الإمبراطورية الفارسية بعد ارتداد الفرس عن
«هيلاس»
«أكزركزس» بعد التقهقُر عن «هيلاس»
ليس لدينا مصادرُ يُمكنُ الاعتمادُ عليها عن هذا العهد إلا المؤرخ هردوت، وبعد انتهاء
تاريخه العظيمِ بحادثِ الاستيلاء على «سستوس Sestos»
نجد أن تاريخ الفرس قد أصبح لِمُدَّةٍ مبهمًا بعض الشيء، حقًّا نجد في التاريخ الذي
وضعه المؤرخ «ثوسيديدس Thucydides» ذكر بعض حوادث هامة
لها علاقة بتاريخ الفرس، غير أن التفصيلات عن هذه الحوادث معدومة.
والواقع أن «أكزركزس» قد أمضى أكثر من سنة في «سرديس» بعد تقهقره المشين، والظاهر
أنه
كان لديه تصميماتٌ لم تسفر عن شيء خاص بقيام حملة جديدةٍ للتغلُّب على الإغريق وقهرهم،
ونجد في الوقت نفسه أنَّ هذا الملك الخليع قد وقع في غرام زوج أخيه «ماسيستس Masistes»، ولكنها لَمَّا أعرضت عنه وانتهرتْه حَوَّلَ
حُبَّه لابنتها، وقد حاول أن يُخفي أغراضه الشريرة بأن زوج الأخيرة من ابنه «دارا»،
ولما وقفت زوجه؛ أي الملكة الشرعية «أمستريس» على جلية الأمر جُنَّ جنونُها غيرة،
واحتالت على أن توقع أم مناهضتها في قبضتها، وبعد أن تم لها ما أرادت وأثخنتها جروحًا
جعلتْ منها امرأة مشوهة الخَلق، وقد كان من جراء عملها الشيطاني هذا أن غادر البلاد
«ماسيستس» بقصد التحريض على القيام بثورة في «بكتريا»، ولكنه قُبض عليه وهو في طريقه
إلى تنفيذ غرضه وذُبح، أما «أكزركزس» فإنه ولى وجهه نحو «سوسا» ولم يظهر للناس لمدة بضع
سنين.
الغارات التي قام بها الإغريق على «آسيا الصغرى» وموقعة «أيورمدون Eurymedon» ٤٦٦ق.م
تدلُّ شواهدُ الأحوال على أنَّ الحملات التي قام بهاالإغريقُ عندما ارتد ملك الفرس
إلى أواسط إمبراطوريته؛ كانت قد فقدت الكثير من أهميتها من الوجهة الفارسية في حين أنه
كان من المستحيل على الإغريق أن يضربوا ضربةً في القلب قاضية؛ وذلك لأن المسافة من
قاعدتهم كانت طويلةً جدًّا، ولكن في الوقت نفسه كان من الأهمية البالغة ﻟ «أثينا» أن
تستمر في شَنِّ الغارات على الفرس، والواقع أنه كان في إمكان «أثينا» — على حسب حلف
«ديلوس» الذي كان من شروطه أن تنظم وتقود قوات حلفائها — أن تكون قوة بحرية جبارة، ففي
عام٤٦٦ق.م؛ أي بعد اثنتي عشرة سنة في حروب مستديمة وصلت مجهودات الإغريق بقيادة «كيمون»
الملهمة إلى إحراز نصر باهر على صعيد «أيورمدون Eurymedon» الواقعة في خليج «بامفيليا Pamphylia»؛ إذ كما حدث في «ميكال» أنزل الإغريق قوة هزمت جيشًا
فارسيًّا كان مخندقًا هناك، هذا فضلًا عن أنهم قضوا على أُسطول العدو، وهذا النصر قد
تم
بالاستيلاء على نجدة مؤلفة من ثمانين سفينة فنيقية، ويُمكن الاعتقادُ أن البحارة
الآسيويين بعد هذه الخسائر الساحقة لم يرغبوا قَطُّ بعد ذلك في منازَلة الإغريق بحرًا
إلا إذا كان عددُ سُفُنهم عظيمًا بالنسبة لسفن الإغريق.
قتل «أكزركزس» ٤٦٦ق.م
يظهر أن عدم قُدرة «أكزركزس» وآثامه وخلاعته قد جلبتْ عليه العقابَ المحتوم، وذلك
أنه
بعد أنْ حكم عشرين سنة كانت نتيجتها الخراب قتله «أرتابانوس Artabanus» قائد حرسه.
وإذا أردنا أن نحكم على أخلاق «أكزركزس» الذي وُصف في التوراة بالخلاعة والبذخ، فلا
نجد ما يُذكر عنه بالخير إلا القليل، والواقعُ أنه ورث أضخمَ إمبراطورية شهدها العالم
حتى عهده، هذا بالإضافة إلى جيشٍ فاخرٍ وموارد ثروة هائلة. وعلى الرغم من هذا الإرث
الباهر فقد جعل الهيلانيين يرعبونه حتى هرب من وجههم بعد انتصارهم في موقعة بحرية،
وبدلًا من استمرار الحرب ليمسح ما لحق به من عار الهزيمة هرب من أراضي «هيلاس» الوعرة
المسالك إلى «آسيا» حيث أرخى لنفسه العنان في الانغماس في الشهوات وألوان الخلاعة، كما
سمح لخصي أن يقود زمام الأُمُور في إمبراطوريته حتى آخر لحظة من حياته.