تقديم

ترددت طويلًا عندما طُرحت فكرة إصدار هذا الكتاب، وأخذت أقلب الأمر.

هل حياتي تستحق أن يصدر عنها كتاب؟ وأخيرًا وافقت، بعد أن اتفقت على عنوانه «ذكريات من حياتي».

فأنا لا أصدر كتابًا شاملًا عن حياتي وإنجازاتي بالمعنى الذي يقصده الأوربيون، تحت اسم Autobiography؛ لأني أولًا لم أتعرض لكل ظروف ومسيرة حياتي من ناحية، وثانيًا لأنني مقتنع أن حياتي هذه وأحداثها لا تستحق كتابًا من النوع الذي يُصدره الغربيون، فمن أنا حتى أطمع في كتاب من هذا النوع!

والحقيقة أن بعض مادة هذا الكتاب قد سبق نشرها على هيئة مقالات في مجلة الهلال، أو الأهالي أو العربي «المصرية والكويتية»، أو وردت في كتب صدرت لي في مناسبات مختلفة، واقتنعت عن صدق أنها قد تكون مفيدة للقارئ لاستخلاص دروس منها.

وقد مررت في حياتي بظروف صعبة كثيرة، واشتغلت في أعمال متباعدة، سنوات مختلفة من حياتي، فأنا في الأصل أستاذ رياضيات، قمت بتعليمها في جامعات مصر الثلاث الرئيسية: جامعة القاهرة، جامعة عين شمس، جامعة الإسكندرية.

كما قمت بتدريسها، في إحدى كليات جامعة لندن سنوات ١٩٥٥–١٩٥٦م، ولي أبحاث علمية عديدة، منشورة في المجلات العلمية الدولية، ومع ذلك، فقد شاءت الظروف أن أشتغل صحفيًّا سنوات من حياتي، وأن أتخصص في الشئون العربية، ولقد قضيت سبع سنوات من حياتي معتقلًا بسبب أفكاري السياسية اليسارية، خمس سنوات وثلاثة شهور في معتقلات عبد الناصر … وسنتين إلا ثلاثة شهور في معتقلات الملك فاروق، وقد قضيت أيام الملك فاروق في معتقلات أبو قير، ثم الهايكستب، ثم الطور على البحر الأحمر.

أما معتقلات عبد الناصر فقد كانت في الأساس في أوردي أبو زعبل، ثم معتقل الواحات، وعلى الرغم من أنني قُدمت إلى محكمة الجنايات أيام الملكية، فأصدر قاضي الإحالة آنذاك أنه لا وجه لإقامة الدعوى ضدي، إلا أنني ظللت معتقلًا حتى جاءت الحكومة الوفدية عام ١٩٥٠م وأفرجت عن كل المعتقلين.

وفي أيام حكم عبد الناصر قُدمت مع آخرين لمجلس عسكري برئاسة رئيس سلاح المدفعية آنذاك اللواء هلال عبد الله هلال، وكنت أنا والصديق محمود أمين العالم الوحيدَين اللذين حُكم لهما بالبراءة، وعلى ذلك بقيت في الواحات حتى أفرِج عن جميع المثقفين والمحكوم عليهم بالسجن.

واليوم، وأنا أقترب من الثمانين، لست نادمًا على أي شيء … فقد كان همي طوالَ حياتي الدفاعَ عن الفقراء والمظلومين، وعن استقلال مصر، وحقِّها في حياة كريمة. وعندما أتأمَّل هذا الشريط الطويل من حياتي، من طفولتي في حي الأزهر، إلى اليوم، أجدني راضيًا عما قمت به وضحَّيت من أجله، مهما كانت قسوة الأيام.

وأرجو أن يجد القارئ على صفحات هذا الكتاب ما يقنعه بأنه جدير بالقراءة، وأن به بعض الدروس المفيدة.

د. عبد العظيم أنيس

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤