وكان من بين أهم هذه المواقع:
(٣-٣) الجبانة الملكية ﺑ «أور»
مارست أغلب الحضارات القديمة التضحية البشرية، ومنذ البداية ارتبطَتْ هذه الأضاحي
بالطقوس
الدينية ومعتقدات ما بعد الموت، فقد ظهر في المقابر الملكية بأور إحدى عادات الدفن الغريبة،
التي تمثَّلَت في دَفْن الخدم والأتباع بل أيضًا الحيوانات مع الملوك باعتبارهم متاعًا
جنائزيًّا؛ ففي أور
١٥⋆ عُثر على العديد من المقابر الملكية التي دُفن فيها الخدم مع الملوك
١٦ والعربات الحربية التي تجرها الثيران؛ ففي المقبرة رقم ٥٨٠ عُثر على هيكلٍ عظمي
لثور، كان في حالةٍ سيئة من الحفظ، وعُثر إلى جواره على بقايا خشبيةٍ لعربةٍ وبالقرب
من هذه
المقبرة، عُثر على ما يعرف بحفر الموت،
١٧⋆ وكان قد عُثر على أضخم تلك الحفر في المقبرة رقم
PJ 1237 في الجبانة الملكية
ﺑ «أور»، وكانت تحوي ما يزيد على ثلاثة وسبعين جثةً بما يشير إلى دفنة جماعية بالجبانة
الملكية.
١٨ ورغم أنه نادرًا ما يُشار في المصادر الوثائقية إلى ممارسة عادة تقديم قربان
بشري أو حيواني في سومر في عصر فجر السلالات، إلا أن تنقيبات «ليونارد وولي» في «القبور
الملكية» في «أور» قد أثبتت عكس ذلك؛ فقد كان من دُفن من ملوكٍ في تلك القبور مصحوبين
بأعداد
من الضحايا تتراوح أعدادهم ما بين ستة أشخاص إلى ثمانين شخصًا، وهم مجهَّزون بالأدوات
والأسلحة الملائمة لهم في حياتهم الخدمية، وتكون الجثة الرئيسة مسجاةً داخل حجرةٍ قبرية
مشيدة
خصِّيصَى لذلك الغرض من الحجارة أو الطوب.
١٩ أما الضحايا البشرية فإما أن تكون في حجرات منفصلة في ممر القبر أو على الأغلب
في «حفرة موت» كبيرة (خندق مستطيل مكشوف كبير)، وتكون الجدران والأرضية مبطنة، مع وجود
درجات أو سلم محفور على أحد الجوانب وكان يتم تشييد القبر أسفله، وعادةً ما يجري وضع
الملك
أو الملكة في القبر أولًا ويُحكَم إغلاقه، وذلك بمرافقة ثلاثة أو أربعة مرافقين في وضع
الانحناء. وإلى داخل المقبرة يتجه موكب رجال الحاشية والجنود والموسيقيين والخدم والعربات
التي تقودها الحيوانات والعربات ذات السائقين وسائسي الخيول، وكل شخصٍ يحمل وعاءً صغيرًا
من
الفخار أو الحجر أو المعدن نفترض (بناءً على الحالة المطمئنة التي تبدو عليها الجثث والتي
لا
تظهر عليها أية علامة على العنف أو الصراع) أنهم شربوا منه سُمًّا أو عقارًا مخدرًا.
وبعد ذلك كان
يتم ذبح الحيوانات، ثم ملء الحفرة الكبيرة بالتراب، ولا شك في أن العملية كلَّها كانت
تُرافقها
شعائر دقيقة.
٢٠
ففي مقبرة الملكة شبعاد عُثر على اثنتين من العربات الحربية، كان يجرها ثيران
(شكل
٤-١)، وكان كلٌّ من العربات والثيران قد دُفن في وضع
التأهُّب للحركة، ويعتقد
Woolley أن كلًّا من
الأشخاص المدفونين والحيوانات، كان قد أُنزل إلى حفرة الدفن وهو على قيد الحياة،
وأن الحيوانات قد ذُبحت بواسطة تابعيها أو سائقيها بينما تناول الخدم والأتباع السم
فماتوا. ولقد عبرت تلك المقبرة عن نوعٍ من التضحيات الآدمية والحيوانية. بينما يرى
آخرون أن هذه المقابر يفترض أنها تُعبِّر عن طقسة الخصوبة أو الزواج المقدس الذي
سيضفي الخصوبة على الأرض.
٢١
وفي المقبرة الملكية رقم «٧٨٩» بأور (شكل
٤-٢) عثر على ستة من هياكل الثيران، كانت تجر
اثنتين من العربات الحربية، كانت هياكل الثيران قد وجدت ممددة أمام العربتين، ومتجهة
إلى
مدخل المقبرة، ويفهم من ذلك أن الحيوانات قد دفعت إلى داخل المقبرة دفعًا، ودفنت وهي
في وضع
الاستعداد للتحرك أو لجر العربات ومن غير المعروف كيفية قتلها، تؤرخ هذه المقبرة بعصر
بداية
الأسرات.
٢٢
ويرجح
Mitchell الرأي القائل بشرب السم قبل الموت قائلًا بأنه ربما كان يتم قتل الجميع
بالسم، ثم حملت جثثهم إلى داخل القبر حيث رصَّت حول الغرفة المخصصة لدفن الملك التي
تقع في
مركز المقبرة.
٢٣ وربما أشارت تلك الممارسات إلى حاجة الإنسان للتزود بالمؤن واصطحاب رفاقه
وخدمه معه من أجل الحياة في العالم الآخر.
٢٤
ولقد اكتسبت مدينة أور السومرية شهرة واسعة بفضل ما اكتشف في جبانتها الملكية.
٢٥ وما فيها من قبور أثارت الدهشة، كما أنها تمثل أصدق تمثيل مظاهر حضارة وادي
الرافدين في أوج ازدهارها وعظمتها في حوالي «٢٦٠٠ق.م.» هذا ولقد تشابهت عادات الدفن في
مختلف المواقع العراقية؛ ففي
الجبانة الملكية بكيش
٢٦ عُثر على قبور عدة اشتملت على دفنات مختلطة بشرية وحيوانية، تنوعت فيها الأضاحي
بين الآدمية والحيوانية؛ إذ عثر على حمير وثيران مدفونة مع العربات الحربية كحيوانات
جر مع سائقيها.
٢٧
وتكرَّر الأمر نفسه في جبانة تل أبو سلابيخ.
٢٨ التي جمعت مقابرها بين الدفنات الحيوانية والآدمية.
٢٩ ومن كل ما سبق يمكن القول إن البشر والحيوانات في بلاد الرافدين كانا يُقدَّمان
كقرابين وأضاحي سواء بسواء لا سيما في عصور ما قبل وبداية الأسرات.