مهمة ضد الزمن
كانت دهشة الشياطين غير عادية عندما استدعاهم رقم «صفر» من مخادعهم … في منتصف الليل بالضبط … وجلس الشياطين التسعة في قاعة الاجتماعات وهم يعلمون أنَّ مجموعة الفتيات «إلهام» و«ريما» و«زبيدة» و«هدى» في مهمة بكينيا.
وكان كل منهم يتساءل بينه وبين نفسه عن تلك المهمة العاجلة التي أيقظهم من أجلها رقم «صفر» في مثل هذه الساعة من الليل، ولم يكن يتخيل أحدهم ولو بنسبة واحد في المائة أنَّ تلك المهمة العاجلة تتعلق بإنقاذ بقية الشياطين … الفتيات الأربع اللواتي اختطِفنَّ بخدعةٍ بسيطةٍ.
تبادل الشياطين التسعة نظرات ذاهلة، وأكمل رقم «صفر» بصوت يخلو من المشاعر: لو كانت الفتيات الأربع في حالتهنَّ العادية لانتبهن قبل ركوب الطائرة المزيفة، وما انخدعن بمثل هذه السهولة، ولكنَّ مرض «إلهام» المفاجئ وخوفهنَّ عليها هو الذي ساقهنَّ إلى الشَّرَكِ بلا وعيٍ.
وهنا تصاعد توتر بقية الشياطين إلى ذروته، خاصةً عندما عرفوا أن «إلهام» مريضة أيضًا، أحس «أحمد» بالدماء تصعد إلى رأسه باندفاع شديد وأنه لا يطيق الانتظار في مكانه، فقال بصوت مختنق يسأل رقم «صفر»: وما هو مرض «إلهام»؟
رقم «صفر» حتى الآن لا نعرف، ولكنَّ رسالة «زبيدة» التي استنجدت فيها بنا أَشَارت إلى أنَّ «إلهام» أصيبت بارتفاع درجة حرارة شديدة مصحوبة بصداع شديد، وهي أعراض يمكن أن تصاحب عشرات الأمراض، خاصةً الأمراض الاستوائية، سواء المعروفة أو المجهولة …
إنَّ «إلهام» تعاني من مرض قد يكون خطيرًا … وربما يكون الوقت هو العامل الحاسم في الأمر.
وسَادَ صمتٌ رهيبٌ … ولأول مرة يشعر الشياطين أنَّ الخطر المحيط بأحدهم هذه المرة … خطرٌ شديدٌ، وصراعٌ مع الوقت في نفس الوقت.
وقال رقم «صفر»: إنَّ الملابسات تدل على أنَّ المُخْتَطِفِين كانوا يراقبون الفتيات الأربع، وربما كانوا يخططون لخطفهنَّ قبل عودتهنَّ إلى المقر السريِّ للشياطين، ولا بد أنَّ خطة المُخْتَطِفِين قد تعدلت بعد التقاط رسالة «زبيدة».
عثمان: وهذا يعني أنَّهم قادرون على التقاط رسائلنا.
رقم «صفر»: للأسف فإنَّ هذا الاستنتاج يبدو صحيحًا وسوف نقوم بتصحيح وتغيير موجات إشاراتنا ورسائلنا، وهذا ما يعكف عليه قسم الاتصالات السرية الآن، ومن الواضح أنَّ من قام باختطاف الفتيات الأربع يخطط لتسديد انتقام شديد إلى الشياطين اﻟ ۱۳ ومنظمتهم.
أحمد: ولكنْ أليست هناك أية معلومات عن المكان الذي اختُطِفَت فيه الفتيات؟
أجاب رقم «صفر»: حتى الآن ليست هناك معلومات محددة، ولكنْ من المؤكد أنَّهنَّ لم يذهبنَّ بعيدًا، بدليل أنَّ الطائرة جاءت من مكان قريبٍ، وهذا يعني أنَّهنَّ انطلقن من «كينيا» ذاتها، بل وربما من العاصمة «نيروبي» نفسها … ولا شك أنَّها عادت إلى نفس المكان الذي انطلقت منه … وهذا يعني أنَّ الفتيات الأربع لا يزلنَّ في كينيا … إنَّ منطقة البحث هائلة الاتساع … والوقت ضيقٌ وثمينٌ، ولا يسمح بأي ضياع للوقت.
قيس: ولكنْ يا سيدي أليست هناك أية معلومات عن هوية المختطفين؟
أجاب رقم «صفر» في هدوءٍ: منذ أيام قليلة جاءتنا معلومات عن أنَّ منظمة «سادة العالم» استطاعت إعادة تكوين نفسها بعد سلسلة الضربات الشديدة التي وجهناها لها، وتمكنت بفضل زعيم قوي تولَى أمورها من أن تستعيدَ قوتها، وتفرض سيطرتها على بعض نقاط قوتها القديمة … وكان من أهم المعلومات التي وصلتنا هي أنَّ الزعيم الجديد لسادة العالم وضع هدفًا أوليًّا جنَّد كلَّ المنظمة من أجل تحقيقه مهما كلفها من مال وجهد … وهذا الهدف هو تدمير الشياطين اﻟ ١٣.
سَادَ الصمت للحظات، حتى إنَّ صوت تنفس الشياطين كان يسمع بوضوح، وأكمل رقم «صفر»: وكنت أنوي تحذيركم، ووضع خطة مناسبة لمواجهة التحدي … ولم أكنْ أدري أنَّ منظمة «سادة العالم» سوف يتحركون بمثل هذه السرعة والمهارة.
فهد: سوف ندمرهم مرةً أخرى كما دمرناهم من قبل.
رقم «صفر»: إنَّ مهمتكم القادمة ستكون مهمة مزدوجة … تدمير «سادة العالم» حتى لا تقوم لها قائمة بعد ذلك … وإنقاذ الفتيات الأربع بأسرع وقت ممكن.
تساءل «باسم»: ولكنْ من هو الزعيم الجديد للمنظمة؟ … هل تعرفه؟ هل هو أحد قادتها الصغار الذين اشتبكنا معهم من قبل؟
رقم «صفر»: لا … إنه شخصية جديدة تمامًا، وقد استطاع الوصول إلى قيادة المنظمة بذكائه الحاد، فهو وإنْ كان شرس الطباع، دموي الأخلاق، إلا أنَّه يتمتع بذكاء شديد أَهَّلَه للصعود من زمرة الأشخاص العاديين في الصفوف السفلى بالمنظمة إلى منصب الزعيم … ولعلَّ خطته لاختطاف الفتيات الأربع تدل على مهارته … وهو يُدعى «كارلو» ويطلقون عليه القنفذ؛ لبشاعة منظره.
وصَمَتَ رقم «صفر» أقل من ثانية ثم قال: إنَّ خطة «القنفذ» تُوحي أنَّه لم يشأ الدخول في صراع وجهًا لوجه مع الشياطين، بل خطط ليَخطف بعضَهم، ثم يواجه بقية الفريق عندما يسعى إلى إنقاذ الجزء الأول … إنَّ المسألة كما تدرون شَرَكٌ قد تم نصبه بإحكام، وعلينا أنْ نَدْخُلَه بإرادتنا فليست أمامنا وسيلة أخرى.
قال «أحمد» بصوت يَشي بالغضب الشديد: ونحن مستعدون تمامًا.
رقم «صفر»: كما أخبرتكم فليست هناك أية معلومات محددة عن المكان الذي اختُطِفَت إليه الفتيات، وسيكون لكم مطلق الحرية في البحث والوصول إلى مقر العصابة، وإن كنتُ لا أشك أنَّ العصابة ستسعى خلفكم أيضًا أينما ذهبتم … وربما يكون في ذلك تسهيلًا لمهمتكم … أو القضاء عليها … سوف يسافر إلى «نيروبي» على الطائرة الخاصة التي تنتظركم خارج المقرِّ مجموعةٌ مكونة من ستة أفراد، وهم: «أحمد» و«عثمان» و«قيس» و«فهد» و«خالد» و«مصباح» … أما الباقون فهناك مهمة أخرى تنتظرهم.
ظهرت الدهشة على وجوه «بو عمير» و«باسم» و«رشيد» وهم يتعجبون كيف استثناهم رقم «صفر» من مهمة إنقاذ زميلاتهم، وهل هناك أية مهمة يمكن أن تعادل تلك المهمة؟! ولكنَّهم كتموا مشاعرهم بسرعةٍ، فلم يكن للشياطين الاعتراض على الأوامر قط.
واندفعت المجموعة التي اختارها رقم «صفر» لإنقاذ الفتيات الأربع نحو أبواب الخروج في لهفة وسرعة … لقد بدأ سباقُهم مع الزمن.