عهد «دارا نوتوس» (٤٢٤–٤٠٤ق.م)
بعد أن خلع «أوكوس» أخاه تولى هو عرش الملك باسم «دارا الثاني» (وكلمة «نوتوس Nothus» تعني أنه ابن سفاح)، ولما كانت «باريساتيس»
وثلاثة من الخصيان هم نصحاءه الرئيسيين، فلا نعجب إذا كانت مدة حكمه سلسلة متصلة
الحلقات من الثورات، وقد كان أول من قام بثورة من هذه الثورات هو أخوه «أرسثيس Aristes» الذي انضم إلى «أرتيفيوس Artyphius» أحد أولاد «مجابيزوس»، وقد انتصر في موقعتين بمساعدة
الجُنُود الإغريق المرتزقين، غير أنَّ ملك الفرس العظيم أفسد الإغريق بالذهب الذي
أصبح من الآن فصاعدًا أعظمَ سلاح فَتَّاك في يد الفُرس، وقد سلم العصاة بغباء عندما
وعدوا بحُسْن المعاملة.
غيرَ أنَّ الوفاءَ بالمواثيقِ عندَ الفُرس لم يكن أمرًا مرعيًّا، وعلى ذلك فإن
الثائرين ألقيا كذلك في النار كما حدث في أمر «سوغايانوس». هذا، ونجد أن ثائرًا آخر
يُدعَى «بيسوتنيس Pissuethnes» شطربة «ليديا» قد هجره
جنودُهُ المرتزقة من الإغريق؛ إذ لم يكن في مقدورهم مقاومةُ إغراء ذهب الملك «دارا»،
ولما أُجبر على الاستسلام نال نفس المصير الأليم الذي ناله من سبقه من الثوار، ويرجع
الفضل في ذلك إلى حيل وأخاديع «تيسافرنس Tissaphernes»
فإنه قبض عليه وعين مكانة شطربة على «ليديا»، وقد استعمل ذكاءه عدة سنين للدس بنجاح
لدرجة أنه أصبح ذا نفوذ عظيم في السياسات الإغريقية، وقد كان كذلك «فارنابازوس» شطربة
«داسكليون Daskyleion» حاكمًا فارسيًّا على جانب
عظيم من المهارة في هذا العهد.
«تيسافرنس» والمحالفة مع «أسبرتا» ٤١٢ق.م
كانت حملة الأثينيين في تلك الفترة على «صقلية» قد انتهت بالخيبة التامة كما انتهت
حملة القرطاجنيين في زمن حملتي «سلامس» و«بلاتا» بالخذلان، وقد انتهز «تيسافرنس» الماكر
الموقف الجديد ووقَّع اتفاقية مع «أسبرتا»، وبمقتضى شروطها أعلن البلدان الحرب على
«أثينا»، ومِنْ ثَمَّ نرى أنَّ النظام القديم الذي كان بمقتضاه أن تضع الحكومتان
الرئيسيتان انقساماتهما المحلية جانبًا وتَتَّحِدَان على مقاومة الفرس؛ قد انهار وحل
محله الاتفاق الجديد، وهكذا نرى «أسبرتا» ومن بعدها «أثينا» وفيما بعد «طيبة» تعقد كل
منها اتفاقًا مع الفرس للانقضاض على الدويلات الإغريقية الناهضة بعضها بعضًا في
«هيلاس».
وقد لعب «تيسافرنس» دوره في هذه الفترة بمهارة فائقة، وذلك بألَّا يساعد أي حكومة
من
هذه الحكومات لتهزم عدوتها هزيمة منكرة، وبذلك يقلب ميزان القوى، وبذلك أبقى على
النُّفوذ والمصالح الفارسية حتى جعلها تمتد إلى «آسيا الصغرى» دون الالتجاء إلى مجهودات
حربية كبيرة أو مصاريف باهظة، ولما كان الجيشُ قد انحطتْ أخلاقُهُ على غرار أخلاق
مليكهم، وبما كان يتمتع به من ثراء جَمٍّ، فإنه كان لزامًا على الملك العظيم أن
يُقَوِّيَ هذا الجيش بجنودٍ مرتزقين أتى بهم بأعدادٍ كبيرة، وكان رؤساؤهم يشغلون أكبر
مراكز في القيادة برًّا وبحرًا، وقد كان لهذا الموقف الجديد في الجيش نتائجُ
سيئة.
قصة «تريتوخميس Terituchmes»
يتمثل الانحطاطُ الكليُّ الذي حدث في البلاط الفارسي، واختفاء ما كان عليه من مُثُل
عُليا في عهد كُلٍّ من «كورش» و«دارا» الأول ما شُوهِدَ في عهد حكم الملك «دارا الثاني»
في قصة «تريتوخميس»، فقد كان هذا المخلوقُ الحقيرُ ربيب الملك العظيم، ولكنه وقع في حب
أُخته من أُمه «روكسانا» وقام بمؤامرة على زوج أمه لأجل أن يتخلص من زوجه «أمستريس Amestris»، وقد عقد كُلٌّ المتآمرين الأيمانَ على أن
يَغْمِسُوا سيوفهم في حقيبة كانت ستُوضع فيها سيئة الطالع «أمستريس» بعد موتها، وذلك
لأجل أن يؤكدوا أنه لا وسيلة إلى التراجع عن عزمهم،
غير أن المؤامرة أُخفقت وقُتل «تريتوخميس»، وقد منحت هذه الثورة «باريساتيس» ابنة
أكزركزس يدًا طليقة في ارتكاب أعمال القسوة والغلظة، وقد بدأت بتمزيق «روكسانا» إربًا
إربًا ثم ثَنَّتْ بكل أقارب الثأر، بما في ذلك والدتُهُ وأختُهُ، فقد دُفِنَتا
أحياء.
وهكذا كان البلاط الفارسي في عهد ذلك الملك الفاسق الذي بلغ من الانحطاط
أسفله.