صد الفرس على يد «هيلاس»
تولِّي «أكزركزس» عرش «فارس» ٤٨٥ق.م
تزوج الملك «دارا» — كما هي العادة الفارسية — من عدة نساء، ومن بين هؤلاء ابنة
«جاوباروفا أو جوبرياس Gaubaruva or Gobryas» وهو
أَحَدُ المتآمرين على قتل «جوماتا» الدجال الماجوسي، وقد رُزق منها ثلاثة أطفال
أكبرُهُم يُدْعَى «أرتابازانس Artabazanes»، وكان
دائمًا يُنظر إليه بأنه هو وريثُ العرش، غير أن «أتوسا Atossa» زوجه وابنه الملك «كورش» كانت لها المنزلةُ العُليا والنفوذُ
الأعظمُ عليه وهو في شيخوخته، لدرجة أنها قبل وفاته بفترة وجيزة جعلتْه يُوصي لابنها
«خاشا يارشا» وهو المعروف عند اليونان باسم «أكزركزس» بعرش البلاد بعد موته، وفعلًا
تَوَلَّى الملك بعد أبيه دون معارضة، وكان هذا الملك الجديد الذي يُعرف في سفر «أستر»
في التوراة باسم «أحشويروش Ahasueros»، مشهورًا بجماله
البارع وحسن قوامه، غير أنه كان كسولًا ضعيفًا يخضع بسهولة لمستشاريه. وهذه النقائصُ
في
أخلاقه جعلتْ بلاد اليونان مدينة له بخلاصها ونجاتها من يد الفُرس، وقد لُوحظ أنه منذ
بداية حُكمِهِ كان لا يكترث بإخفاق حملة «هيلاس» وعدها في نظره أمرًا قليل الأهمية، غير
أن «مردونيوس» قد صمم على إنقاذ شرف الفُرس وسُلطانها من هذا الحادث، وقد دافع عن ذلك
بشدة حتى نال في النهاية ما يرمي إليه، وهو الانتقامُ لبلاده وإعادة نفوذها.
وعلى ذلك بدأ الشروع في الاستعداد للغزوة العُظمى لبلاد اليونان.
الثورة في «مصر» ٤٨٤ق.م
ولكن «أكزركزس» أمر — أولًا — بالزحف على «مصر»؛ لقمع الثورة التي شبتْ فيها على يد
«خبا باشا» (؟) فهزمه في نهاية الأمر — كما أسهبنا القول في غير هذا
المكان.
الثورة في «بابل» ٤٨٣ق.م
على أن «مصر» لم تكن السببَ الوحيدَ في خوف «أكزركزس»؛ إذ كانت قد قامتْ في «بابل»
ثورةٌ قصيرةُ الأمد، وذلك أن مدعيًا لا يُعرف أصلُهُ يُسمى «شاما شريب Shamasherib» قد توج في هذه البلدة ملكًا، وعلى ذلك
حاصرها الملك «أكزركزس» مدة بضعة أشهُر لم تلبث بعدها أن سقطت وخربت كما نُهبت معابدها
وحمل أهلها أسرى، ولم يُظهر الملك «أكزركزس» أيَّ خوف من الإله «بل-مردوك» الذي نُهبتْ
كنوزُهُ وحمل تمثاله المذهب غنيمة، ولم تَسترد «بابل» بعد هذه الهزيمة قَطُّ مَجْدَها؛
وذلك أنه منذ زمن هذا الخذلان نجد أنه قضى شيئًا فشيئًا على ديانتها، ونفوذها وفخارها،
غير أنَّ رسالة هذه البلدة العظيمة للمدنية كانت قد تَمَّتْ، فعندما نُعَدِّدُ ما
تَدِينُ به مدنيتنا الحديثة إلى «بابل»؛ نجد أننا مدينين لها بأشياء مدهشة.
تأليف الحملة العظيمة على بلاد اليونان
كان «أكزركزس» يستعدُّ لغزو بلاد اليونان كَرَّةً أُخرى، وفي عام ٤٨١ق.م تمت
الاستعداداتُ لأكبر حملة عُرفتْ في الأزمان القديمة، وفي خريفِ هذه السنة تجمعت
الفِرَقُ المختلفة في مديرية «كابادوشيا»، ثم سارتْ إلى «ليديا» حيث أَمْضَى «أكزركزس»
فصلَ الشتاء، وقد كانت الجيوشُ التي تجمعت تحت إمرته من كل أنحاء الإمبراطورية الفارسية
المترامية الأطراف ضخمةً جَبَّارة مما جعلها فيما بعد ضربًا من الخرافة المبالغ فيها،
والواقع أن أحسن بيان وصل إلينا عن العناصر المختلفة التي كان يتألف منها جيشه هو ما
جاء على لسان «هردوت».
وهذا البيانُ لا ينحصر في كونه واضحًا جليًّا وحسب، بل ذا قيمة للباحث في علم
الأجناس، وكذلك للمؤرخ، وقد جاء في أَوَّلِ القائمة الفرسُ والميديون وكانوا مسلحين
بالحربة والقوس والسيف، ثم الكيسيون Kissians
والهركانيون Hyrcanians وكانوا مسلحين على نمط
الفرس، ثم يأتي بعد هؤلاء الآشوريون بقبعاتهم البرنزية، والبكتريان والأريان Arians والبرثيان Parthians، ثم القبائل المجاورة المسلحة بالمزاريق والحراب، ثم
الساكا Sakae وقد اشتهروا بقبعاتهم المدببة وبلط
الحرب، ثم الهنود ببذلهم المصنوعة من القطن، والإثيوبيون الإفريقيون بأجسامهم الملونة،
مسلحين بأقواس طويلة وسهام أطرافها مصنوعةٌ من الحجر، و«أثيوبيو» آسيا — ويحتمل أنهم
السكان الأصليون لجنوب بلاد الفرس — و«ماكران» بقبعاتهم الخارقة حد المألوف المصنوعة
من
رءوس الخيل، وغير هؤلاء، حتى نصل إلى الجزائريين القاطنين في الخليج الفارسي.
وقد كان على رأس كل جنس من هذه الجيوش فارسي، وكان الجيش كله مقسمًا فيالق وفرق
ووحدات (مائة جندي) وأقسام، وكانت القيادة العليا للمشاة في يد القائد «مردونيوس»، ولكن
«الخالدين» كانت لهم قيادةٌ منفصلة، وكانت فرقة الفرسان التي تشمل القبائل التي تحارب
بالعربات يتألف معظمُها من الفُرس والميديين، وتشمل نحو ثمانية آلاف «ساجا ريتاني Sagartians» من شمالي بلاد الفرس مسلحين بالحبائل،
وكان هناك كذلك كيسيون وهنود، وهؤلاء الأخيرون كانوا يُحاربون في عربات تجرُّها حمير،
غير أن فائدتهم الحربية لم تكن ذات بال.
وكذلك البكتريون والكسبيون والليبيون كانوا يحاربون في عربات، هذا فضلًا عن قوة من
العرب كانت تحارب على ظُهُور الجمال، أَمَّا الأُسطولُ الذي كان يتألف من ألف ومائتي
سفينة حربية وتحمل كل سفينة منها مائتي مُقاتل، فقد اشترك في توريدها الفنيقيون
والمصريون والرعايا الإغريق الذين كانوا مُوالِينَ للفُرس، وكانت كُلُّ سفينة تحمل بعض
الفُرس أو الساكا Sakae الذين كانوا يعملون بحارة
ومساعدين لقُوَّاد الفُرْس، هذا فضلًا عن ثلاث آلاف سفينة حمل كانت تتبع
الأُسطول.
وقد قَدَّمَ لنا هردوت تأليف الجيش الفارسي العظيم كما يأتي:
١٧٠٠٠٠٠ من المشاة، ١٠٠٠٠٠ من الفرسان، ٥١٠٠٠٠ من البَحَّارَة والنواتي.
وإذا أضفنا إلى ذلك النجدات من أوروبا والخدم؛ فإن عدد الجيش وأتباعه يصل إلى
أكثرَ مِن خمسةِ ملايين، وهذا العددُ لا يمكن قبولُهُ بحال من الأحوال، ولكن بالنسبة
لاعتماد الفُرس في حروبهم على كثرة العدد وعلى حجم الإمبراطورية فقد يحق لنا أن نفرض
أن
القوتين البحرية والبرية معًا — بما في ذلك أتباع الجيش — كانتا تُقدران بمليون واحد،
فإذا طرحنا من ذلك أعدادَ النواتي؛ فإن هذا المجموعَ لا يبلغ أكثرَ مِن مائتَي ألف
مقاتل، وذلك أن أتباع المعسكرات في مثل هذه الحرب كانوا كثيرين في الجيوش الشرقية، وإذا
طرحنا من هذا العدد الفصائل التي كانت تُعسكر على خطوط المواصلات، وكذلك المرضى وغيرهم؛
فإن الأعداد الحقيقة من الجنود الذين تلاقَوا مع الإغريق بحرًا وأخيرًا برًّا؛ لم تكن
جبارة كما قُدرت، ولكن من الواضح أنه لم تحدث غزوة قط قبل الآن على مثل هذا
النطاق.
على أن عِظَم ضخامتها تُعَد أكبر إطراء وتمجيد للشجاعة الهيلانية، ومع ذلك فإن نفس
ضعف هذه الحملة الفارسية كان يكمن في كثرة عددها؛ وذلك لأن مثل هذا الجيش كان لا يُمكن
استعمالُهُ لحركاتٍ حربية طويلة لما كان يُلاقِيهِ دائمًا مِن صعابٍ في أَمْرِ تموينه،
هذا فضلًا عن أنه كان لا يُمكنُ فصله عن الأسطول أكثر من أيام قلائلَ.
موقف اليونان العسكري في هذه الحرب
لقد كانت «أثينا» هي الهدف الرئيسي في هذه الحرب، كما كانت في الحروب السابقة، وعلى
ذلك كان معظم عبء الحرب يقع على عاتقها، ومن جهة أُخرى فإن الفُرس إذا لم يكونوا في خطر
من البحر، فإنه كان يمكنُهُم أن يُحولوا خط الدفاع الواقع عند برزخ «كورنثا» أو أي خط
دفاع آخر بكل سهولة، وعلى ذلك وُجدت «أسبرتا» أن مصيرها في آخر الأمر كان مرتبطًا بمصير
«أثينا»، وذلك على الرغم من أن هذا الموقف الحرج لم يفطن إليه الأسبرتيون البلداء
وحلفاؤهم الذين وكل إليهم أمر الدفاع عن البرزخ. ويرجع الفضل إلى مجهودات «تيمستوكليس»
التي بذلها في السنين العشر الأخيرة في إنماء قوة «أثينا» البحرية إلى درجة عظيمة، ولم
يكن ذلك ببناء سفن حربية ذات ثلاث صفوف من المجدفين وحسب، بل كذلك بإنشاء ميناء
«بيريوس» لتكون قاعدة حربية محصنة، وعلى ذلك كان في مقدورهم عندما أتت الحملة الفارسية
أن ينقلوا السكان إلى الجُزُر المجاورة، وكان في مقدورهم — كآخر منفذ لو اقتضى الأمر
—
أن ينقلوا السكان ويؤسسوا «أتيكا» جديدة في «إيطاليا» كما هدد في الواقع «تيمستوكليس»
مرة بالقيام بذلك.
وقد عمل مسعًى لإنكار كل الأحقاد الداخلية في البلاد، وتكوين حلف عظيم من كل العالم
الهيلاني لمقاومة الغُزاة، وقد كانت أول محاولة للوصول إلى ذلك مع جزيرة «أرجوس»، غير
أنَّ المفاوضات أخفقتْ؛ وذلك لأن أهالي «أرجوس» قد طلبوا أن تُوضَعَ بلدُهُم على قدم
المساواة مع «أسبرتا» من حيث القيادة، وعلى أيَّةِ حال لم تعلن «أرجوس» صراحة انحيازها
لبلاد الفُرس، وذلك على الرغم مِن أنَّ مسلكها كان يدعو للخوف، وكذلك عملت مفاوضات مع
«جلون» حاكم «سيروكوزا»، ويقول «هردوت»: إنه بدوره طلب إلى المبعوثين، إما أن يقود هو
القوات البحرية أو القوات البرية لبلاد «هيلاس»، إذا أُريد اشتراكُهُ في هذه الحرب،
وعلى الرغم مما كان لديه من العَدَد الكبير من الجنود والسفن الحربية فإن المبعوثين قد
رفضوا النظرَ في اقتراحه، وأخيرًا نجد أنَّ كُلًّا من «كريت» و«كورسيرا» (كورفو)، لم
تُقدم أية مساعدة لخلاص البلاد اليونانية.
زحف جيش الفرس العظيم
(انظر وصف سير هذا الجيش في الجزء ١٢ مصر القديمة) لقد وصف لنا «هردوت» زحف جيش
«أكزركزس» من مدينة «سرديس»، ويدل الوصف على أن منظر هذا الزحف كان مدهشًا، فقد كانت
توجدُ في صُفُوف الجيش فرقٌ من خيرة الجنود لتحفظ كيانه على مسافات، في حين أن بقية
الجيش كان مؤلفًا من العامة الذين كانوا يَسيرون في غير نظام، ومع ذلك فإن مجرد فكرة
أن
مثل هذه القوة الهائلة أمكنها أن تزحف بنجاح وتمون؛ لَبرهانٌ على أن الدولة
الفارسية كانت على شيء كبير من النظام، ولا نزاع في أن قوتها كذلك في نواحٍ أخرى كانت
عظيمة، ولا أدل على ذلك من أنه لم يقم جسرين متينين عبر الدردنيل وحسب، بل كذلك أُقيم
على «ستريمون Strymon» جسرٌ آخرُ كما حفرت قناة في رأس
«آتوس Athos» وهذا دليلٌ على المعرفة العظيمة
بعُلُوم الهندسة، وبخاصة عندما نعلم أنه أُقيم بعيدًا عن قلب الإمبراطورية، وفضلًا عن
ذلك فقد أسست مخازن للتموين في محاطَّ مختلفة في طريق الجيش، وكانت نقطة الضعف الوحيدة
في تموين هذا الجيش هي توريدُ الماء العذب من وقت لآخر لمثل هذا العدد الضخم من الجنود،
ولقد كان عبر الدردنيل (هلسبونت) من الأعمال الجبارة التي قام بها الفرس، فقد عبر الجيش
إلى الشاطئ الأوروبي على جسرين صُنِعَا صُنْعًا متينًا على مرأًى من الملك «أكزركزس»؛
إذ كان يجلسُ على عرش من الرخام أُقيم على تل بالقرب من «أبيدوس»، وعند مطلع الشمس صب
العاهل «أكزركزس» قربانًا في البحر من كأس صنع من الذهب وصلى لربه راجيًا أن يكون في
قدرته فتح أوروبا.
وقد ألقى في البحر كأس الذهب وكذلك طاسة من الذهب وسيفًا فارسيًّا، وكان الجنود
«الخالدون» يلبسون أكاليلَ على رءوسهم عندما كانوا يقودون الطريق عبر الجسر الذي كان
منثورًا عليه أغصان الريحان، وفعلًا عبر هذا الجيشُ الجَرَّارُ إلى الشاطئ الأوروبي
فرقة فرقة تحت تهديد السوط الذي كان دائمًا مرفوعًا فوق الرءوس، وبعد ذلك أحصى عدد
الجيش في سهل «دوريسكوس Doriscus»، ومن ثم زحف الجيش
إلى «أكانتوس Acanthus»، حيث انقسم مؤقتًا ثلاثة أقسام
ليتجمع ثانية عند «ترما Therma»، أما الإغريق فإنهم
تلبية لاستغاثةٍ جاءتْ مِن «تسالي Thessaly» للمساعدة
على الدفاع عن اقتحام ممر «مونت أوليمبوس»؛ فإنهم أرسلو أولًا قوةً تتألف من عشرة آلاف
إلى «تمبه Tempe» ولكن على حسب ما جاء في «هردوت» وجدوا أن
الموقع يُمكن أن يُحاط به، وعلى ذلك تقهقروا تاركين التساليين يعملون شروط صلحهم مع
«أكزركزس»، وقد سلموا في الحال، وعلى ذلك زحف الجيشُ الفارسيُّ دون مقاومة في «مقدونيا»
و«تسالي»، وقبل أن تقع الواقعةُ الأُولى خضعت معظمُ حكومات الإغريق الواقعة في شمالي
ووسط «هيلاس» إلا «تسبيا Thespiae» و«بلاتا Plataea».
الدفاع عن «ترموبيلا Thermopylae»
٤٨٠ق.م
كان الأسبرتيون موكلًا إليهم أمرُ الدفاع عن خليج «كونثا» وقد رغبوا في أن يترك
الأثينيون «أتيكا» للعدو ويتقهقروا إلى الجنوب، وقد رفض الأثينيون هذا العرض الذي ينطوي
على دفاع سلبي بحق، وأخيرًا بعد التقهقُر من «تمبه» كان هناك اتفاق أخرق نتج عنه إرسالُ
قوة قوامها سبعة آلاف مقاتل تحت إمرة «ليونيداس Leonidas» ليدافعوا عن ممر «ترموبيلا» الضيق بفكرة تقويته بعد العيد
الذي كان لا مَفَرَّ من إقامته في نظر «أسبرتا»، وهذا المكان كان هو الموقع القوي ﻟ
«هيلاس»، ويقع بين الصخور والبحر، وقد كان محروسًا في الجناح الأيمن بالأسطول الإغريقي
الذي كان يتألف من حوالي ثلاثمائة سفينة راسية على مسافة من رأس «أرتيميزيوم Artemisium» في «ايوبوا».
على أنه لو كان الإغريقُ جمعوا كُلَّ قُواهم هنا؛ لكان من المحتمل كسب قوة «أكزركزس»
بقوة السلاح كما حدث ﻟ «برنوس Bronnus» وجنوده
الغالبين في عام ٢٧٩ق.م، والواقعُ أنه في هذه المرة قد جربت سياسة الدخول في أمرٍ غير
مؤكد، فكان مصيرُهُ الفشل، وذلك أن فيلقًا هامًّا هُزم هزيمة منكرة دون أن يعيق
تَقَدُّم العدو تقدمًا مُحَسًّا، ولا نزاع في أنه — من جهة أخرى — كان التأثيرُ
المعنويُّ على الجيش الفارسيِّ بالنسبة للشجاعة التي أبداها الجنودُ الإغريقُ عظيمًا
جدًّا، ولم يُنقص الخطأ الذي ظهر في الخطط الحربية الإغريقية شيئًا ما من الشهرة
الخالدة التي نالها «ليونيديس» وصحبُهُ الشجعانُ في ميدان القتال، بل زاد فيها. وعندما
سمع «أكزركزس» أن الممر كان يقاوم وهو متقدم إلى الأمام بجموعه نحو «ترما» وقف وأرسل
جماعة للاستطلاع.
ويُلحظ أنه في أيامنا هذه قد امتد خط الساحل كثيرًا في البحر، ولكن في عام ٤٨٠ق.م
لم
يكن هناك غير شريط من الأرض عرضه مائةُ قدم عند قاعدة الصخور، وكان الإغريق يُعسكرون
بين أَضْيَقِ نقطتين هناك، وقد قَصَّتْ جماعةُ الكشافة على الملك أن الأعداء كانوا
يَلْهُون في طمأنينة في الألعاب الرياضية وتسريح شعورهم الطويلة كأنهم يستعدون
لعيد، ولكن «أكزركزس» الذي انتظر مدة أربعة أيام — على ما يظهر — بأمل أن يقتحم
أسطولُهُ ممر «أيوريبوس Euripus»؛ أمر في النهاية
الميديين والكيسيين ثم الخالدين بالهجوم، ولكن حرابهم الكثيرة ودروعهم غير الملائمة على
الرغم من شجاعتهم لم تُحدِث أيَّ تأثير على الإغريق المدججين بالدروع الثقيلة، فقد
انقضُّوا عليهم وذبحوهم بالمئات، وفي اليوم التالي استؤنِف القتال وكانت النتيجة واحدة
مما جعل «أكزركزس» في يأس.
وقد نجى الفرس موقفهم في طريق عبر الجبال أن أرشد إليه خائن هيلاني، فأرسل الخالدون
عليه، غير أن جنود الفيلق الإغريقي الذي كان قد وضع لحراسته خانوا ما ائتمنوا عليه فلم
يُبدوا أية مقاومة وارتدوا على أعقابهم، وقد عرف أمر هذه الخيانة، فارتد كل الفيلق
الأسبرتي الذي كان يبلغ عدده ثلاثمائة مقاتل، وكذلك التسبيين Thespians ثم الطيبيين الذين حجزوا بالقوة، وبعد ذلك لم تنتظرْ فرقة
هؤلاء الشجعان حتى يحاصروا، بل تقدموا مهاجمين الفُرس وحاربوا حرب اليائسين أمام عدو
يفوقُهُم بدرجةٍ عظيمة في العدد، بشجاعة منقطعة النظير، حتى ماتوا عن آخرهم ميتة
أكسبتهم شهرة خالدة على مَرِّ الدهور.
موقعة أرتميزيوم البحرية
وفي تلك الأثناء كانت الأُمُور تسيرُ سراعًا في الحرب البحرية؛ وذلك أنَّ الأُسطول
الفارسيَّ قد انتظر عند «ترما» لمدة اثني عشر يومًا بعد زحف الجيش، وذلك لعدم وجود
ميناء بحرية بين هذه الميناء والخليج الباجاسي Pagasaian، ولكنه بعد ذلك تَقَدَّمَ تسبقه سبعُ سفن سريعة، فهاجمت
السفن الإغريقية التي كانت مشغولة في أعمال كشفية بعيدًا عن مصب نهر «بنيوس Peneius» وقد قضى على اثنتين منها، وقد وصلت قطعُ
أساطيلِ الغُزاة سالمة إلى ساحل «ماجنيزيا Magnesia»
غير أنه لِعِظَم الأُسطول الفارسي كان عليه أن يرسو في ثمانيةِ صفوف موازية للساحل،
وبينما كان الأُسطول راسيًا في هذا الوضع الخطر قامت عاصفة هوجاء وقضت على أربعمائة
سفينة منه، وبعد سُكُون العاصفة تحرك الأسطولُ الفارسيُّ الممزق عبر «أفيتا Aphetae» الواقعة على اليابسة قبالة «أرتميزيوم»، وقد
فصل الفرس الذين لم تكن تنقصُهُم المبادرةُ، والذين لم يحلموا بالهزيمة مائتي سفينة من
أُسطولهم ليبلغوا حول «أيوبوا» بقصد السياحة إلى المضايق التي تفصل الجزيرة من اليابسة
مؤملين بذلك الاستيلاءَ على كُلِّ الأسطول الإغريقي، ولما نقل خبر هذه الحركة للإغريق
الذين كانوا تحت إمرة القائد البحري «يوريبيادس Eurybiades» هاجم الأسطول الفارسي الرئيسي واستولى على ثلاثين سفينة
منه، وعلى أي حال لم تكن الموقعةُ فاصلةً، وفي الليلة التالية كانت العناصرُ الطبيعيةُ
في جانب الإغريق، فقضتْ على الأُسطول الفارسيِّ الذي كان قد أرسل حول «أيوبوا» وهذا
الخبر السار أتى به نجدة كبيرة مؤلفة من ثلاثمائة وخمسين سفينة أثينية يحتمل أنها كانت
تحرس مضيق «كالسيس Chaicis».
وفي الجزء النهائي من المعركة حارب الجنودُ الفرسُ الذين كانوا — على ما يظهر —
يتلقون الأوامرَ باستمرارٍ من «أكزركزس» بأن يخترقوا صُفُوفَ الأُسطول الإغريقي،
ويتصلوا — من جديد — بالجيش البري، على طول الخط، وقد نشبتْ معركةٌ يائسةٌ كانت في غير
صالح الإغريق، فقد هشمت الكثير من سفنهم، وذلك في الوقت الذي وصلت فيه الأخبارُ باقتحام
ممر «ترموبيلا Thermopylae»، وهذه الكارثةُ غيرت
الموقف، وفي خلال الليل أمر الإغريق بالتقهقر، على أنه لو تابع الأسطول الفارسي الأسطول
الإغريقي لتَمَكَّنَ من الاستيلاء على كثيرٍ من سفنه المهشمة، ولكن الفرس كانوا يجهلون
أمر انسحاب الإغريق، ولو أنه كان لزامًا عليهم أن يتوقعوا هذا التقهقُر، وعلى ذلك سار
الأسطول الإغريقي آمنًا على ساحل «أيوبوا» بحراسة الأثينيين.
زَحْف الجيش على «أثينا» والاستيلاء عليها
لقد سارت الحملة حتى الآن في صالح الفرس فقد اقتحم جيشُهُم أوعر ممر، يضاف إلى
ذلك أن الأسطول الإغريقي بعد موقعتين أمر بالتقهقر وأصبح وسط «هيلاس» معرضًا للخطر أمام
الغزاة.
هذا، وقد سار «أكزركزس» بجيشه على «فوسيس Phocis»
فخربها، وبعد ذلك تحول الجيش الفارسي نحو «أتيكا» وكان الأثينيون الذين كانوا يأملون
أن
ينتصروا عند «ترموبيلا» لم يغادروا «أثينا» ولكنهم قاموا الآن بمغادرتها بكل سرعة،
فأرسل النساء والأطفال إلى «ترويزن Troizen»
و«أجينا Aegina» و«سلامس Salamis»، ومن جهة أُخرى نجد أن بعض الأفراد قد اعتمدوا على وحي «دلفي»
مبهم يقول إن: «أثينا» يجب عليها أن تثق في جدرانها الخشبية، فاعتصموا في «الأكروبول Acropolis»، ولكنهم بعد مقاومة يائسة تغلب الفرسُ
عليهم وقتلوهم، وفي النهاية أصبحت «أثينا» في يد الغُزاة فأحرق الفرس محاريبها انتقامًا
لتخريب «سرديس»، ولَمَّا تم النصر للملك العظيم بتخريب «أتيكا» والاستيلاء على «أثينا»
ظن أن الحملة لا تلبث أن تتوج بالنجاح، غير أنه كان يرتكز على مقدمات خاطئة.
موقعة «سلامس» ٤٨٠ق.م
كان على الأُسطول الإغريقي، على حسب التصويرات المستعجلة التي أبداها «تيميستوكليس»
الذي كان مشهورًا بقوة إقناعه للأسبرتيين بالحجة الدامغة التي تروق في أعيُنهم، بعد أن
غادر «أرتيميزيوم»؛ أن يشق طريقه إلى «سلامس» وذلك بحجة أن يسهل للأثينيين نجاة أُسرهم،
وقد تسلم الأسطول عند هذه الجزيرة آخر مدده مما جعل قوته العددية التي كان يتوقف عليها
خلاصُ «هيلاس» تبلغ حوالي أربعمائة سفينة، وكان عدد سفن العدو أعلى من ذلك
بكثير.
وقد كان من جراء الاستيلاء على «أثينا» وزحف الجيش الفارسي على «فاليرون Phaleron» أن تسبب اضطرابٌ عظيمٌ، لدرجة أن الفيلق
«البلوبونيزي» صمم بسرعة على تَقهقُر الأُسطول إلى خليج «كورنثا» دون أن يعير أي
التفاته مصير الأثينيين الذين كانت تتعرض أُسرُهم بذلك إلى الأسر، وقد كانت حجتهم في
ذلك أنهم لو هزموا في «سلامس» فإنهم لن يُفلتوا مِن أيدي الفرس، في حين أنهم عند
البرزخ يكونون محميين بقوة جيش «هيلاس» المجتمِع هناك، ولقد كان هذا الشعور عامًّا
لدرجة أن «تيميستوكليس» كان في يأس من أمره، ولكنه في المجلس الحزبي الذي عقد تحت رياسة
«ايوريبيادس»، تغلب بشخصيته ونال الموافقة على رأيه قسرًا، وذلك أنه بين الأمل الوحيد
في نجاة «هيلاس» أن تحارب في المياه الضيقة وأن الحرب عند خليج «كورنثا» يجعل للكثرة
العددية للأسطول الفارسي الغلبة بدون شك.
وقد حاول أمير البحر الكورنثي أن يحدث شجارًا بينه وبين «تيميستوكليس» بقوله: بما
أن
الأثينيين قد فقدوا بلادهم فإنهم ليسوا في حِلٍّ من أن يعطوا رأيًّا في الموقف، ولكن
هذا الهجوم قد اجتُنب بمهارة، وذلك بتهديد شديد، وهو أن الأثينيين لو أقلعوا بأُسطولهم
لتأسيس «أتيكا» جديدة في «إيطاليا» فإن معونتهم ستفتقد في هذه اللحظة الحرجة التي يقرر
فيها مصير «هيلاس»، وبينما نرى الأُمُور تجري من جهة على هذا الحال مضافًا إلى ذلك
تنصُّل فيلق أو فيلقين مِن جُنُود الإغريق؛ نرى من جهة أخرى أن «تميستوكليس» قد نال
نجاحًا بضربة صائبة وخلص «هيلاس»، وذلك بالقيام بعملٍ يَدُلُّ على عدم الولاء لرفاقه،
وهو أنه أرسل رسالة إلى «أكزركزس» يخبره فيها أن الإغريق يفكرون في التقهقُر، وأن فرصته
في تدميرهم قد أصبحتْ في النهاية سانحة، ولما كان «أكزركزس» متعودًا على الخيانة
الإغريقية؛ فإنه قرر أن يُصدق هذا الخبر وأرسل أُسطوله المصري المؤلف من مائتي سفينة
لسد الممر الغربي بين «سلامس» و«مجارا Magira»، وبعد
ذلك تقدم أُسطوله الرئيسي من «فاليرون» واتخذ مكانًا للموقعة الكبرى في ثلاثة صفوف على
كل جانب من جوانب جزيرة «بسيتاليا Psyttaleia» التي
كانت تحتلُّها قوة الفرس.
وقد ظن «أكزركزس» أن النصر أصبح مؤكدًا، وعلى ذلك كان اتجاهُهُ الرئيسي أن يمنع
الإغريق من الهرب، وقد وصلت إليه معلوماتٌ عن تحرُّكات الأُسطول الإغريقي، يُفهم منها
صراحة أن «هيلاس» لن تنجوَ إلا بالانتصار، وقد وصلت هذه المعلوماتُ للمجلس بوساطة
«أريستيدس Aristides»، الذي كان قد عاد حديثًا مِن
منفاه، ومن ثم تأكد الإغريقُ تمامًا من أن حياتهم وحياة أُسرهم كانت في خطر داهم، ولقد
كان لديهم ميزةُ التضامن، هذا فضلًا عن أن المعركة كانت ستقعُ في مياهٍ ضيقةٍ من
صالحهم.
أما الأُسطولُ الفارسيُّ من جهة أُخرى فكان يتألف من فيالقَ متنوعة، وعلى الرغم مِن
أنه كان يشغل في بداية المعركة مساحةً واسعة من البحر، إلا أنه التحم مع العدو في مساحة
من الماء كانت صغيرة جدًّا بالنسبة للأسطول الفارسي العديد، وكان لا بد أن يتقدم
الأسطول للمعركة في صفوف، وذلك لمقابلة جيش الإغريق الذي كان قد صف في خط، ومع ذلك لم
تنقص رعايا الملك العظيم الشجاعة، وبخاصة عندما عرفوا أنهم يقاتلون تحت نظر سيدهم الذي
لا يرحم.
بدأت المعركة البحرية في صالح الفرس، وعندما انبلج الصباحُ ارتاع الإغريقُ من كثرة
عدد سفن الفرس؛ ولذلك جعلوا سُفُنهم تمس الشاطئ تقريبًا، ولكن على حين غفلة حولتهم
شجاعةُ اليائسِ إلى أبطال من الطراز الأول، وانقضُّوا على العدو، وقد قابل الصف الذي
كان يتحرك بين «بسيتاليا Psyttaleie» واليابسة
الأثينيون والأجنتان، أما الإغريق الأيونيون الذين كانوا يتقدمون ما بين «بسيتاليا»
و«سلامس» فقد وقفت في وجههم أساطيلُ «بلوبونيز».
وقد حمي وطيس الحرب بين الفريقين لدرجة اليأس، والواقعُ أن كثرة عدد سُفُن الأُسطول
الفارسي كان عائقًا لا مُساعدًا في هذا المرسى الضيق، وعلى الرغم من أن الفرس قد كسبوا
أرضًا من جهة جناحهم الأيسر فإن جناحهم الأيمن قد هزم في النهاية، وذلك بفضل بطولة
ومهارة الأثينيين و«الأجينتان Aeginetans»، وقد أجمع
الكل على أن الفضل يرجع إليهم في التغلُّب على العدو، وفي نهاية الأمر سَلَّمَ الفرس
على طول الخط، وتقهقروا إلى «فاليرون» بعد أن خسروا مائتي سفينة، هذا عدا السُّفُن التي
أسرت مع بحارتها، وقد خسر الإغريقُ في هذه المعركة خمسين سفينة.
هذا، ولم يقتف الإغريق أثرَ الأُسطول الفارسي المهزوم، وقد أمضى الإغريقُ الذين لم
يقدروا نصرهم حق قدره ليلتهم على ساحل «سلامس» مستعدِّين لتجديد القتال في الصباح، ولكن
عند انبثاق الفجر كان الأُسطول الفارسيُّ قد اختفى عن الأعيُن، ومِن ثم نجت
«هيلاس».
تقهقر «أكزركزس»
جمع الملكُ «أكزركزس» في سرعة مجلسًا حربيًّا عندما أخذت الموقعة في الانتهاء، وقد
أقنعه «مردونيوس» بسرعة العودة إلى «سرديس»، غير مُبَالٍ بانتهاك حُرمة الشرف الفارسي
وسمعته العالمية، على أن يترك تحت قيادته ثلاثمائة ألف مقاتل لينهي بهم إخضاع الإغريق،
وقد انسحب هذا الملكُ المتخاذلُ دون مقاومة من «أتيكا»؛ وذلك لأن الأسبرتيين قد انتهزوا
فرصة كُسُوف للشمس حدث في اليوم الثاني من أكتوبر عام ٤٨٠ق.م، واتخذوه عذرًا لعدم
إمكانهم ترك مكانهم عند البرزخ.
وبعد أن وضع «أكزركزس» رجاله في «تسالي» استأنف تقهقره الذي فقد فيه آلافًا من الرجال
على الطريق؛ بسبب الجوع والمرض، ولما وجد أن جسر «الدردنيل» قد هُدم بعاصفة فَرَّ
سالمًا في سفينة إلى «آسيا» حيث قيل إن آلافًا أخرى من جنوده المنهوكين قد ماتوا من
الإعياء، وقد قفا الإغريق أثر الأسطول الفارسي المهزوم ولكن دون جدوى، وعندما وصلوا إلى
«أندروس Andros» عقدوا مجلسًا حربيًّا حضَّ فيه
«تيمسيتوكليس» الأعضاء على أن يقلعوا شمالًا ويهدموا جسر «الدردنيل»، وعلى أية حال عارض
«أيوريبياس» — كما كان المنتظر — بكل شدة، ولكن عندما هزم مشروع هذا الأثيني الماكر أخذ
في الإفادة من هزيمته هذه، فأرسل خادمًا إلى الملك «أكزركزس» بالخبر، ومما يؤسَف له أن
أعمالًا مثل هذه كانت تلطِّخ بالسواد شهرةَ الأثيني العظيم.
غزو «قرطاجنة» جزيرة صقلية ٤٨٠ق.م
وقد كان هناك دور آخر في هذه الرواية يمثل في «صقلية»؛ وذلك أنه من المحتمَل أن
القرطاجنيين بتحريضٍ من الفرس قد جهَّزوا قوة كبيرة لمهاجمة «هيلاس» في «صقلية» وبعد
أن
خسروا فرسانهم وعرباتهم في عاصفة وصلت الحملة إلى «بانورموس Panormus»، ومن هذه الميناء زحف القائدُ «هاملكار» على ساحل البحر
إلى هدفه وهو «هيمرا Himera» التي حاصرها، وقد أسرع في
الحال «جلون Gelon» ملك «سرقوسة» لنجدة «ترون Theron» صاحب «هيمرا» بقوةٍ قوامها خمسون ألفًا من المشاة
وخمسة آلاف من الفرسان، وقد سبق الواقعة الحاسمة تخريب المعسكر البحري القرطاجني وموت
«هاملكار»، وقد قام بهذه العملية فرسان «سرقوسة» الذين سمح لهم بالدخول في هذا المعسكر
خطأ على زعم أنهم حلفاء.
وبعد ذلك هاجم «جلون» القرطاجنيين الذين كان قد استولى عليهم الذعرُ والهلعُ، فلم
يُبدوا مقاومة تُذكر، ثم أُبيدوا حتى آخر رجل، وبذلك تُعتبر موقعة «هيمرا» نصرًا آخر
حاسمًا لبلاد «هيلاس».
حملة مردونيوس
نعود الآن إلى ما قام به «مردونيوس» بعد ترك «أكزركزس» له، والواقع أن حملة هذا
القائد تُعَد النهاية للحروب الطويلة التي قامت بين جموع «آسيا» وبين قوة الإغريق
المنظمة التي كانت تُدافع بكل شجاعة عن وطنها، ونحن نعلم أن الملك «أكزركزس» قد أسلم
زمام خبرة جنوده الذين كان يأمل «مردونيوس» القائد الفارسي الشجاع أن يضم بهم «هيلاس»
إلى قائمة الشطربيات الطويلة التي تحت سُلطان الملك العظيم، والواقع أنه كان يعد مغادرة
الملك تخلصًا من جنوده غير المدربين.
وأَهَمُّ من ذلك كان تخلُّصُه من حضور الملك وحاشيته وأتباعهم الذين لم يكن لهم أي
فائدة في ميدان القتال، هذا فضلًا عن أنه كان لا بد من إطعامهم قبل أن يتسلم الجنودُ
المحاربون جراياتهم، يضاف إلى ذلك أنه ليس هناك شيء أكثر صدقًا في الحرب من أن الكارثة
تكاد تكون في ركاب العمليات الحربية، عندما يتدخل في شئونها رجال البلاط. ولقد كان من
حُسن سياسة «مردونيوس» الذي كان صاحب تجارب عظيمة في الشئون الإغريقية الآن أن لا يكتفي
باستشارة عدة هياكل الوحي، بل فتح باب المفاوضات مع الأثينيين بوساطة الملك «الإسكندر»
ملك «مقدونيا»، وقد عرض عليهم أن يصبحوا حلفاء الملك العظيم.
وعندما سمع أهل «أسبرتا» بذلك أرسلوا مبعوثًا خاصًّا إلى «أثينا» مُرحِّبين بذلك،
وعلى الرغم من أن «أسبرتا» التي كانت في الماضي لها أكبر قوة برية فإنها لم تلعب إلا
دورًا محزنًا في المعركة الكبرى؛ فإن المواثيق المقدسة التي قَدَّمَها المبعوثون قد
تسلمها الأثينيون الذين عضدتهم التجارب، غير أنهم رفضوا هذا العرض الفارسي المغري
قائلين: ما دامت الشمس تجري في فلكها في السماء فإنا لن نعمل شروطًا «لأكزركزس».
ولما تحقق «مردونيوس» أنه لا يمكنه فصل الأثينيين؛ زحف بجيشه جنوبًا من «تساليا»
وأعاد الاستيلاء على «أثينا» بعد عشرة أشهُر من استيلائه الأول عليها، وعندئذ نجد أن
الأثينيين وجدوا أنفسهم وحيدين لم تساعدهم حلفاؤُهُم، ومن ثم اضطروا إلى حمل أسرهم إلى
«سلامس» حيث كانوا في هذه المرة في أمانٍ مطلقٍ، وفي هذه اللحظة فتح «مردونيوس» باب
المفاوضات مع الأرجيفيين Argives والأثينيين ولكن دون
الوصول إلى نتيجة، ولمجابهة هذه الأحداث وجد الأسبرتيون أنه لا بد لهم من الاستمرار في
تحصين البرزخ، وذلك قبل أن تشرق على عقولهم البليدة ضرورةُ اتخاذ خطة الهجوم.
والواقع أن الأسبرتيين قد ضايقوا الأثينيين
لدرجة أن ما بينهما من ولاء كادت تنفصم عُراه، ولكن في نهاية الأمر أخذ الأسبرتيون
يُظهرون سياسة فعالة، وقد يرجع في ذلك إلى موت «كليو
مبروتوس Cleombrotus» وتولى «بوزانياس Pousanias»
قيادة الجيش، وعندما أعطى الأمر بالزحف سار الجيش على جناح السرعة شمالًا لمقابلة
العدو.
أما «مردونيوس» الذي كان قد خَرَّبَ ما بقي من «أثينا» فإنه ارتد إلى «بوشيا Boeotia» حيث عاضده حلفاء له وأصبح في إمكانه استعمال
فرسانه بنجاح أكثر مما كان يلاقيه في بلاد «أتيكا» الجبلية، وقد قامت حروبٌ في هذه
الجهة انتهت بقتل القائد الفارسي الذي سقط من فوق جواده، وقد حاول جنودُهُ بكل شجاعة
استرداد جثته، فلم يفلحوا بعد هجوم عنيف باء بالفشل، وبعد خسائر فادحة ارتدوا إلى
معسكرهم والأسى يحز في نفوسهم.
موقعة «بلاتا Plaataea» ٤٧٩ق.م
لقد فرح الإغريق بهذا النصر الذي شجعهم على الاستمرار في حرب عدوهم، وعلى ذلك تركوا
الاحتماء بالتلال واتخذوا لأنفسهم مركزًا متقدمًا، فكان جناح جيشهم الأيسر يرابط على
فرع من نهر «أسوبوس Asopus» والجناح الأيمن يحتل مكانه
بالقرب من ينبوع «جارافيا Garaphia» وكان مجرى نهر
«أسوبوس» الرئيسي يقع بين الإغريق والفرس، ويُلحظ أنَّ فرسان الفرس كان في مقدورهم أن
يعملوا الآن بسهولة، ولم يعد موقعُ الجيش الإغريقي يحمي الممرين اللذين يجري عبرهما
طريقُ مواصلاتهم، وقد كان من جراء ذلك أن الفرس قضوا على قطيع من حيوانهم.
وتدل شواهد الأحوال على أن «مردونيوس» كان يرغب في منازلة عدوه في موقعة فاصلة، وقد
كانت خطتُهُ أن يضعف من القوة المعنوية للجيش الإغريقي باستعمال فرسانه بدرجة عظيمة،
وقد أفلح جزئيًّا في ذلك فقد ضايق فرسانه العاملون كل الجيش الإغريقي بهجماتهم
المتكررة، وذلك بإلقاء المزاريق وتصويب السهام عليهم، هذا فضلًا عن أن الفرس قد أتلفوا
ينبوع «جارافيا» الذي كان يستقي منه كل الجيشُ الإغريقي كما يقول «هردوت»، كل ذلك يدل
على أن الأحوال كانت في صالح الفرس، ولما رأى الإغريقُ ذلك قرروا الانسحاب إلى موقعٍ
أكثر ملاءمة لهم بالقرب من «بلاتا».
وقد كانت عملية الانسحاب هذه أخطر عمليات الحرب؛ إذ كادت تكون كارثة عليهم، وذلك أن
أحد القُوَّاد الأسبرتيين أبى التقهقر لمدة عدة ساعات، وعلى ذلك فإن قلب الجيش الذي كان
يتألف من فِرَق صغيرة فَقَدَ اتصاله بالجناحين، وعلى ذلك فإنه عند طلوع النهار كان
الجُزء الرئيسي من الجيشين الأسبرتي والأثيني ليس بينهما اتصال لبعدهما بعضهما عن بعض،
فقد كان الأول على مقربة من العدو جدًّا في حين أن الحلفاء الآخرين لم يعرف
مكانهم.
ولا بد أن «مردونيوس» قد اعتقد أن الواقعة مهيأةٌ لنصره فقد كان جيشُهُ المهاجمُ
يتألف من مائتي ألف جندي وفارس وحوالي خمسين ألف مقاتل إغريقي، في حين أنَّ جيش
الإغريق كان يتألف من مائة ألف مقاتل كانوا مقسمين ثلاثة أقسام، لم يكن في قدرة أَي قسم
منها مساعدة الآخر، ولما كان «مردونيوس» يتحرق شوقًا لملاقاة العدو والهجوم عليه؛ فإنه
أرسل فُرسانه إلى ساحل القتال ثم أتبعهم «بالخالدين» لمهاجمة الأسبرتيين الذين
كانوا على مقرُبة منه.
وقد وجد الأسبرتيون أن الفأل لم يكن في جانبهم في بادئ الأمر، ومن أجل ذلك تحملوا
بهدوء وابلًا من السهام، وأخيرًا كان الفأل في صالحهم فانقضوا على عدوهم الذي كان يحمل
أسلحة خفيفة، وقد أظهر الفرسُ شجاعة ممتازة، غير أن حاجتهم إلى الدروع الثقيلة جعلت كل
محاولاتهم فاشلة، وقد قرر مصير الواقعة بموت «مردونيوس» قائدهم الشجاع وهو يحارب على
رأس «الخالدين»، وقد سقط في حومة الوغى ومن حوله آلافٌ من الجثث، وقد أحدث موتُ القائد
— كما هي العادة — ذُعرًا في صفوف الجيش، ومن ثم ولى الجنود الفرس الأدبار إلى
معسكرهم.
وفي تلك الأثناء كان الأثينيون — وهُمْ في طريقهم لمساعدة الأسبرتيين — قد هوجموا
بفيلق جبار من الإغريق الذين يعملون في جيش «مردونيوس» غير أنهم لم يظهروا حماسًا
ملموسًا في هجومهم اللهم إلا جنود «بوشيا» فقد دافعوا عن أنفسهم، وتَدُلُّ شواهدُ
الأحوال على أن عدد القتلى في صفوف الفرس كان هائلًا، والواقع أن الأسبرتيين لم
يُقاوموا إلا مقاومةً ضئيلة، ويقص علينا «هردوت» أنه لم يفلت من الجيش الفارسي إلا
ثلاثة آلاف مُقاتل على قيد الحياة، وكذلك ذكر لنا أن فرقة قوامها أربعون ألف مقاتل
بقيادة «أرتابازوس» الذي عارض آراء «مردونيوس» ونصح بانتظار الفرصة؛ قد تقهقرت في نظام
من ساحة القتال دون أن تحارب الإغريق، وفضلًا عن ذلك فإنه لا يصدق أن قوة الفرسان
العظيمة قد أبادها الإغريق.
ويرجع الفضلُ إلى شجاعة الأسبرتيين في نيل الإغريق هذا النصر الحاسم إلى أقصى حد،
فقد
انقض الفُرس على جيوشهم في العراء بعدد يفوق عدد جيشهم ولم يكن في ساحة القتال إلا
فيلقان من الثلاثة التي كان يتألف منها الجيش الإغريقي، وهذان الفيلقان لم يكن في
مقدورهما مساعدة بعضهما بعضًا، ومع كل هذه العوائق فإن الجيش الإغريقي بما أوتي من
تدريب ممتاز وأسلحة متفوقة كان له في النهاية النصر المبين.
موقعة «ميكال» ٤٧٩ق.م
وقد حدث في نفس الوقت الذي وقعت فيه واقعة «بلاتا» الحاسمة في تاريخ العالم موقعةٌ
أخرى، يحتمل أنها وقعت في نفس اليوم على مقربة من «ساموس»، حطم فيها الأسطول الإغريقي
الأُسطول الفارسي، وذلك أن الفرس لم يرغبوا في أن يشتبك أُسطولهم مع الأُسطول الإغريقي
الذي انتصر في «سلامس»، ومن ثم سحبوا سفنهم حتى اليابسة عند رأس «ميكال» حيث كان يحميهم
قوةٌ يبلغُ عددُها ستين ألف مقاتل مخندقين في أماكنَ حصينة، غير أن أبطال «هيلاس» لم
يكن هناك ما يعوقُهُم عن الانقضاض على فريستهم، فتتبعوا العدو على الساحل وانتصروا عليه
نصرًا عظيمًا؛ إذ حرقوا كل سفنه وهذه الضربة الأخيرة قصمت ظهر قوة فارس على الجُزُر
الإغريقية، ولم تلبث بعد ذلك أن اندلعت نيرانُ الثورة في كل مكان، وقد عاضد الأثينيون
هذه الثورة إلى أن أصبح الهيلانيون في «أوروبا» والذين في الجزائر أحرارًا وصار في
مقدورهم مساعدة إخوانهم الذين يقطنون على شاطئ آسيا لنيل حريتهم.
الاستيلاء على «سستوس Sestos»
٤٧٨ق.م
ولقد كانت نهاية الصراع الجبار في هذه الحملة هو من أجل الاستيلاء على «سستوس»، وهي
التي بوقوعها على الجانب الأوروبي من الدردنيل جعلها تعد جسرًا مدهشًا للملك العظيم،
ويلفت النظر هنا أن قائد الأُسطول الأسبرتي لم يفقه الضرورةَ الاستراتيجيةَ لمشروع
الاستيلاء على هذا الموقع؛ ولذلك أقلع إلى وطنه، وقد وقع عبءُ الاستيلاء على هذا المكان
على الأثينيين الذين نجحوا في الاستحواذ عليه؛ لِمَا له من أهمية بالغة، وقد هربت
الحاميةُ الفارسيةُ غير أن الأثينيين لحقوا بجُنُودها وقضَوا عليهم، وهكذا نجد أنه
بالاستيلاء على «سستوس» ختم آخر منظر من مناظر حرب الفرس العظيمة.
نتائج الحملة النهائية
إن هذه الحملة الجبارة التي قاد زمامها دولة الفرس الآرية في «آسيا» على قريبتها في
الجنس في «أوروبا»؛ تستحق بعض التأمل، وأول سؤال يسأله الإنسان في هذا الصدد هو: لماذا
كسب الإغريق المعركة في النهاية؟ والجوابُ على ذلك سهلٌ ميسورٌ، وهو أنه مما يلحظ أولًا
أن الإغريق، بصرف النظر عن قوتهم المعنوية المدهشة؛ فإنهم كانوا يحاربون في أرض وعرة
كانوا قد تعودوها وتتفق مع تدريبهم ومزاجهم، في حين أنَّ الفرس كانوا قد اعتادوا على
الحروب في سهول «آسيا» المفتوحة المنبسطة، وهي التي إذا لم يعاضد فيها المشاة الفرسان،
فإن القوة المهاجمة تكون كفتها خاسرة بالنسبة لقوة من الفرسان خفيفي الحركة، يضاف إلى
ذلك أنه كان هناك فرقٌ في التسلح؛ فقد كان الإغريقُ مدربين على حمل الدرع الثقيل بسهولة
نسبية، كما كان في مقدورهم أن يستخدموا الأسلحة الثقيلة أكثر من أعدائهم الذين كانوا
يعتمدون على الكمية لا على النوع، وأخيرًا فإنه على الرغم من تنظيم الجيش الفارسي
تنظيمًا حسنًا فإن بعد «هيلاس» عن القاعدة الحربية قد جعلت كفة النجاح في صف
الإغريق.
وإنه لَمِنَ الممكن أن نبالغ في أهمية النتائج الحربية لهذه الحملات لدرجةٍ ما، حتى
لو كان «أكزركزس» قد فتح «هيلاس» فإن بعد هذه المديرية كان يجعل من الصعب بقاءَها في
يد
الفرس لمدة طويلة، والواقع أن الحرب نفسها — لا نتائجها — هي التي حققتْ نجاة بلاد
الإغريق وحريتها، وبعبارة أخرى: نشاهد أن العدوان المرير الذي أثاره الغزوُ في نفوس
الإغريق هو الذي نَجَّى مدينة «هيلاس» مِن جَعْلها بلادًا شرقية تحت سلطان
الفرس.
وقد ظَنَّ الكثيرُ من الكُتَّاب أن الإمبراطورية الفارسية، قد قُضي عليها بسبب صدها
على يد الإغريق، ولا نزاع أن البقية الباقية التعسة من الذين أفلتوا من هذا الجيش
الفارسيِّ العظيم من يد الإغريق؛ قد حَملوا إلى بلادهم قصة الهزيمة إلى كل ركن من أركان
الإمبراطورية، ومع ذلك نُشاهد أن الفرس بقيت تلعب الدور الرئيسي على المسرح العالمي
لمدة لا تقل عن قرن ونصف قرن من الزمان بعد خيبتها في فتح بلاد الإغريق، وهذا يدل على
أن سلالتها لم تكن قد انحطتْ بأيةِ حالٍ من الأحوال.
والواقع أن بلاد الإغريق التي كانت قد انقسمت عدة حكومات صغيرة مناهضة بعضها بعضًا
لم
يكن في مقدورها، حتى بعد مواقع «ماراتون» و«سلامس» و«بلاتا»؛ أن تقف في وجه سيد «آسيا»
موقف الند للند، وقد بقيت الحالُ كذلك حتى ظهرت «مقدونيا» على مسرح التاريخ وتزعمتْ
«هيلاس» — وعلى رأسها عبقريٌّ عظيمٌ في فنون الحرب، بل يحتمل أنه أكبر عبقرية ظهرت في
كل عصور التاريخ، وبذلك كان في مقدورها أن تدخل في نضال مع الفرس، انتهى بالنصر الحاسم
عليها، وقد بقيت بلاد الإغريق، حتى ظهور «الإسكندر الأكبر» تحصر حروبها في الشريط الذي
يمتد على ساحل «آسيا الصغرى»، أما الأراضي التي وراء هذا الساحل، فكانت تحت سلطات شطربة
«سرديس» الفارسي.
وإذا كان الكُتَّابُ الذين كتبوا عن التاريخِ الإغريقيِّ من جهةٍ قد بالغوا في فَداحة
الضربات التي أنزلتْها بلاد الإغريق بالفرس عند صد الملك العظيم؛ فإنه من جهة أُخرى
يكادُ يكونُ من المستحيل أن نُغالي في أهمية الانتصارات بالنسبة ﻟ «هيلاس» وللعالم
الحديث؛ وذلك أننا نعلم أن «كورش» — بعد هزيمة الملك «كروسوس» — قد ضم بسهولةٍ
المستعمرات الإغريقية الواقعة على ساحل «آسيا الصغرى» والجزر المجاورة لها، وكذلك
نُشاهد أن «دارا» بعد حرب «سيثيا» سحب قوةً من جيشه مدت سلطان الفرس حتى الحدود
الشمالية لبلاد الإغريق، وبعد ذلك عندما زحفت الحملةُ العظيمةُ على بلاد الإغريق
شاهدْنا أنَّ معظم شمالي ووسط «هيلاس» قد خضع للفرس ولم يبق حرًّا إلا بلاد «أتيكا»
الشجاعة وبلاد «البلوبونيز»، وقد خرب الفرس حتى بلاد «أتيكا» كما أرادوا، هذا إلى أنهم
خربوا «أثينا» مرتين، ولكن نجد في النهاية أن انتصارات الإغريق قد حررت في الحال كل
بلاد «هيلاس» وكل مستعمراتها في «آسيا» و«أوروبا»، وكذلك استردت الجزرُ استقلالَها في
الوقت نفسه، كما تحررت المدنُ التي على اليابسة.
والواقع أن الفضل في ذلك يرجع إلى ضعف الأخلاق الذي أظهره «أكزركزس» الذي رفض — خلال
المدة الباقية من حكمه المشين — مواجهة المسألة الإغريقية، وقد كان في مقدور «هيلاس»
أن
تأخذ خطة الهجوم بعد أن كانت ملازمة خطة الدفاع، وقد كان هذا دورها حتى جاء «الإسكندر»
وحرق عاصمة «إيران» وأصبح سيد «آسيا»، ولكن هناك النظرة الأوسع لهذه الحالة، وأعني بها:
النظرة العالمية، فمن هذه الوجهة نجد أن «ماراتون» و«سلامس» و«بلاتا» كانت انتصارات لا
تقتصر على بلاد الإغريق، بل انتصارات لكل الإنسانية، لقد كان هذا الانتصارُ هو فوز
المُثُل العُليا، وحتى يومنا هذا لا يُمكن أن نُقدر — تقديرًا تامًّا — ما نحن مدينون
به لهؤلاء الشجعان البواسل الذين جاهدوا وحاربوا بشجاعة لم يأت بمثلها فئةٌ قليلةٌ لا
مِن قبلُ ولا من بعد.