المباني الدينية في عهد فراعنة القرن الرابع قبل الميلاد
لاحظنا فيما سبق تَعَدُّد قيام الثورات في مصر في خلال القرن الرابع قبل الميلاد بسبب تَوَلِّي عرش الملك، فلا نكادُ نرى مَلِكًا استمر على عرشه حتى مات حتف أنفه، وقد كان السببُ الأساسيُّ لهذا الشر المستطير في البلاد يرجع إلى أنَّ ملوك هذا العصر لم يكن لديهم جيشٌ قائمٌ يُعتمد عليه عند هبوب أيَّةِ ثورة، ومن أجل ذلك كان الفراعنةُ في مثل هذه الحالةِ السيئةِ يبحثون عن قوة يركنون إليها إذا ما قامت ثورةٌ عليهم، أو نشبت بينهم وبين جيرانهم حربٌ، وتدلُّ الأحوالُ على أن الفراعنة قد وَجَدُوا ضالتهم المنشودةَ ودرعهم القوي في رجال الدين الذين كانوا أصحابَ الكلمة العُلْيا في مصر في كل عُصُور تاريخها تقريبًا.
ومن أجل ذلك كان الفرعون كُلَّما وَجَدَ مركزَه حرجًا وعرشه في خطر أخذ في إقامة المعابد وحبس الأوقاف عليها؛ إرضاء للكهنة، وبذلك كان في مقدوره أن يكسب المساعدة الأدبية، بل والمادية التي كان ينعم بها رجالُ الدين في البلاد، وتلك كانت عظيمة إلى حد بعيد جدًّا عند قيام ثورة عليه، يضاف إلى ذلك أنه في كثير من الأحوال كان المغتصب للعرش يخفي مقاصده وأطماعه تحت ستار الدين، والواقع أن ما ذكرناه عن تنصيب الكهنة وحالة تفكيرهم في العهد الساوي وما كان لهم من قوة وسلطان ينطبق تمام الانطباق كذلك على هذه الطائفة في خلال القرن الرابع قبل الميلاد، وعلى ذلك كان على الفرعون أن يراعي رغائبهم ويحترم وجهة نظرهم ومقاصدهم، سواء أكانت حسنة أم سيئة.
ولا بد لنا هنا أن نتحدث — باختصار — عن مصادر هذه المسألة، ومن الغريب أن الكُتَّاب الإغريق الذين نَدِينُ لهم بكل ما نعرفه عن السياسة الخارجية المصرية لهذا العهد، وكذلك عن الحروب التي شَنَّهَا الفراعنةُ خارج البلاد وداخلها؛ قد التزموا الصمتَ التامَّ عن هذا الموضوع؛ في حين نجد على العكس أنَّ النقوشَ الهيروغليفية قد قَدَّمَتْ لنا بعضَ المعلومات في هذا الصدد، وبخاصة عندما نجد في نُقُوش المعابد ما يُحَدِّثُنا عن اهتمام الملك وعنايته بالآلهة.
وأولُ فرعون حكم مصر بعد طَرْدِ الفُرس في عام ٤٠٤ق.م هو أمير تايوس الثاني، ولم يترك لنا أيَّةَ مبان تذكارية، وما ذلك إلا لأن موارده كانت قليلة.
وفي عهد خَلفِه الفرعون «نفريتيس الأول» نجد بعض الانتعاش المتواضع؛ من حيث إقامة المباني الدينية، وبخاصة في معبد الكرنك — كما ذكرنا آنفًا — على أن أول ما يلفت النظر بصورة هامة من حيث إقامة المباني؛ ما شاهدناه في عهد الملك «بساموتيس»، وقد كان مدعيًا للمُلك عندما قامت الاضطراباتُ والثورةُ بعد موت «نفريتيس الأول»؛ إذ الواقعُ أنَّهُ في مُدَّةِ حكمه القصيرة التي لم تتجاوزْ عامًا قد وَجَدَ من الوقت والمال لإقامة مبانٍ تلفتُ النظر في معبد الكرنك، وقد كان غرضُهُ من ذلك أن يكسب لجانبه طائفةَ الكهنة هناك، وسبب ذلك أنه قد وجد أنَّ ذلك له أهميةٌ كُبرى؛ إذ بهذه الوسيلةِ يُمكنُهُ أن يضم إلى جانبه أجنادًا كثيرين لمحاربة المناهضين له في تَوَلِّي عرش الملك.
أما الفرعون «أوكوريس» الذي خلفه على العرش؛ فقد ترك — بعد حكم دام ثلاث عشرة سنة — عدةَ مبانٍ في طُول البلادِ وعرضها، ويَدُلنا على ذلك ما تركه مِن نُقُوش في محاجر طرة والمعصرة في السنين الأُولى مِن حُكمه بوجهٍ خاص، وذلك عندما كان عرشُهُ مهددًا من جانب الذين كانوا يَدَّعُون وراثةَ العرش، ولا بد أنْ نضع نُصْبَ أَعْيُنِنَا أنه لم يقم ببناء هذه المباني الدينية وحسب، بل كان يحبسُ عليها الأوقافَ والرجال والماشية؛ وغير ذلك مما يلزم لخدمة المعابد وإقامة الشعائرِ فيها.
أمَّا في عهد الأُسرة الثلاثين فنَعرفُ الكثيرَ عن المباني الدينية التي خَلَّفَها لنا الفراعنةُ، فَفِي صيف وخريف عام ٣٨٠ق.م قضى نقطانب الأول على آخر مُلُوك الأُسرة التاسعة والعشرين، وأَخَذَ في يده مقاليدَ الحُكْم في أرض الكنانة، وسَارَ بها نحو المجد، ولم تَمْضِ إلا بضعةُ أَشْهُر وأسابيع على تَوَلِّيهِ الحُكم حتى أصدر مرسومًا ملكيًّا دَوَّنَه على اللوحة المعروفة بلوحة نقراش المشهورة وتتمدح نقوشُ هذه اللوحة بقوة هذا الملك بثرائه، وتُشيد بخدماته للآلهة والمعابد والكهنة، ثم تتحدث عن تَوَلِّي الفرعون الحُكْم باحتفالٍ عظيمٍ في سايس «صا الحجر» العاصمة القديمة لمُلُوك الأُسرَة السادسة والعشرين وتنصيب نقطانب في معبد «نيت»، ثم يأتي بعد ذلك المرسومُ الذي أُقيمتْ مِن أجله اللوحة، وقد قَرَّرَ فيه أن عشرةً في المائة من ضريبة دخل ميناء «هنون هنت» وعشرة في المائة من ضريبة النسيج من كل المصانع التي في نقراش تنقل من ميزانية الخزانة العامة، وتُصبح وقفًا على الآلهة نيت ربة سايس، وبذلك يُصبح لها يوميًّا ثورٌ عظيمٌ وقربانٌ مِن النبيذ، ولا نِزَاع في أن تلك كانت حقًّا هدية ملكيةٌ عظيمةٌ، ويلفت النظر بوجه خاص أنَّ المتن في كلا الضريبتين اللتين خُصصتا للآلهة نيت، قد جاء فيه ذكرُ الذهب والفضة، ونلحظ في كلا الحالتين أن الموضوع خاص بالضرائب التي كانت تفرض على التجار الإغريق الذين كانوا يعيشون في مصر ويجلبون البضائع إليها من الخارج، وهؤلاء التجار كان في مَقْدُورِهِم أن يدفعوا الضرائب المفروضة عليهم بالعملة الإغريقية.
وعلى الرغم مِن أنَّ هذه الضرائب كانت مصدر دخل للحكومة من المعادن الثمينة استعملتْها الحكومةُ عند الحاجة المُلِحَّة؛ فإن نقطانب الأول قد نقلها لكهنة نيت إرضاء لهم، وبذلك أصبح مَدِينًا بعرشه بدرجةٍ كبيرةٍ للقائد خبرياس وجُنُوده المرتزقين، ولم تكن الإلهةُ «نيت» المعبودَ الوحيدَ في «سايس» التي قدم لها الهدايا عند تَوَلِّيهِ عرش الملك مباشرة، بل نجد أن هذا الفرعون قد قَدَّمَ هدايا للمعبود «حور» في معبده بإدفو، وقد جاء ذكرُ ذلك في عهد الملك بطلميوس العاشر (سوتر الثاني) كما وَضَّحْنَا من قبل، ومن ثم نجد أنَّ السنة الأُولى مِن عهد الملك نقطانب الأول قد لعبت دورًا خاصًّا في حياته.
وعلى الرغم من ذلك فإن الأراضي المُهداة قد بقيت ملحوظة، وتظهر كيف أن الملك من الوجهة السياسية كان يهتم بالكهنة في الوجه القبلي، على الرغم مِن أهميةِ هذا الجُزء من البلاد بالنسبة له — إذا ما قُرن بالوجه البحري.
ويَدُلُّ ما لدينا مِن آثارٍ باقية على أنَّ نقطانب الأول قد غمر البلاد المصرية بفيض من المباني العظيمة، وهي التي أوردْنا بعضها عند التكلُّم على آثاره بشيء من التفصيل، ففي معبد «الفيلة» أقام بناءً للإلهة إزيس، ولا يزال بعضُهُ قائمًا حتى الآن، وهذا المعبدُ كان له شهرةٌ عظيمةٌ في العهد الإغريقي الروماني، بل امتدت هذه الشهرة إلى العهد المسيحي مدة عدة قرون.
وفي معبد الكرنك أقام «نقطانب الأول» بوابةً ارتفاعُها تسعة عشر مترًا في السور الذي يُحيط بمعبد آمون الكبير في اتجاه معبد الإله «منتو»، وقد أَتَمَّ هذه البوابة الملك «نقطانب الثاني».
هذا، ونجدُ لهذا الفرعون في «الكاب» و«طود» و«مدينة هابو» و«قفط» و«دندرة» و«العرابة المدفونة»، نواويس وقِطَعًا من أحجارٍ منقوشةٍ، ومناظر غير ذلك، عليها اسم هذا الفرعون.
هذا، وعثر في «الأشمونين» على لوحة مؤرخةٍ بالسنة الثامنة من حكمه، تُحدثنا عن إقامته مباني، وحبس أوقاف من السنة الرابعة إلى السنة الثامنة في ثلاثة أماكن مختلفة في أنحاء هذه المدينة.
هذا، وقد أقام بولهول لنفسه أمام البوابة التي أقامها رعمسيس الثاني في معبد الأشمونين، وفضلًا عن ذلك نحت لنفسه بعضَ تماثيل أكبر من الحجم الطبيعي. هذا، وقد عُثر له على آثار عدة في منف وضواحيها.
أما في الدِّلتا التي كانت تُعَد أَهَمَّ جزء في البلاد في هذا العهد، فإنها على الرغم مِن أن أرضها لم تحفظ ما أُقيم فيها من آثار لكثرة الرطوبة فيها؛ فإنها كانت مفعمة بمباني هذا الفرعون، ومن أهم الآثار التي خَلَّفَها لنا في الدلتا هذا الفرعون ناووس صفط الحناء المشهور، وهو قطعةٌ واحدةٌ من الجرانيت الأسود، أُقيم في معبد الإلهة «سبد» في بلدة صفط الحناء الحالية، وقد تكلمنا عنه.
وفي تأنيس في عام ١٩٤٦ كشف عن بقايا معبد للملك نقطانب الأول، وهذه المباني العظيمة كان الغرض منها أولًا سياسيًّا؛ أي أنها كانت بمثابة هدايا للكهنة، ليكونوا في جانبه وعونًا له عند اشتداد الخطوب وقيام الثورات، وذلك أنَّ الفرعون كان في استطاعته أن يأمل في حكم البلاد ويحافظ على عرش الكنانة الأيام المليئة بالثورات والاضطرابات بمساعدة رجال الدين الروحية.
والواقع أن هذا الموقف من رجال الدين كان هو نفس الموقف الذي وقفه الفراعنةُ في العهد الساوي، وذلك بأن يظهروا التُّقَى المتناهِي ليكسبوا لأنفسهم ميل الكهنة ومساعدتهم لهم لدرء خطر الغزو الفارسي، ومن أَجْلِ ذلك كان لزامًا على الفرعون ألا يترك تقديمَ أيِّ قُرْبَانٍ أو عمل أي شيء يكون من ورائه كسب رضاء الكهنة وجذبهم إلى جانبه، ومن ثم كان لزامًا على أيِّ مغتصب أن ينهج هذه السياسة؛ ولهذا فإن كل فرعون في هذه الفترة كان يجتهد أن يفوق سلفَه ليحفظ لنفسه عرش الملك بإرضاء طبقة الكهنة ورجال الدين عامة.
ولدينا — بوجه خاص — بعض كتابات في المحاجر مليئة بالمعلومات، من السنين الثالثة والرابعة والسادسة، من عهد الملك نقطانب الأول (وهي السنين ٣٧٨ و٣٧٧ و٣٧٥ من حكمه)، هذا بالإضافة إلى نشاطه في العمارة في الأشمونين (من السنة الرابعة إلى السنة الثامنة من حُكمه؛ أي من ٣٧٧–٣٧٣ من سني حكمه)، وهذا يدلُّ — بوجه خاص — على أنه في السنة التي كان قد أَتَمَّ فيها الشطربةُ الفارسيُّ فارنابازوس الحملة الثانية لغزو مصر؛ أي في عام ٣٧٣ق.م لم يحول كل موارده لتجهيز الجيش لمحاربة الفرس، بل على العكس خصص في تلك اللحظة الحرجة جزءًا قد يكون كبيرًا لإقامة المعابد.
أما الملك «تاخوس» الذي خلف نقطانب الأول على عرش الملك، فإنه لم يلتزم خُطَى والده من حيث إقامة المباني الدينية، حقًّا لدينا نقشٌ يقرر لنا فيه أنه قام بإصلاحاتٍ في معبد «خنسو» بالكرنك، هذا بالإضافة إلى بعض قطعٍ منقوشةٍ ونقش في محجر، مما يدل على أنه كان يقوم بمجهود متواضع في بناء المعابد، ولكن من جهة أُخرى نجد أن استيلاء الفرعون تاخوس هذا على ممتلكات المعابد كشف النقاب للكهنة عن سُوء نيته بالنسبة لهم ولمعابد الآلهة، وقد كان مِن جَرَّاء ذلك أنْ قامتْ ثورةٌ في البلاد أفضتْ إلى سُقُوطه، وما ذلك إلا لأنه أراد أن يخصص كُلَّ موارد البلاد لشئون الحرب والسياسة الخارجية.
وقد كان سقوطُهُ درسًا لخلفه نقطانب الثاني الذي اغتصب عرش البلاد في شتاء ٣٦٠-٣٥٩ق.م بعد أن حارب «تاخوس» ومدعٍ آخر منديسي، فقد سار على السياسة التي رسمها نقطانب الأول منذ بداية حُكمه في مصادقة الكهنة ومهادنتهم والعمل على ما يُرضيهم بكل الوسائل، وقد واتَتْهُ الفرصةُ في الحال لإظهار شُعُوره الديني؛ إذ بعد انقضاء بضعةِ أسابيعَ على إخماد الثورة مات في منف عجل أبيس المُقَدَّس، وقد كانت عبادةُ الحيوان في العصر المتأخر قد بُولغ فيها إلى حَدٍّ بعيد جدًّا، وقد كانت عبادة العجل أبيس تُعد في المرتبة الأولى بين عبادة الحيوانات الأُخرى؛ فقد اشترك الفرعون شخصيًّا في الاحتفال بدفن هذا العجل، وقد أمر الفرعون في نفس الوقت بإقامة معبد فاخر لهذا الإله، وقد حدث ذلك أثناء أن كان ملك الفرس «أوكوس» على رأس جيش لغزو مصر، وكان على المصريين وقتئذٍ أن يكونوا على أحسنِ ما يكونُ من الاستعداد الحربيِّ واليقظة لدرء هذا الخطر الفارسيِّ.
وبعد انقضاء عام على هذا الحادث؛ أي في باكورة عام ٣٥٨ق.م أدخل هذا الفرعون — على ما نعلم — عبادةَ العجل بوخيس في بلدة أرمنت التي تقع في الجزء الجنوبي من البلاد المصرية، وقد كان العجلُ بوخيس — حتى هذه اللحظة — يعتبر إلهًا محليًّا قليل الأهمية، غير أن نقطانب الثاني رفعه إلى مرتبةٍ أَعْلَى وجعله في صف ثور «أبيس» وثور «منفيس»، والواقع أنه لم يدفن ثور من ثيران «بوخيس» باحتفالٍ عظيم كالذي دفن في السنة الرابعة عشرة من عهد الملك نقطانب الثاني؛ أي في عام ٣٤٧ق.م.
وقد فاقت مباني نقطانب الثاني بعض الشيء مباني الملك نقطانب الأول، كما يلاحظ ذلك من قائمة المباني التي أوردناها لكل عند التحدث عن آثارهما، فقد بدأ نقطانب الثاني إقامة المعبد الكبير الذي خلفه لنا في الفنتين للإله خنوم رب منطقة الشلال، وقد عُثر فيه على ناووسٌ لم يتم نقشه بعد صنعه من قطعة واحدة، وفي «الكاب» أقام مباني، وفي «إدفو» أقام ناووسًا من الجرانيت الأسود، وفي الكرنك أتم البوابة التي بدأها نقطانب الأول كما أقام مباني أخرى، ونفذ إصلاحات في مبانٍ كان قد عفا عليها الدهر.
وكذلك نجد أن هذا الفرعون أقام مباني في الواحة الخارجة من بينها بوابة باسمه.
هذا، وقد ظهر نشاطه في المباني التي خلفها لنا في قفط، أما في العرابة والأشمونين وإهناسيا المدينة، فقد وُجد له فيها محاريبُ، وفي أبيدوس (أبو صير الملق الحالية عند مدخل الفيوم)، أقام نقطانب الثاني معبدًا للإله بتاح وللإله سوكاريس والإله أوزير، أما في منف فقد أقام — بوجه خاص — مباني تحدثنا عنها.
وتَدُلُّ الآثارُ المبعثرة في أنحاء الوجه البحري في أماكن عدة على مقدار ما أقامه نقطانب الثاني مِن آثار في الوجه البحري مسقط رأسه، ويكفي أن نذكر هنا ما أقامه في تل المسخوطة (بتوم) وقنتير والطويلة وصفط الحناء وبوبسطة وهربيط وبلبيس وأزيوم (بهبيت الحجر) وسمنود، مما فَصَّلْنَا فيه القول سابقًا. وقد استعمل في كثير من المباني التي تركها لنا في هذه الجهات جرانيت أسوان الثمين، ولا تزال توجدُ قطعٌ ضخمةٌ حتى يومنا هذا في هربيط والطويلة.
هذا، ويطيب لنا أن نذكر هنا أن كل معبد «بهبيت الحجر» قد أُقيم من الجرانيت ولا بد أنَّ نَقْل هذه الأحجار من أسوان كان يتطلب مجهودًا جبارًا.
هذا، ولدينا منشورٌ صدر في الشهر الثاني عشر من السنة الخامسة من عهد هذا الفرعون (أكتوبر-نوفمبر عام ٣٥٦)، وهو يقدم لنا شاهدًا صامتًا عن نُفُوذ الكهنة في هذا العهد ومعاقبة كُلِّ مَنْ تَعَدَّى على حُقُوقهم بأشدِّ العقاب.
وأخيرًا نُشاهد أن الملك خبا باشا قد حاول في مدةِ حكمه القصيرة، أن يكسب الكهنة إلى جانبه، ولا أَدَلَّ على ذلك من التابوت الفاخر الذي أَهْدَاهُ للعجل أبيس، هذا بالإضافة إلى إشادة كهنة بوتو باسمه بعد موته بخمسٍ وعشرين سنة، وعلى العكس من ذلك نرى أنه لم يقم أيُّ ملك من ملوك الفُرس المتأخرين بأي عمل يدل على اهتمامه بالمعابد المصرية، ومن أجل ذلك تَسَلَّمَ الإسكندرُ الأكبرُ البلادَ دون مقاومة تُذكر، وبخاصة أنه اعتنق دين البلاد وأكرم رجال دينها.