوناتو، وسوف أسبِقُ الجميع لأعرض
عليه نتيجة
التحقيق.
(يخرج الكاتب.)
دوجبري
:
هيا قَيِّدوهما.٤٩
فيرجيز
:
ضعوا القيود في أيديهما. (يتقدم الحراس منهما
لتقييدهما) (٧٠)
كونراد
:
خَلِّ عني يا مغفل!
دوجبري
:
يا لله! أين الكاتب؟ ليته كان هنا حتى يسجل
أن ضابط الأمير
مغفل! هيا قيدوهما (إلى كونراد الذي يبدي
المقاومة) أيها الشرير
الحقير!
كونراد
:
خلِّ عني! أنت حمار، أنت حمار! (٧٥)
دوجبري
:
أفلا تحترم
٥٠ منصبي؟ أفلا تحترم سِنِّي؟ ليت
الكاتب كان هنا ليسجل
أني حمار! ولكن اذكروا أيها السادة أني
حمار، ولو لم يكتب
ذلك! لكن لا تنسوا أني حمار. لا يا أيها
الشرير! إنك مفعم
«بالورع»
٥١ كما سوف يثبت عليه بشهادة الشهود
الصادقة. واعلم (٨٠)
أنني حكيم، زد على ذلك أني ضابط، زد على ذلك
أني أملك
منزلًا،
٥٢ زد على ذلك أني وسيم الطلعة أجاري
أفضل رجل في
مسينا، ورجل يعرف القانون — تقدَّم! —
ولديَّ ثروة كافية، هيا
بنا!
٥٣ ورجل ذاق طعم الخسائر المادية،
٥٤ ورجل لديه عباءتان (٨٥)
رسميتان، ولديه كل ما يبعث الرضا! هاتوه
معنا! هيا! ليت
الكاتب سجَّلَ أنني حمار!
(يخرج الجميع.)