مفاجأة … وخطة جديدة
سار الشياطين مسافة نصف ساعة، عندما ظهر كشَّافُ سيارة كبيرة من خلفهم، ولوَّح الشياطين للسيارة فتوقفت، وكانت سيارةً أمريكية عريضة طراز «بدفورد» من النوع الذي يستخدم للسير والإقامة داخل الغابات، وكان صاحبها أجنبيًّا، أحمرَ الوجه، يرتدي ملابس الصيد، وأطلَّ نحو الشياطين وقال بلهجة مَرِحة: هل أعجبكم السير في الغابات ليلًا؟ إنَّها متعة، لولا أنَّ بعض الأسود والنمور لا تحب من يتجول قريبًا من عرينها.
أحمد: لقد ضللنا طريقنا عن بعض أصدقائنا، ولم يكن أمامنا حلٌّ غير العودة إلى «نيروبي» على أقدامنا.
قال الصياد: أنتم حسنو الحظ لمصادفتكم لي؛ فقد كنت أصطاد بالقرب من الجبل، ويبدو أنَّني عدت في الوقت المناسب. اركبوا السيارة فإنني متجه إلى العاصمة أيضًا.
أسرع الشياطين يركبون السيارة الكبيرة وهم يشكرون صاحبها، وانطلق السائق وهو يدندن بأغنية إسبانية تتحدث عن أمجاد الصيد.
نظر «أحمد» إلى «عثمان» وقال له بلغةِ الأصابع: إنَّني أشك في هذا السائق، وأظنُّ أنَّه تابعٌ لعصابة «سادة العالم».
تساءل «عثمان»: ولماذا؟! إنَّه يبدو شخصًا مرحًا لا يُريب.
أحمد: كيف أمكنه اجتياز الطريق الذي كانت تسدُّه الفيلة القتيلة واللحاق بنا … وهذا يعني أنَّه كان يختفي بسيارته في مكان ما داخل الغابات، ولم يأتِ من الجبل كما قال، هذا بالإضافة إلى أن تظاهره بعدم الاهتمام يضاعف الشك فيه.
عثمان: معك حق يا «أحمد» … ما العمل الآن؟
أحمد: ربما يقودنا هذا الرجل إلى فخٍّ جديدٍ، ومن المؤسف أنَّ أسلحتنا كلها قد ضاعت داخل السيارة عندما انفجرت، وإلَّا لذهبنا معه إلى الجحيم لمواجهة العصابة، ومن الأفضل لنا أنْ نسايره ونتظاهر بعدم الشك فيه حتى نخرج من الغابات على الأقل.
هزَّ «عثمان» رأسه بنعم، ونقل إلى بقية زملائه الحديث الذي دار بينه وبين «أحمد»، وطلب منهم التزام الصمت والترقب.
وأخيرًا ظهرت مشارف «نيروبي»، والتفت السائق نحو الشياطين قائلًا: ها قد وصلنا … ويبدو أنَّ هناك استقبالًا ينتظرنا.
وما كاد ينهي عبارته حتى لمعت في الأمام أضواءُ كشَّافاتٍ عديدةٍ … كان هناك ما لا يَقل عن عَشْر سيارات تنتظرهم خارج الغابات … وكان واضحًا أنَّها تخصُّ العصابة، وفي نفس اللحظة أوقف الصياد سيارته، وأمسك مدفعًا رشاشًا التقطه من تحت قدميه، وصوبه نحو الشياطين وهو يقول ساخرًا: لقد وصلنا إلى المحطة الأخيرة أيُّها السادة … إنكم دائمًا تقعون في الشَّرَك مثل مجموعة غبيَّة من الفئران.
وهنا حدث شيئان في نفس اللحظة: انفتح باب السيارة بدفعةٍ قويةٍ من قَدَمِ «أحمد»، وامتدت قبضة «عثمان» كالقذيفة نحو الرجل الذي وجد نفسه يسقط خارج السيارة، والتقط «قيس» مدفع الرجل الرشاش وصاح: هيا بنا.
وعلى الفور أخذ «أحمد» مكان رجل العصابة أمام عجلة القيادة، وانطلق بها عائدًا إلى الغابة، وعلى الفور انطلقت سيارات العصابة خلف الشياطين.
وانْحَرفَ «أحمد» خلف بعض الأشجار، ومَرَقَت سيارات العصابة أمام الشياطين الذين صوَّبوا مدفعهم الرشاش الوحيد نحو آخر سيارتين، فانفجرتا وتصاعد منهما لهبٌ هائلٌ.
وهتف «أحمد»: هيا بنا فالسيارتان المحترقتان ستسدان الطريق على باقي السيارات، ولن تستطيع مطاردتنا.
وقفز الشياطين إلى السيارة اﻟ «بدفورد» مرةً أخرى، وانطلقوا في سرعة بالغة. وأخيرًا وصلوا إلى فندق «السماء الزرقاء».
وكان أول ما فعله الشياطين أنْ قاموا بتفتيش حجراتهم تفتيشًا دقيقًا بحثًا عن قنابل موقوتة أو أجهزة تنصت … ولكنْ لم يكن هناك أي منها.
قال «عثمان» ساخرًا: يبدو أنَّ العصابة لم تتوقع نجاتنا هذه المرة.
مصباح: إنَّنا لم نواجه عدوًّا بمثل هذا الخُبْث والاحتياط من قبل.
قيس: إنَّ زعيم «سادة العالم» الجديد يبدو ماهرًا في أسلوب حرب العصابات الذي يستخدمه ضدنا.
خالد: ولكنَّنا تمكنَّا من الإفلات، ولقنَّاهم درسًا قاسيًا.
هتف «أحمد» في غضبٍ وتوترٍ: ولكن ما الفائدة؟ لقد شغلتنا العصابة بمواجهات خاطفةٍ، ومطارداتٍ، حتى كدنا ننسى هدفنا الأساسي … لقد جئنا هنا أساسًا لإنقاذ زميلاتنا من الشياطين.
وساد الصمت والحزن على وجوه الشياطين … كان «أحمد» محقًّا، ولكنَّهم لم يدخروا جَهْدًا في صراعهم مع العصابة، وإنْ كان ما بذلوه لم يؤدِّ إلى نتيجةٍ … وها هو يومهم الثاني قد بدأ في «نيروبي» بدون أن يَعثُروا على مكان الفتيات … في حين أنَّ كلَّ دقيقة تمرُّ تُمثل خطرًا شديدًا على حياة «إلهام».
قال «أحمد» بعد لحظةِ تفكيرٍ: من المؤكد أنَّ زعيم «سادة العالم»، ذلك المجرم المدعو ﺑ «القنفذ» موجود في «نيروبي» … إنَّ سرعة تحركات العصابة، ومفاجآتها المستمرة لنا تدلُّ على ذلك، ومن المؤكد أنَّ مقر العصابة يوجد قريبًا منا … بل ربَّما أقرب مما نتصور.
تساءل «عثمان»: وما الذي يجعلك تظنَّ ذلك يا «أحمد»؟
أجاب «أحمد»: إنَّ محاولة العصابة إبعادنا عن «نيروبي» إلى الجبل والغابات يدل على أنهم يريدون إدارة المعركة بعيدًا عن مقرهم حتى لا تتجه الأنظار إليهم، فليس معقولًا أنَّ عصابةً بمثل هذا التنظيم تتخذ مقرًّا لها في الجبل أو الغابات … بل من المؤكد أنَّ ذلك المجرم الشديد الذكاء «القنفذ» سوف يتخذ ستارًا بريئًا له ولعصابته أثناء إقامتهم المؤقتة في «نيروبي» لحين التخلص منَّا، وأفضل ستار لهم هو أن يتظاهروا بأنَّهم مجموعة من السياح الأجانب الذين جاءوا بغرض السياحة.
هزَّ الشياطين رءوسهم موافقين على استنتاج «أحمد»، وقال «فهد»: ولكنْ حتى إذا افترضنا صحة استنتاجك يا «أحمد»، فإنَّنا لن نستطيع حصر الأجانب أو السياح في العاصمة وفنادقها، فهذا عمل يتطلب وقتًا طويلًا لا نملكه.
ضاقت عينا «أحمد» وقال: إنَّنا لن نستطيع القيام بهذا العمل بالتأكيد، ولكنَّنا لو استخدمنا عقولنا فسوف نتمكن من تحديد مكان العصابة بالتقريب.
وصمت لحظةً ثم أضاف: إنَّ اختطاف الفتيات يدلُّ على أنَّ العصابة كانت تراقبهم من مكان قريب، وربَّما كانت تعدُّ الخطة لخطفهنَّ داخل الفندق لولا مرض «إلهام» المفاجئ، فتغيرت الخطة بعد أنْ صار سهلًا اختطاف العصابة للفتيات داخل الطائرة المزيَّفة … كذلك فإنَّ التقاط العصابة للرسالة التي أرسلتها الفتيات تدلَّ على أنَّها تتخذ مكانًا قريبًا … قريبًا جدًّا.
وتقابلت عيون الشياطين في استنتاجٍ مذهلٍ … تُرى هل تُقيم العصابةُ في فندق «السماء الزرقاء»؟
هتف «خالد»: احتمالٌ مذهلٌ.
أحمد: ولكنَّه مُحتَمَل … إنَّ أفضل مكانٍ لكي تراقبنا فيه العصابة هو نفس الفندق الذي نقيم فيه، وتذكروا أنَّ الرصاصة التي قتلت الشاب الأسمر الذي كان يتظاهر بمراقبتنا ليخدعنا ويخبرنا أنَّ مقر العصابة في الجبل، هذه الرصاصة انطلقت من مكانٍ قريبٍ … من الفندق مثلًا.
فهد: ولكنْ إذا كان هذا الاستنتاج صحيحًا فقد كان من السهل على العصابة حصدنا بالرشاشات أمام الفندق، أو حتى وضع قنابل في حجراتنا تنفجر بمجرد دخولنا المكان.
قال «أحمد»: لا يا «فهد» … إن «القنفذ» لا يفكر بمثل هذه الطريقة، فإنَّ مثل هذا العمل كان كفيلًا بلفت أنظار الشرطة إلى المكان وتعريض العصابة للخطر، ولذلك فقد جرَّنا إلى مكان بعيدٍ يجري فيه العراك … ولست أشكُّ أيضًا أنَّ العصابة قامت بشراء هذا الفندق، وإخلائه من العمَّال والنزلاء؛ لكي تقيم فيه وحدها ويسهل لهم مراقبتنا.
قال «عثمان» ذاهلًا: إذن فنحن داخل عرين الأسد.
أحمد: بل وبين فكَّيه … ولست أشكُّ أنَّ «إلهام» و«هدى» و«زبيدة» و«ريما» بداخل الفندق في إحدى الحجرات أَسْرى، أو ربَّما داخل زنزانةٍ سريةٍ تحت الأرض في الفندق، فمَن السهل نقلهنَّ بعد الاختطاف إلى الفندق مرةً أخرى، فهناك غابة تمتد خلف الفندق، وسَيَسْهُل نقل الفتيات أسرى من خلالها.
هتف «عثمان» ذاهلًا: لقد وضحت الأمور تمامًا، إنَّ العصابة لم تشأ خطف الفتيات أثناء إقامتهنَّ في الفندق حتى لا نأتي نحن ونبحث عنهنَّ في نفس المكان، بل قامت باختطافهنَّ بعيدًا ثم أعادتهنَّ إلى الفندق، ومن المستحيل طبعًا أنْ يشُك أحدٌ في ذلك، فيا لهذا الرجل الجهنمي الذي يخطط لهذه العصابة أعمالها!
قفز «قيس» في غضبٍ هاتفًا: وماذا ننتظر؟ دعونا نَدُكُّ هذا الفندق على رءوس من فيه ونُخَلِّص الفتيات.
اعترض «أحمد» قائلًا: سيكون هذا عملًا انتحاريًّا، قد ندفع ثمنه حياة من نريد إنقاذهنَّ.
تبادل الشياطين النظرات، وأكمل «أحمد» بهدوءٍ: إنَّ الفندق تحت سيطرة العصابة، وليس لدينا السلاح الكافي لمواجهتها … وعلى ذلك فمن الأفضل القيام بخُدعةٍ لإخلاء الفندق من رجال العصابة أو أغلبهم، حتى يَسْهُل علينا إنقاذ زميلاتنا.
عثمان: وكيف ستتمكن من خداع العصابة؟
أحمد: سوف نتظاهر بإرسال رسالة لرقم «صفر»، مستخدمين الشفرة القديمة وموجة الإرسال التي ألغَاها رقم «صفر» بعد أن اكتشفتها العصابة، وبالطبع لن تصل الرسالة إلى رقم «صفر»، ولكنْ العصابة ستلتقطها، وهم لم يعرفوا بتبديل الموجة والشفرة، ولذلك فسوف يُصدِّقون محتوى الرسالة، وهكذا نقودهم نحن إلى الفخ هذه المرة.
خالد: فكرة مدهشة … ولكن ما هو مضمون الرسالة التي سنخدع بها العصابة؟
أجاب «أحمد» في هدوءٍ: سوف نقول في رسالتنا إنَّنا تمكنَّا من تحديد مكان العصابة بالضبط، وسوف نشن عليها هجومنا الأخير خلال ساعة!
وهنا حملق بقيَّة الشياطين في «أحمد» ذاهلين.