الملك «دارا» الثاني
ولم يترك لنا كُلٌّ من «أكزركزس» الثاني و«سوجديانوس» — خلال حكمهما الذي لم يَدُمْ أكثر من سنتين — أيَّ أثر من أعمالهما في «مصر»، كما لم نعثرْ على اسم واحدٍ منهما، لا في الهيروغليفية ولا في الديموطيقية.
ولم يكن «دارا» الثاني هذا ابن الملك «أكزركزس» الأول، بل كان صهره، وكان يطلق عليه اسم «أوكوس»، وقد كان قبل توليه عرش بلاد «فارس» شطربة مديرية «هيركاني»، وبعد قتل «سوجديانوس» خلفه على العرش عام ٤٢٣ق.م، وقد أطلق عليه اليونان «ابن أبيه»؛ وذلك لأنه كان واحدًا من أولاد «أرتكزركزس» الأول العديدين غير الشرعيين، والواقعُ أن «دارا» الثاني هو الملك الوحيد بعد «أرتكزركزس» الأول الذي ترك له على الآثار في «مصر».
فنجد في المعبد الذي أقامه «دارا» الأول في الواحة الخارجة أن «دارا» الثاني هذا أضاف طغراءه في أماكن عدة، وقد نقش هناك بوجه خاص ذكرى له على الآثار في «مصر».
وقد كان المعبودُ المحلي للواحة الخارجية يُدْعَى «آمون رع سيدهبت» (أي الواحة الخارجة) الإله الأعظم القوي الساعد، وتَدُلُّ النقوشُ على أن «دارا» الثاني قد زاد في لقبه وهو «محبوب آمون رع» بإضافة نعوت مختلفة لهذا الإله، وقد نظفت مصلحة الآثار هذا المعبد ورَممته (راجعْ: «فخري» الواحة الخارجة).
ومما تَجدُرُ ملاحظتُهُ هنا أن كهنة الإله «خنوم» لم يكونوا على حُسن تفاهُم — على الأقل في نهاية العهد الفارسي — مع اليهود القاطنين في «الفنتين»؛ لخلاف في الدين، وبخاصة عندما نعلم أن المصريين كانوا يحتقرون اليهودَ وديانتَهم ويبتعدون عنهم كُلَّ البُعْد؛ ولذلك فإنه في عيد الفصح الذي كان يحتفل فيه اليهودُ بذبح «خروف صغير»؛ نجد أن كهنة «الفنتين» الذين كانوا يعبدون الإله «خنوم» (أي الكبش) لم يصرحوا بذبح الخروف، وهذا لم يكن بالأمر الغريب من جانب المصريين.
وعلى أية حال فإنه من الجائز جدًّا أنَّ تاريخَ اليهود لم يكن مجهولًا لدى المصريين، فمِنْ غير المعقول أن يوجد تعايشٌ طويلٌ بين المصريين واليهود دون أن يوجد لذلك تأثيرٌ مهما كان ضئيلًا حتى لو كان بين الفريقين خلافٌ في الثقافة والآراء، وعلى ذلك فمِن الجائزِ أن يكون تاريخ «يوسف» وسبع السنين العجاف معروفًا عند كهنة معبد «خنوم» في «الفنتين» عن طريق اليهود.
هذا، ويُعَدُّ «دارا» الثاني آخر ملوك الأخمينيسين الذي تألفت منهم الأسرة السابعة والعشرون، على حسب رأي «مانيتون»، وبعد وفاة هذا العاهل حكم بلاد «فارس» بعده «أرتكزركزس» الثاني، غير أن هذا العاهل ومَن خلفه مِن ملوك الفرس لم يظهروا في «مصر»، ومنذ السنين الأخيرة من عهد «دارا» الثاني أخذت الحركةُ المصريةُ القوميةُ تَقوى وتشتد في البلاد، وأخذت في طرد المستعمر من بلادها إلى أن أفلحت في التخلُّص من شطربة الفرس الذي كان يحكم «مصر» ووضعت مكانه على عرش «مصر» أميرًا مصريًّا يُدعَى «أميرتايوس» وكان مستقلًّا عن عاصمة ملك «فارس» تمام الاستقلال. وهكذا بدأ عهدٌ جديدٌ في التاريخ المصري — كما سنشرحُ ذلك فيما يلي …