تصدير

يتناول هذا الكتاب عددًا من القضايا الأدبية التي برزت في النصف الأخير من القرن العشرين، وهي قضايا متشابكة وترتبط في الغالب الأعم بالأنواع الأدبية الجديدة التي ازدهرت في الأدب العربي والآداب العالمية منذ الحرب العالمية الثانية، ومنها ما هو شديد الارتباط بفنون الفُرجة أو ما يُطلق عليه أحيانًا تعبير «الفنون السمعية والبصرية»، وفنون الحركة، وفنون الأداء، وأهمها فن المسرح الذي يحظى بنصيب الأسد في هذا الكتاب، ويليه فن الشعر الذي تأثر بما يُسمَّى بمدارس الحداثة أو «المودرنية»، وفن الرواية الذي اتجه عدة اتجاهات جديدة في السنوات الأخيرة ابتعدت به عن الصور التقليدية للرواية الأدبية.

ويتعرض الكتاب في المقدمة لقضية المصطلحات الجديدة التي غزت ميدان النقد الأدبي الغربي، فاقتبسنا معظمها وجعلنا نستخدمه في كل آونةٍ، سواء كنا ندرك دلالاته الحقيقية أم لا، والمقدمة بمثابة تمهيد يُلقي الضوء على المصطلحات ويشرحها في إطار ما قبِله المتخصصون وارتضوه، أي دون الدخول في اللجاج المعهود حول ما ينبغي قبوله وما ينبغي رفضه، وإن كان يُنعى على البعض استخدام الكلمات الأجنبية التي لا لزوم لها بسبب وجود مصطلحاتٍ عربية تغني عنها.

وقد نشرتُ أجزاءً كثيرة من هذا الكتاب مُتفرقة، إما في الدوريات الأدبية «فصول» و«المسرح» و«المجلة» و«القاهرة» و«الفنون»، أو في الصحف اليومية على امتداد ثلاثين عامًا، وخشيت عليها الضياع، ونُشر عددٌ محدود منها في مقدمات دواوين الشعر أو الروايات التي تعرضتُ لها بالنقد أو الترجمة، ولم يُكتَب للفصول الأخرى أن تُنشر، على صلتها الوثيقة بواقعنا الأدبي، فرأيت أن أجمع ما له علاقة مباشرة بالقضايا الرئيسية، وأن أضم هذا إلى ذلك بصورةٍ تحقق اكتمال العرض لكل قضيةٍ من القضايا، وإلى طول الفترة الزمنية يرجع التكرار في بعض الأفكار، وهو من السمات المحتومة في أي كتابٍ من هذا اللون، وإليه أيضًا يرجع الاختلاف في الأسلوب، بل وفي بعض المصطلحات النقدية، والواقع أنني حاولت تضييق نطاق التكرار واختلاف الأسلوب إلى أقصى حدٍّ ممكنٍ، دون أن أمس جوهر الرؤية النقدية التي انطلقت منها، والتي تطورت كثيرًا على مدى هذه الأعوام الثلاثين، وإن كنت أتمنى أن أضيف إلى الكتاب قضيةً معاصرةً أخرى مُلحة هي «الترجمة الأدبية»، ولكنني خشيت أن يطول الكتاب فيمعن في الطول، واكتفيت بالقضايا الأساسية التالية:

  • أولًا: المصطلحات النقدية الجديدة حتى التسعينيات.
  • ثانيًا: شعر العامية والفصحى.
  • ثالثًا: الرومانسية والحداثة في الشعر الإنجليزي.
  • رابعًا: المسرح الشعري.
  • خامسًا: أنواع الكوميديا الحديثة.
  • سادسًا: مذاهب المسرح الحديث.

وأضفت إلى هذه القضايا هوامش على الرواية الحديثة في مصر والعالم، وعرضًا لستة كتب أساسية في المكتبة الإنجليزية، مما أرى أنه يعود بالفائدة على مناهج البحث الأدبي والتناول النقدي لبعض هذه القضايا.

وكل ما أرجوه أن تكون في هذا الكتاب بعض فائدة للمهتمين بدراسة الأدب في بلادنا في عصرٍ تعقدَت فيه هذه الدراسة وتشابكت فروعها وتداخلت، وأن تكون الإطلالات الحالية على واقع الأدب في العالم عونًا لهم على المضاهاة والربط بين الظواهر الأدبية هنا وهناك، فالعالم يصغر يومًا بعد يوم، ووعْينا بآداب بعضنا البعض يزداد كذلك يومًا بعد يوم.

والله الموفق.

محمد عناني
القاهرة، ١٩٩٤م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥