كلمة علم الحياة
العلم مشاهدات وتجارِب وقوانين.
والعلم واقعي يذكر الحقائق مهما تكن مُرَّة، ولا يحفل بالأوهام والآمال.
والعلم لا يعرف القيم، ولا يرفع من شأن الإنسان على غيره من الحيوان، فهم جميعًا في نظره كائنات «حية» تخضع في وجودها لقوانين طبيعية.
ولا يشذ الأمر في الحب والبغض عند العلماء عن سائر المظاهر الطبيعية، وخلاصة رأيهم أن البغض يتصل كل الاتصال بالبغض وبغرائز الكفاح والمقاتلة في الهجوم والدفاع، ممَّا هو لازم لحفظ حياة الفرد والأسرة والجماعة. وأن الحب — ويقصدون الحب الجنسي — يرجع إلى اختيار الذكر أُنثاه، ممَّا هو مشاهد في الكائنات الأولية، وما هو أكثر وضوحًا عند ضروب الحيوان الراقية كالقردة؛ إذ يتغلَّب الذكر القوي على منافسيه، وتشتاق الأنثى إلى أكثر الذكور جاذبية.
هذا التفسير الحيوي يتصل اتصالًا قويًّا بنظرية التطوُّر أو النشوء والارتقاء؛ فالاختيار الذي يتم بعد المنافسة الجنسية يُؤكِّد «بقاء الأصلح»، إلى جانب ما يُشاهَد في اختيار المحبوب من الخضوع لقانون «الانتخاب الطبيعي».
وهكذا ننتهي إلى فلسفةٍ بيولوجية لها دون شك طرافتها؛ فالحب يرجع إلى الغريزة الجنسية، وهذه بدورها ترجع إلى غريزة التناسل أو حفظ النوع، والغرض من التناسل هو حفظ الحياة والاستمرار على النشوء والنماء؛ فالحب صدى الحياة الكلية في نفوس الأفراد، إنه حب الحياة للحياة.
وجملة القول: الحب والكراهية يُعبِّران في حيان الإنسان عن النزعات الأساسية العميقة التي ترمي إلى حفظ الفرد والنوع.
ويجمل بنا أن نتتبَّع هذه الظاهرة الإنسانية منذ نشأتها الأولى في أبسط الكائنات.