مهمة … لإنقاذ العالم!
أنهى رقم «صفر» حديثه بجملتِه التقليدية: إنَّني في انتظار أسئلتكم. وقبل أن تمضي دقيقة واحدة، تردَّد صوتٌ مُتقطِّع فهم منه الشَّياطين أنَّ هناك رسالة عاجلة.
قال رقم «صفر»: لحظة واحدة، فربما كانت هناك معلومات جديدة. وأخذ صوت أقدامه يختفي حتى تلاشى تمامًا.
كان الشياطين يتأمَّلون الخريطة الإليكترونيَّة المضاءة أمامهم، والتي كانت تُحدِّد مكان مغامرتهم الجديدة، فجأة أُطفئت الخريطة، حتى إنَّ ذلك رَسَمَ علامة استفهام في خيال الشياطين: وقالت «زبيدة»: يبدو أنَّ هناك شيئًا غير عاديٍّ، فهذه أوَّل مرة تنطفئُ فيها الخريطة قبل أن ينتهي اجتماعنا.
لم يُعلِّق أحد على كلام «زبيدة»، فقد كانت هذه مسألة لافتة للنَّظر فعلًا، إلَّا أنَّ أحدًا من الشَّياطين لم يستطع أن يصل إلى سبب محدَّد. ومرَّت ربع ساعة، كانت تبدو ثقيلة؛ فلقد استعدَّ الشَّياطين فعلًا للانطلاق، لولا تلك الرسالة الجديدة. إنَّهم يعرفون ما سوف يفعلونه، بعد أن شرح لهم رقم «صفر» كل التفاصيل.
لمعت لمبة حمراء في أعلى الخريطة فقال «باسم» بسرعة: إنَّنا أمام عمليَّة خطيرة، وهذه أوَّل مرَّة، يستخدم فيها رقم «صفر» لمبة الخريطة الحمراء.
ابتسم «بو عمير» وقال: إنَّ ذلك يجعل مغامرتنا أكثر متعة …
فعلَّق «رشيد»: أو أكثر صعوبة!
لقد ظلَّ الشَّياطين يحاولون التَّكهُّن بشيءٍ، إلَّا «أحمد»، الذي ظلَّ صامتًا، يستمع إليهم فقط، فجأة بدأ صوت أقدام رقم «صفر» يظهر، وصمتَ الشَّياطين، إنَّهم الآن في انتظار الجديد الذي سوف يقوله، اقتربت الأقدام تمامًا حتى توقفت، مرَّت نصف دقيقة قبل أن يقول رقم «صفر»: إنَّ هناك مهمَّةً عاجلة جدًّا، تجعلنا نُفكِّر في تأجيل مغامرتنا، وهي كما أرى، تَحتمِل بعض التَّأجيل. إنَّ المهمة الجديدة قد تحتاج الشَّياطين جميعًا، إنَّها في النِّهاية … مهمَّة إنقاذ العالم …
كانت الجملة الأخيرة، كفيلة بأنْ تجعل الشَّياطين يُفكِّرون ألف مرة، إنَّ مهمة إنقاذ العالم تعني أنَّ العمليَّة خطيرة. وكما يقول رقم «صفر». إنَّها قد تحتاج إلى الشَّياطين جميعًا. نظروا في اتجاه الصَّوت باهتمامٍ، في انتظار أن يُفسِّر لهم رقم «صفر» هذه المهمة التي سمَّاها «مهمة إنقاذ العالم» … طال صمت رقم «صفر»، حتى إنَّ الشياطين قد بدءوا يُفكِّرون في سؤاله، إلا أنَّه قال: إنَّنا أمام موقف يُمكن أنْ يكون بداية لحرب عالمية شاملة، وصمت مرةً أخرى.
كانت الكلمات غامضة، حتى إنَّهم لم يستطيعوا فهم شيء، ومسألة قيام حرب عالميَّة شاملة مسألة خطيرة، وعندما يكون عليهم أن يمنعوا هذه الحرب، فإنَّ ذلك يستدعي عملًا ضخمًا. لكن هذا العمل الضَّخم لم يشغلهم، إنَّ ما يشغلهم حقًّا هو طبيعة هذا العمل.
قال رقم «صفر» في هدوء: لقد ظهرت عصابة جديدة خطيرة؛ هي عصابة الإصبع الذهبية أو «الجولد فينجر»، وهي عصابة مستقلَّة تمامًا، لا تعمل مع «سادة العالم»، أو أيِّ عصابة أخرى، وهذه العصابة مهمَّتها غريبة؛ فهي لا تعمل إلَّا في التدمير، فهي يُمكن أن تُدمِّر أيَّ شيءٍ دون هدف بقصد التدمير نفسه. إنَّها تبدو وكأنَّها مجموعة من المجانين، وهي لذلك قد بدأتْ عمليَّة خطيرة، تلك التي رَوَيتُ لكُم عنها، إنَّها يُمكن أن تكونَ بدايةً لحرب عالميَّة شاملة. فالحرب ليست لها نتائج إلا الدَّمار، خصوصًا وأنَّ العصابة سوف تكون بعيدة عن طرفَي الصِّراع.
سكت قليلًا، ثمَّ قال: أنتم طبعًا تعرفون اتفاقيَّة الحد من الأسلحة النَّووية، التي تجري بين القوَّتين الأعظم؛ أمريكا والاتحاد السُّوفييتِّي، والتي تهدف إلى الحد من الأسلحة النَّووية، لأنَّ استخدامها في الحرب يؤدِّي إلى نهاية العالم، ولقد مرَّت سنوات، ولا تزال هذه الاتفاقيَّة تَتعثَّر بين القوَّتين الأعظم. أنتم أيضًا تعرفون أنَّ الأسلحة النووية عالية التَّدمير، وأنَّ الصَّواريخ عابرة القارَّات، والقنابل الهيدروجينيَّة والغوَّاصات النَّووية، كل ذلك لا يحتاج إلَّا إلى دقائق وينتهي العالم، هذا لو اشتعلت الحرب، ولقد حاولت الدُّول دائمًا ألَّا تصلَ في خداعِها إلى درجة استخدام هذه الأسلحة. ولذلك فهي تلجأ إلى الأسلحة التَّقليديَّة والحروب الصَّغيرة. كما حدث في الخلاف الذي نشب بين الاتِّحاد السُّوفييتِّي والصِّين مثلًا، أو بين أمريكا وفيتنام أيضًا منذ سنوات.
سكت رقم «صفر»، بينما كان الشَّياطين يُركِّزون انتباههم في كلِّ كلمة يقولها، وقال بعد لحظة: إنَّنا الآن أمام موقف جديد يُمكن أن يؤدِّي إلى استخدام هذه الأسلحة المخيفة. فالمباحثات التي تدور بين الدَّولتين تتوقَّف ثم تعود للاستمرار، لكنَّها لا تنقطع أبدًا لأنَّها لو انقطعت فإنَّ ذلك يعني أنَّهما قد يلجآن إلى استخدامها، صحيح أنَّه لن تحدث مواجهة مباشرة، لكن قد تحدث بشكل آخر، وعلى أرض أخرى، لكنَّها في النهاية سوف تصيب الجميع!
كانت الخريطة لا تزال مطفأة، وهذا يعني في نظر الشَّياطين، أنَّ المنطقة التي ستدور فيها مغامرتهم الجديدة ليست مُحدَّدة، وأنَّها قد تُغطي العالم كله، وهذا ما فهموه ما دام طرفا الصِّراع هما القوتان الأعظم.
في النِّهاية قال رقم «صفر»: إنَّ عصابة «الجولد فينجر»، تلعب لعبة خطيرة. إنَّها تقوم بتزييف الرسائل المتبادلة بين أمريكا والاتحاد السُّوفييتِّي، حول اتِّفاقيَّة الحدِّ من الأسلحة النَّوويَّة.
سكت رقم «صفر»، فنظر الشياطين إلى بعضهم، إنَّ معنى تزييف الرسائل أنَّه يُمكن أن يحدث صدام بينهما، وأنَّ الرسائل التي تخرج من الاتحاد السوفييتِّي إلى أمريكا تحمل وجهات نظر عنيفة، والرسائل التي تخرج من أمريكا إلى الاتِّحاد السوفييتِّي تحمل نفس الشيء، ويكون هناك موقف صعب بينهما، دون أن تدري أيٌّ من الدولتين شيئًا.
هكذا كان يفكر الشياطين، غير أنَّ رقم «صفر» قطع عليهم التفكير بقوله: إنَّ العصابة عن طريق عملاء سرِّيِّين تدسُّ خطاباتٍ متبادلةٍ بين الاتِّحاد السوفييتِّي وأمريكا لا تحمل أيَّ نوايا طيِّبة. فلا أمريكا توافق على ما يطرحه الاتِّحاد السُّوفييتِّي من أجل الحد من الأسلحة النَّوويَّة، ولا الاتِّحاد السُّوفييتِّي يوافق على ما تطرحه أمريكا من وجهات نظر، وهذا يعني في النهاية أنْ يختلفَ الاثنان، وأنَّ اختلافهما يُمكن أن يُؤدِّي بهما إلى صدامٍ نوويٍّ، وأنتم تعرفون أنَّ الصِّدام النَّووي لا يحتاج إلى تحركات ولا إلى استعراضات، إنَّه مجرد الضغط على عدة أزرار لتنطلق الصواريخ، ويتحوَّل العالم إلى جحيم.
سكت رقم «صفر» بينما كان الشَّياطين يُفكِّرون في هذه العمليَّة الغريبة، التي تقوم بها عصابة «الإصبع الذهبية»… بعد لحظة قال: إنَّ العصابة، ليست جديدة بالنسبة لنا؛ فنحن نُراقبها من مدة، ونعرف الكثير من أسرارها، لكنَّنا ننتظر قيامها بأيِّ نشاط. إنَّ تقارير عُملائنا في جميع أنحاء العالم، كانت تَرسُم لنا تحرُّكاتهم في البداية، ولم تكن تحركاتهم تزيد عن اتِّصالاتهم، وتجاربهم في تحقيق عمل يقومون به، وقد لُوحِظَ في الفترة الأخيرة أنَّ المباحثاتِ بين القوَّتين الأعظم كانت تتعثَّر كثيرًا، بجوار أنَّ التَّصريحات الدبلوماسيَّة، كانت تشُوبُها لهجة عنيفة، ولقد لفَتَ ذلك نظر عملائنا، وتبعًا لنشاطهم توصَّلوا إلى كشف هذه العمليَّة الجديدة؛ عملية تزييف الرسائل المتبادلة بين الدولتين.
إنَّ أحدًا لم يتوصَّل حتى الآن لما حقَّقه عملاؤنا، فلا تزالُ المسألة سريَّة، ولقد ظهرت تصريحات أخيرة، تُنبئ بأزمة عنيفة بين أمريكا وروسيا. أزمة يُمكن أن تؤدِّي إلى حرب عالميَّة، وعندما أقول إنَّها حرب شاملة، فإنَّ ذلك بسبب تلك الأسلحة المُخيفة التي لن تترك أرضًا بلا دمار. فأنتم تعرفون أنَّ المعسكر الغربي تتزعَّمه أمريكا، والمعسكر الشَّرقي تتزعَّمه روسيا؛ أي العالم نفسه مُنقسِم إلى كتلتين. أمَّا دول العالم الثالث فهي دول لا تستطيع أن تقف بين القوتين، ولا أن تنضمَّ إليهما؛ فهي دول فقيرة في النِّهاية، وهذه الدول سوف يصيبها الكثير من جَراء الحربِ، إذا حدث ونجحت العصابة في تحقيق هدفها.
أُضيئت لمبة زرقاء في أسفل الخريطة، فتوقَّف رقم «صفر»، عن الكلام، وقال: لحظة واحدة. يبدو أنَّ هناك معلومات جديدة، أخذت أقدام رقم «صفر» تَبتعِد حتَّى اختفت تمامًا.
كان الشَّياطين يُفكِّرون في مغامرتِهم الجديدة. هذه المغامرة التي لم يُقابلوا مثلها من قبل، وكان ما يفكرون فيه هو: أين مكان المغامرة؟ حتى إنَّ «إلهام» تساءَلتْ: هل تكون مغامرتنا على اتِّساع العالم كله، أو هناك منطقة محدَّدة سوف تجري فيها المغامرة …؟
مرَّت لحظة صمت، ثم قالت «زبيدة»: إنَّ المغامرة تحتمل هذا وذاك، فقد تكون هناك منطقة معيَّنة، وقد يكون العالم كله هو تلك المنطقة.
علَّق «قيس»، قائلًا: إنَّ الشَّياطين يُمكن أن يغطُّوا العالم، ولا يهم أن تكونَ هُناك منطقة معيَّنة. إنَّنا أمام عملية غريبة، وخطيرة! … سكت لحظة. ثم قال: إنَّني أظنُّ أنَّ هناك منطقة وسط بين الدولتين. قد تكون أوروبا.
في نفس اللَّحظة، ظهرت على الخريطة مساحة زرقاء، جعلت الشَّياطين ينظرون إليها، التقت أعينهم فما دامت الخريطة قد أُضيئت فإنَّ ذلك يعني أنَّ هناك منطقة معينة سوف تجري فيها الأحداث. لحظة ثم ظهرت خريطة العالم، وكانت مُفاجأةً لهم، فبعد أن تصوَّروا أنَّ منطقة معيَّنة سوف يرحلون إليها جاءت خريطة العالم لتعني أنَّ المغامرة سوف تُغطي مساحة الكرة الأرضية كلها، لم يكن هناك ما يُشير إلى إضافة جديدة فوق الخريطة. فقد ظلَّت تفاصيل العالم هي الموجودة.
فجأة تناهى إلى أسماعهم صوت أقدام رقم «صفر». في نفس اللحظة، تحدَّدت على الخريطة قارة أوروبا. وابتسم قيس؛ فقد فكَّر في ذلك، وأخبر به الشياطين منذ دقائق لذلك. فقد نظروا جميعًا إليه. اقتربت أقدام رقم «صفر»، أكثر وتحدَّدت على الخريطة منطقة معيَّنة، وكأنَّ خطواته كانت ترسم المنطقة المقصودة. لقد كانت المنطقة هي «الدانمارك»، وعندما توقَّفت أقدام رقم «صفر» تمامًا التفَّت دائرة حمراء، خرجت من مضيق «لوبك»، لتُحدِّد في النهاية مدينة «كوبنهاجن» العاصمة. لقد تحدَّدت أمام الشياطين الآن المنطقة التي سيرحلون إليها، لكن كلمات رقم «صفر»، جعلتهم يتوقفون، ولا يستمرون في أفكارهم.
قال: أنتم ترون مدينة «كوبنهاجن» على الخريطة الآن. إنَّها تُحدِّد المكان الذي تعمل فيه العصابة؛ ففي العاصمة الدانماركية يوجد المركز الرئيسي لها، وهي منطقة متوسِّطة كما ترون بين الاتحاد السوفييتِّي، والولايات المتحدة الأمريكيَّة. كما هو واضح على الخريطة. لكن ذلك لا يعني أنَّ نشاط العصابة مُحدَّد في المدينة. إنَّه يُغطي أماكن كثيرة من العالم خصوصًا في «واشنطن» و«موسكو»؛ حيث يقع «البيت الأبيض»، المقر الرَّسمي للرئيس الأمريكي. وحيث يوجد قصر «الكرملين» وهو: مقر الحكم السوفييتِّي، فبين المدينتَين تدور المباحثات، ومنهما تخرج الرسائل المتبادلة بين الجانبَين، هذه الرسائل التي تستطيع العصابة عن طريق عملائها السِّرِّيِّين، أن تحصل عليها، ثم تقوم بتزييِفِهَا.
صمت قليلًا ثمَّ أضاف: غير أنَّ هذه الرَّسائل، لا بدَّ أن تصل إلى المركز الرَّئيسي، حيث تتمُّ عملية التزييف. ولذلك فإنَّ مغامرتنا سوف تبدأ من «كوبنهاجن». لكنَّها في نفس الوقت قد تمتدُّ إلى أماكنَ أخرى. فقد تَنتقِل إلى «جنيف»، في سويسرا. حيث تدور المحادثات في بعض الأوقات، وحيث تستطيع العصابة أن تحصل على تفاصيل من هناك.
وسكت لمدة دقيقة ثمَّ قال: إنَّ مزيدًا من التَّفاصِيل سوف تجدونَها عند عَمِيلنَا في «كوبنهاجن». وحصولكم على رسالتين متبادلتين من داخل المركز الرَّئِيسي، سوف يكون هو المفتاح لكشف العمليَّة كلَّها.
ومرَّت لحظة قصيرة قبل أن يُضيف: إنَّنا سوف نبدأ المغامرة بأربعة من الشَّياطين على أن يكون الباقون على استعداد للتَّحرُّك في أيَّة لحظة. هل هناك أسئلة؟ سكت في انتظار ما يُمكن أن يسأله الشياطين، ولكن لم تكن هناك أسئلة؛ فقد وضحت المغامرة أمامهم تمامًا. وإذا كانت هناك تفاصيل فإنَّ تحرُّكهم هناك سوف يكشف لهم ما يريدون … لم يسأل أَيُّهم أي سؤالٍ. فقد قال رقم «صفر»: أتمنى لكم التوفيق في مهمَّة من أخطر المهام التي قمنا بها وداعًا، وإلى اللقاء …
تحرَّك صوت أقدامه حتى اختفى. في نفس اللحظة التي أُطفئت فيها الخريطة.
وتحرَّك الشَّياطين بسرعة. ولم تمض ربع ساعة على مغادرتهم قاعة الاجتماعات، حتى كانت السَّيارة تحمل أربعة منهم هم: «أحمد» و«مصباح» و«باسم» و«خالد» لتأخذ طريقها خارجة من المقر السِّري … وحيث تبدأ أخطر مغامرة في حياة الشَّياطِين.