الملك نستاسن (٣٢٨–٣٠٨ق.م)
نستاسن | كا-عنخ-رع |
تولى الملك «نستاسن» عرش بلاد النُّوبة بعد الملك «أخراتان»، ومن المحتمل أنه ابنُ الملك «حرسيوتف»، وأعلى سنة ذُكرت لنا على الآثار في سِنِي حُكْمه هي السنةُ الثامنةُ، وأُمُّهُ هي الملكة «بلخا» التي يُحتمل أن تكون أُخْت الملك «حرسيوتف».
أقام هذا الملك لنفسه هرمًا في نوري رقم ١٥ بُني بالحجر الرملي المحلي، على قاعدة مؤلَّفة من مدماك واحد، ومداميك وجه هذا الهرم منحدرةٌ ومدرجةٌ، ويبلغُ حجمُهُ ٢٦٫٠٤ مترًا مربعًا.
ودائع الأساس
وُجدت في ودائع الأساس عظامُ حيوان وأواني فخار وأطباقٌ وأقداحٌ من الخزف المطلي، ولويحاتٌ من المعدن والحجر، وكذلك يحتمل لوحة صغيرة من الزجاج عارية من النقوش، هذا بالإضافة إلى قطع قصدير غفل.
آثار الملك نستاسن غير هرمه
وصف اللوحة
الجُزء الأعلى من هذه اللوحة مستديرٌ، ويُشاهَد فيه قرصُ الشمس المجنح، نقش في أسفله مرتين المتن التالي، بحدتي الإله العظيم رب السماء مُعطَى الحياة، ونقش بين الصلين اللذَين يَتَدَلَّيَان مِن قُرص الشمس اسمُ الملك «نستاسن» وقد مثل تحت قرص الشمس هذا منظران أحدُهما على اليسار والآخر على اليمين، فيرى في الأول منهما الإله «آمون» ممثلٌ برأس إنسان وأمامه النقش التالي: «آمون رع رب تيجان الأرضين، المشرف على الكرنك مُعطَى الحياة والثبات والسلطان كله مثل رع أبديًّا.» ونقش خلف «آمون» بيان: «إني أُعطيك كل الأراضي والبلاد الأجنبية الخاصة بالأقواس التسعة جميعها تحت قدميك مثل رع أبديًّا.»
وقد مثل الملك أمام «آمون رع» يقدم صدرية وقلادة ونقش فوقه: ملك الوجه القبلي والوجه البحري «عنخ-كا-رع» بن رع «نستاسن»، ونقش أمامه: «إعطاء … والده»، وتقف خلف الملك أُمُّهُ، وفي إحدى يديها صناجةٌ وفي الأُخرى إناءٌ تصب منه قربانًا، ونقش فوقها: الأخت الملكية والأم الملكية سيدة «كوش» المسماة «بلخا» لقد أعطيت تاج «نباتا»؛ لأن والدها قد ثبت محراب تاج «حور أختي» … ونقش أمامها: «إني ألعب بالصناجة لك.»
وقد مثل في الجُزء الأيمن من هذا المنظر ما يأتي: يشاهد الإله «آمون» برأس كبش ونقش أمامه: «آمون صاحب «نباتا» القاطن في المطهر (أي الجبل المقدس في «نباتا» وهو جبل «برقل») الإله العظيم المشرق على بلاد «النوبة» مُعطَى الحياة والقوة كلها أبديًّا.»
ونقش خلفه ما يأتي: «بيان: إني أُعطيك الحياة والقوة كلهما والثبات كله والعافية كلها، وانشراح الصدر، كما أمنحك سنينًا أبدية على العرش أبديًّا.» ويشاهد الملك أمامه ممثلًا كما مثل في المنظر الذي على اليسار، وقد نقش فوقه: «ملك الوجه القبلي والوجه البحري ابن «رع»، «نستاسن» ونقش أمامه: «إعطاء-والده»، إني أقدم لك … دبنًا من الذهب في الشهر الأول من فصل الصيف.»
وخلف الملك نُشاهد الابنة الملكية والزوجة ملكة مصر «سخمسخ» تلعب بالصناجة وتصب قربانًا.
وفي أسفل هذا المنظر نجد متن اللوحة، ويحتوي على ثمانية وستين سطرًا، تتلخص فيما يأتي:
يبتدئ متن اللوحة باليوم التاسع من الشهر الأول من فصل الزرع (حوالي ٢٤ نوفمبر) من السنة الثامنة من سني حكم الملك «نستاسن»، ثم نجد في الأسطُر القليلة الأُولى التي تلي سلسلة الألقاب يشبه فيها الملك بثورٍ هائجٍ وأسد هصور، ثم يقرن بالإله «تحوت» من حيث «الحكمة» وبالإله «بتاح» بوصفه مهندس عمارة و«بآمون» بوصفه يمد الإنسان بالطعام، ثم نقرأ بعد ذلك أنَّ الملك «نستاسن» ملك الجنوب والشمال يُنَادِي كُلَّ فرد لينصت لِمَا سيقولُه، ثم ينطلق في سرد أهم الحقائق في حياتِهِ، ويصف الحملات التي شَنَّهَا على أعدائه، فعلى حسب القصة التي رواها عن نفسه يُحَدِّثُنا أنه عندما كان صبيًّا طيبًا في «مرو» ناداه الإله «آمون» صاحب «نباتا» وأمره أن يأتي إليه هناك.
وقد دعى كل أقارب الملك أن يأتوا معه ولكنهم أَبَوْا ذلك قائلين: إنه هو حظي «آمون رع»، وعلى ذلك أخذ في السير في صباح يومٍ من الأيام، ووصل إلى «استرسات» حيث كان هناك على ما يظن قارب عبور، وهناك أمضى ليلته، وسواء أكانت هذه البلدة على الشاطئ الأيسر أم الشاطئ الأيمن للنيل؛ فإنه لا يُمكن البَتُّ في ذلك، ولكن كما لاحظ الأثريُّ «شيفر» لا بد أنه كان قد أتى إلى المكان الذي كان قبل بدايته لا بد من اختراق إلى «نباتا»، ثم تابع سيرَه في اليوم التالي، واخترق الصحراء إلى بلدة «تاقات» التي كانت على النيل على مسافة قريبة من «نباتا»، ومن المحتمل أنَّهُ سافر على جزء من الطريق القديم الذي يمتد من النيل حتى نقطة قبالة قربة «بكراوير» الحديثة إلى قرية قريبة بين «نباتا» وموقع قرية «كاسنجار» الحديثة.
وقد كان الإله «آمون» رحيمًا وأعطى «نستاسن» ملك بلاد «النوبة» وتاج «حرسيوتف» وسلطان الملك «بيعنخي آلارا»، وبعد ذلك أمر «نستاسن» بإقامة عيد عظيم على شرف «آمون» في اليوم الأخير من الشهر الثالث من فصل الشتاء، وقد ظهر الإله بنفسه في موكب العيد، وفي هذا العيد أعطى «آمون» العاهل «نستاسن» ملك بلاد «النوبة»، وكانت «آلوت» أو «آلواه» هي العاصمة وتقع على «النيل الأزرق» على مسافة عشرة أميال فوق «الخرطوم»، كما منحه أُمم الأقواس التسعة والأراضي التي على كلا ضفتي النهر، وأركان العالم الأربعة، وقد رقص «نستاسن» فرحًا وقدم الشكر لآمون، وفرح كل الناس غنيُّهم وفقيرُهُم فرحًا عظيمًا، ثم ذهب بعد ذلك إلى مكان التضحية وأخذ ثورين وذبحهما وصعد على العرش الذهبي في «بيت الذهب» في الظل هذا اليوم.»
ولما كان «آمون نباتا» قد أصبح راضيًا، فإنه كان من الضروري أن يذهب «نستاسن» ويقدم صلاته للآلهة الذين يحملون اسم «آمون» في بلاد «النوبة»، وعلى ذلك فإنه ذهب إلى بلدة «برقم-آتون» (بالقرب من «سواردا» أو «سدنجا»)، وأقام عيدًا على شرف «آمون» الذي كان يُعبد هناك، وتحدث مع الإله هناك الذي اعترف بملكه، وأعاد كلمات «آمون صاحب نباتا» ومنحه قوسًا جبارًا، وبعد هذه المحادثة صعد «نستاسن» على العرش الذهبي واتخذ مقعده عليه، ثم ذهب إلى برنبس (بنوبس التي ذكرها بطليموس)، وأقام عيدًا على شرف «آمون» هذه البلدة، فظهر إليه الإله وتحدث معه، واعترف بملكه وأهداه بعضَ آلة حرب يحتمل أن تكون درعًا.
وبعد الفراغِ مِن هذه الأُمُور عاد «نستاسن» إلى «نباتا»، وأقام عيدًا عظيمًا على شرف «آمون»، وقَدْ خرج الإله من المعبد، وأخبره «نستاسن» بكل ما حدث بينه وبين «آمون برقم-اتن» (جمأتون) و«آمون» صاحب برنبس، والآلهة الآخرين، وبعد أن رقص الملك أمام الإله ذهب إلى مكان التضحية وأخذ ثورين وذبحهما، ثم نزل إلى حُجرة «جات» حيث مكث مُدَّةَ أربعة أيام وأربع ليال، وعندما خرج منها مرة أُخرى ذبح ثورين آخرين.
هذا، ولا نعلم شيئًا في الشعائر عن هذه الحجرة ومكث الملك فيها، وبعد التضحية الثانية بثورين ذهب «نستاسن» إلى المعبد وأجلسَ نفسه مرة أُخرى على العرش في «بيت الذهب»، وبعد ذلك بأيام قلائلَ ذهب إلى بلده «تارت» ليُقدِّم للإلهة باستت «والدته الطيبة» ولاءَهُ، وقد استقبلتْه «باستت» بلُطْف ووعدتْ أن تمنحه الحياة والعمر الطويل، ثم ضَمَّتْه إلى صدرها وأعطتْه عصًا قوية، ولا بد أن بلدة «تارت» كانت تقع حوالي الشلال الرابع؛ وذلك لأن الملك لم يأخذْ أكثر من خمسة أيام ذهابًا وإيابًا.
وعند هذه النقطة من المتن نأتي على قائمتين تُعَدِّدَان هدايا قَدَّمَها الملك «لآمون»، وتشملان أربع حدائق وستة وثلاثين رجلًا لصيانتها وصورة لآمون صاحب «بر-جم-اتن» وصورتين للإله «حور» من الذهب والفضة والنحاس وأواني شهد من النحاس وأفاويه ومر، وثيران وبقرات وعجول وغنم إلخ … ويبتدئ المتنُ في السطر التاسع والثلاثين يَقُصُّ علينا تاريخَ حملةٍ قام بها رجلٌ يُدعَى «كامبا سودن» على «نستاسن»، وقد ظن بعضُ الأثريين أن هذا الاسم مُحَرَّف اسم «قمبيز» ملك الفرس الذي عاش في أواخر القرن السادس، في حين أن «نستاسن» — على حسب أحدث البحوث — عاش في أواخر القرن الرابع بعد الميلاد.
وقد أرسل «نستاسن» جيشه من بلده «جارت» التي لا يُعرف موقعها، وقد انقض على «كامبا سودن» وقتل عددًا عظيمًا من الغُزاة، واستولى على كل مستودعاتِهِم وسُفنِهم وأسلحتهم وشَتَّتَ شملهم وأجلاهم عن «كارتبت» (؟) إلى «تاروتيجت»، وتدلُّ شواهدُ الأحوال على أن قوم «تارومن» قد ساعدوه؛ لأنه أعطاهم اثني عشر ثورًا، أمر بإحضارها من «نباتا»، وفي يوم عيد ميلاده الذي أتى بسرعة بعد ذلك أعطى ستة ثيران إلى بلدة «ساكساكتت»، وفي يوم عيد تتويجه قدم «لآمون» نصيبًا من المحاصيل التي استولى عليها بين «كارتبت» (؟) و«تاررقت» وهو ثلاثمائة ثور وثلاثمائة بقرة وماعز … إلخ، ومائتي رجلٍ، وفيما بعد أهداه مائة وعشرة امرأة، أما باقي المتن فيحتوي على مُلَخَّص مختصر للحملات التي شَنَّهَا «نستاسن» على أجزاء مختلفة في السودان، ويُمكنُ تلخيصُها فيما يأتي:
كانت الحملة الأُولى على قومٍ بلدة أو مركز «مخنتقننت» التي يحتمل أنها واقعةٌ جنوبي «نباتا»، ويُحتمل أنها على جزيرة «مرو» نفسها، وقد استولى «نستانس» على مدينة «ايهقا» وذبح خلقًا كثيرًا من السكان، واستولى على غنيمة عظيمة من النساء والماشية، وعلى ذهب وفير، وتشتمل غنيمتُهُ على ٣٠٩٦٥٩ من الماشية و٥٠٥٣٤٩ من الغنم والماعز … إلخ و٢٢٣٦ امرأة و٣٢٢ صورة من الذهب، ويقول «نستاسن» في ختام قصته عن الحرب: لقد تركت للدود كل شيء أنتجتْه الأرض للطعام؛ أي أنه لم يترك سُكَّانًا لتأكل هذا الطعام؛ لأنه قتل كل رجل، ثم أهدى بمثابة قربان للشكر سراجًا واثنتي عشرة صورة «لآمون صاحب كاتارتيت» وقاعدتي سراج في «واست» واثنتي عشرة صدرية في «كاتارتيت» وفتح «بيت العجل المصنوع من الذهب» الذي كان يُعبد فيه «آمون صاحب نباتا» في صورة ثور.
أما الحملةُ الثانيةُ فكانتْ على قوم «ربهر» و«اكاركهار» الذين هزمهم «نستاسن» في مذبحة عظيمة، وأسر أميرهم «ربهدن» واستولى منهم على ذهب وفير حتى إنه كان من المستحيل حصرُهُ، كما استولى على ٢٠٣٢١٦ ثورًا و٦٠٣١٠٧ رأسًا من الغنم والماعز، وعلى كل النساء وكل المواد الغذائية التي في البلاد، أما الأمير فأعطاه آمون صاحب «نباتا» وقد ضَحَّى به بلا نزاع للإله؛ إذ كان من المستحيل السماح له بالحياة.
هذا، وتدل الكمية العظيمة التي استولى عليها «نستاسن» من الذهب في هذه الحملة على أن بلدتي «ربهر» و«اكارخار» لا بد تقعان على النيل الأزرق، ومن المحتمل في الجنوب الشرقي من مدينة «سنار»، والواقع أن كميات كبيرة من الذهب يُمكن الحصولُ عليها حتى يومنا هذا من جيوب في التلال هناك كما يحصل الإنسان كذلك على تبر كثيرٍ بعد غَسلِه من الطين في مجاري الأنهار.
والحملة الثالثةُ كانتْ على قوم «أررست» الذين هزمهم «نستاسن» في مذبحة عظيمة، فاستولى على «أبسة» أمير بلدة «ماشات» وعلى كل النساء وعلى ٢٢١٢٠ ثورًا و٥٥٢٠٠ رأس غنم وماعز ١٢١٢ دبنًا من الذهب؛ أي حوالي ٢١٧٢٦ جنيهًا مصريًّا، وقد أعطى الأمير للإله «آمون صاحب نباتا» على ما يظهر مقدارًا معينًا من أملاكه الخاصة.
وقد استولى «نستاسن» في حملته الرابعة التي شَنَّهَا على «مخشر خرت» على كل النساء والمواد الغذائية، وعلى ٢٠٣١٤٦ ثورًا وعلى ٣٣٠٥٠ رأسًا من الغنم والماعز، ولم يذكر اسم أمير الإقليم، ولم يتسلم آمون أي شيء من غنيمة هذه الحملة؛ وذلك لأن الملك يقول لنا إنه قد حفظها كلها لنفسه.
وفي الحملة الخامسة حارب «نستاسن» قوم «ميهكا» الذين قابل جنودُهُم جموعَه، والظاهرُ أنهم قدموا خضوعهم بوساطة شجرة جميز من بلدة «سار سارت»، ولكن المتن استمر يقول إنه حاربهم وقتل منهم خلقًا كثيرين، واستولى على أمير يُدعَى «تامخيت» وعلى كل النساء وكل المواد الغذائية وعلى ٢٠٠٠ دبنًا من الذهب (٢١٠٠٠ جنيهًا) وعلى ٣٥٣٣٠ ثورًا وعلى ٥٥٥٢٦ رأس غنم وماعز.
ويختم «نستاسن» متنه بِذِكْر عملين صالحين أداهما خدمة للدين، وذلك أن جماعة من الرجال من بلاد «مثي» التي تقع — على ما يحتمل — شرقي النيل، قد قاموا بغارةٍ على بلدة «جمأتون»، واستولوا من معبد آمون على أشياء كثيرة غالية، كانت قد أُهديت للإله من الملك «أسبالتا» فاستنجدوا بالملك «نستاسن» لمعاقبة المغرين، ولكن يظهرُ أنهم كانوا قد فَرُّوا؛ لأن متاع الإله لم يُرَدَّ إليه ثانية، ولَمَّا كان «نستاسن» لا يُريد أن لا يحرم المعبد متاعه فإنه ضَحَّى ببعض ماله مقابل الأشياء التي سُرقتْ ونُهبتْ، وفي ذلك يقول: إن آمون «نباتا» قد منحني الكنز وإني رددته «لآمون» صاحب «برجمأتون».
هذا، وقد وقعتْ حادثةٌ أُخرى مماثلة للتي نحن بصددها في بلدة «تارت» أو «ثرت»، وهي — كما رأينا من قبل — كانت تحتوي على مِحْرَاب للإلهة «باستت» وكان الملك «اسبالتا» قد أهدى بعض أشياء لمعبدها في نهاية القرن السابع، وقد بقيت في أمان حتى عهد «نستاسن»؛ أي أكثر من حوالي ٣٠٠ سنة، وفي خلال حكمه على أية حال قامت جماعةٌ من المغيرين من إقليم «متيت» واقتحموا معبد الإلهة «باستت» وسرقوا بعض الأشياء التي كان قد أهداها الملك «اسبالتا» للإلهة، والظاهرُ أن المغيرين قد أفلتوا وهربوا ولم تُرد الأشياء التي سُرقت فعوضها الملك «نستاسن» الذي دفع ثمن الأشياء الجديدة من ماله الخاص.
وفي مُقَابِلِ هذه الهدية أُرسلت بعضُ أشياء للملك، تَحمل في طياتها بركةَ هذه الإلهة وحمايتها له، وتختم النقوش بتَأَمُّلٍ ملؤُهُ الصلاحُ والإيمانُ من جانب «نستاسن» يُشيرُ فيه إلى دوام كلمة آمون وإلى الاتكال المطلق الذي يتكله الناسُ عليها لبقائهم، والآن يتساءلُ المرءُ: ما الذي نخرج به من متن هذه اللوحة الطويل، من حيث حالة البلاد بوجه عام في تلك الفترة من تاريخها؟
والواقعُ أنَّ مقدار الغنائمِ التي تدفقتْ على «نباتا» عاصمة الملك في مُدَّةٍ تَقِلُّ عن ثمانية أعوام نتيجة الحملات الخمس التي قام بها على الأقاليم المجاورة لملكه؛ كانت عظيمة جدًّا، ولا بد أن كهنة آمون وآلهتهم كانوا راضين بذلك أشد الرضا، فإذا جمَعْنا الأرقام التي ذكرها لنا، وهي الممثلة لما كسبه في الحرب فإنا نجد أنه غنم ٦٧٣٤٧١ ثورًا و١٢٥٢٢٣٢ رأس غنم وماعز … إلخ، و٢٢٣٦ امرأة و٣٢٢ صورة من الذهب أو حلقات من الذهب، و٢٣١٢ دبنًا من الذهب؛ أي ٣٣٧٢٦ جنيها، هذا فضلًا عن الذهب الذي يخطؤه العَدُّ والنساء اللاتي لم يُمكن إحصاؤهن، وكذلك المواد الغذائية والمستودعات.
ومن ثم نفهم أن فكرة «نستاسن» في شَنِّ الحرب كانت بسيطة، تنحصر في ذَبْحِ الرجال وأَسْرِ النساء والاستيلاء على الماشية والذهب والطعام، ثم ترك البلاد قاعًا بلقعًا وجَعْل الجراد يلتهم ما تُنبت الأرض، وعلى أية حال فإن حُكمه لم يكن — بحالٍ — ثابتَ الأساس؛ وذلك لأن المغيرين من الصحراء الشرقية كان في استطاعتهم أن يسرقوا متاع معبدَي «آمون» و«باستت» ويفرون بغنيمتهم دون اللحاق بهم، وقد طلب كهنة هذين المعبدين إصلاحَ ما أفسده هؤلاء المغيرون بإرجاع المتاع المفقود وحمايتهم في المستقبل، وقد أجابهم هذا الملك إلى طلبهم وأعاد للمعبدين رونقهما.
وقد كان الغرضُ الأولُ للملك مِن تعويض المعبدين عما سُرق منهما هو أن يتحاشى غضب الكهنة وتلافي عدم مساعدتهم له عند الحاجة، وبخاصة عندما نعلم أن الملوك في كُلٍّ من مصر وبلادِ النوبة كانوا يعتمدون اعتمادًا كبيرًا على رجالِ الدين في تلك الفترة مِنْ تاريخِ البلدين؛ وذلك لأن زمام الشعب كان في يدهم، وكانوا قادرين على خَلْعِ أيِّ ملك وتنصيب غيره، وبخاصة في هذا العهد المليء بالمؤامرات والدسائس والحروب الصاخبة، كما تحدثنا عن ذلك في مكانه من هذا المؤلَّف.