«أميرتاوس» والأسرة الثامنة والعشرون
هذه الأسرةُ قد مُثلت في تاريخ «مانيتون» بملكٍ واحدٍ حكم ست سنوات ويُدعى
«أميرتاوس»، ولما كان الكتاب الكلاسيكيون قد حافظوا لنا على ذكريات ملكين لمصر بهذا
الاسم يَبعدُ أولهما عن الآخر بنحو نصف قرنٍ من الزمان، فإنا نتساءل الآن أيهما كان
موحدًا بالملك الذي جاء ذكرُهُ في تاريخ «مانيتون» (؟).
وقد ذكرت لنا الحولياتُ الديموطيقية سلسلةً متصلةَ الحلقات، مؤلفة من تسع ملوك تبتدئ
بملك يمكن توحيدُهُ بالملك «أميرتاوس»، وتنتهي بالملك «نقطانب» الثاني. هذا، ولم يأت
ذكر «أميرتاوس» آخر في هذه السلسلة (راجع: Revillout-Rev-Egyptologique
I p. 145–149 & 151)، ومن ثم يمكننا أن نستنبط بصورة قاطعة أن
المقصود هنا هو «أميرتاوس» الثاني، ومن المحتمل أنه كان حفيد «أميرتاوس» الأول، وقد
ذَكرْنا من قبل أن أُمراء الدلتا قد حاولوا نزع نير الفرس عن عاتقهم، وذلك بمساعدة
الإغريق المرتزقة قبل أن يقوم «أميرتاوس» بحملته الناجحة عليهم وطردهم من «مصر»،
والواقعُ أنه كما ذكرنا منذ عهد «دارا» الأول بعد هزيمته في «ماراتون» على يد اليونان
أخذ الوجه البحري يعمل على استرجاع حريته، ولكن «أكزركزس» الأول كسر شوكةَ هذه الحركة
الوطنية، ولا نعرف اسم المحرض على قيام هذه الحركة، وكُلُّ ما يمكن أنْ نؤكده الآن هو
أنه على رأي بعض المؤرخين ليس «خبا باشا» الذي جاء ذِكرُه على الآثار المصرية (راجع:
L. R. IX, p. 155 No. 2)، وقد ناقشنا هذا الموضوع
من قبل.
وفي أوائل حكم «أرتكزركزس» الأول قامت ثورةٌ أُخرى، وفي هذه المرة كان المحرضُ على
قيامها لوبي يُدْعَى «إيناروس» بن «بسمتيك» كما ذكرنا من قبل، وقد استمرت الثورةُ بضع
سنين، وبعد ذلك قَمَعَها الفرسُ بشدة وعنف أكثر مما قُمعت به الثورةُ الأولى، ومع ذلك
فإن زميل «إيناروس» وهو «أميرتاوس» المصري قد نجح في المحافَظة على استقلاله عدة سنوات،
ذلك بمساعدة «أثينا» كما ذكرنا مفصلًا من قبل، وعندما اختفى «أميرتاوس» بقي ابنُهُ
«بوزيريس» لعبة في أيدي الفرس، يحكمونه كيف شاءوا، وبعد تولية «دارا» الثاني عرش ملك
«فارس» قامت ثورةٌ جديدةٌ في «مصر»، ومن المحتمل جدًّا أنها كانت من صنع «أميرتاوس»
الثاني الذي يحتمل أنه كان ابن «بوزيريس»، ولكنها أُخمدت — على أية حال — كسابقتها، وقد
بقيت نارُ الفتنة تحت الرماد ملتهبةً إلى أنْ كان لها ضرام نار في منتصف حكم «دارا»
الثاني ثم امتدَّ لهيبها لا في الدلتا وحدها، بل في كل أنحاء «مصر»، وقد أفلحتْ هذه
المرة في طرد الفرس من كُلِّ «مصر»، ومن المحتمل جدًّا أن هذا النجاح كان بمساعدة
«أثينا» لمصر، والواقعُ أننا لا نكاد نعرف شيئًا معينًا عن هذه الثورة الناجحة غير أنها
ابتدأتْ حوالي عام ٤١٠ق.م، وانتهت في عام ٤٠٤ق.م، (Xenophon Anabase 1,
4, 5, 13) بالاعتراف باستقلال «مصر» عن الفرس.
ومما هو جدير بالذكر هنا بهذه المناسبة أنه في عام ٤١٠ق.م، حدث اضطهادٌ لليهود في
«الفنتين»، وكان سببُهُ — على ما يظهر — ميل المستعمرين في هذه الجهة لملوك الفرس؛ شأن
كل الأقليات في كل زمان ومكان، هذا فضلًا عن الأسباب الدينية الأخرى التي ذكرناها فيما
سبق، ومن أجل ذلك هَدَمَ المصريون معبدهم، ومع كل فإن هذه المستعمرة لم تَختفِ كُليةً
من البلاد.
وقد مكثتْ حربُ التحرير — على الأقل — ست سنوات، وكما قُلنا من قبل انتشرتِ الثورةُ
في كل أنحاء القطر المصري، و«أميرتاوس» الثاني هذا كان من أصل ساوي، ومن المحتمل أنه
كان ينحدرُ من صلب أُسرة «بسمتيك» التي كان قد خلع «قمبيز» آخرَ ملوكها — وهو «بسمتيك»
الثالث — عن عرش «مصر» منذ أكثر مِن قَرْنٍ مضى، وتَدُلُّ الأحوالُ على أن «أميرتاوس»
الثاني قد مَكَثَ على عرش «مصر» مدةَ سِتِّ سنوات، وهذه هي المدةُ التي حَدَّدَها له
«مانيتون»، وليس لدينا أيُّ أثر باسمه في «مصر» حتى الآن، وليس لدينا من النقوش
المصرية من أسماء الملوك ما يُمكن توحيدُهُ باسمه إلا «أمنرود» أو «رود آمون» كما اقترح
ذلك بعض علماء الآثار (راجع: Lepsius Konigsbuch pl. XLIX. No.
66) ولكن هذا الاقتراح قد رفضه «ماسبرو» ثم «بدج» وأخيرًا «جوتييه»
(راجع: Gauthier, L. R. III p. 392 No. 3).
أما المحاولات الأُخرى لتقريب هذا الاسم الإغريقي النطق إلى المصرية القديمة، فقد
جاء
في الحوليات الديموطيقية، وهذه بدورها ليستْ محاولات مقنعة؛ وذلك لأن الاسم الذي أُريد
تقريبه من اسم «أمرتي» أو «أميرتاوس» ليست قراءته مؤكدة، وفي الوقت الذي نجد فيه الأثري
«رفييو» (راجع: Revillout Rev. Egyptologique T. I, face. 4 Textes
Demotiques p. 1, II fase. 1, text. p. 1 etc.) يُريد أنْ يقرب هذا
الاسم من اسم «أمن حر» فإننا نجد من جهة أُخرى أن الأثري «هس» يقترح تقريبه من الاسم
الديموطيقي «أمنردس» وهذا هو نفسُ ما اقترحه الأثري «شتيندورف» والملك «أمرحر» على حسب
رأي «رفييو» جاء ذكره على بردية ديموطيقية محفوظة الآن بالمتحف البريطاني، ولكن هذا
الملك الذي يُشير إليه هذا الأثري كان يحكم «طيبة» وكل الوجه القبلي في حين أن
«أميرتاوس» لم يكن يحكم إلا الدلتا، وعلى أيَّةِ حال فإنه — بكل أسف — ليس لدينا أيُّ
أثر آخرَ يُمكن أن يُساعدنا على حَلِّ هذه المسألة الهامة؛ وبخاصة لأن استقلال «مصر»
قد
جاء على يديه.