الشياطين … بين يدي رجال العصابة!
التفت الرجال وهم يَصعدون درجات السُّلم، فشاهدوا زميلهم، وراء «أحمد» وهو يتراجَع مسرعًا. تعالت الأصوات تدعو للقبض عليه، وصاح الصوت الخشن: لقد قلت إنَّ هناك أحدًا.
أسرع الرجال يجرون، في نفس اللَّحظة التي أسرع فيها «أحمد» عائدًا إلى حيث توجد حجرة الماكينات. توقَّف عند مدخل الحجرة، كانت هناك دائرة مُختلفة اللون في أرض الحجرة. داس عليها، فتحرَّك جزء من الأرضية، وظهر أسفلها جراج متَّسع، مملوء بالسَّيارات السوداء. فَهِم بسرعة أنَّ هذا هو المكان الذي تُخفى فيه السيارات، وإنَّه من الضروري أن يكون متصلًا بالشارع، نظر في المكان، كان هناك سُلَّم حديدي، فنزل. في نفس اللحظة التي اقتربت فيها أصوات أقدام رجال العصابة … وأصبح هو يقف بين السيارات التي لم يكن بداخلها أحد.
توقَّف لحظة ثمَّ أسرع يرسل رسالة إلى الشياطين، كانت الرسالة: نفس المكان، «الكرة».
ظهر عدد من الرجال يحملون المسدَّسات، في نفس اللحظة التي فُتِح فيها باب الجراج المؤدِّي إلى الشارع، ودخلت سيارة … سوداء … لاحظ «أحمد» أنَّ هناك شعاعًا من الضوء يخرج من زر في الجدار إلى الباب. عرف أنَّ الزر هو الذي يفتح الباب، وأنَّ هناك اتصالًا ضوئيًّا بينهما.
انتشر الرِّجال في المكان، كان عددهم كبيرًا، وفَهِم بسرعة أنَّه من الضروري أن يظهر آخرون، وأنَّ مرحلة الصدام قد بدأت. ألقى نفسه على الأرض، وأخذ يزحف حتى أصبح تحت الزِّر الضَّوئي. شعر بدفء جهاز الاستقبال، فعرف أنَّ هناك رسالة، كانت الرسالة من الشياطين: نحن في النقطة «ي». رفع نفسه في هدوء، بينما كان رجال العصابة يبحثون عنه في حذر … مدَّ يده، وفي هدوء أيضًا. ضغط الزر، فانفتح … باب الشارع، توقَّف رجال العصابة ينظرون إلى الباب. في نفس اللحظة التي دخلت فيها سيارة زرقاء.
وقال واحد: إنَّه السيد «كيم».
لكن «أحمد» كان قد عرف السيارة، إنَّها سيارة الشياطين. توقَّفت السيارة، وفُتِحت الأبواب، دون أن يظهر أحد. عرف «أحمد» الذي كان يُراقب ما حدث، أنَّ الشياطين قد نزلوا في حذر، دون أن يظهر أي جزء منهم. خصوصًا وأنَّ السيارات كانت تُخفي مكانهم. حشى مسدَّسه بطلقة صوتية، ثم أطلقها، حتى يُثير الفزع بين رجال العصابة، وحتى يُعطيَ فرصة للشياطين ليتفرقوا.
دوَّى صوت الطَّلقة، وكأنَّها قنبلة في المكان المغلق، وقال واحد: إنَّ السيارات ممتلئة بالبنزين، وهذا قد يُسبِّب كارثة.
أطلق «أحمد» طلقة صوت أخرى، فاختفت رءوس رجال العصابة، فقد نزلوا أسفل السيارات. أرسل رسالة سريعة إلى الشياطين، فردوا يحدِّدون أماكنهم. وأرسل رسالة أخرى، يشرح لهم عملية الانتشار داخل مساحة «الجراج»، إنَّ على كل واحد أن يكون في ركن من الأركان، حتى يسيطروا على كل الجهات. وفى لحظة واحدة، تبعًا لإشارة «أحمد»، أطلقوا أربع طلقات صوتية، جعلت المكان يرتج لشدتها.
وصرخ أحد الرجال: إنَّنا نتعامل مع شياطين! وكانت هذه حقيقة؛ فالشياطين لا يغلبهم أحد.
فكَّر «أحمد» بسرعة: إنَّ استخدام الرصاص في هذا المكان يُمكن أن يُؤدي إلى كارثة. وأن عليهم أن يشتبكوا في معركة بالأيدي. أرسل رسائل إلى الشياطين، يشرح لهم فيها خطة المعركة، التي يجب أن تبدأ فورًا قبل أن يظهر أحد.
زحف الشياطين من كل مكان، إلى حيث كان رجال العصابة متفرقين، كان عددهم ثمانية، وقد توزعوا في ثلاث مجموعات. كانت المجموعة القريبة من «أحمد» تضم ثلاثة. أخرج إبرة مخدِّرة، ثم ثبتها في مسدَّسه وأطلقها على أقرب رجل إليه. هرش الرجل ذراعه، ثم فجأة تهاوى على الأرض. صرخ الرجلان اللذان بجواره. في نفس الوقت كان الشياطين يستعدون للالتحام في معركة بالأيدي. حسب إشارة من «أحمد». أرسل «أحمد» صوتًا كأنَّه صوت موتور سيارة. وفي لمح البصر، كان الشياطين قد انقضُّوا على رجال العصابة.
طار «أحمد» كالسهم وضرب الرجلَين القريبَين منه، فاصطدما معًا ثم اصطدما مرة أخرى بإحدى السيارات … في نفس الوقت كان «خالد» قد ضرب أحدهم ضربة مُستقيمة جعلت رأسه يصطدم بمقدمة سيارة فتهاوى على الأرض … ولوى «باسم» ذراع آخر ثم دفعه بقوة فاصطدم بزميله، ثم بزجاج إحدى السيارات فتحطَّم ثم دخلوا فيها … أمَّا «مصباح» فقد فتح باب إحدى السيارات بقوة، فاصطدم به واحد منهم، فتراجع، وتلقاه «أحمد»، بيمين مستقيمة جعلته يستمر في تراجعه ليسقط في النهاية عند أقدام «باسم».
استمرَّت المعركة نصف ساعة. ورغم أنَّ الشياطين قد انتصروا في النهاية، إلَّا أنَّها كانت معركة رهيبة؛ فقد أصيب فيها «خالد» و«مصباح»، إلَّا أنَّ إصابتهما لم تكن خطرة.
قال «أحمد» بسرعة: إنَّ ماكينة تزييف الرسائل موجودة فوقنا. وبجوارها صندوق، أعتقد أنَّه يحمل أوراقًا خاصة بنفس العملية.
في لمح البصر، كان ثلاثة من الشياطين قد قفزوا على السلم الحديدي. في نفس الوقت الذي أسرع فيه «خالد» فركب السيارة وانطلق خارجًا من الجراج، الذي أُغلِق بعد خروجه مباشرة.
عندما صعد الشياطين، كان «أحمد» يتقدَّمهم. أطلَّ برأسه ليرى المكان جيدًا. لم يكن هناك أحد. تردَّد لحظة؛ فقد شكَّ أن يكون هناك كمين. أخرج خنجره ثم قذفه في قوة فاصطدم بجدار الصندوق الخشبي، وهو يُصدر صوتًا مكتومًا. انتظر لحظة، فلم يظهر أحد. قفز بسرعة، وهو يقول بلغة الشياطين: «باسم» يُراقب السلم.
أسرع هو و«مصباح» إلى الماكينة. كانت عبارة عن آلة كاتبة حديثة بينما كانت هناك أسلاك كهربائية تخرج منها، وتتصل بجدار الحجرة، تركاها، واتجها إلى الصندوق. كان مغلقًا بطريقة غير واضحة. بالرغم من أنَّ له قفلًا صغيرًا، فكَّر «أحمد» لحظة، ثم أخرج من جيبه آلة دقيقة، ضغط على طرفها، فخرج شعاع من الضوء، سلَّطه على القفل، فتحطَّم وفُتِح الصندوق.
كانت هناك أوراق مطبوعة، وجد على بعضها عبارة: مكتب الرَّئيس، الولايات المتحدة الأمريكية … ووجد على الآخر مكتب الوزير. الولايات المتحدة الأمريكية … وفي جانب آخر كانت هناك رسائل بيضاء مكتوب في أعلاها: «الكرملين» … مكتب سكرتير الحزب … عرف بسرعة أنَّ هذه الأوراق مزيَّفة، وأنَّها مجهزة لتنفيذ المخطَّط المدمر، الذي وضعته عصابة الإصبع الذهبية، لتدمير العالم. أخذ بعض الأوراق ثم أعاد الصندوق إلى حالته.
قال ﻟ «مصباح»: هيا بنا. من الضَّروري أن نجد نماذج لخطابات مكتوبة. فهذه مجرَّد خطابات بيضاء في انتظار كتابتها وإرسالها.
تحرَّك الاثنان بسرعة في اتجاه السلم، حيث يقف «باسم». صعد الثلاثة في حذر. فجأة، تناهى إلى أسماعهم أصوات كثيرة. وسمعوا واحدًا يقول: لا ندري ماذا حدَث أيها السيد «كيم»! فنحن لم نرَ أحدًا!! وبعض الرجال في الحجرات السُّفلى.
اقتربت أصوات الأقدام أكثر، فتوقَّف الشياطين، لم يكن أمامهم إلَّا الانتظار، وتوقَّفت الأقدام، وقال صوت هادئ إنَّ المهم هو الصندوق!
نزلت أقدام سريعة فتراجع الشياطين وبسرعة داس «أحمد» الدائرة المختلفة اللون، فانفتح سقف الجراج. أسرع الشياطين بالنزول، وتركوا السقف مفتوحًا. لقد كانت هذه خطة لاصطياد رجال العصابة.
اقتربت الأصوات أكثر، وقال صوت: لا بدَّ أنَّهم في الجراج.
بدأت الأصوات تنزل على السُّلَّم الحديدِي، وما إن وصل أول واحد عند الشَّياطين حتى اختفى … فقد تلقوه في هدوء، وبضربة واحدة كان قد فقد الوعي.
تلقُّوا الثاني والثالث، حتى انتهوا منهم، مرَّت فترة فلم يظهر آخرون.
غير أنَّ الصَّوت الهادئ قال: لقد تأخَّر الذين ذهبوا إلى الجراج!
لم يردَّ عليه أحد، وإن كان أحدهم قد اقترب ونادی: «جروشو»! هل هناك شيء؟ مرَّت لحظات، كان ينتظر فيها الرد، ثم أخيرًا قال: إنَّ أحدًا لا يرد!
في نفس اللحظة، تلقَّى «أحمد» رسالة من «خالد» كانت الرسالة تقول: هناك مباراة في الملعب «٦٠»، عرف «أحمد» أنَّ «خالد» قد ذهب إلى المركز الرئيسي، وأنَّه لا بدَّ من الانتقال إلى هناك. نَقَلَ الرِّسالة إلى الشَّياطين، لكن كان لا بدَّ من الانتهاء من المعركة الحالية.
جاء الصوت الهادئ يقول: فليَنزِل أحدكم ليرى.
نزلت أقدام سريعة، كان الشياطين في انتظارها. وما إن وصلت إليهم، حتى اختفت هي الأخرى. في نفس اللحظة فكَّر «أحمد»: هل يرسل أحد الشياطين لينضمَّ إلى «خالد»؛ فالمعركة هُنا يُمكن أن تنتهي بسرعة.
نقل أفكاره إلى الشياطين الذين وافقوه، وقال «باسم» سوف أنتقل إليه.
وفي سرعة، كان يركب إحدى سيارات العصابة، وانطلق من الباب الذي كان مفتوحًا.
قال الصوت الهادئ: يبدو أنَّ هناك شيئًا! إنَّ الذين ينزلون لا يعودون!
كان «أحمد» و«مصباح» كلٌّ منهما يقف على أحد جانبَي السلَّم … ومرَّت لحظة صامتة، فهمس «أحمد» إنَّ هذا الصمت يُنبئ بشيء. يجب أن نحذر المكان. فقد تكون الخطوة القادمة من الباب.
تراجع الاثنان بسرعة، واختفَيا خلف إحدى السيارات. وكما توقَّع «أحمد»، فقد ظهر بعض الرجال في باب الجراج، كانوا يتقدَّمون في حذر. وبرغم أنَّ الجراج كان مُضاءً، إلَّا أنَّ الخارج كان مُظلمًا تمامًا؛ فقد هبط الليل. تقدَّم الرجال، في نفس اللحظة التي بدأ فيها «أحمد» و«مصباح» يتحركان في اتجاه الباب. لقد كانت خطتهما أن يكونا بالقرب من الباب، حتى يتصرَّفا إذا حدث شيء.
نادى أحد الرجال: «جروشو»!
تردَّد الصوت في المكان، وظلَّ الرجال يتقدمون، وظلَّ الشياطين في اتجاههم ناحية الباب. فجأة، اصطدم أحدهم برفرف سيارة، فأصابه الذعر وصرخ. تردَّدت صرخته وكانت كالنكتة بالنسبة للشياطين. أصبح «أحمد» و«مصباح» الآن بجوار الباب. ظلَّا في مكانهما يرقبان حالة البحث. في نفس الوقت ظهرت بعض الأقدام تنزل على السلم الحديدي، لقد انضمَّ آخرون إليهم، وكان الشياطين يرونهم في وضوح.
كان ثالث الرجال الذين نزلوا على السلم، رجل رفيع أنيق. قال في هدوء: ألم تجدوا أحدًا؟
فجأة صاح أحدهم: هذا هو «جروشو»!
أسرعوا إليه يحاولون إفاقته. وهمس «مصباح»: هل نخرج الآن ونتركهم في حيرتهم؟ إننا لم نظهر حتى الآن وهذا يعطينا فرصة طيبة لنتصرَّف دون أن يشك فينا أحد …
كانت فكرة جيدة. وعندما قال «أحمد»: نعم. إنَّها فرصة! … كان الباب قد أُغلِق. وأصبح الشياطين بين أيدي رجال العصابة.