الديانةُ المصرية القديمة والديانة الفارسية
وقبل ختام هذه العُجَالة عن الديانة الفارسية، يَجْدُرُ بنا أنْ نُلْقي نظرةً على أَوْجُه الشبه بين هذه الديانة والديانة المصرية القديمة، والواقع أنَّ هذين الشعبين هما من بين شُعُوب العالم اللذان نجدُ في ديانتيهما أن الثنائية الخُلُقية قد اتخذت مكانة هامة؛ ففي «مصر» نراها بوضوح، ومع ذلك نجد أنها لم تصل إلى نقطة التحرُّر التام من المادية، ومن النضال بين العناصر الدنيوية، في حين نجد في «فارس» أن عنصرَي الخير والشر باسميهما «أورموذد» و«أهريمان» قد أصبحا وحدتين خلقيتين، كلٌّ منهما منفصلةٌ عن الأُخرى تمام الانفصال، وفضلًا عن ذلك قد أصبحتا — بصورةٍ ما — مرتفعتَين عن الطبيعة المادية. ويُلحظ في المذهب الزورواستري أن الخير المادي هو المظهر للخير، وهو يُعَدُّ أَقَلَّ درجة من الخير الخُلُقي الذي هو أسمى منه، كما يلحظ أن الشر الماديَّ هو بمثابةِ نتيجة للشر الخُلُقي.
ومن الجائز — على أية حال — أن الفرس قد أتوا بعد المصريين للإعلاء من شأن الثنائية الخلقية التي كانت موجودة منذ زمن بعيد في «مصر»، ومهما يكن مِن أمر فإنه ليس مِن باب المبالغة أنْ نعترفَ أن «امبيدوكل» الإغريقي، قد تأثر في وقت واحد بمصر وبالفرس، كما تأثر «هيراكليت» اليوناني بالأفكار المصرية والفارسية معًا.