المناظرة العظمى
كان هناك جانبان للمناظرة الفلكية العظمى التي انعقدت في السادس والعشرين من أبريل عام ١٩٢٠؛ وهما: حجم مجرَّة درب التبانة، وطبيعة السُّدم الحلزونية. في الواقع، لم تكن تلك مناظَرةً حقًّا؛ إذ ألقَى كلُّ ضيف من الضيفَيْن عرضًا تقديميًّا مُدَّته أربعون دقيقة، ثم جرت مناقشة عامة بعد ذلك. كان موضوعُ الاجتماع المنعقد، فيما كان يُعرَف وقتها باسم «المتحف القومي الأمريكي» ويُعرَف الآن باسم «متحف سميثسونيان للتاريخ الطبيعي»، هو «حجم الكون». كان لدى كلٍّ من شابلي وكيرتس رأيان مختلفان بشأن ما كان يعنيه هذا، وقد استفاضَ كلٌّ منهما في شرحِ رأيه في ورقتين بحثيتين نُشِرتا في العام التالي. جوهريًّا، كان شابلي يرى أن مجرَّةَ درب التبانة «هي» الكون، أو على الأقل الشيء الأهم في الكون، وكان مهتمًّا بحجم مجرتنا، أما كيرتس فكان يرى أن السُّدم الحلزونية هي مجرَّات شبيهة بمجرتنا، وكان مهتمًّا بحجم الأشياء الموجودة خارج مجرَّة درب التبانة.
انعقدت المناظرة في هذا الوقت تحديدًا؛ لأن الفلكيين كانوا قد طوَّروا مؤخرًا طريقةً لقياس المسافات عبر مجرَّة درب التبانة، وأصبح من الممكن قياس المسافات إلى النجوم القريبة باستخدام نفس نوع الطرق المسحية التي كان ليونارد ديجز يستخدمها، ومنها طريقة التثليث. فإذا رُصِد نجمٌ قريب في السماء مرتين تفصل بينهما ستة أشهر — حين تكون الأرض على جانبين متقابلين من مدارها حول الشمس — فسيبدو النجم وقد أُزِيح قليلًا مقارَنةً بخلفية النجوم البعيدة. وتأثير التزيح هذا يشبه ما يحدث حين ترفع أصبعك أمام وجهك ثم تنظر إليها مرتين مع إغلاق إحدى عينيك في كل مرة؛ فالأصبع وقتها ستبدو كأنها تحرَّكت مقارَنةً بالخلفية، وكلما كانت الأصبع أقرب إلى عينيك كان تأثير التزيح أكبر. وكل ما تحتاجه لحساب المسافة بين الأرض والنجم هو حجم الإزاحة النجمية وقطر كوكب الأرض (الذي هو نفسه معروف من خلال عملية التثليث داخل المجموعة الشمسية).
لكن للأسف، أغلب النجوم بعيدة إلى درجة يستحيل معها قياس هذا التأثير، بل إن أقرب النجوم إلينا، رجل القنطور، بعيدٌ للغاية عن الشمس؛ بحيث إن الضوء المنبعث منه يستغرق ٤٫٢٩ سنوات كي يقطع الفضاء الواقع بينهما (ومن ثَمَّ فهو يبعد ٤٫٢٩ سنوات ضوئية). وبحلول عام ١٩٠٨ كان نحو مائة مسافة نجمية فقط قد قيس بهذه الطريقة. هناك طرق هندسية أخرى، مبنية على الطريقة التي تُرَى بها النجوم الموجودة في العناقيد القريبة وهي تتحرك معًا عبر الفضاء، تمكِّننا من قياس المسافات حتى نحو مائة سنة ضوئية، أو نقول نحو ٣٠ فرسخًا فلكيًّا (الفرسخ الفلكي يُقدَّر بحوالي ٣٫٢٥ سنوات ضوئية) لو استخدمنا الوحدات التي يفضِّلها الفلكيون. وقد كان هذا كافيًا تمامًا لهم كي يضبطوا أهم مؤشر للمسافات في علم الفلك.
ولتقدير أهمية مؤشر المسافات الجديد هذا حقَّ قدره ما علينا سوى النظر إلى أفضل تقديرات الحجم التي أُجرِيت في السنوات الأولى من القرن العشرين لمجرَّة درب التبانة. كان الفلكي الهولندي ياكوبس كابتين قد أحصى عدد النجوم المرئية في رقع متساوية الحجم من السماء في اتجاهات مختلفة، وأورد تقديرات بشأن المسافة الفاصلة بيننا وبين النجوم؛ وذلك استنادًا إلى الطرق التي وصفتها، واستنادًا في جزءٍ منها إلى الخفوت الذي تبدو عليه النجوم من الأرض. وقد خلص إلى أن درب التبانة لها شكل أشبه بالقرص، سُمكه نحو ٢٠٠٠ فرسخ فلكي (٢ كيلو فرسخ فلكي) في المنتصف، وقطره ١٠ كيلو فرسخ فلكي، وأن الشمس تقع قرب المنتصف. لكننا نعلم الآن أن هذا التقدير متواضع للغاية، وهو ما يرجع بالأساس إلى وجود قدر كبير من الغبار بين النجوم — وهو ما لم يعلمه كابتين — وهذا الغبار يعمل عمل الضباب بحيث يحدُّ المسافة التي يمكننا رؤيتها عبر سطح مجرَّة درب التبانة؛ وهذه الظاهرة تُعرَف باسم «الخمود النجمي». وتمامًا مثلما يتراءى للمسافر الضائع وسط الضباب أنه وحيد في مركز عالمه الصغير الخاص، كان كابتين ضائعًا وسط ضباب درب التبانة، وخُيِّلَ إليه أنه موجود في مركز كونه الصغير الخاص. ومنذ أقل من قرن مضى، كان أغلب الفلكيين يظنون أن هذا القرص من النجوم يمثِّل بالأساس «الكون» بأسره.
بدأت الأمور تتغيَّر في العقد الثاني من القرن العشرين؛ فقد اكتشفت هنريتا سوان ليفيت — التي كانت تعمل في مرصد كلية هارفرد — أن عائلة معينة من النجوم، تُعرَف بالنجوم القيفاوية، تتباين في سطوعها بطريقة قد تمكِّننا من استخدامها كمؤشرات للمسافة؛ فكلُّ نجم قيفاوي يسطع ويخبو بطريقة منتظمة، مكررًا الدورة بدقة مرة تلو الأخرى. وبعض النجوم يمرُّ بهذه الدورة في أقل من يوم واحد، فيما يستغرق البعضُ الآخَر مئات الأيام؛ فالنجم القطبي — نجم القطب الشمالي — متغيرٌ قيفاوي ذو دورة تُقارِب أربعة أيام، مع أن تغيُّرات السطوع في هذه الحالة صغيرة للغاية بما يستحيل معه رصدها بالعين المجردة. وكان اكتشاف ليفيت الأعظم هو أن النجوم القيفاوية الأشد سطوعًا تستغرق وقتًا أطول في المرور بهذه الدورة مقارَنةً بالنجوم القيفاوية الخافتة، وأهم من ذلك أن ثمة علاقة دقيقة بين دورة النجم القيفاوي وبين سطوعه؛ فمثلًا، النجم القيفاوي الذي يستغرق خمسة أيام كي يُتِمَّ دورته يكون أشد سطوعًا عشر مرات من النجم الذي يستغرق إحدى عشرة ساعة كي يُتم دورته.
وصلت ليفيت إلى هذا الاكتشاف عن طريق دراسة الضوء الصادر عن مئات النجوم في سديم يُسمَّى «سحابة ماجلان الصغرى»، وهي منظومة نجمية مرتبطة بمجرَّة درب التبانة. لم تكن ليفيت تعلم المسافة إلى سحابة ماجلان الصغرى، لكن هذا لم يكن يهم؛ لأن كل النجوم الموجودة بها تقع تقريبًا على نفس المسافة منا؛ ومن ثَمَّ فإن سطوعها النسبي يمكن مقارنته دون القلق من أن يكون السبب وراء أن أحد النجوم يبدو أكثر خفوتًا من غيره هو أنه أبعد في المسافة مقارَنةً به. وفي عام ١٩١٣، قاس الدنماركي إينار هرتز سبرنج المسافات بيننا وبين ١٣ نجمًا قيفاويًّا قريبًا باستخدام الطرق الهندسية، واستخدم مشاهداته لهذه النجوم بالإضافة إلى معطيات ليفيت كي يحسب السطوع الحقيقي لنجم قيفاوي معياري افتراضي ذي دورةٍ قدرُها يوم واحد. وبالاستعانة بهذه المعايرة صار من الممكن قياس المسافة إلى أيِّ نجم قيفاوي آخَر عن طريق حساب سطوعه الحقيقي من واقع معايرة هرتز سبرنج ومدة دورته، ثم مقارنة هذا بمقدار الخفوت الذي بَدَا عليه النجم في السماء؛ فكلما كان أكثر خفوتًا، كان أبعد في المسافة بدرجة قابلة للحساب بدقة. كانت هذه المعايَرَة لنطاق مسافات النجوم القيفاوية تعني — من ضمن ما تعني — أن سحابة ماجلان الصغرى تقع على مسافةٍ لا تقل عن ١٠ كيلو فرسخ فلكي. وقد روجعت تقديرات هرتز سبرنج بعد ذلك في ضوء المشاهدات الأدق وفهمنا الأفضل لمفهوم الخمود النجمي، لكن في عام ١٩١٣ مثَّل اقتراح أن سحابة ماجلان الصغرى تقع على هذه المسافة البعيدة زيادةً استثنائية في نطاق المسافات مقارَنةً بتقديرات كابتين لحجم مجرَّة درب التبانة كلها («الكون» بأسره!)
كان هارلو شابلي هو مَن استخدم طريقة النجوم القيفاوية في تحديد حجم وشكل مجرَّة درب التبانة نفسها، بعد أن أجرى عملية المعايَرة الخاصة به لسطوع هذه النجوم المتغيرة، وكان هذا العمل أساسَ مساهمتِه في المناظرة العظمى.
إحدى تبعات النظرية العنقودية للمنظومة النجمية هي أن الشمس وُجِد أنها تقع على مسافة بعيدة للغاية من مركز «المجرَّة»، ويبدو أننا نقع قرب مركز عنقود محلي كبير أو سحابة من النجوم، لكن تلك السحابة تبعد ما لا يقل عن ٦٠ ألف سنة ضوئية عن المركز المجري.
في هذه الصورة، تراءى لشابلي والفلكيين ذوي التفكير المشابه أن السُّدم الحلزونية لا يمكن أن تكون مجرَّات أخرى على غرار مجرَّة درب التبانة. وكان منطقهم في هذا بسيطًا؛ فالحجم (الزاوي) الظاهري لأي جرم في السماء يعتمد على الحجم الخطي الحقيقي له وعلى المسافة بيننا وبينه؛ تمامًا بالطريقة عينها التي تبدو بها البقرة الحقيقية الواقفة في الجانب الآخَر من الحقل في حجم لعبة الأطفال التي تحملها في يدك. فإذا كانت السُّدم الحلزونية يبلغ قطرها هي أيضًا نحو ٣٠٠ ألف سنة ضوئية عرضًا، فمن شأن أحجامها الزاويَّة الضئيلة على السماء أن تضعها على مسافات قدرها ملايين عدة من السنوات الضوئية، وهو ما يبدو كبيرًا للغاية لدرجةٍ لا يمكن معها أن نتقبَّله بجدية. بدلًا من هذا، ذهب شابلي إلى أن السُّدم الحلزونية كانت إما منظومات من النجوم الآخذة في التكون داخل مجرَّة درب التبانة، وإما — على أقصى تقدير — توابع صغيرة لمجرَّة درب التبانة، أقرب إلى الجُزر مقارَنةً بقارة درب التبانة. وقد قال شابلي: «أميل إلى الاعتقاد بأنها لا تتألف من النجوم على الإطلاق، وإنما هي أجرام سديمية بحق.»
لم يثق كيرتس في نتائج فان مانين، ولم يثق أيضًا في مقياس مسافات النجوم القيفاوية الجديد وقتها. وفي اجتماع واشنطن، قدَّمَ كيرتس ملخصًا للعديد من التقديرات المبكرة لحجم المجرَّة، بما في ذلك — بنوع من الوقاحة — التقدير الذي خرج به شابلي نفسه عام ١٩١٥، والقائل بأن قطر المجرَّة يبلغ ٢٠ ألف سنة ضوئية فقط. وقد خلص كيرتس إلى أن «القطر المجري الأقصى البالغ ٣٠ ألف سنة ضوئية يُفترض أنه يمثِّل على نحو طيب النظرة القديمة، بل ربما يكون أكبر من اللازم.» هذا التقدير كان بالضبط عُشْر ذلك التقدير الذي اقترحه شابلي عام ١٩٢٠. قال كيرتس أيضًا إن الشمس تقع «على مقربة من» مركز المجرَّة، لكن ليس في المركز بالضبط. لكن كل هذا كان — من وجهة نظره — أمرًا ثانويًّا ذكره في إيجازٍ قبل أن يناقش جانب القصة الذي يثير اهتمامه حقًّا؛ وهو طبيعة السُّدم الحلزونية والمسافة بيننا وبينها.
هناك حقيقتان أساسيتان استخدمهما كيرتس في تأييد وجهة نظره القائلة بأن السُّدم الحلزونية هي مجرَّات تشبه مجرتنا، وأنها تقع على مسافات كبيرة منَّا. كانت الحقيقة الأولى هي ذلك الاكتشاف الذي جرى على يد فيستو سليفر، من مرصد لويل، والذي قضى بأن كلَّ السُّدم الحلزونية — إلا ما ندر — تبتعد عنَّا بسرعات عالية. وقد جرى هذا الاكتشاف عن طريق قياس المدى الذي تُزاح به خطوط الطيف الخاصة بهذه السُّدم نحو الطرف الأحمر من الطيف، مقارَنةً بخطوط الضوء الصادر عن النجوم القريبة والأجسام الحارة على الأرض.
من الممكن تحليل الضوء الصادر عن أي جسم ساخن، بما في ذلك الشمس والنجوم، إلى الألوان المكوِّنة له بواسطة موشور من أجل إنتاج نمط قوس قزح، أو الطيف. وكل عنصر كيميائي — كالهيدروجين والكربون وغيرهما — ينتج نمطًا مميزًا من الخطوط الساطعة في الطيف، وهو نمط مميز خاص به، أشبه بالكود الشريطي الموضوع على المنتجات في المتاجر، وحين يتحرك الجسم مبتعدًا عنَّا، يُزاح نمط الخطوط بأكمله ناحية الطرف الأحمر من الطيف، بمقدارٍ يعتمد على السرعة التي يبتعد بها الجسم عنَّا، وهذه هي «الإزاحة الحمراء» الشهيرة. وعلى نحوٍ مشابه، حين يقترب أيُّ جسم منَّا، يُزاح نمط الخطوط نحو الطرف الأزرق من الطيف، وهذه هي «الإزاحة الزرقاء». النجوم المتحركة حولنا في المجرَّة تُظهِر إزاحات حمراء وزرقاء، بالتوافق مع سرعاتها بالنسبة لنا أيًّا كانت؛ بدايةً من الصفر إلى بضع عشرات الكيلومترات في الثانية.
في عام ١٩٢٠ أوضح كيرتس أنه «خلال السنوات القليلة الماضية اكتُشِف نحو خمسة وعشرين نجمًا مستعرًا في السُّدم الحلزونية؛ ستة عشر منها في سديم أندروميدا، وذلك مقارنة بنحو ثلاثين نجمًا مستعرًا عبر تاريخ مجرَّة درب التبانة.» إن عدد المستعرات المرصودة في سديم أندروميدا وحده يعني أن هذا السديم يتألَّف من عدد هائل من النجوم، وذلك بافتراض أن احتمالية أن يصير النجم نجمًا مستعرًا لا تزيد داخل سديم أندروميدا عنها داخل درب التبانة، وتقريبًا كان السطوع (أو الخفوت) الظاهري للمستعرات المرصودة في السُّدم المختلفة مقارِبًا لما يتوقَّعه المرء لو أنها كانت بالفعل بنفس درجة سطوع المستعرات في مجرَّة درب التبانة، لكنها تبعد عنَّا المسافة التي ذهب إليها كيرتس لو أن السُّدم الحلزونية كانت في نفس الحجم الذي قدَّرَه لمجرَّة درب التبانة.
لكن كانت هناك مشكلة واحدة؛ ففي عام ١٨٨٥، في العقد ذاته الذي تحدَّدَ فيه أن سديم أندروميدا سديم حلزوني، انفجَرَ نجم ساطع داخله. وقد بلغ السطوع الظاهري لهذا المستعر مقدارًا مساويًا للسطوع الظاهري لأي مستعر تقليدي في مجرَّة درب التبانة؛ وكان هذا يعني إما أن ذلك السديم كان في حقيقته جزءًا من درب التبانة، أو أنه — لو كان السديم بعيدًا كما ظنَّ كيرتس — كان نوعًا فائق القوة من المستعرات، يسطع كمليار شمس معًا، ويفوق سطوعه أيَّ مستعر آخَر رُصِد في درب التبانة في القرن التاسع عشر. مثَّل هذا الأمر صعوبةً لكيرتس، لكنه تحايَلَ على الأمر باقتراح أن هناك نوعين من المستعرات، أحدهما أشد سطوعًا بكثير من الآخَر. بَدَا هذا في نظر الجمهور وقتها نوعًا من المراوغة، لكننا نعلم الآن أن هناك بالفعل انفجارات نجمية بهذه الدرجة من السطوع، ويُطلَق عليها اسم المستعرات العظمى (سوبرنوفا)، ويمكنها أن تسطع لوقت وجيز بقدرٍ يماثل سطوع مليار شمس، بل في الواقع هي تسطع بمقدارٍ يساوي سطوع كل النجوم الأخرى الموجودة في المجرَّة مجتمعة معًا.
النجوم الجديدة المرصودة في السُّدم الحلزونية تبدو نتاجًا طبيعيًّا لطبيعة مجرَّاتها. والعلاقة بين النجوم الجديدة في السُّدم الحلزونية وبين تلك الموجودة في مجرتنا، تشير إلى أن المسافة بينهما تتراوح بين ٥٠٠ ألف سنة ضوئية في حالة سديم أندروميدا، و١٠ ملايين سنة ضوئية أو أكثر في حالة السُّدم الحلزونية البعيدة … وفي حالة كون هذه المسافات سليمة، تكون هذه الجزر الكونية في نفس نطاق الحجم الذي تقع فيه مجرتنا.
إن السُّدم الحلزونية، بوصفها مجرَّات بعيدة، تشير إلى وجود كون أعظم، قد نمضي فيه إلى مسافات تتراوح بين عشرة ملايين ومائة مليون سنة ضوئية.
لم يحقِّق أيُّ طرفٍ الفوزَ في المناظرة التي انعقدت بشأن حجم الكون في واشنطن في السادس والعشرين من أبريل عام ١٩٢٠. كان كلا المشاركَيْن يؤمن أنه خرج منها فائزًا — وهي علامة أكيدة على أن كليهما لم يحقِّق الفوز — لكن كان كلاهما محقًّا في بعض النقاط ومخطئًا في نقاط أخرى. بادئ ذي بدء، كان شابلي محقًّا في وثوقه بمقياس المسافات المعتمِد على النجوم القيفاوية، حتى وإن كان هذا المقياس لم يصل إلى درجة الدقة المطلوبة في ذلك الوقت، وكان كيرتس محقًّا في أن السُّدم الحلزونية هي مجرَّات بالفعل. كان شابلي أيضًا محقًّا في وضع الشمس بعيدًا عن مركز مجرَّة درب التبانة، أما بشأن حجم مجرَّة درب التبانة فإن أفضل التقديرات الحالية تشير إلى أن قطرها يبلغ ١٠٠ ألف سنة ضوئية، وهو رقم أكبر بثلاث مرات من تقدير كيرتس، ويبلغ نحو ثلث الحجم الذي قدَّره شابلي؛ لذا يمكن القول إنهما كانا متعادلَيْن في هذا الصدد. وهذا في واقع الأمر يجعل من مجرَّة درب التبانة مجرَّة حلزونية عادية، وسأناقش في الفصل الرابع إلى أيِّ مدًى تُعَدُّ عادية بالفعل. ومع أن المناظرة العظمى لم تكن حاسمة، فإن القضايا الأساسية التي أثارتها حُلَّت قبل نهاية العقد الثالث من القرن العشرين، وذلك بالأساس بفضل أعمال رجل واحد هو: إدوين هابل.