الأسرة الثامنة والعشرون مصر في عهد الفرعون «أميرتاوس» والأسرة المنديسية
يدل ما لدينا من معلومات حتى الآن على أنه لم يكن هناك اتصالٌ مباشرٌ قائمٌ بين العالم الهيلاني والملك «أميرتاوس» (٤٠٤–٣٩٩ق.م)، وهذا الفرعون هو الملك الوحيد الذي يمثل الأسرة الثامنة والعشرين الساوية، ومع عدم وُجُود معلوماتٍ لدينا في هذا الصدد؛ فإنه لا يُمكننا أن نعتبر أن كلًّا من تاريخ «مصر» وتاريخ بلاد الإغريق في هذا العهد كان بعيدًا أحدُهُما عن الآخر.
ومما هو جديرٌ بالملاحظة هنا أولًا التأثير الهام الذي أوجدتْهُ الحوادثُ الجسميةُ
الهيلانيةُ المعاصرة في تحرير «مصر» من الحكم الفارسي، وذلك أن حروب البلوبونيز التي
دارتْ رَحَاهَا بين «أسبرتا» و«أثينا»؛ كان مِن جرائها — وهي في شوطها الأخير (حوالي
٤٠٥-٤٠٤ق.م) — تحويل قوة الدولة الفارسية من داخلها إلى خارج حدودها؛ وذلك لأن بلاد
الفُرس في ذلك العهد كانتْ قدْ وقعتْ في مشاكلَ سياسية، وبخاصة ما قام به «كورش» الصغير
الذي كان يُعَد مِن أعظم رجال الفرس وأمهَرِهم في الأحوال الإغريقية (راجع:
Xenophon Hell, II, 1, 14; Plutarque Lysander.
9).
ولا شك في أن هذه الأحوال لم تكن مواتيةً من جهة الفُرس لقمع الثورة التي اندلعتْ
في
«مصر»، وهي الثورةُ التي انتهتْ بتنصيب الفرعون «أميرتاوس» فرعونًا على أرض الكنانة
(عام ٤٠٤ق.م)، وسنرى أنه بعد مرور بضع سنين على الاستعدادات التي قام بها «كورش»
بمعاضدة إغريق «آسيا الصغرى» (٤٠٢-٤٠١ق.م)، وكذلك الحملة التي قام بها «كلارك Clearque» وجنوده المرتزقة؛ قد أدت إلى شَلِّ حركة حكومة
الملك «منمون Mnemon» وتحبيذ ثورة الاستقلال التي قامت
في مصر.
وتَدُلُّ الأحوالُ على أنه حوالي هذا العهد — أو قبله بقليل — كانتْ توجدُ روابطُ
صداقة بين الشطرب حاكم بلاد «أيونيا» المسمى «تاموس» الذي كان حليفًا للأمير «كورش»
وبين بلاد الإغريق نفسها وبين ملك «مصر» «بسمتيك» الذي كان يحكم على الدلتا وقتئذٍ
(راجع: Doid. XIV, 3 53-4).
غير أن هذه الحالة لم تدم طويلًا؛ إذ نجد أنه بعد هزيمة «كورش» قد اعتمد صديقه
«تاموس» على صاحبه «بسمتيك» واحتمى في بلاطه، ولكن «بسمتيك» بدلًا من حمايته ذَبَحَه
هو
وأولاده، (راجع: Diod, XIV, 35, 5) ويقول «ديودور» في
ذلك إن «بسمتيك» كان قد أراد بفعلته هذه أنْ يستولي على أُسطول الشطرب وثروته، وعلى
أية حال؛ فإن الكارثة التي حاقتْ بالأمير «كورش» إن لم تكن قد أحدثتْ رد فعل في حاشية
«أمير تاوس»؛ فإنها — على الأقل — قد نجحتْ في ذلك في الإقليم الذي على الشاطئ، لصالح
هذا الملك.
ومن جهة أخرى إذا صدقنا الشائعة التي دَوَّنَها «أكسنوفون Xenophon» فإنه على حسبها كان جيش ملك الفرس يحتوي في صفوفه في موقعة
«كوناكسا Cunaxa» على مصريين؛ إذ يقول في ذلك:
«وبجانبهم (أي الفرس) كان يوجدُ جُنُودٌ مسلحون بدروع من خشب تصل حتى أقدامهم، وهؤلاء
كانوا — على ما يقال — مصريين.» (راجع: Anab 1, VII 1,
9)، وعلى العكس نجد أن قوة الجنود المرتزقة المخيفة بقيادة «كلارك»
كانت على شفا القضاء على سلطان «منمون» ملك الفرس، وهذه القوة كانت تميل — بصفة غير
مباشرة — إلى استقلال «مصر»، غير أن الأحوال قد قادتها إلى أن تنقلب على الثائرين في
وادي النيل، وذلك أنه بعد موقعة «كوناكسا» قدم القائد «كلارك» على حسب ما رواه
«أكسنوفون» (راجع: Anab, II, V, 13) إلى «تسافرن Tissapherne» مساعدته بجنوده على «مصر»، (راجع:
Anab, II, 1, 14) والواقعُ أن العلاقات لم تكن
علاقاتٍ مباشرة بين «مصر» وبلاد اليونان، ويظهر ذلك بصورةٍ عابرةٍ قلقة في عهد تلك
الأسرة الساوية التي مثلها «أمير تاوس».