«قيس» … يُصبح ممثِّلًا
شاهد الاثنان «قيس» وهو يبتسم منحنيًا، ثم يقول: إنني أعتذر يا سيدي، لقد كنتُ ضيِّق الصدر. ثم نزل بسرعة في اتجاه الباب الأيمن الأمامي، ثم فتحه وظلَّ يتأمَّله، ثم نظر إلى حيث يقف «مايلز» و«ماك»، ثم قال: من حقك يا سيدي أن تحصل على مقابل للباب الجديد! وعاد إليهما، وكانا ينظران إليه بإمعانٍ شديد، فقال «قيس» وهو يميل قليلًا ناحية «مايلز»، وفي نفس الوقت حتى يسمع «ماك»: صدِّقني يا سيدي، لقد كانت مسألةً مثيرةً جدًّا … غير أن السيد «ماك» حرمني منها تمامًا. إن هذه أول مرة في حياتي! ونظر إليهما قليلًا، ثم قال: إنني أُحاول أن أتذكَّر. نعم. لقد كان الرقم الأول ٩٩٦٨٤٦. هذه مسألة عادية أن تقرأ رقم سيارة، لكني بعد لحظة رأيت الأرقام تتغيَّر، وبرقت عيناه، كان يمثِّل دورًا جيدًا ويتقنه، ثم أكمل: صدِّقني يا سيدي لقد رأيت الأرقام تتغيَّر، فقلت في نفسي: هذه سيارة نادرة، إنها «ستروين» حديثة، نعم. وفكَّرت لعل بداخلها شخصيةً أسطورية! ثم نظر إلى «مايلز» في بلاهة وقال: من هذه الشخصية الأسطورية يا سيدي التي تملك هذه السيارة؟
ابتسم «مايلز»، ثم نظر إلى «ماك» الذي هزَّ رأسه وتنهَّد وكأنه لا يُصدِّق ما يراه. اقترب «قيس» من «ماك»، ثم قال: هل تشك في صدق كلامي يا سيدي؟ إذن دعني أتذكَّر ما حدث تمامًا منذ أن رأيت هذه السيارة الأسطورة.
كان «أحمد» و«خالد» يتابعانه وهما لا يُصدِّقان تلك الحالة التي تسيطر على «قيس»، حتى إنه اندمج في التمثيل. كان «قيس» يُمثِّل أنه يتذكَّر، ونظر إلى «ماك» وقال: دعني أتذكَّر ما حدث. رأيتُ السيارة الأسطورة، في البداية كنت أُسير خلفها بطريقة عادية كأي سيارتَين، فجأةً قرأت رقمها، فجأةً تغيَّر الرقم، قلت في نفسي: هل فقدتَ صوابك، أو إنك تحتاج إلى نظارة؟! قلت لعلني نسيت، لكنني ظَلِلت أتبعها. تغيَّر الرقم. نعم، إنني أذكره. لقد كان ٩٩٥٧٣٥ أليس كذلك؟ … ظَلِلت أتبعها حتى أتأكَّد إن كنتُ مُصيبًا في تغيير الرقم أم لا. ومرةً أخرى تغيَّر! إنني أذكره. نعم. لقد نقص واحدًا في كل رقم. أصبح ٩٩٤٦٢٤. أليس كذلك؟ … نظر إلى «مايلز»، ثم قال: أليست مسألةً مثيرةً يا سيدي؟!
كان «ماك» يتابع ما يقوله «قيس» في دهشة، إلا أن «قيس» لم يتوقَّف، لقد أكمل: فجأةً ظهرت «الرينو». لقد كنت أنت يا سيد «ماك». بدأتَ تقطع عليَّ الطريق. أقول لك الحقيقة، لقد أثارني ذلك جدًّا، حتى إنني فقدت صوابي، وارتكبت تلك الحماقة، فأصبت الباب الأيمن لسيارتك العزيزة، إنني أكرِّر اعتذاري يا سيدي، وأرجو أن تقبله، أو تقبل عوضًا عن الباب!
فجأةً انفجر «ماك» ضاحكًا وهو يقول: إنك إنسان رائع، وأعتقد أننا سنقضي رحلةً طيبة!
راقب «مايلز» ذلك في هدوء، ثم قال: هيا إذن إلى الداخل، إن عليكما أن تنطلقا في خلال ساعة.
اختفَوا جميعًا داخل الفيلا، وهمس «أحمد»: لقد نجح في خداعهما، علينا أن ننتظر ما سيحدث بعد ذلك. انسحبا بعيدًا عن الفيلا أكثر، وإن ظلَّت في مدى البصر، وفجأةً وصلت رسالة كانت من «قيس»: «سنتحرَّك بعد قليل. استعدا!»
نقل «أحمد» الرسالة إلى «خالد»، ثم أخذا طريقهما مبتعدَين إلى أقصى الحديقة حيث لا يوجد أحد، وفي لمح البصر كانا يتسلَّقان شجرةً قريبةً من السور، وعن طريقها، أصبحا خارج الحديقة، فمشيا في هدوء إلى حيث تُوجد سيارتهما الزرقاء، وركباها بسُرعة، ثم أسرعا يمرَّان قريبًا من باب الفيلا، وفي نفس الوقت كانت «الستروين» السوداء تخرج، وخلفها «البورش» الصفراء يقودها «قيس». اتجهت السيارتان إلى قلب «باريس»، فأرسل «أحمد» رسالةً إلى «رشيد»: «انتظر عند النقطة «ع»».
استمَرَّا في طريقهما وهما يرقبان «البورش»، وضغط «خالد» زرًّا في تابلوه السيارة، فجاءت صفارة مُتقطِّعة، فهم الاثنان أنها إشارةٌ من «قيس» … عندما اقتربت النقطة «ع» كان «رشيد» يقف هناك، اتجها إليه حتى ركب، ثم انطلقوا.
كانت «البورش» تتجه إلى غرب «باريس»، فقال «رشيد»: ما الموقف الآن؟!
أخذ «خالد» يشرح ﻟ «رشيد» ما حدث، في الوقت الذي انهمك فيه «أحمد» بمتابعة الطريق … وفجأةً قال «رشيد»: إننا في الطريق إلى السيرك … أليس كذلك؟
استعرض «خالد» الطريق، ثم قال: هذا صحيح!
لم تمرَّ بضع دقائق حتى ظهر السيرك، فأبطأ «أحمد» السيارة، ثم توقَّف. كانت «الستروين» السوداء تقف أمام باب السيرك، وخلفها «البورش» الصفراء، أخرج «أحمد» منظاره المُكبِّر، ثم أخذ يستعرض ما يحدث. خرج «مايلز» من السيرك وكان يحمل حقيبةً سوداء قدَّمها ﻟ «ماك» الذي كان يجلس بجوار «قيس». قرأ «أحمد» حرفَي «إن-إس». تحرَّكت «البورش»، في حين ظلَّ «مايلز» يرقبها حتى اختفت، ثم خرجت «ريتا» تحمل حقيبةً أخرى سوداء، وقرأ «أحمد» عليها حرفَي «إن-إس». دخلت «ريتا» «الستروين» فدخل خلفها «مايلز»، وانطلقت السيارة في نفس الاتجاه.
نقل «أحمد» كل ما شاهده إلى الشياطين، فقال «خالد»: هناك خدعة إذن!
وقال «رشيد»: أيهما الحقيبة المطلوبة؟ لم يردَّ أحد بسرعة، غير أن «أحمد» قال في النهاية: إنها التي تحملها «ريتا»، ولا بد أن هناك شيئًا ما!
سأل «خالد»: ماذا تعني؟ فأجاب: الحقيبة التي يحملها «قيس» الآن يبدو أنها حقيبة مُزَيَّفة!
رشيد: ولماذا يحملها «قيس» وبجواره أحدهم؟
صمت «أحمد» قليلًا، ثم قال: علينا أن ننتظر … ونرى!
ثم انطلقت «الستروين» في نفس الاتجاه الذي اختفت فيه «البورش».
ومن بعيد كان الشياطين يرقبون كل شيء … لقد اتجهت السيارتان إلى شرق «باريس» حتى خرجت منها، ثم بدأ الريف الفرنسي … إنهم يعرفون أن الرحلة سوف تمر بعِدة مدن فرنسية هي «ديجون»، ثم «ليون»، و«جرنيويل»، وأخيرًا «تورنيو»، ثم يصلون إلى «جنوا». ورغم أنه طريق طويل إلا أنه لا يمر بدول كثيرة، إنه يمر بنقطة واحدة فقط هي الحدود الإيطالية الفرنسية.
عند الظهيرة ظهرت مدينة «ديجون» … واحدة من المدن الفرنسية المعروفة، دخلت السيارة «البورش»، ثم تبعتها «الستروين»، وظلَّ الشياطين على مسافة تُعطيهم الفرصة للمراقبة، وفي نفس الوقت لا يظهرون، وأخرج «أحمد» منظاره المُكبِّر، ثم بدأ يرصد الحركة.
كان «قيس» و«ماك» يجلسان على مقهًى صغير يحتسيان القهوة باللبن، وفي مقهًى آخر يبعُد عن الأول مائة متر وقفت «الستروين»، ولم ينزل منها أحد، ثم انقضت نصف ساعة قبل أن تتحرَّك السيارتان مرةً أخرى، فترك الرجال المدينة خلفهم، ودخلوا الريف حيثُ الخضرة المُمْتدَّة إلى مدى البصر، وهمس «خالد»: أعتقد أننا يجبُ أن نقوم بعملٍ ما؛ فنحن لا نعرف كيف يفكِّرون الآن؟
ومرَّت لحظة صمت، ثم قال «رشيد»: إن اصطدامًا محسوبًا يُمكن أن يفي بالغرض!
هزَّ «أحمد» رأسه، ثم قال: لا بأس، هناك إشارة لتقاطع بعد نصف كيلو يُمكن أن نستغله. وصمت لحظة، ثم قال: على «قيس» أن يتدبَّر الأمر!
أرسل «خالد» رِسَالةً إلى «قيس»: «السمكة الكبيرة خلفك. الصدمة في المُفترق». وضغط «أحمد» قدم البنزين فانطلقت السيارة كالصاروخ، أصبحت «الستروين» أمامها بخمسين مترًا، ضغط «أحمد» الكلاكس فبدأت «الستروين» تُفسح الطريق، إلا أن «أحمد» ظلَّ يضغط الكلاكس، حتى إن سائق «الستروين» لم يعرف ماذا يُريد، فأفسح له اليمين مرة، ثم الشمال مَرَّة، إلا أن «أحمد» كان يعرف ماذا يفعل، إنه يُريد أن يوقعه في الحيرة. فجأةً أعطاه إشارةً ليفسح له شمال الطريق، كان خلفه مباشرة، وفي نفس الوقت كانت «البورش» قد ظهرت، بل أصبح واضحًا أنها تهدِّئ من سرعتها. لم يمرَّ «أحمد» من شمال «الستروين» مباشرة، لقد دخل في الشمال، حتى إذا أصبح بجوارها تمامًا انحرف يمينًا فجأةً جعلت السائق يُسرع، حتى إن مُقدمة سيارة الشياطين ضربت مؤخِّرة «الستروين» بعنف جعلتها تدور حول نفسها. وعندما توقَّفت كان الشياطين قد استعدُّوا. لم يُغادِر أحد منهم السيارة الأخرى، في حين نزل ثلاثة من السيارة، ولم يكُن بينهم «مايلز»، واقتربوا من الشياطين، كانت الشَّراسة تبدو على وجوههم … اقترب أولهم من «أحمد»، ثم قال في غِلظة: هل جُننت؟!
فابتسم «أحمد» وقال: آسف، لم أستطِع التحكُّم في عملية القيادة.
قال الرجل: إنك تتبعنا منذ بداية الطريق … ماذا تريد؟
أحمد: لا شيء يا سيدي، إنني أعتذر مرةً أخرى!
نظر أحدهم إلى «أحمد» طويلًا، ثم قال: أُحذِّرك بأن تفعل ذلك مرةً أخرى!
وانصرف الرجال الثلاثة، وقال «رشيد»: يبدو أننا لا بد أن نُهاجمهم مباشرةً دون حاجة إلى إشارتهم!
ابتسم «أحمد» وقال: بل إنها فرصة؛ حتى نقترب من «ليون»!
ظلُّوا في مكانهم في حين انطلقت «الستروين»؛ فلم تكُن الإصابة ذات تأثير. وعندما أصبحت بعيدةً بما يكفي همس «خالد»: إنها فرصة أن نستخدم إبرة. إن إبرةً في إطار السيارة وهي مُسرعة يمكن أن يكون لها تأثير! وضغط «أحمد» قدم البنزين فانطلقت السيارة. كان يبدو أن «الستروين» تنطلق بأقصى سرعتها، إلا أن سيارة الشياطين كانت كالريح، في حين كانت «البورش» تبدو بعيدةً في بداية الطريق.
اقترب الشياطين من «الستروين»، وجهَّز «رشيد» بندقية الإطلاق المثبتة في مقدمة السيارة. ضبط مؤشِّر المسافة والهدف، ثم ضغط زرًّا في تابلوه السيارة.
أُضيئت لمبة حمراء … وهي إشارة إلى انطلاق الإبرة، وفي لحظات دوَّت فرقعة هائلة، وأخذت «الستروين» تتلوَّى على الطريق، وكانت فرصةً لبداية الاشتباك.
أسرع «أحمد» أكثر حتى اقترب من «الستروين» التي تندفع في خط مُتعرِّج، فاصطدم بها في عنف جعل السيارة ترتج وتكاد تنقلب … إلا أنها توقَّفت في آخر لحظة، وفي لحظات كان الرجال الثلاثة يُغادرون «الستروين» … مُندفعين في ثورة في اتجاه الشياطين. كانت فرصة، نزل «أحمد» بسرعة وهو يهمس: انتظرا اللحظة المناسبة!
تقدَّم أولهم من «أحمد» وهو يسدِّد يدًا قويةً مع كلمات يقولها: لقد قلت لك ابتعد!
وقبل أن تصل يده إلى «أحمد» كان قد خطف يد الرجل فجأةً ودار به دورةً كاملة، جعله يضرب الاثنَين الآخرَين. في نفس اللحظة كان «خالد» و«رشيد» قد نزلا مُسرعَين، وتلقَّى كلٌّ منهما واحدًا، ثم بدأت المعركة.
طار «خالد» في الهواء، ثم ضرب الرجل ضربةً مُستقيمةً جعلت الرجل يدور حول نفسه ويسقط في جانب الطريق، غير أن «خالد» لم يتركه؛ فقد طار مرةً أخرى ليسقط فوقه، في نفس الوقت كان «رشيد» يُسدِّد ضربةً إلى الرجل، فترنَّح، وقبل أن يُفيق كان «رشيد» قد حمله فوق كتفه، ودار به بسرعة، ثم تركه فسقط بعيدًا يتلوَّى، بينما كان «أحمد» قد أمسك بقدم الرجل الثالث، غير أن صوتًا نادى «أحمد» جعله يلتفت، ثم يُلقي بنفسه على الأرض مُتدحرجًا؛ لقد كان أحد الرجال يوجِّه مسدَّسه إلى ظهر «أحمد» … وعندما طاشت الطلقة كان «خالد» الأقرب إليه قد طار في الهواء وضرب المسدَّس بقدميه فسقط بعيدًا. وعندما كان الثاني يُحاول أن يسحب مسدسه كان «رشيد» قد عاجله بخنجره الذي طار في الهواء ليُصيبه في يده، حتى إن الرجل صرخ، ولم يستطِع إخراج مسدَّسه، أخرج «أحمد» مسدَّسه سريعًا، وسيطر على الموقف.
كان الرجال الثلاثة مُلقَون على الأرض يتألَّمون، وكانت «الستروين» صامتةً بعيدًا، لكن فجأةً دوَّت طلقات كالمطر، عرف الشياطين أنها صادرة من مدفع رشاش، ومن داخل السيارة «الستروين».