رفة ابتسامة
غالب ارتعاشة في أسفل ظهره وساقيه، حتى انفتح الباب الحديدي أمامه، غطَّى الدم وجه الشاب وملابسه، أغمض عينيه، وفتح فمَه، وبدا كأنه لا يستطيع الوقوف، كأنه يعاني الموت؛ وهو يسند ذراعيه إلى كتفَي الرجلين.
تلفَّت بالخوف.
الطرقة مظلِمة، إلا من ضوءٍ خافتٍ يصدر عن لمبة تعلو الدكة الصغيرة، إلى جانبَيه جنديان سكنت نظراتهما، يشحب الضوء في مدى الرؤية حتى يغيب تمامًا.
أعاد النظر إلى ما انكشف عنه الباب المفتوح، لا شيء، عدا كرسي معدني يتوسط الحجرة المصمتة الجدران، من فوقه مصباح عالي الضوء.
استغرقه تداخل الصيحات والصرخات داخل الحجرة المغلقة، في ذهنه حكايات عن الحياة داخل المبنى، الذي لم تُتِح له العِصابة على عينيه رؤيته، نسي ما سمعه من أساليب التحقيق، وإن استقرت الصور في ذهنه بما يخيفه.
منذ اقتيد في أولى ساعات الفجر، لزم الصمت، لم يومئ؛ حتى بما يدل على معنًى، طرف خيط يكرُّونه لبلوغ الآخرين، حين أمر الرجل ذو الشارب الفضي الكث، أن يقتادوه إلى حيث هو، وعد نفسه بأن يظل في صمته، لا يعطي انتباهًا، ولا يلتفت. تململ لتعثر الشاب في خطواته الزاحفة، كأنه يلامس الأرض بأطراف قدميه.
لمح رفة ابتسامة على شفتَي الشاب في نظرته الوامضة ناحيته، والرجلان يمضيان به في الطرقة الطويلة، حتى تلاشت المرئيات في الظلمة.