غواية
حين صعد الشبان الخمسة إلى عربة المترو، كان يقرأ جريدة، وهو واقف في الزاوية بين ظهر المقعد والباب المغلق من الناحية المقابلة. كانت المقاعد ممتلئة، وتناثر الوقوف في المساحات الخالية.
استأنف الشبان كلامهم في وقفتهم بالقرب منه، تشاغل بقراءة الجريدة، وإن عكست تعبيرات وجهه ما يبيِّن أنه يتابع نقاشهم. التقط ملاحظة الشاب المنمَّش البشرة عن انتصاف النهار دون أن يتناولوا طعامًا، أخرج من جيب الجاكت قطعة شوكولاتة، همس بلهجة مشفِقة: «تصبيرة!»
تنبَّه له الشبان.
أطالوا التحديق في ملامحه وهيئته: في حوالي الخامسة والأربعين، يرتدي بدلة رمادية، ورباط عنق من اللون نفسه، عيناه قلقتان لا تستقران بين أجفانه الضيقة، فهو يطبق جفنَيه، ويفتحهما، في حركة عفوية، سريعة، ويكثر من رفع إصبعه؛ ليعيد النظارة المنزلقة على الأنف إلى موضعها، ويمسك في يده منديلًا لتنشيف العرق المتصبِّب في وجهه.
قال الشاب الطويل القامة: «وأنا … أليس لي قطعة شوكولاتة؟»
رسم على وجهه ابتسامة واسعة، وأشار إلى الشاب المنمش البشرة: «أعطيته قطعة كنت أحتفظ بها لنفسي.»
التقط الشاب ارتجافة في عينيه، فقال: «لا شأن لي … أريد شوكولاتة.»
غلبه ارتباك، بدا منطويًا على نفسه، ومتخاذلًا، رفع الجريدة بيده مثل مَن يحاول الدفاع عن نفسه، تشجع الشاب الطويل فاختطف الجريدة، علَت ضحكات الشبان، امتدت يد الشاب المنمش البشرة إلى الجيب العلوي، أخذ القلم، وقذف به في الهواء، التقطه، أعاد ما فعله مرات، ثم قذف به من النافذة.
صرخ: «القلم!»
انعكست نظراتهم ارتجافة في عينيه، وشى تلفُّته أنه يريد الابتعاد، تقدَّموا نحوه في نصف دائرة، عاد بظهره إلى الوراء حتى التصق بالجدار، ظلُّوا يرمقونه بنظراتٍ قاسية، ويكوِّرون قبضاتهم، ويقتربون، يقتربون.
كان الشاب الممتلئ الجسد أقربهم إليه، صفعه بظهر كفِّه، تبعه الشاب الطويل ذو النظارة الطبية بلكمة، شجعهم تكوُّره على نفسه، وملامحه الخائفة، على معاودة ضربه، انهالت قبضاتهم وركلاتهم على جسده، لا تتخيَّر الموضع الذي تصيبه.