انقسام الخلية
تخضع حياة الكائن إلى قانونٍ عام يقضي بأن يتقلَّب الكائن شيئًا فشيئًا في سلسلةٍ من الأدوار، نُشاهدها في الحياة الفردية، وتنتهي بالموت، وهو فساد الجزء الأعظم في ذاته، فيُصبح مادةً غير «حية»، ومع ذلك تستمر الحياة في خلاياه التناسلية، في ظروفٍ خاصة.
ومن الثابت علميًّا حتى الآن أن الخلية أبسط عنصر حي، والخلية في الحيوانات الدنيئة هي الكائن الفرد بأكمله. ونسيج الخلية يُعرف بالبروتوبلازما، وهذه المادة لا تزال مجهولةً حتى الآن. وأهم جزء في الخلية هو النواة. وتتكاثر الكائنات وحيدة الخلايا، وهي الحيوانات الدنيئة، كما تتكاثر كل خلية داخلة في تركيب الكائنات الراقية، عن طريق الانقسام. ويحصل الانقسام بانشطار النواة إلى جزأين في داخل الخلية، ثم ينمو كل جزء منهما إلى أن يُصبح خليةً مستقلَّة؛ وبهذا تموت الخلية الأولى أو تختفي، ولكنها تحيا في الخليتَين الجديدتَين، من حيث إنها تكاثرت بالانقسام قبل موتها. إنها تحمل في طيَّاتها الحياة الجديدة وهي في سبيل الموت.
وهنا نلمس الظاهرة الأساسية للزواج؛ أي شيوع خليتَين في واحدة، ممَّا يُؤدِّي إلى التناسل. وهذه الحقيقة المشتركة بين جميع الكائنات الحية ومنها الإنسان، تُثبت لنا أن الاستقرار في الحياة ليس ممكنًا إلَّا إذا اتحدت العناصر المختلفة التي تخضع لظروفٍ متباينة بين حينٍ وآخر.
وإذا حالت الموانع دون هذا الاتحاد، بأن تستمر الحياة عن طريق التكاثر فقط، أو اللقاح؛ ترتَّب على ذلك إضعاف مستمر، بل تدهور ينتهي باختفاء النوع الذي يتناسل على هذا النحو.
أمَّا الكائنات الراقية في المملكة النباتية والحيوانية، فإنها تتعقَّد كما هو معروف؛ وذلك لأنها تتكوَّن من خلايا كثيرة لا من خلية واحدة. وكلما ازداد الكائن تعقُّدًا؛ كثرت الخلايا الداخلة في تكوين أعضائه، وتنوَّعت من جهة تركيبها الكيميائي والطبيعي، ومن جهة شكلها العضوي، ولكنها تُؤلِّف في اجتماعها كائنًا واحدًا، يُؤدِّي كل عضو فيه عملًا خاصًّا ويُحقِّق غرضًا معلومًا. وهكذا يتكوَّن النبات من الأوراق والزهور والبراعم والفروع والجذوع إلى غير ذلك، ويتكوَّن الحيوان من الجلد، والأمعاء والغدد، والدم، والعضلات، والأعصاب، والمخ، وأعضاء الحس وما إلى ذلك. ولا يتم التناسل عند كثيرٍ من أنواع النبات وضروب الحيوان بطريق اللِّقاح بل بطريق الانقسام؛ فبعض الشجر يتكاثر «بالعُقلة»، وبعض أنواع النمل التي لم تُلقَّح تضع بيضًا يفقس ويُصبح نملًا يسعى، ولكن أجياله المتعاقبة تنقرض إذا لم يخرج النسل عن طريق الزواج.
أمَّا الحيوانات الراقية، ونعني بها ذوات السلسلة الفقرية، وكذلك الإنسان، فلا تتناسل من دون زواج. ومهما يكن من شيء، فسواء تمَّ التكاثر بالانقسام أو حصل التناسل باللِّقاح أو الزواج، فهذا كله دليل على الاستمرار المتصل للحياة. فما هو الزواج؟