ساعة المواجهة … الحرجة
عندما انتهت المُكالمة ووُضعت السماعة تحرَّكت أقدام بسرعة مع صوت ملاعق وشوك، ثم صوت يقول: إنهم في الطريق يا سيدي! لحظة، ثم دوَّت ضحكة وجاء صوت «مايلز» يقول: لقد كنت أعرف أن هذه ليست مسألةً صعبةً أمام «هندي»!
قال صوت نسائي: هل تراه الليلة؟
مايلز: نعم يا عزيزتي «ريتا». أُريد فقط أن أطمئن؛ فقد تكون المسألة مُجرَّد شك!
أبعد «خالد» السمَّاعة عن أذنه، وتعلَّقت أعينهما بباب الفيلا الحديدي الضخم، الذي يبدو وكأنه باب سجن.
كانت الحركة قد هدأت تمامًا، ولم يكُن هناك أي صوت، ولا صوت الكلاب، فجأةً أحسَّ «أحمد» بدفء جهاز الاستقبال، فعرف أن هناك رسالة، وكانت: «لقد انطلق «س» في «البورش» إلى العرين». ونقل الرسالة إلى «خالد» الذي قال: كما توقَّعت!
قال «أحمد»: إنها فرصة على كل حال.
ظلَّا في مكانهما، وفجأةً ظهر أمامهما «مايلز». كان مُتوسِّط الحجم كما ظهر أمام السيرك، لكنه كان طيب الملامح، هادئًا، وقال مُبتسمًا: لا أظن أنه يُشكِّل خطرًا ما.
ردَّت «ريتا» التي كانت تقف بجواره: لا أظن.
اقترب صوت سيارة، ثم توقَّفت. فُتح الباب الحديدي وظهرت «البورش» الصفراء، ودخلت من الباب. كان بداخلها «قيس» يجلس هادئًا مُبتسمًا، وعندما أصبحت بكاملها داخل الحديقة ظهر خلفها أربعة رجال، قال «مايلز» عندما رآهم: شكرًا يا «هندي». سوف أنقُل ذلك للزعيم.
أُغلق باب الحديقة، وكانت «البورش» قد وقفت قريبًا من باب الفيلا، ونزل «قيس» في هدوء وقال: مساء الخير يا سيدي!
قال «مايلز» في هدوء مُبتسمًا: مساء الخير!
صعد «قيس» الدرجات القليلة إلى حيث يقف «مايلز» و«ريتا»، وعندما وقف أمامهما تمامًا … قال: إنني تحت أمرك يا سيدي، إنني أستطيع أن أذهب إلى أي مكان، وأن أقوم بأي شيء. المسألة تخضع للأتعاب. فنظر له «مايلز» قليلًا، وكان «هندي» قد انضمَّ إليهم. تحرَّك «مايلز» ودخل الفيلا، فتحرَّكوا جميعًا خلفه حتى اختفوا في الداخل.
نظر «خالد» إلى «أحمد» وهمس: إنه يُجيد دوره تمامًا! ووضع السمَّاعة في أذنه، وبدأ يستمع إلى ما يدور من حوار في الداخل. كان الحوار قريبًا جدًّا، حتى إن «خالد» همس ﻟ «أحمد»: إنهم في الحجرة المجاورة.
ثم جاء الحوار:
مايلز: وماذا تعمل؟
قيس: إنني أشترك في سباق السيارات لأنني أهوى السباق، في نفس الوقت يمكن أن أقوم بمهام صعبة إذا توفَّرت، ثم ضحك.
مايلز: هل قمت بمهمة قبل ذلك؟
قيس: نعم، إلى ألمانيا.
مايلز: بنفس السيارة؟
قيس: نعم، إنني أركب الريح.
ظهرت الدهشة في صوت «مايلز»: نُسافر بالطائرة إذن!
ضحك «قيس» وقال: لا يا سيدي، إنني أُسمِّي سيارتي الريح؛ لأنه لا يستطيع أحد اللحاق بها.
قال «مايلز» الذي أطلق ضحكةً خشنة: سوف تنزل ضيفًا عندنا الليلة، وغدًا في الصباح سوف تبدأ رحلة إلى إيطاليا!
قال «قيس» بعد قليل: هذا يخضع للأجر يا سيدي!
مايلز: سوف نُعطيك ما تطلبه.
قيس: نتفق.
سأل «مايلز» بعد لحظة صمت: كم تريد؟
قيس: هذا يتوقَّف على الذي أحمله.
سمع «خالد» صوت «مايلز» كأنه الصراخ: وماذا يعنيك؟ سوف نعطيك ما تطلب؟
همس «خالد»: إنه رائع! وقدَّم السماعة ﻟ «أحمد» الذي أخذها بسرعة ووضعها في أذنه، ثم أخذ يسمع.
قيس: يا سيدي، الأجر يخضع لقيمة ما أحمله!
مايلز: سوف تحمل رجلًا، وحقيبة!
قيس: أيهما الأهم، الرجل أم الحقيبة؟
ضحك «مايلز» ضحكةً خشنة، ثم قال: إنك شاب مثير، ماذا تعمل؟
قيس: كما ترى يا سيدي، أعمل بحرية.
مايلز: وحدك؟
قيس: نعم.
مايلز: إذن سوف أُعطيك ألف دولار!
قيس: إنه رجلٌ رخيص الثمن!
ضحك «مايلز» طويلًا، ثم فجأةً قال: أين «ماك»؟
ردَّ صوت: إنه لم يعُد بعدُ يا سيدي.
مايلز: إذن عليه أن يستعد حتى يرحل غدًا!
مرَّت لحظة صمت، ثم قال: السيد «روبين» ضيفنا الليلة … فلينزل في جناح الضيوف.
ومرَّت لحظة صمت أخرى، قال بعدها «مايلز»: سوف أمنحك ما تطلبه يا سيد «روبين»، فقط عليك بأن تُحَافظ على الرجل، والحقيبة!
قيس: كما تشاء يا سيدي.
تحرَّكت أقدام كثيرة، ولم يعُد يُسمع غيرها، وهمس «أحمد»: هناك مسألة خطيرة.
خالد: ما هي؟
أحمد: المؤكَّد أن «قيس» لم يُقابل الرجل الذي كان يركب «الرينو» لأنه يعرفني، فإذا التقى هو و«قيس» فسوف يكون في موقف صعب!
لم يردَّ «خالد»، وفكَّر «أحمد» بسرعة: إن المسألة تحتاج إلى تدبير سريع. إذا كانت الصدفة قد خدمت «قيس» حتى هذه اللحظة، فإن أحدًا لا يدري ماذا يمكن أن يحدث؟
ظلَّ «أحمد» و«خالد» في مكانهما لا يتحرَّكان؛ فقد كانا يُفكِّران في خطة ما لإنقاذ «قيس». وفي نفس الوقت الوصول إلى الحقيبة. وهمس «خالد»: ينبغي أن نعرف أين ينزل «مايلز»، وأين يوجد «قيس».
قال «أحمد»: نحتاج إلى دورة حول الفيلا، حتى نرصد الحجرات كلها.
اتجه «أحمد» إلى اليمين، واتجه «خالد» إلى الشمال، على أن يلتقيا في نقطة خلف الفيلا. ما إن تقدَّم «أحمد» حتى عرف أن هناك رسالةً ما، فأخرج جهاز الاستقبال الصغير، ثم بدأ يتلقَّى الرسالة، وكانت من «قيس»: «إنني في ملتقى النقطتَين «س، ق» … عند الزاوية ٩٠». في نفس الوقت تلقَّى «خالد» نفس الرسالة، فتحدَّث «أحمد» و«خالد»، وأجَّلا الحوار إلى وقت اللقاء، ثم استمرَّ «أحمد» في طريقه إلى حيث النقطة خلف الفيلا، وكانت هي أقرب نقطة للمكان الذي حدَّده «قيس».
كانت السَّاعة قد جاوزت منتصف الليل، وبدا كل شيء هادئًا تمامًا. وخفتت الأضواء في الفيلا. مرَّت نصف ساعة قبل أن يلتقي «خالد» و«أحمد»، وكان المكان الذي التقيا فيه آمنًا.
همس «أحمد»: إنها فرصتنا لندبِّر المسألة. يُمكن أن نُشرك «قيس» فهو في الانتظار.
أرسل «أحمد» رسالةً إلى «قيس»: «كيف ترى الموقف عندك؟»
وجاءه الرد: «يجب الاستمرار فيه حتى النهاية». ثم أخذا يتبادلان الرَّسائل، وفيها شرح «أحمد» ﻟ «قيس» خوفه من أن يشك فيه الرجل الذي كان يركب «الرينو»، وكان ردُّ «قيس» أن أحدًا لم يشكَّ فيه حتى الآن. ثم طلب «قيس» أوصاف الرجل حتى يعرفه، وقال «أحمد» أوصافه: رشيق القوام، مفتول العضلات، في حدود الأربعين من عمره، له شارب أصفر كثيف، ولحية صغيرة.
فسأل «أحمد» أخيرًا: هل نقوم بهجوم؟
أجاب «قيس»: لا أظن أننا لم نُحدِّد مكان الحقيبة بعد، يجب الانتظار حتى الصباح!
نقل «أحمد» الرسائل إلى «خالد» الذي قال: إمَّا أن نبيت هنا، أو ننصرف ونلحق به في الصباح!
فكَّر «أحمد» قليلًا، ثم قال: إذن سنبقى هنا.
وأرسل «أحمد» رسالةً إلى «قيس» أخبره فيها أنهما سيكونان في الحديقة. في نفس الوقت أرسل «أحمد» رسالةً أخرى إلى «رشيد» شرح له فيها كل ما حدث، وطلب أن يُرسل ذلك إلى رقم «صفر»، وأن يكون مُستعدًّا للانضمام إليهم في أية لحظة …
ابتعد الاثنان عن الفيلا، وتوغَّلا بين نباتات الحديقة بحثًا عن مأوًى لهما، وكانت النباتات كثيفةً بما يكفي. همس «خالد»: إننا أمام بيت النباتات، ويمكن أن يكون مكانًا جيدًا للمبيت.
قال «أحمد»: إن المكان عُرضة لوصول أي إنسان. يجب أن نبتعد عنه.
تقدَّما قليلًا داخل مجموعة من أشجار الياسمين تمثِّل غابةً صغيرة، دخلا بينها لكنهما لم يستطيعا الاستمرار؛ لقد كانت الأرض الطينية طريةً تمامًا من أثر شتاء النهار، فتراجعا، ثم الْتزما بإحدى طرقات الحديقة التي تُغطِّيها الحصى، والتي كانت أكثر جفافًا من غيرها. وعند نهاية الطريق كانت تقف شجرة مانجو ضخمة، فاستندا إليها، كانا يشعران بالتعب، وهمس «خالد»: استرِح قليلًا، وسوف أوقظك!
قال «أحمد» بعد لحظة: يجب أن نرتاح نحن الاثنَين! وأرسل رسالةً إلى «رشيد» أخبره فيها أن يوقظهما إذا تلقَّى رسالةً من «قيس»، وحدَّد له الموجة التي يُرسل عليها «قيس» رسائل إليهما. ولم تمضِ دقائق حتى كانا الاثنان قد استغرقا في النوم وهما جالسَين. إن الشياطين يستطيعون استغلال كل لحظة تحت أية ظروف.
وعندما كانت الساعة تَدُقُّ السابعة صباحًا، كانت أقدام قد اقتربت من الحجرة التي ينام فيها «قيس» لتوقظه، وعندما أجاب عليها أسرع بإرسال رسالة إلى «أحمد» تلقَّاها «رشيد»، ثم أسرع بإرسالها إلى «أحمد» الذي استيقظ لتوِّه بعد أن ارتفعت درجة حرارة جهاز الاستقبال.
كانت شمس الصباح تُنذر بيوم ربيعي. هزَّ «أحمد» «خالد» الذي استيقظ بسرعة، لم تكُن الفيلا تظهر أمامهما نتيجة كثافة النباتات … تقدَّما في هدوء حتى بدأت الفيلا تظهر.
قال «خالد»: لماذا لا نُغادر المكان ونبقى قريبًا من الفيلا؟
أجاب «أحمد»: أخشى أن ينكشف أمر «قيس»؛ ولهذا يجبُ أن نكون أقرب إليه من أي إنسان آخر!
ظلَّا يرصدان حركة الفيلا، كان بعض الخدم قد ظهروا أمام الباب الذي فُتح، ولم تمضِ دقائق حتى فُتح الباب الحديدي الخارجي الضخم، ودخلت منه السيارة «الرينو»، شاهد «أحمد» السيارة فقال: انظر هذه هي، إن سائقها هو نفسه الرجل الذي قابلني بالأمس!
تقدَّمت السيارة حتى وقفت خلف «البورش» الصفراء، لحظة ثم نزل منها الرجل الرشيق المفتول العضلات، فوقف يرقب «البورش» قليلًا وعلى وجهه ابتسامة هادئة، فهمس «أحمد»: إننا نقترب من لحظة حرجة!
تقدَّم الرجل من باب الفيلا، في نفس الوقت الذي اقترب منه رجل يقول: إن مستر «مايلز» في انتظارك أيها السيد «ماك»!
عرف «أحمد» و«خالد» أن «ماك» هو نفسه من كان يعنيه «مايلز» أمس، ويبدو أنه الرجل الذي سيصحب «قيس» في الرحلة.
اختفى «ماك» داخل الفيلا، فأرسل «أحمد» رسالةً إلى «قيس»: «ما هو الموقف الآن؟» وظلَّ ينتظر الرد، لكن لم تصِله كلمة واحدة، فعرف أن «قيس» في موقف لا يسمح له بالرد.
فجأةً ظهر «مايلز» ومعه «ماك». كانا صامتَين، وكان التفكير العميق يبدو على «ماك»، وسمع «أحمد» و«خالد» ذلك الحوار الذي دار بين الاثنَين:
مايلز: هل أنت متأكِّد؟
ماك: نعم. إنني متأكِّد. لقد كان قريبًا بما يكفي لأن أراه جيدًا!
مايلز: حاوِل أن تتذكَّر جيدًا؛ إن قرارك سوف تترتَّب عليه أشياء كثيرة.
ماك: حاول أن تتصوَّر معي، كنت أقف ﺑ «الرينو» أمام «البورش»! وأشار بأصبعه إلى السيارتَين الواقفتَين، ثم أضاف: كانت «الرينو» في الأمام وليس «البورش»، ونزلت من السيارة ووقفت أتحدَّث إليه، فهل أراه جيدًا!
مايلز: بالتأكيد!
ماك: ثم مرَّت دقيقتان أو أكثر قبل أن يتراجع قليلًا بسيارته، ثم انطلق وحطَّم الباب الأيمن، ألَا يكفي هذا لأن أراه جيدًا!
أسرع «أحمد» فأرسل رسالةً إلى «قيس»، أخبره فيها بكل هذه التفاصيل التي قالها «ماك»؛ فقد توقَّع أن يسأله «مايلز» حتى يصف له تلك الدقائق.
قال «مايلز»: علينا أن نختبره إذن حتى نتأكَّد قبل أن تتخذ أي إجراء.
اختفى الاثنان داخل الفيلا، وغابا. كانت لحظةً مشحونةً بالقلق. مرَّت الدقائق ثقيلة، وكانت أعين الشياطين مثبتة على باب الفيلا. فجأة … ظهر «قيس» وخلفه ظهر «مايلز»، و«ماك» … ففهم «أحمد» أن «قيس» قد خرج بهما حتى يكون في موقف أحسن؛ ولهذا … انتظر هو و«خالد» تصرُّف «قيس»؛ فإن تصرُّفه يمكن أن يكون بداية النهاية.