أعظم رجل في العالم
أخذ الوقت يتناقص بسرعة رهيبة، والغاز السام ينتشر في الزنزانة، وكانت «إلهام» راقدةً لا تحس شيئًا حولها، على حين اندفع الشياطين يضربون الحائط بأيديهم وأرجلهم في حركات جنونية كأنَّهم يريدون هدم المكان بأيديهم بلا فائدةٍ، وتبقت ثواني قليلة.
وفجأة حدث انفجار هائل رجَّ المكان، حتى إنَّ الشياطين سقطوا من أماكنهم، وتهاوى الباب الحديديُّ أمامهم، وبدأت الأحجار تتساقط فوق رءوسهم.
ومن الخارج وصل إلى أسماع الشياطين أصوات طلقات رصاص سريعة أعقبتها أصوات انفجارات متتالية … تبادل الشياطين النظرات ذاهلين … وكان لذلك معنى واحد … أنَّ هناك معركةً بالخارج بين أفراد العصابة وآخرين … وهؤلاء الآخرون لا يمكن إلَّا أن يكونوا بَقيَّة الشياطين … «بو عمير» و«باسم» و«رشيد» الذين ادَّخرهم رقم «صفر» للمعركة الأخيرة، وليتدخلوا لإنقاذ الشياطين في اللحظة أو الثانية الأخيرة … ولا بد أنَّه كان يراقب ما يحدث للشياطين عن بُعْدٍ وعرف ما حدث لهم فتدخل لإنقاذهم … كان رقم «صفر» رجلًا رائعًا بكل تأكيد يعرف متى يضرب ضربته الأخيرة … حتى لو كان عدوه رجلًا رهيبًا مثل «القنفذ».
حمل «أحمد» «إلهام» فوق ذراعيه، واندفع الشياطين يغادرون الزنزانة المتهدِّمة، وأطلُّوا برءوسهم من فتحة السرداب … كان الفندق قد تحول إلى أنقاض بعد أن نسفه الشياطين الثلاثة … واندفع «بو عمير» نحو الشياطين وهو يحمل حقيبة مليئة بالأسلحة ألقاها نحوهم، وكان من الواضح أن الشياطين الثلاثة بحاجة إلى معونة بقية زملائهم.
وعلى البعد سُمِع تراشق بالرشاش بين «باسم» و«رشيد» وأفراد العصابة … وعلى الفور أخرج الشياطين الأسلحة من الحقيبة، واندفعوا نحو العصابة … لقد جاءت لحظة الانتقام.
كان هناك أربعة أفراد من العصابة يحتمون خلف إحدى الأشجار في الحديقة، وبقنبلةٍ يدويةٍ أطاح بهم «أحمد» وقتلهم، وبدفعة رشاش حصد «عثمان» مجموعةً أخرى من العصابة كانت تندفع محاوِلة تطويقهم.
وكانت هناك مجموعة أخرى من رجال العصابة تحتمي خلف البناء المتهدم، وتطلق الرصاص والقنابل اليدوية على الشياطين … وزحف «فهد» و«خالد» بين الأنقاض حتى صاروا خلف أفراد العصابة، وبلا رحمة حصدوهم بمدافعهم الرشاشة.
وفي الغابة القريبة دَوَّت أصوات رصاصات متبادلة … وكان من الواضح أنَّ «باسم» و«رشيد» في مأزق، وأنَّهما محاصران من بقية العصابة … واندفع الشياطين على شكل نصف مروحة ليُطَوِّقوا المكان … وبدأت المروحة تضيق مقتربة من مكان بقية العصابة.
وما إن ظهر أول فرد منها حتى صَوَّبت «زبيدة» مسدسها، وأطلقت واحدةً على إِثْرِهَا ترنَّح الطبيب المزيف وسقط قتيلًا.
أما «هدى» فاشتبكت مع الممرضة المزيفة، وبضربة منها أطارت مسدس الممرضة، ثم وجهت إليها ضربةً عنيفةً سقطت على إِثْرِهَا بلا حَرَاك.
وهتفت فيها «هدى»: إنَّ هذا يعلمك أنْ تكوني أكثر رحمة بالمرضى … حتى لو كنت ممرضة زائفة.
وخفتت أصوات الرصاص وتلاشت … واندفع الشياطين يطمئنون على بعضهم. كانت «ريما» ناقصة، ولم يكن هناك أي أثر ﻟ «إلهام»، وقال «بو عمير»: لقد سَاعَدتُهُما على ركوب طائرة خاصة أرسلها رقم «صفر» كانت تنتظر قريبًا، وتَوَجَّهت إلى مقرِّ الشياطين بسرعة لعلاج «إلهام» … وأرجو أن تصل الطائرة في الوقت المناسب.
قال «عثمان» في ابتهاج: لقد قضينا على كل أفراد العصابة التي كانت تختفي في هذا المكان.
غامت سحابة من الألم والحزن على وجه «أحمد». قال: لكنْ يبدو أنْ زعيمها قد فرَّ، فلا أثر له هنا.
قيس: وماذا تنتظرون؟ دعونا نطارد هذا المجرم فهو أحقُّ بانتقامنا.
أحمد: لا أظنُّ أنَّنا سنمسك به فهو شديد الدهاء، لقد نجح في الفرار هذه المرة، ولا بدَّ أنَّه ستكون هناك مواجهة تالية … ومن المؤكد أنَّها ستكون الأخيرة بالنسبة لهذا المجرم.
ربت «فهد» على كتف «بو عمير» وقال له: لقد جئتم في اللحظة المناسبة لإنقاذنا.
ابتسم «بو عمير» وقال: كانت هذه هي أوامر رقم «صفر»، فقد كان يعلم أنَّكم ستواجهون عدوًّا شديد الذكاء قد يتمكن من الإيقاع بكم أيضًا.
وعندما تأكَّدنا من وقوعكم في أيدي العصابة، وتعرضكم لخطر الموت، كان التدخل الفوري، ولهذا قام بتقسيمنا إلى مجموعتين من البداية؛ حتى تقوم الثانية بتغطية الأولى في حالة وقوعها في خطر.
قال «أحمد» ساخرًا: كان زعيم «سادة العالم» يتباهى بمقدرته وذكائه … وأظنَّ أنَّه الآن سيعرف أنَّه يوجد في هذا العالم من هو أذكى وأشد حيلة منه … إنَّ رقم «صفر» رجل لا مثيل له حقًّا.
ومن بعيد تعالت أصوات سيارات الشرطة، ولم يكن لدى الشياطين وقت، أو فرصة للشرح، فاندفعوا نحو الغابة القريبة كما طلب منهم «بو عمير»، وهناك كانت تنتظرهم طائرة هليكوبتر حلقت عاليًا … ثم انطلقت بعيدًا.
كان أوَّل ما شاهدته «إلهام» عندما فتحت عينيها هي وجوه الشياطين الباسمة وهم يحيطون بها، وقد امتلأت الحجرة بباقات الورد الجميلة.
وتندَّت عيون الشياطين بالدموع وأحسوا أخيرًا بالاطمئنان بعد ساعات طويلة من القلق و«إلهام» تخضع لعلاج مكثَّف.
وهتف «أحمد» بسرور: حمدًا لله على سلامتك يا «إلهام».
عثمان: لقد كنَّا في غاية القلق عليكِ، ولقد طَمأَننا الطبيب بأنَّها كانت مجرد حمى استوائية، ولحسن الحظِّ فإنْ بِنْيَتَكِ القويَّة، وقدرتك على التحمل هي التي جعلتك تَصْمدين للمرض يومين كاملين بلا علاج.
اعتدلت «إلهام» في فراشها بدهشةٍ، وسألت: ولماذا بَقِيت يومين بلا علاج؟ إنَّ آخر ما أتذكره هو ركوبي الطائرة التي أرسلها رقم «صفر» للعودة بي إلى المقر السري، فما الذي حدث؟ هل تحطمت الطائرة وسط الغابات ثم أمكنكم إنقاذي بعدها؟
تبادل الشياطين النظرات، ولم يشأ أحدهم أن يخبرها بالمعركة الرهيبة التي خاضوها لأجل إنقاذها.
قال «أحمد» باسمًا: إنَّ طائرتك لم تصل في موعدها بالفعل، والسبب «قنفذ» مشاكس دسَّ أنفه في المسألة فعطلنا لمدة يومين، ولكنَّنا تمكنَّا من قطع أنفه على كل حال، وفي المرة القادمة نَعِدُك أنَّنا سنتخلص منه نهائيًّا!
وأطلق الشياطين ضحكة عالية مرحة، و«إلهام» تنظر لهم بدهشة عظيمة بدون أن تفهم شيئًا.