بين أشواك القنفذ
قال «أحمد» شارحًا: إنَّنا بالطبع لن نقول في رسالتنا أنَّنا اكتشفنا أنَّ العصابة تقيم في نفس الفندق، بل سنتظاهر بأنَّنا اكتشفنا أنَّ مقر العصابة يقع وسط الغابات خارج العاصمة، وسوف نركب سيارتنا ونتجه إلى هناك بالفعل، وسوف تقوم العصابة بتتبعنا، وفي نفس الوقت نُضللها بسرعةٍ، لنعود إلى الفندق لإنقاذ زميلاتنا أثناء غياب رجال العصابة.
هتف «قيس»: فكرة رائعة.
واحتضن «عثمان» «أحمد» قائلًا: إنَّك لست مقاتلًا بارعًا فقط، بل ومفكرٌ عظيمٌ أيضًا.
وأحضر «خالد» جهاز الإرسال، وبدأ «أحمد» في نقل رسالته الوهمية إلى رقم «صفر»، وبعد دقيقتين التفت إلى بقيَّة الشياطين: لقد انتهت الرسالة.
ونظر «أحمد» في ساعته قائلًا: لا بد أنَّ العصابة التقطت الرسالة، فلنترك لهم عشر دقائق حتى يتأهبوا لمطاردتنا.
ومضت الدقائق العشر بطيئة، وفي الخارج كان الفجر يوشك على البزوغ، وارتدى الشياطين ملابس قاتمة، وأسرعوا إلى سيارتهم اﻟ «بدفورد» وانطلقوا بها.
وفي حذر أطل «عثمان» برأسه للخلف … وكانت هناك عشر سيارات على الأقل تتبعهم عن بُعد لكي لا تثير الشك في نفوس الشياطين … ابتسم «فهد» وقال: لقد نجحنا فالعصابة تَتْبَعنا.
أحمد: بقي تنفيذ باقي الخطة.
أسرع الشياطين بخلع ستراتهم، وتثبيتها فوق ظهور مقاعدهم، وكانت بقية خطة الشياطين أن يقفزوا من السيارة عند أقرب مُنحنى، ويظل «خالد» بداخلها يقودها، فَتُواصل سيارات العصابة مطاردتها وهي تظنُّ أنَّ الشياطين لا يزالون بداخلها عندما يلمحون عن بُعد ستراتهم المثبتة في مقاعد السيارة، على أن يقوم «خالد» بتضليل العصابة والعودة إلى الفندق لمساعدة الشياطين في مهمتهم.
وعند أول منحنى هتف «أحمد»: الآن.
وفي ثانية واحدة قفز الشياطين الخمسة إلى الأرض، وأسرعوا يَخْتفون داخل أقرب المنازل، على حين واصلت سيارتهم انطلاقها. ومن الخلف أسرعت سيارات العصابة بمطاردتها بدون أن تنتبه لخدعة الشياطين.
وأسرع الشياطين عائدين إلى الفندق مرةً أخرى، وكلُّ سلاحهم مدفع رشاش لا يحتوي إلا على عدد قليل من الطلقات … تسلَّل الشياطين داخل الغابة القريبة التي يطلُّ عليها الفندق من الخلف، وأسرعوا باختراقها، وظهر أمامهم الفندق من الخلف بريء المظهر، يشمله الهدوء كأنَّما لا يسكنه أحد. همس «عثمان»: أعتقد أنَّ الفندق صار خاليًا من رجال العصابة.
أحمد: سيكون هذا أفضل، فهو يتيح لنا فرصة إنقاذ الفتيات في هدوءٍ وبلا خطر.
تسلَّل الشياطين الخمسة نحو سور الفندق، وتسلَّقوه، وقفزوا إلى حديقته … ولم يصادفهم أي مخلوق فتسلَّلوا داخلين، وفي قلب الفندق لم يكنْ هناك أي مخلوق، ولا حتى موظف الاستقبال أو الخدم … رفع «فهد» يده بعلامة النصر قائلًا: لقد كان استنتاج «أحمد» صحيحًا، فكل العاملين في الفندق من أفراد العصابة.
مصباح: دعونا نبحث عن زميلاتنا.
عثمان: لا أظنَّ أنَّ العصابة ستضعهنَّ داخل إحدى الغرف العادية مهما كانت الحراسة عليهنَّ من الخارج؛ لأنَّهم يعرفون قَدْرَ الشياطين … ولا بد أنَّ العصابة أَسَرتهنَّ داخل حجرات سرِّية يستحيل الخروج منها.
أحمد: هذا مؤكد، دعونا نبحث عن سرداب، أو دهليز يوصل إلى حجرة سرِّية.
وانتشر الشياطين في المكان يتفحَّصون كلَّ شبرٍ فيه، وأخيرًا اهتدى «عثمان» إلى مدخلٍ سرِّي خلف إحدى اللوحات الكبيرة، فأَزَاح اللوحة وضغط فوق جزء بارز بالجدار، فانزاح الجدار، ودار حول نفسه كاشفًا عن سردابٍ معتمٍ هابطٍ لأسفل.
أسرع الشياطين بدخول السرداب يتقدَّمهم «أحمد» بمدفعه الرشاش … كان السرداب شديد الظلام تفوح منه رائحة رطوبة عَطِنة … وانحرف السرداب مرتين قبل أنْ ينتهي ببابٍ حديديٍّ ضخمٍ يسد الطريق أمامهم، ووقف الشياطين لاهثين وهم يتساءلون: تُرى هل تختفي الفتيات الأربع خلف هذا الباب؟
كان ذلك هو أمل الشياطين الوحيد المتبقي لهم … ودقَّ قلب «أحمد» بشدَّة، وصاح من وراء الباب: هل يوجد أحد بالداخل؟
ومن خلف الباب جاءهم صوتٌ ضعيفٌ واهنٌ، وقفز «عثمان» من الفرحة صارخًا: إنَّه صوت «زبيدة».
والتمعت عيون الشياطين ولم يصدقوا أنفسهم، وصوَّب «أحمد» مدفعه الرشاش نحو قُفْل الباب، وأطلق آخر دفعة رصاص به … وتحطم القُفْل وانفتح الباب.
وعلى الضوء الشاحب للمبة كهربائية ضعيفة داخل الحجرة العطنة ظهرت أربعة أشباح، إحداهنَّ لفتاة ممددة فوق فراش خشن على الأرض غائبة عن الوعي كانت هي «إلهام» … والأشباح الأخرى كانت «هدى» و«زبيدة» و«ريما».
صرخت الفتيات الثلاث في فرحة عندما شاهدوا الشياطين الخمسة، وقالت «هدى» بعينين تلمعان بالدموع: لقد ظنَّنا أنْ نهايتنا ستكون في هذه الحجرة، ولم يَدُر في أذهاننا أبدًا أنَّكم ستفكرون في أنَّ العصابة تسجننا في نفس الفندق.
أسرع «أحمد» ينحني بجانب «إلهام» ويقيس نبضها … كان ضعيفًا، ودرجة حرارتها مرتفعة جدًّا.
وقالت «زبيدة» باكيةً: لولا خَشْيتنا على «إلهام» لقاومنا العصابة، وما سمحنا لها بالقبض علينا أحياء أبدًا.
أحمد: لا بدَّ من نقل «إلهام» فورًا من هذا المكان، وإرسالها إلى أقرب طبيب، فحالتها سيِّئة.
والتمعت عيناه ببريق قاتل وهو يقول: أقسم إنني سأعود إلى هذا «القنفذ» المتوحش لأذيقه طعم رصاصاتي.
وما كاد «أحمد» يُنهي عبارته حتى جاء صوتٌ خشن أجوف من مكان ما يقول: إنَّها أمنية مستحيلة يا صديقي، فإنَّك لن تغادر هذا المكان لتعود إليه ثانية … إنَّ «القنفذ» لا تخدعه مثل تلك الحيل الصغيرة كالتي قمتم بها لخداع رجالي، وإن كان التظاهر بتصديقها كان لجرِّكم إلى الشَّرَكِ النهائي الذي لن تغادروه أحياء أبدًا.
تبادل الشياطين النظرات ذاهلين.
واندفع «أحمد» كالمجنون نحو باب الزنزانة المحطم، وقبل أنْ يُغَادِره «أحمد» كان هناك باب آخر من الصلب قد خرج من الجدار ليسد الطريق أمامه.
وأدرك الشياطين أن «القنفذ» كان أذكى ألف مرة مما قدَّروا.
أخذ «أحمد» يدق على الباب الحديدي بقوة، وصاح في غضب رهيب: أيُّها المخادع الشرير.
دوت ضحكة عالية ساخرة ملأت المكان حولهم، وعاد «القنفذ» يقول: لولا ذلك ما تمكنت من الوصول إلى قيادة المنظمة … لقد كان أمامي العشرات من الرجال الأقوياء، كان عليَّ إزاحتهم من طريقي للوصول إلى الزعامة، وكان يستحيل التخلص منهم جميعًا بالرصاص … وكانت هناك وسائل أخرى عديدة أجيدها، ولحسن الحظ أو لسوئه، فإنَّ كل من أزحتهم من طريقي لم يكونوا يعرفون غير لغة الرصاص … ولذلك كان يسهل التخلص منهم جميعًا … إنَّ زعامة منظمة مثل «سادة العالم» أمر يستحق كل مخاطرة.
صاح «عثمان» في غضب جنوني: أيها المجرم!
– أشكرك يا صديقي، فأنا لا أستطيب شيئًا قَدْرَ أنْ يوجِّه لي أحدُ الأشخاص السباب، فهذا يدل على أنَّني قمت بعملٍ جيد، وفي الحقيقة فإنَّ التخلص منكم كان يتطلَّب عملًا ماهرًا أظنَّ أنَّني قمت به بنجاح، فالجميع يعرفون أنَّكم أخطر مجموعة قتالية في الشرق الأوسط، وربَّما في العالم كله، ولطالما تسببتم في فشل أعمالنا من قبل، وألحقتم بنا خسائر عديدة، ولذلك كان أول ما فكرت فيه عندما توليت الزعامة هو التخلُّص منكم … فبدونكم لا تقوم لمنظمتكم قائمة … وبرغم أنَّ الصراع معكم قد طال قليلًا فقد كنت برغم ثقتي في براعتكم واثقًا في النهاية؛ لأنَّني دائمًا كنت أضع نفسي في مكانكم، وأتساءل ما الذي يمكنكم استنتاجه وكيف تفكرون؟ وها أنتم ترون أنَّ النتيجة النهائية كانت جيدة تمامًا.
صاح «أحمد»: إنَّ معنا مريضة وهي بحاجة إلى علاجٍ عاجلٍ … ثق أنَّنا مستعدون لأنْ نفعل أي شيءٍ تطلبه مقابل السماح بإخراجها من هذا المكان وعلاجها.
أجاب المجرم بصوت ساخر: يا عزيزي … من المؤسف أنَّ العواطف الرحيمة ليس لها مكان في قلبي، وإلا ما كنت جديرًا بمنصبي … وما الداعي إلى علاج زميلتكم إذا كانت في النهاية ستموت معكم؟ إنَّ عواطفكم وطيبة قلبكم هي التي أوقعت بكم جميعًا في قبضتي، ولو كنتم قررتم التضحية بفرد في سبيل الباقين ما كان هذا مصيركم.
وأطلق ضحكة ساخرة عالية أودعها كلَّ كراهيته وحقده.
وتقابلت نظرات الشياطين في غضب رهيب … غضب لم يجرِّبوه من قبل أبدًا … غضب لا مثيل له أبدًا … كانوا في مكان منقطع عن العالم لا يَدْري بمصيرهم أحدٌ، وليس معهم سلاحٌ، بل وأحدهم مريض يحتاج إلى علاج عاجل … كان أملهم الوحيد والأخير هو «خالد» في أن ينجح في العودة للفندق واكتشاف الخدعة وإنقاذهم.
وفي نفس اللحظة تبدد ذلك الأمل تمامًا … عندما انفتَح الباب الحديدي فجأة، ودفعت يَدٌ غليظةٌ «خالد» إلى الداخل وعاودت إغلاقه.
وكانت نظرةٌ واحدةٌ إلى وجه «خالد» كفيلةً بأنْ يَعْرفَ الشياطينُ مِقْدَار الضرب الذي تلقاه من أفراد العصابة.
كان وجهه مليئًا بالدماء والخُدوش، وأسرع الشياطين نحوه، وقال «خالد» بصوتٍ متألمٍ: لقد حاصروني بسلاحهم، كانوا أكثر من عشرين شخصًا، وكان من المستحيل التغلب عليهم بلا سلاح.
انتفض «عثمان» غاضبًا وصاح كأنَّه يخاطب الجدار: أيها المجرم المتوحش المدْعُو ﺑ «القنفذ» … أقسم لأُريحن العالم من شَرِّك.
وأجابه صوت زعيم العصابة يقول: لن يتسع الوقت لك للقيام بذلك يا عزيزي … فبعد ثلاث دقائق بالضبط ستكونون جميعًا ضمن عالم الأموات.
وفي نفس اللحظة بَدأَ الشياطين يشمُّون رائحة غاز سام ينبعث من بعض الفتحات الدقيقة في سقف الزنزانة ليملأ المكان.