الشباب
يبدأ الشباب مع البلوغ، فإذا بلغ الصبي الاحتلام، والفتاة المراهقة؛ تهيَّآ للإنسال. على أن دور البلوغ يُعَد تطوُّرًا عظيمًا في حياة الفرد، تتغيَّر فيه نظرته إلى الحياة والمجتمع، ويبدأ في تحديد مكانه الصحيح في الحياة الاجتماعية. وأهل كثير من الشعوب يُقدِّسون هذه المرحلة ويحتفلون لها بكثيرٍ من الطقس، ويعدونها ميلادًا ثانيًا. ومن التقاليد المعروفة في مصر عند الطبقات الشعبية أن البنت إذا بلغت صبغوا يدَيها بالحنَّاء.
والمعروف في علم الطب أن البلوغ نتيجة مباشرة لنمو الغدد التناسلية التي تُفرز إفرازًا ظاهرًا تحقيقًا للنسل، وتُفرز إفرازًا باطنًا يدفع إلى الرغبة الجنسية والقدرة على اتصال الذكر بالأنثى.
والتغيير الذي يحدث في شخصية الشاب أكثر تعقيدًا؛ فهذا التطوُّر الجديد من دواعي القلق والحيرة وإعمال الفكر؛ ذلك أن علامات البلوغ كالاحتلام عند الشاب، والحيض عند البنت، كثيرًا ما تكون باعثًا للخوف، والاعتقاد في مرضٍ أو شذوذ، ممَّا يدل على وجود تغيير نفساني يسير جنبًا إلى جنب مع التغيير الفسيولوجي.
وأول هذه التغييرات النفسانية الصراع بين الشاب وبين أترابه من الشبَّان وبين مربيه، وعلى الأخص والدَيه. ويختلف هذا الصراع في درجة الظهور والخفاء؛ فهو أكثر ظهورًا عند الذكور. ويُحدِّثنا علماء التحليل أنه نتيجة ليقظة عقدة «أوديب»، وثورة الشاب على سلطة الآباء، فهو صراع بين جيلَين، وبدء الانفصال عن الأسرة. أمَّا البنت فإنها تظل في الغالب وفيةً للعش المنزلي.
ومن التغييرات المصاحبة للبلوغ فيض الذاتية وشدة الشعور بالنفس، بما يُشبه النرجسية، أو عشق الذات الذي تحدَّثنا عنه في سن سابقة. ويلاحَظ أن الشاب ينظر في نفسه، ويبحث فيها، ويرتاح إلى الشعور بذاته، ممَّا يبدو جليًّا في المذكِّرات الخاصة التي يكتبها أمثال هؤلاء في هذا العهد. هذا العشق للذات أعلى في مستواه من العشق السابق، ويدفع إلى ازدراء من سواه، وكراهية غيره من الأتراب، والتعالي عليهم تمييزًا لنفسه.
وتُعَد بعض عواطف المحبة امتدادًا لما كان موجودًا في الطفولة، كالصداقات بين الجنس الواحد التي تبلغ حد المحبة، كأن يُحب الطفل الطفل، كذلك نجد الشاب يُحب الشاب، والفتاة تُحب الفتاة، وهذا في الحقيقة مظهر من مظاهر الضعف، وقلة الخبرة، والحاجة إلى الاعتماد على الغير، وفي هذا نجد تفسير عشق الجنس لجنسه السائد كثيرًا في البالغين ذكورًا وإناثًا. وعند فرويد أن عشق الجنس مظهر لعشق الإنسان لنفسه، تحوَّل إلى شخصٍ آخر من نوعه.
مهما يكن من شيء فالبالغ يسعى إلى شخصٍ يُصادقه ويفهمه ويعتمد عليه في هذه الحال من الوحدة والضعف، فهو يركن إلى شخصٍ من جنسه؛ لأن ما يُكمِّله من الجنس الآخر لا يتيسَّر له في هذه السن؛ نظرًا للموانع الاجتماعية المعروفة.