أحمد وحده … في حجرة مظلمة!
انطلقت سيَّارة الشَّياطين تُحاول أن تلحق بسيارات العصابات، التي كانت قد اختفت وسط زحام الشوارع. في نفس الوقت ظهرت سيارة بيضاء، واقتربت من سيارة الشياطين. أعطت السيارة إشارة فهمُوها، فأخذوا جانب الشارع، وفي لمح البصر، كان «أحمد» و«مصباح» قد قفزوا من السيارة الزرقاء إلى البيضاء، التي نزل منها سائقها وتركها لهما. وبسرعة كان «أحمد» يجلس إلى عجلة القيادة. وانطلق بها. أمَّا «خالد» فقد عاد بالسيارة الزرقاء إلى فندق «آن» حيث كان «باسم» في انتظاره، ظلَّت سيارة الشياطين البيضاء في تقدُّمها، غير أنَّ سيارات العصابة، لم تظهر واحدة منها. لكن ذلك لم يجعل الشياطين يتراجعون. فجأة لمح «مصباح» سيارة سوداء وسط الزحام. لفت نظر «أحمد» إليها، فحاول الاقتراب منها … توقَّفت السيارة عندما ظهر النور الأحمر لإشارة الشارع. استطاع «مصباح» أن يلمح رقمين منها ٨٤. نقل ما رآه ﻟ «أحمد»، الذي كان مُستغرِقًا في التفكير. تغيَّر لون الإشارة إلى الأخضر، فانطلقت السيارات. وكان أحمد أسرعها، حتى لحق بالسيارة، وكانت فعلًا تحمل نفس الرقم ٣٠٠٨٤.
همس «مصباح». إنَّها بداية الخيط.
ابتسم «أحمد»، وعلَّق: أو بداية المباراة!
ظَّل خلفها بمسافة تسمح بألَّا تختفي، وبألَّا يلفت النظر إليه، انحرفت السيارة بعد مسافة صغيرة إلى شارع جانبي، فانحرف «أحمد» خلفها. أسرعت؛ فقد كان الشارع خاليًا تقريبًا، فأسرع هو الآخر … انعطفت مرةً أخرى إلى شارع جانبي، وظهرت سيارة من أحد الشوارع الجانبية، اضطرَّت «أحمد» لأن يتوقف لحظة، وعندما استمرَّ في السير حتى المنعطف، لم يجد السيارة. فوقف ثم قال: إنَّ السيارة لم تخرج من هنا. لا بد أنَّها دخلت إلى مكان ما.
تحرَّك حتى نهاية الشارع، ثم توقَّف. في نفس الوقت الذي كان فيه «مصباح» يُراقب المكان. كانت الساعة تُشير إلى الخامسة، وكان هذا يعني أنَّ الليل يقترب، وأنَّ المغامرة يجب أن تبدأ. غير أنَّ الغموض الذي كان يلفُّ كل شيء الآن، يجعل الأمور ليست سهلة … لكن الأمور لم تظل على غموضها، فلم تكد تمضي دقائق، حتى ظهرت سيارة سوداء من نهاية الشارع. ظلَّ «مصباح» يراقبها … توقَّفت أمام أحد المنازل، ثم استدارت، لتدخل فيه. نقل الصورة إلى «أحمد» الذي طلب إليه أن يُحدِّد المنزل جيدًا.
أصبح الشارع هادئًا الآن. فكَّر «أحمد» لحظة، ثم قال: يجب أن نخطو خطوة سريعة. فليس من المعقول أن نظلَّ في حالة مراقبة فقط.
نزل من السيارة في هدوء، فتبعه «مصباح». تقدما في اتجاه المنزل، حتى وقفا أمامه. لم يكن هناك ما يدلُّ على أيِّ مدخل يُمكن أن تدخل منه السيارة.
همس «أحمد»: يبدو أنَّ المكان مجهز جيدًا!
تقدما إلى الباب المغلق، وقال «أحمد»: راقب الشارع حتى أحاول.
أخذ «أحمد» يُحاول فتح الباب بطريقة الشياطين. بدأ الباب يستجيب للمحاولة. وعندما فُتِح، انطلقت أجراس الإنذار، غير أنَّ «أحمد»، لم يتردَّد لحظة. فقد دخل بسرعة وأغلق الباب، فتوقَّفت أجراس الإنذار. كان مدخل المكان واسعًا تمامًا، وخاليًا، حتى إنَّه لم يكن هناك مكان يمكن أن يَختفي فيه «أحمد». إلَّا أنَّه تصرف بسرعة، فقد رأى في نهاية المكان بابًا مغلقًا. قفز ناحيته، ثم فتحه واختفى. كانت هناك ستائر سوداء تجعل الحجرة مظلمة تمامًا. وكانت هذه فرصة ليكون في أمان.
بعد قليل تناهى إلى سمعه عدد من الأصوات تتحدَّث، وكان يبدو عليها الفزع. فكَّر بسرعة، ثم أرسل رسالة إلى «مصباح» يجب الابتعاد عن المنطقة الآن، سوف أرسل إليك مرة أخرى.
بدأت الأصوات تتضح أكثر، وسمع من يقول: لا بد أنَّ هناك أحدًا!
قال آخر: كيف فتح الباب؟!
قال ثالث: ابحثوا في كل مكان!
بدأ يسمع صوت أقدام تقترب من الباب، فكَّر بسرعة، لم يكن في الحجرة شيء، ولم تكن أمامه سوى الستائر ليختفي خلفها … اقترب من الباب بسرعة، ثم اختفى خلف الستارة القريبة منه. انفتح الباب ثم غرقت الحجرة في الضوء … كان يقف ملتصقًا بالجدار خلف الستارة، حتى لا يلفت النظر. غير أنَّه بسرعة بدأ يُفكِّر في الهجوم. إنَّ قدمَيه يُمكن أن تظهرا خلف الستارة …
اقتربت الأقدام في حذر من مكانه، ثم توقَّفت، فكَّر لعل الشخص القادم يَستخدِم مسدسه. ولحظة الصمت هذه يُمكن أن تكون لحظة إخراج المسدس، فعرف أنَّ هناك رصاصة سوف تستقر في جسده بسرعة أخذ يَحسب وقت ضغطة الزناد، وانطلاق الطلقة. وكان تقديره سليمًا. ففي نفس اللحظة التي ضغط فيها رجل العصابة على زناد المسدس، كان «أحمد» قد سقط متهاويًا على الأرض … اخترقت الرصاصة الستارة.
وفي هدوء تقدَّمت خطوات منه، وهو مُلقًى على الأرض خلف الستارة، وقد ظهرت قدمه. داس الرجل على قدم «أحمد» بقوة وكأنَّه يختبره، إن كان لا يزال على قيد الحياة، أو أنَّه انتهى إلى الأبد. كان الرجل ثقيل الوزن، وقد وقف بكل ثقله على قدم «أحمد»، إلَّا أنَّه برغم الألم قد احتمل. في النهاية، انحنى الرجل، ورفع طرف الستارة. وفي نفس اللحظة، ضربه «أحمد» بقدمه ضربة قوية، جعلته يتراجع ويسقط على الأرض، وفي لمح البصر كان «أحمد» قد قفز من خلف الستارة في اتجاه مُختلِف عن الرجل. لقد قدَّر أنَّه ربما أطلق رصاصة أخرى. وهذا ما حدث فعلًا، إلَّا أنَّ الرصاصة أصابت الستارة؛ فقد كان «أحمد» في مكان آخر.
وقبل أن يُفكِّر الرجل أيَّة فكرة. كان «أحمد»، قد ضربه ضربة جعلته ينطرح أرضًا، إلَّا أنَّ المسدس كان لا يزال في يده. وبسرعة ضرب المسدس بقدمه فطار في الهواء. وعندما مدَّ يده يلتقطه، كان الرجل قد قفَزَ واقفًا، وألقى بنفسه على «أحمد»، فسقط الاثنان على الأرض. مدَّ الرجل يده في قوة، وأمسك بعنق «أحمد»، إلَّا أنَّ «أحمد» كان قد ضمَّ رجليه إلى صدره، فأصبح الرجل بعيدًا عنه بما يكفي. فرَد رجلَيه في قوة، جعلت الرجل يطير في الهواء، وقبل أن يسقط على الأرض، كان يقف عند رأسه. نظر له الرجل في فزع. إلَّا أنَّ «أحمد» أسرع بضربة قوية، جعلته يئن. ثمَّ يتكوَّر كالكرة من الألم. وفي لحظات. كان قد شدَّ وثاقه، وجذبه في قوة، حتى أخفاه خلف الستائر، بجوار الباب مباشرة، صمت كل شيء لحظة. إلَّا أنَّ الأصوات بدأت تتردَّد من جديد. فُتح الباب قليلًا حتى يُعطي إحساسًا بأنَّ الحجرة جرى تفتيشها، وصلت إليه الأصوات في وضوح.
قال واحد: يجب أن ينتقل الاجتماع إلى مكان آخر.
ردَّ واحد: ليس قبل أن نطمئن. إنَّ الموقف يكشف أنَّنا مُراقَبُون!
مرَّت لحظة صمت، ثم قال واحد: إنَّ «روبرتو» يتحدَّث الآن إلى «كيم».
قال آخر: إنَّ «الإصبع الكبير» ينتظر تقريرًا عن الرحلة الأخيرة، وهو لا يعلم بما حدث. لا بد من إخطاره.
عرف «أحمد» أنَّ «روبرتو» هو الرجل الذي رآه قبل الآن في مطار «أورلي» في باريس. لكنه تساءل: هل «کیم» هو نفسه الإصبع الكبير؟ وهل هو نفسه رئيس الإصبع الذهبية؟ وظلَّ في مكانه خلف الباب. لم تكن هناك أصوات أقدام تتحرَّك. فيبدو أنَّ الجميع كانوا يقفون في أماكنهم.
سأل واحد له صوت خشن: هل تمَّ تفتيش الحجرات العليا؟
ردَّ آخر: إنَّه يجري تفتيشها الآن؟
قال صاحب الصوت الخشن: وحجرة الماكينات؟
ردَّ الصوت الآخر: يبدو أنَّها قد فُتِّشت، وإلَّا ما كانت مفتوحة هكذا! …
فكَّر «أحمد» بسرعة: هل الحجرة التي يقف فيها، هي نفسها حجرة الماكينات؟ وأين الماكينات إذن؟ وما المقصود بهذه الماكينات؟ هل هي ماكينات التزييف، أو أنَّها ماكينات أخرى؟ … أسئلة كثيرة دارت في ذهن «أحمد»، لكنه لم يجد إجابة عليها.
فجأةً، ردَّد الصوت الخشن: ينبغي تفتيش حجرة الماكينات، يبدو أنَّ أحدًا قد دخلها.
قفز «أحمد» في داخل الحجرة إنَّ هذا يعني أنَّ هناك معركة أخرى قادمة. وأنَّ المعركة يُمكن أن تكشفَ زميلهم وتكشفه أيضًا … اقترب صوت أقدام من باب الحجرة، حتى ظهر حذاء الرجل أمام «أحمد» … انتظر لحظة، حتى أصبح الرجل بكامله داخل الحجرة التي كانت لا تزال مضاءة. كان «أحمد» يقف خلف باب الحجرة. وفي سرعة مدَّ يدَيه، وجذب الرجل بقوة، فلم يستطع القيام بأي حركة. تلقاه «أحمد» بين ذراعيه ثم كمَّم فمه بيده في قوة. كان الرجل مأخوذًا من الحركة المفاجئة. أخرج «أحمد» خنجره بسرعة ووضعه في جانب الرجل، فاستسلم تمامًا، وعرف أنَّه يُمكن أن ينتهي في لحظة، أسرع «أحمد» يُعيد الخنجر إلى مكانه في جيب سري، ثم أخرج من جيب آخر حقنة مخدرة، وفي هدوء غرَزها في جانب الرجل الذي اهتزَّ لحظة، ثم تهاوى بين يدي «أحمد»، وفي هدوء، جرَّه إلى جوار زميله خلف الستارة، ثم عاد بسرعة إلى قرب الباب.
كانت عيناه تبحثان في مساحة الحجرة عن أيِّ منفذ يمكن أن يُؤدي إلى مكان آخر. وقال في نفسه: لا بد أنَّ هناك منفذًا ما يُؤدي إلى حجرة الماكينات. استندَ بسرعة وفتش الجدار الذي استند إليه، فوجد زرًّا صغيرًا لا يكاد يظهر.
فجأة، فُتِح باب مشى في هدوء إلى الباب الذي فُتِح ونظر فيه. كانت هناك مساحة صغيرة، ثم درجات سلم يهبط إلى أسفل. أسرع إلى الدرجات وظلَّ يستمع، لكنَّه لم يسمع صوتًا. نزل أول درجة، كان المكان مظلمًا، فكَّر لحظة: إنَّ إضاءة السلم سوف تكون عادية ولن يلفت هذا نظرهم. بحث عن زر الإضاءة، ثم ضغطه، فانساب الضوء … كانت الدرجات أمامه، لكن لم يظهر امتداد لها. سمع صوتًا يُنادي: «بیلار»، ماذا حدث؟
عرف أنَّ الرجل الذي يَرقد خلف الستارة هو «بيلار» … ونزل عدة درجات، فظهرت مساحة كبيرة، ولم تكن هناك سوى آلة صغيرة الحجم. نزل بسرعة إليها. لكن فجأة، سمع أصواتًا تقترب. توقَّف، وبدأ يُفكِّر في التراجع غير أنَّ الأصوات كانت قد اقتربت تمامًا، وبدأ يسمع صوت الخطوات وهي تنزل السلم. نظر حوله في محاوَلة لإيجاد مكان يختفي فيه. كان هناك صندوق متوسط الحجم، أسرع إليه، واختبأ خلفه، وأخرج مسدَّسه في انتظار أي حركة، أو هجوم …
ظهر عدد من الرجال، وقال صاحب الصوت الخشن: إنَّ «بيلار» لا يظهر له أثر!
انتشر الرجال في المكان، ومرَّت لحظة صامتة قال بعدها أحدهم: لا يبدو أنَّه يوجد أحد!
قال صاحب الصوت الخشن: أين «بيلار» إذن؟ لا بد أنَّ شيئًا قد حدث … هناك من دخل المكان!
تحرَّكت الأقدام، وسمع «أحمد» بعضها يقترب منه. رفع يده بالمسدس، وهو يُفكِّر: هل يدخل معهم في معركة؟ لكن عدد الرجال كان كبيرًا، والمعركة لن تكون مُتكافئة. توقَّفت الأقدام بالقرب منه، فظَّل ينتظر.
فجأةً، قال صاحب الصوت الخشن: لا بأس. فقط أغلقوا الباب بالشفرة السرية.
أخذت الأقدام تبتعد. لكن الكلمات التي قيلت، جعلت «أحمد» يُفكِّر: إنَّ هذا يعني أنَّني سوف أكون مسجونًا وربما انكشف الموقف. أخرج رأسه في هدوء، وألقى نظرة سريعة على الرجال. كانوا جميعًا قد بدءوا يصعدون السلم، في حين كان واحد فقط في المؤخرة وحده. كانت هذه فرصة يجب أن يستغلها. أسرع في خطوات هادئة بلا صوت. كان الرجل لا يزال يَمشي، وعندما اقترب من أول درجات السلم كان «أحمد» قد أصبح خلفه تمامًا، ضرَبه، فتهاوى الرجل بين ذراعيه. وكانت هذه بداية معركة رهيبة.