حقيقة الحب
الحب والبغض من الأحوال النفسية الوجدانية التي يشق على المرء تحديد معناها، وإنما هما من المحسات التي يشعر بهما الإنسان ولا يستطيع القول أو التعبير الصحيح عن هذا الشعور. ولا شك أن الألفاظ تضيق عن المعاني، وكثيرًا ما تبعد عن الإبانة وتقصر عن الإيضاح. وقد طالب الفيلسوف برجسون في العصر الحاضر بالانصراف عن استعمال الألفاظ الجوفاء إلى الصلة المباشرة بالأحوال النفسية، ومع ذلك فلا بد لنا من التعبير، ولا بد في التعبير من الاعتماد على اللغة والألفاظ.
حاول القدماء تعريف الحب أو الهوى، قيل لبعضهم: ما العشق؟ فقال: ارتياح في الخِلقة، وفرح يجول في الروح، وسرور ينساب في أجزاء القوى. وقال العيني: سألت أعرابيًّا عن الهوى، فقال: هو أظهر من أن يُخفى، وأخفى من أن يُرى، كامن كمون النار في الحجر، إن قدحته أوري، وإن تركته توارى.
وسُئل أحدهم فقال: حركة النفس الفارغة.
وهذه كلها تعاريف بالاستعارة والكناية والتشبيه لا تُصيب ماهيَّة الحب، بل تُقرِّبه إلى الذهن. وعند العرب أن الحب اسم مشترك يجمع ضروبًا من ميل النفس كحب الولد والمال، ثم الهوى، ثم المودة، ثم الصبابة، ثم العشق، ثم الوله والهيام والتتيُّم، وهو أرفع درجات الحب لأنه التعبُّد.
وإذا رجعنا إلى لغتنا الدارجة التي يجري فيها استعمال لفظتَي الحب والبغض، فقد نقصد بهما في بعض الأحيان الرغبة في الشيء أو الصدوف عنه، كما يُعبِّر الطفل عن رغبته في اللعب والحلوى بقوله: إني أُحب الحلوى، وأكره الدواء؛ أي يرغب في الأول ولا يُريد الثاني.
وفي أحوالٍ أخرى نقصد بالحب التضحية والإيثار والفناء في سبيل شيءٍ من الأشياء.
فهذا نوعٌ يختلف عن سابقه؛ ففي الأول يطلب الإنسان الشيء لنفسه ومصلحته ولذته، وفي الثاني يُضحِّي الإنسان بنفسه في سبيل هذا الشيء.
وفي ذلك قال الشاعر يصف ليلى كيف تُؤثِر نفسها:
وقال الأصمعي: غضب الفُضيل بن يحيى على جارية فبعثت إليَّ تسألني أن أسترضيه، فسألته فقال: الذنب ذنبها. فقلت: وكيف موقعها من قلبك أيها الأمير؟ قال: أحسن موقع، وإنما أُريد بهذا الهجر تهذيبها. قلت: فاستعمل فيه وصية العباس بن الأحنف.
قال: وما هي؟ قلت:
وفي حالةٍ ثالثة نجد أن الحب يعني اتحاد الطالب والمطلوب وفناء الاثنَين معًا.