عصر الملك «دارا» الأول
نسوت رع تاريوشا |
ولكن يجب أن نفهمها الآن على عكس ذلك؛ إذ قد جاء فيها أن المصريين قد أَبَوا احتمال فظائعه وثاروا عليه بسببها، ولا نزاع في أن الثورة التي قام بها المصريون (كما ذهب الأستاذ أو لمستيد) على حسب وثيقة «وزاحر رسن» الذي كان يجله «دارا» كثيرًا كانت على دارا وعلى أريندس، ومن ثم لم يكن يُذكر عنه إلا كل ثناء عاطر — كما أسلفنا — والواقعُ أنه أخذ يُحدثنا بعد أن ذكر ما قام به مِن أعمالٍ عظيمةٍ وما عمله له «قمبيز» أنه عمل لوالده ولوالدته، كل شيء كان يمكن أن يرغب فيه والده عندما حَلَّ الاضطرابُ بهذه المقاطعة (يقصد «سايس»)، وذلك خلافًا للاضطراب العظيم الذي حل بكل أرض «مصر»، وفي الجملة التي تلي ذلك يذكر لنا «وزاحر رسن» جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «دارا»، ومن ثم نفهم أنه كانت توجد بمصر اضطراباتٌ عند تَوَلِّي «دارا» عرش الملك، ولن نكون قد ذهبنا بعيدًا عن الصواب إذا فسرنا هذه الاضطرابات بأنها الثورةُ التي قام بها المصريون على «دارا» والشطرب الفارسي «أرياندس»، هذا، ويستمر «وزاحر رسن» في حديثه قائلًا:
«دارا» … أمر بالعودة إلى «مصر»، وهذه العبارة لها أهميةٌ عظيمة؛ وذلك لأن هذا المصري «وزاحر رسن» الذي كان مواليًا للفُرس الذين أغدقوا عليه النعم العديدة؛ قد وصل إلى مرتبةٍ لم يكن في استطاعتِهِ أن يصل إليها إذا كانت «مصرُ» قد بقيتْ مستقلةً، كان قد هرب من بلاده خلال الاضطرابات، ومن المحتمل أنه كان قد هرب بصحبة «أرياندس»، ولم يكن في استطاعتِهِ العودةُ إليها إلا عندما أمره «دارا» بالعودة؛ أي بعد أن كان قد قضى على الثورة، وبذلك أصبح الموظفون الموالون للفرس في طمأنينة على حياتهم.
والفقرة المشارُ إليها نقلًا عن «بوليانوس» تذكر أنه كان من الضروريِّ؛ لأجل إخماد هذه الثورة أن يجتاز الملك «دارا» صحراء بلاد العرب ويصل إلى «منف» في الأيام التي كان المصريون فيها يَلبسون الحداد على العجل «أبيس» المتوفَّى، ولما وصل هذا العاهلُ إلى «مصر» منح مبلغ مائة تلنت من الذهب لقائد العجل «أبيس»، وقد دهش الشعب المصري من هذا السخاء، حتى إنهم أحجموا عن الاستمرار في ثورتهم على الفرس.
ولا بد أن نعرف أن هذا الفصل من السنة في «مصر» لم يكن ملائمًا كل الملاءمة؛ وذلك لأن الفيضان يكون في قمة ارتفاعه في سبتمبر، وفي هذا الوقت تكون أراضي الدلتا مغمورةً بالمياه، ولكن «بوليانوس» يقول: إن «دارا» اجتاز الصحراء العربية، وهذا التعبيرُ يدلُّ في الأزمان القديمة على أنه كان يَشمل الأراضيَ التي تقعُ شرقي الدلتا، وعلى ذلك كان في مقدور «دارا» أن يتفادَى أرض الدلتا التي كان يغمرُها الفيضانُ، وبذلك كانت طريقه — بلا نزاع — عبر وادي «طليمات»، ومن الجائز أن مسألة إصلاح القناة القديمة — وهي التي كانت تمر بوادي «طليمات» — قد عملت في هذا الوقت.
ولكن لدينا عبارةٌ في الحوليات الديموطيقية لا تُعارض دخولَ «دارا» «مصر» متأخرًا في عام ٥١٨ق.م، وهذه العبارة ما يأتي: «أرسل «دارا» إلى «مصر» شطربة في السنة الرابعة.» وأمر بجمع القوانين القديمة المصرية، وهذا الأمر يظهر جليًّا على أنه كان قد أرسل من خارج «مصر»، ولكن في الوقت نفسه كانتْ وقتئذٍ قَدْ أصبحتْ «مصر» ثانية إقليمًا فارسيًّا، لها شطربها الخاص، والواقع أن السنة الرابعة من حكم «دارا» في «مصر» كانت قد انتهتْ فعلًا في ٣٠ ديسمبر سنة ٥١٨ق.م، وإذا فرضنا أن «دارا» كان قد دخل البلاد المصرية ما بين ٣٠ أغسطس، ٨ نوفمبر من هذه السنة فإنه لم يكن لديه وقتٌ لوضع الأُمُور في نصابها، فكان عليه أن يُعيد «أرياندس» شطربة على «مصر»، ثم يعود هو إلى «آسيا»، ومع ذلك فقد أصدر أوامر في «مصر» نفسها في نفس السنة.
وعلى ذلك فإنه من الممكن أن نجبَر على قبول الاقتراح السابق، وهو أن النواة الحقيقية التي جاءتْ في قصة «بوليانوس»، وهي أنه من المحتمل أن عجل «أبيس» قد مات في نفس السنة التي وصل فيها «دارا» إلى «مصر» «وذلك على الرغم من أن وصوله كان قبل ذلك بأشهُر في الشتاء».
وكذلك لا بد أن نستنبط أن الثورة قد قُضِيَ عليها بنجاح بوساطة إجراءات أعنف مما جاء في قصة «بوليانوس».
وعلى أية حال فإن الحملة قد أصابتْ بعض النجاح، هذا وقد أرسل «أرياندس» بعض الأسرى البرقيين إلى الملك «دارا»، وقد أرسلهم الأخيرُ إلى بلاد «بكتيريا» «الفرس» حيث كانت توجدُ مستعمرةٌ لهم هناك كان يُمكن رؤيتُها في أيام «هيرودوت».
وحوالي نفس هذا الوقت كانت «قناة السويس» قد تم إنشاؤها، وعلى ذلك كانت اللوحات التذكارية قد أقيمت على شاطئيها، وقد كتب ضمن قائمة المديريات الفارسية فيها إقليم «لوبيا» كما سنرى بعد، وتدل شواهد الأحوال على أنه فيما بعد قد اتهم «أرياندس» شطرب «مصر» بالخروج على «فارس» وحكم عليه فيما بعد بالإعدام.
رحلة «دارا» إلى «مصر»
وعلى ذلك فإنه ليس من المستحيل أن النقش كان سابقًا لرحلته إلى «مصر».
القائد «أحمس»
الموظفون الفرس في «مصر»
ولا نزاع في أنه كان يوجد في تلك الفترة عددٌ عظيمٌ من حُكَّام المدن والمديريات المصرية، من الذين أتى بهم «أحمس» إلى «منف» لم يكونوا مِن أصل مصري، والواقعُ أننا نعرف من المتون التي نُقشت على صخور «وادي حمامات» واحدًا من هؤلاء، وهو حاكم «قفط» المسمى «أتياواهي» بن «أرتاميس» وتدعى أُمُّه «قنزو» (النقوش ٢٤–٣٠)، وقد عاش هذا الموظف في عهد كل من الملك «قمبيز» والملك «دارا» والملك «أكزركزس» (المتن ٢٨)، وآخر تاريخ عُرف لهذا الموظف هو السنة الثالثة عشرة من حكم «أكزركزس» عام سنة ٤٧٣ق.م، وقد كان كذلك أخُوه الأصغرُ موظفًا فارسيًّا، وقد ذُكر مرة واحدة (سنة ٤٧٦ق.م)، ثم ذُكر بمفرده في عهد الملك «أرتكزركزس» في النقوش ٣١، ٣٢، ٣٤، وتمتد النقوش الخاصة بهذين الفارسيين إلى سبع وثلاثين سنة، وهذا يوضح لنا التأثير المتزايد للبلاد المفتوحة على الأجانب.
ويُلحظ أن النقوش الأُولى الخاصة بالموظف «أتياواهي» (النقوش ٢٤–٢٦) لا تحتوي إلا على التاريخ والاسم، أما لقب الموظف فقد نُقل عن الآرامية.
هذا، ونجد في السنة العاشرة من عهد «أكزركزس» أن «أتياواهي» هذا يُضيف صورة الإله «مين» إلى نُقُوشه (النقش ٢٧) ونقرأ في السنة الثانية عشرة دعاءً مختصرًا، كتبه نفس الموظف للإله «مين» (النقش ٢٨).
هذا، ونجد في نقوش «أريوارتا» — وهي أحدث من السابقة — أنها مصحوبةٌ بصورة إله (٣١، ٣٣، ٣٤) وقد ترجم «أريوارتا» هذا لقبه إلى المصرية وهو «زدحر» (تاخوس) (النقش ٣٣) واتخذه لنفسه، وقد تضرع لكل من الإله «مين» (٣٤) والإله «مين حور» والإلهة «أزيس» (٣١، ٣٢) والإله «آمون رع» ملك الآلهة.
السياسة الدينية التي نهجها الملك «دارا»
كانت سياسة الفرس تقومُ على نهج سديد من حيث احترام موظفيهم للديانة المصرية، وهذا النهجُ قد وضعه الملك «دارا» وسار على مقتضاه، ولا نزاع في أن ذلك قد أرضى المصريين تمامًا، وبخاصة عندما نعلم أن هذه كانت النقطةَ الحساسة عندهم، ومن ثم نرى في عهد «دارا» أن الإلهة «نيت» قد حافظتْ على مكانتها الممتازة بين الآلهة المصريين في تلك الفترة من تاريخ البلاد، وقد أعلن الملك أنه ابنُ هذه الإلهة كما جاء في اللوحة الثامنة (سطر ١–٣). وإنه لمن المهم أن نرى أن اللوحة رقم ٩ — وهي التي نجد فيها تشابهاتٍ عدة بما جاء في اللوحة الثامنة — قد أحلت صورة العقيدة الخاصة بالإله «أهورامازدا» محل الصيغ التي تعبر عن تمسُّك الملك بالآلهة المصريين.
استغلال المحاجر في عهد الملك «دارا»
يدل على ما قام به «دارا» الأول من نشاط في فن العمارة؛ النقوشُ التي تركها لنا في محاجر «وادي حمامات»، وقد كان يُدير هذه الأعمال في المحاجر موظفٌ كبيرٌ يُدعى «خنم-اب-رع»، وكان يحمل لقب المشرف على الأعمال (المتون ١١–١٣)، و«خنم-اب-رع» هذا هو ابن موظف كبير آخر يُدعى «أحمس سانيت» وكان يحمل بدوره لقب المشرف على الأشغال، أو الأعمال في عهد الملك «أحمس» الثاني (النقش ١١ سطر ٤–٦) وكانت أُمُّهُ تُدعى «ساتنفرتم»، ويظهر لنا من نفس النقش ١١ المؤرخ بالسنة الرابعة والأربعين مِن عهد الملك «أحمس» الثاني أن «خنم-اب-رع» كان في صحبة والده أثناء العمل، وبعد انقضاء ثلاثين سنة على ذلك تقريبًا؛ أي في عهد «دارا» الأول نجده قد عاد إلى «وادي حمامات» وحده، وفي خلال الأربع سنين التالية لذلك عاد إلى هذه المحاجر عدة مرات وترك لنا نقوشًا هناك.
الثورة في «مصر» في نهاية عهد دارا
تدلُّ شواهدُ الأحوال على أن الثورة التي قام بها المصريون في أواخر عهد الملك «دارا» الأول لم تمكث طويلًا؛ فلدينا الآنيتان رقمي ٢٣، ٤٤ تؤرخان بالسنة الثانية من عهد الملك «أكزركزس»، وقد جاء ذكر هذه السنة في المتن رقم ٢٥، وهو الذي عثر عليه في «وادي حمامات»، ومِن جهة أُخرى نجد السنة السادسة والثلاثين من عهد «أكزركزس» في المتون التي تحمل الأرقام ٢٤، ٢٨، ٣٠ على التوالي، وهذه الآثار مستخرجةٌ من نفس محاجر «وادي حمامات»، وظاهرٌ من هذه التواريخ أن الثورة التي قام بها المصريون لتحرير بلادهم كان من المحتمل أنْ تكون من أسبابها الأخبار التي وصلت إلى «مصر» عن هزيمة الفرس أمام الإغريق في موقعة «ماراتون»، وأنها على أية حال لم تكن ثورة طويلة الأمد — كما سنرى.
والواقعُ أن وادي النيل في عهد الملك «دارا» كان من الوجهة الحربية محصنًا بحاميات فارسية قوية، تمتد من بلدة «ماريا» الواقعة في الشمال (وهي على مقربة من مكان مدينة «الإسكندرية» الحالية) حتى بلدة «الفنتين» («أسوان» الحالية) والشلال في الجنوب، وكانت أقوى حامية للفرس في بلدة «منف» ذات الموقع الاستراتيجي الممتاز في أهميته؛ لوقوعه على مسافة قريبة عند بداية تفرُّع الدلتا، وكانت حامية «منف» (البدرشين وميت رهينة الحاليتين) تتألف بوجه خاص من جُنُود من الفرس يحملون رُتَب ضباط، كما كانت تحتوي على عناصرَ أُخرى من الجنود المصريين والأجانب كالجنود المرتزقة من اليهود الذين كانوا يقطنون «الفنتين» وقتئذٍ. هذا، وكانت كل هذه الحاميات الفارسية تمون من البلاد التي تُعسكر فيها مما كانوا يتسلمون من أنواع المحاصيل المختلفة، وبخاصة القمح.
وتدلُّ شواهدُ الأحوال بوجه عام على أن «مصر» في عهد الملك «دارا» الأول كانت سعيدة وفي رخاء بقدر ما يسمح به نظامُ الاستعمار الأجنبي نسبيًّا، وما لدينا من نقوش يدل على أن «دارا» كان شخصيًّا ذا ميول طيبة نحو البلاد المصرية، وقد كان من الممكن أن تسير الأحوال في مجراها الطبيعي إذا كان حُكَّام البلاد من الفُرس قد أظهروا نفسَ الاعتدال والحكمة الذين انتهجهما عاهلهم نفسه.
هذا، ولم يكن في الإمكان أن يقبض على زمام الأمور وهو في عاصمته البعيدة ويرقب حركات عماله ومعاملتهم للأهلين في «مصر» على الوجه الأكمل، وقد زاد الطين بلة أن هذا العاهل قد تُوُفي في عام ٤٨٦ق.م، ومنذ أواخر حُكمِه قامت في البلاد المصرية حركةٌ وطنيةٌ لمقاومة الحكم الأجنبي، وكان غرضُها طردَ الفُرس والتخلُّص من حكمهم.
«أكزركزس» الأول وثورة «خبا باشا»
وقد ذكر الكهنةُ أن ملك الفرس «أكزركزس» قد اضطهد «بوتو»، وقد حصل الكهنةُ على هِباتٍ جديدةً من «بطليموس» الذي أعاد الأوقافَ القديمةَ التي كان منحها «خبا باشا» لِمعبد «بوتو»، أَمَّا النقشُ الآخرُ الذي دُون عن هذا البطل فيدلُّ على أنه كان قابضًا على ناصية الأُمُور في «منف»، فقد أُرخ بالسنة الثانية شهر «هاتور».
وهاك الآثار التي تركها لنا «خبا باشا»:
-
(١)
في السنة الأولى في شهر «هاتور Athyr» من عهد الملك «خبا باشا» قالت السيدة «سيتربون Setyrboone» ابنة «بيتهاربوكراتس Peteharpokrates» و«سيمينيس Semminis» إلى الكاهن فاتح باب المحراب ﻟ «آمون» «الكرنك» في «طيبة» الغربية المسمى «تيوس Teos» ين «باو أنس حار بخرت» إنك اتخذتني زوجتك وأمهرتني دبنًا من الفضة (= ٢٫٥ ستات) وإني أكرر دبنًا من الفضة مهرًا لي، فإذا نبذتك بوصفك زوجي كارهة لك، أو أحببت رجلًا آخرَ أكثر منك؛ فإني أَرُدُّ إليك ٢٫٥ أعشار دبنات من الفضة (أي ستات) – وإني أكرر ٢٫٥ أعشار دبنات من الفضة وهي التي تخص هذه دبنًا من الفضة (؟) وهي = ٢٫٥ ستات (نقد إغريقي) — وإني أكرر دبنًا من الفضة (؟) وهي التي أعطيتنيها مهرًا، وإني أنزل لك عن النصف من جميع كل شيء سأحصل عليه منك ما دمت متزوجًا مني: تسلم صورة من المتن أعلاه في ورقة أُخرى وقد قمتُ بنقلها (؟) وإني أُقرر كل كلمة دونت أعلاه على حسب (؟) الوثيقة الحالية وسأُتممها بستة عشر شاهدًا، وإني أُعطيكها — ولن يكون في استطاعتي أن أُحدد تاريخًا آخرَ لك غير السابق (؟) — ودون أن أتفاوض معك بأية طريقة — بالكتابة أو شفويًّا (؟).كتبه «بتحار برس peteharpres» بن «بكاس Pekas».ويضيف الناشر لهذا العقد ما يأتي: من بين الستة عشر شاهدًا الذين وقعوا على حسب ما جاء في السطرين ١، ٣ فإن الخمسة التالية قد دونت أسماؤهم على ظهر الورقة:
- (أ) «بتي Pete» … ابن «بتو» (؟).
- (ب) «سمينس» بن «وافريس Waphris» «أبريز».
- (جـ) … ابن «فيبيس Phebis».
- (د)
«توتيوس» (؟) بن «بتو».
- (هـ)
الكاهن «حرى-سشت» (كاتم السر) (؟) في «طيبة» «أمينوفيس» بن «تيوس».
ولا نزاع في أن هذه الوثيقة تُقدم لنا فكرةً صريحة جليةً عن قيمة الوثائق الديموطيقية، وقد علق «شبيجلبرج» على ترجمته هذه بملحوظةٍ صغيرة أراد أن يُحدد فيها تاريخَ حُكم الملك «خبا باشا»، وقد حَدَّدَهُ على وجه التقريب بين ٣٤١–٣٣٢ق.م، ولكن «جريفث» — كما ذكرنا من قبل — قد عارضه في ذلك.
- (أ)
-
(٢)
الوثيقة الثانية من عهد «خبا باشا»: هي تابوت لعجل «أبيس» وُجد في سربيوم «منف»، وقد أُرخ بالسنة الثانية شهر «هاتور» (راجع: Brugsch A. Z, (1817) p. 13: Thesaurus p. 968) وقد جاء عليه: السنة شهر هاتور في عهد جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «خبا باشا» محبوب «أبيس»، «أوزيرحور» صاحب «كم» (= الثور).
-
(٣)
اللوحة المسماة لوحة الشطربة: عثر على هذه اللوحة في «القاهرة» عام ١٨٧٠م في أساس حُجرة صغيرة في جامع «شيخون»، وقد كشف عنها «محمد أفندي خورشيد» الذي كان وقتئذٍ رئيسَ الملاحظين بالمتحف المصري، وتؤرخ بالسنة السابعة من عهد «الإسكندر» الثاني ابن «الإسكندر الأكبر»، وقد أَهْدَاهَا «بطليموس» بن «لاغوص» الذي قنع فيها بتلقيب نفسه بشطربة «مصر» وقتئذٍ، وقد كان «بطليموس» هذا صاحب قوة فعلية، وكان يقطن في قلعة الملك «الإسكندر» الأول على شاطئ البحر الأيوني؛ أي في «الإسكندرية» التي كانت تُسمى في بادئ الأمر «ركوتي» وقد أسكن كثيرًا من الجنود المرتزقة من الإغريق في هذا المكان، ومعهم خيلهم، كما وضع فيها سُفُنًا مجهزةً بجُنُودها وعتادها، ولما ذهب إلى بلاد «سوريا» من أجل منازَلة أهلها في موقعة، خاض المعمعة بقلب صلب وانقضَّ على العدو كما ينقضُّ النسرُ على الحمام، فاستولى على هذه البلاد دفعةً واحدةً، وساق رؤساءها إلى «مصر»، كما استولى على جيادهم كلها وسفنهم وكل ثروتهم، وبعد عودته من حملته المظفرة في «المرمريك» اقترح عليه أحدُ مستشاريه أثناءَ احتفاله بنصره والعمل على ما يمكن أن يرضي آلهة «مصر» أن يثبت لمعبد «بوتو» الوقف الذي كان قد حبسه الملك «خبا باشا» على آلهة هذه المدينة، وكذلك الممتلكات التي كان قد وهبها «أكزركزس» الأول ملك الفرس فوافق على ذلك، ثم ينتهي متنُ هذه اللوحة باللعنات على كل مَن يحاول العودة إلى التعدي على هذه الأوقاف (Maspero Guide (1915) p. 199) وقد لقب «خبا باشا» في هذه اللوحة بأنه تمثال «تاتنن» المختار من الإله «بتاح».
-
(٤)
وعثُر للملك «خبا باشا» كذلك على جعران في مجموعة «ستير» (راجع: Brugsch Bouriant Livre des Rois p. 122) وقد نقش عليه «خبا باشا» محبوب «رع»، وقد حدث نقاشٌ كبير عن أصل «خبا باشا»، فمِن قائلٍ إنه شطرب الفرس، ومن قائلٍ إنه كوشي أو عرب المنبت، غير أن طغراء الأولى تُبرهن على أنه تُوِّجَ في «منف»، وعلى ذلك يحتمل أنه كان من أصل لوبي كما اقترح ذلك «ماسبرو»، وذلك على غرار الرئيس «أيناروس» الذي أعلن نفسه فيما بعد ملكًا على كل «مصر»؛ وذلك لأن ورقة «لبي» تعد وثيقة من أصل طيبي، وهناك رأي آخرُ يقول: إنه من أصل نوبي (راجع: عن كل ذلك: Friedrich Karl Kienitz Die Politische Geschichte Agyptens Von 7, Bis Zum 4 Jahrhundert vor der Zeltwende p p. 185–189)، حيث عالج موضوع «خبا باشا» وجمع كل الآراء التي وردت عنه.