تقع الصين في شرق قارة آسيا، وتعد الديانة البوذية هي الديانة الأم في الصين.
(٣-٤) الدفن في السماء في مقاطعة التبت الصينية
يعدُّ الدفن في السماء من الطقوس الجنائزية التي تتمُّ ممارستها حتى الوقت الحاضر
في
مقاطعة التبت الصينية ومنطقة منغوليا، يتضمن هذا الطقس قطع جثةِ الإنسان المتوفى إلى
قطع
صغيرة وتوضع على قمةِ جبلٍ عالٍ ليتم تعريضها للطيور الجارحة (شكل
٦-٢)، وحسب معتقدهم
فإنَّ الفكرة من هذه الممارسةِ هي ببساطةٍ التخلُّص من بقايا الوجود الفيزيائي للإنسان
بطريقةٍ
سخيةٍ حيث يتم تقدمتها كطعامٍ للحيوانات ولعوامل الطبيعة.
وقد جاء آنفًا كيف أن الدفن السماوي نوع من طقوس عادات الدفن التي ظهرت إرهاصاتها
الأولى
في بلاد الأناضول في عصور ما قبل التاريخ، ثم أعاد التاريخ نفسه لتظهر مرةً أخرى لدى
بعض
الشعوب في جنوب آسيا، من خلال طقس ديني جنائزي يتَّبعه سكان التبت الصينية ومنطقة منغوليا
عُرف باسم الدفن السماوي،
٢٨ يعمدون فيه إلى ترك جثث موتاهم للنسور كي تتغذَّى عليها؛ ففي اعتقادهم أن الجسد
ما هو إلا وعاءٌ يحوي الروح التي تصعد في السماء.
٢٩
ولقد أطلق على هذا الطقس أيضًا باللغة المحلية لسكان التبت «إعطاء الوعاء للطيور»،
وهي
عادة تعبر عن احترام الميت، وتسود لدى أغلب أصحاب الديانة البوذية والزرادشتية.
٣٠
فأصحاب تلك الديانات الوضعية يؤمنون بتناسخ الأرواح وتحتم عليهم تلك الديانة أن يتَّصفوا
بالسخاء؛ لذلك نجد أن طريقتَهم في التخلُّص من جثث الموتى يعتبرونها نوعًا من الكرم؛
فهم يقدمون
الجثث طعامًا للحيوانات والطيور.
٣١
وفي طقوس ذلك الدفن السماوي يتم تقديم جثث الموتى إلى تلك الطيور (النسور)، في أغلب
الأحيان يجري تقديم الجسم كاملًا للطيور الكبيرة، وعندما لا يبقى إلا العظام يكون الهيكل
محطمًا بمخالب الطيور الكبيرة القوية، فتقدم طعامًا إلى الطيور الأصغر.
٣٢ وفي بعض المناطق التي تقوم بالدفن السماوي تُؤدَّى بعض الرقصات الطقسية مستخدمين
عصا
٣٣⋆ ربما كانت طقسية من أجل تحفيز الطيور على الأكل.
٣٤
ويبين «شكل
٢-٥» ما يُعرف ﺑ «قبر نسور البحر» وهو أحد صور الدفن السماوي حيث يتم وضع الجثة
في مكان معلوم مرتفع قرب البحر ليقوم طائر النسر بتنظيف الجثة ونزع اللحم عنها؛ إذ يُعتقد
أن إزالة اللحم تمكن الروح من مغادرة الجسد، وهي رمزية عقائدية لعب فيها النسر الدور
الأكبر
بحمله رفات الموتى إلى السماء،
٣٥ تمامًا كما كان عليه الوضْعُ في الأناضول في عصور ما قبل التاريخ، ويتطابق هذا
النوع من الدفن مع المضمون الإنساني للديانة الهندوسية التي تقوم على الانسجام والتكافل
بين
مكونات الطبيعة، حيث يكون الناس سعيدين أن يتكرموا بجعل جسدهم طعامًا لاستمرار الحياة
عوضًا
عن العمل على تحنيطه وحفظه؛ ففي المفهوم الهندوسي يكون الجسد بعد أن غادرته الروح مجرد
لحم
فقط، لم يعد له وظيفة أخرى.
٣٦