الملك «قمبيز»
ولم يلبث أنْ حانتْ له فرصةُ قتل أخيه، وذلك أنَّ الملك «كورش» كان يستعدُّ منذ سنين لتنظيمِ حملة على «مصر»، غير أنه في بداية عصر «قمبيز» قامت ثوراتٌ في أنحاء الإمبراطورية جعلتْه يُحوِّل كل نشاطه لإخمادها، ولم يفرغ من ذلك إلا في العام الرابع من حُكمه، ومن ثم كان على استعداد للقيام بغزو «مصر»، غير أنه رأى أنه ليس من الحكمة في شيء أن يترك بلاده وفيها أخوه «بارديا» المحبوب من الشعب ملكًا على المديريات الشرقية.
هذا، ويمكننا أن نتخيل كيف كان رجال بلاطه يحرضونه على التخلُّص من أخيه قبل مغادرته عاصمةَ بلاده إلى «مصر»، ومن ثم أعطى الأمر لقتله خلسة، وعلى الرغم من بشاعة الجريمة في نظرنا فإنها كانت في هذا العهد لا يُنظر إليها بهذه النظرة؛ إذ الواقع أن تاريخ بلاد الفُرس وغيرها من الممالك الشرقية كان مُفعَمًا بمثل هذه الجرائم.
انتحار قمبيز
وفي عام ٥٢١ق.م انتحر «قمبيز»، وذلك أنه كانت تنتابه نوباتٌ عصبيةٌ منذ طفولته وبعد فتح «مصر» بأربع سنين انتحر، وقد عزي ذلك لإخفاقه في حملتيه على بلاد النوبة وواحة «سيوة»؛ إذ انهارت أعصابُهُ مِن أجل ذلك، وقد ترك «مصر» في عام ٥٢١ق.م إلى عاصمة ملكه، وفي أثناء سيره في «سوريا» سمع بقيام ثورة على رأسها ماجوسيا مدعيًا عرش الملك، وذلك أن هذا الرجل كان يشبه كثيرًا أخاه المقتول «بارديا»، ولم يكن قتله معروفًا لأمه وأخته كما كان مجهولًا لدى عامة الشعب، وقد كان «قمبيز» في طريقه لمقابلة الثوار، ويُقال إنه لما سمع بتحول هام في صفوف جيشه قتل نفسه يأسًا.
وبموت «قمبيز» انتهى آخرُ أفراد فرع «كورش». هذا، وتقول أُسطورةٌ عن سبب موته إنه جَرَحَ نفسه عندما أراد امتطاءَ صهوة جواده ومات متأثرًا مِن جرح في فخذه، غير أن «دارا» قَصَّ علينا سبب موته في نقوش «بهيستون».
جوماتا» أو «سمرديس» (عند اليونان)
كان هذا الماجوسي الذي ادعى أنه «بارديا» اسمه «جوماتا»، وتدلُّ شواهدُ الأحوال على أن الشعب قد اعترف به عن طِيبِ خاطر، ولا غرابة في ذلك؛ لأنه بعد موت «قمبيز» كان لا بد أن يئول الحُكمُ إلى «بارديا» الذي كان قتله سرًّا حكوميًّا لا يعرفه إلا القليل جدًّا، وقد كان هذا المغتصبُ للملك غايةً في الذكاء؛ فقد قضى على كل من له علم باغتيال «بارديا»، هذا فضلًا عن أنه قد كسب رضاء الشعب أكثر من سلفه، بإعلانه حرية عدم التجنيد والتراخي في جمع الضرائب، يُضاف إلى ذلك أنه احتجب عن أعيُن الناس بقدر المستطاع وأمر نساءه أن يقطعن كل علاقاتهن بالعالم الخارجي، وكذلك ببعضهن بعضًا، وهذه أُمُور كانت بطبيعة الحال من الصعب تنفيذُها وبخاصة في الشرق، والواقعُ أنه نتيجة ذلك كانت زيادة الشكوك والظنون حوله، وكانت قد سرت فعلًا في نفوس الأشراف فكرةٌ مُؤَدَّاها أنَّ هذا الملك لم يكن مِن نسل «كورش»، بل إنه مغتصبٌ وحسب.
وقد كان هناك — كما نعلم — فرعٌ آخرُ من نسل «أخمينيس»، وهو فرع «دارا» ابن «هيستابس» وكان يعاضده رؤساءُ العشائر الفارسية الست العظيمة، ومِنْ ثَمَّ انتهى الأمرُ بهؤلاء الرؤساء أنْ دخلوا على هذا المغتصب وقتلوه كما قتلوا أتباعه، وبعد ذلك أسرعوا إلى «أكبتان» (= حمدان) حاملين رأس هذا المحتال، وقاموا بحملة على الماجوس الذين كانوا يساعدونه، ومِن الجائز أن آمال هذه الفئة كانت ترمي إلى إعادة قوة طائفة الكهنة من جديد، غير أن «دارا» لم يكن بالرجل الذي يميل إلى الانتقام، ومن أجل ذلك انتهى التقتيلُ في أتباع هذا المغتصب عند حلول الظلام.
ومن المحتمل جدًّا أن «دارا» قد اعتلى عرش الملك بعد موت المغتصب بوصفه وارثًا للملك «قمبيز»، ويُقال: إنه قد تغاضى عن تولي والده الملك لكِبَر سِنِّهِ.