في إقصاء المملقين
إن حواشي الملوك مملوءة بالمملقين؛ لأن الإنسان يحب ذاته، وهو يخدع نفسه فيما يتعلق بها، ويصعب اتقاء الإصابة بداء حب الملق، فإن حاول الرجل اتقاءه كان محتقرًا؛ لأنه لا يوجد لاتقاء التمليق سوى طريق واحد، وهو إفهام الناس أنه لا يسوءك أن يقال عنك الحق أمامك، فإذا استطاع كل إنسان أن يقول الحق في وجهك فقد فقدت احترامهم، فالأمير الحذر يتخذ وسيلة أخرى، وهي أن يجعل حوله رجالًا عقلاء، ويجعل لهم حق القول بالصدق فيما يسألهم عنه ليس إلا، وينبغي له حينئذ أن يسألهم عن كل شيء، وأن يعرف آراءهم ثم يمعن النظر في أقوالهم وآرائهم، وعليه أن يسلك مع هؤلاء الرجال سلوكًا يدلهم على أنهم كلما ازدادوا في قول الحق ارتفع قدرهم في نظر الأمير وعلت مكانتهم، وعليه أن لا يسمع من أحد غير هؤلاء الرجال وأن يسير في طريقه بعد التفكير دون الالتفات لما يقال، فإن من يفعل غير ذلك، إما يكون فعله بدون تبصر مدفوعًا بعامل التملق، وإما يبقى ديدنه التحول حسبما يوحي إليه مَن حوله، وعاقبة هذا السلوك عدم الاحترام، وسأضرب لهذا مثلًا حديثًا، فقد روى «بريه لوقا» أحد أتباع «ماكسميليان» الإمبراطور الحالي أن الإمبراطور لم يستشر أحدًا في أمر ما، ومع هذا فإنه لم يتمكن من عمل شيء حسب فكره، وذلك لعدم اتباعه الرأي الذي ذكرته، ولما كان الإمبراطور متكتمًا فهو لا يفاتح أحدًا بما هو عازم عليه ولا ينتصح برأي أحد، كان إذا بدأ في التنفيذ ذاع الأمر وعرفه الكل، فيعارضه من حوله فيعوقونه عن تنفيذ أغراضه، ونتج عن ذلك أنه ينقض اليوم ما أبرمه أمس، ولا يعلم أحد ما ينويه، ولا يمكن التعويل على أفكاره.
وهذه حال دائمة، فإن الرجال يخدعونك ما لم يضطروا للإخلاص لك؛ فينتج من هذا أن المشورة الحسنة مهما كان مصدرها يجب أن تكون راجعة إلى حذر الأمير لا أن يكون حذر الأمير راجعًا إلى النصيحة الحسنة.