الحقيبة … التي تحمل الشمس
قفز الشياطين بسُرعة خلف سيارتهم. كانت الطلقات تصطدم بجسم السيارة، ظلَّت الطلقات تُدوِّي حولهم … في نفس الوقت كان الرجال الثلاثة يزحفون في اتجاه «الستروين». همس «خالد»: هل ننتهي منهم؟
قال «أحمد»: ليس بعد؛ حتى لا ينكشف الموقف. إن «الستروين» لن تتحرَّك الآن. نحتاج إلى «قيس».
أسرع «رشيد» فأرسل رسالةً شفريةً إلى «قيس».
كان معنى الرسالة: تخلَّص من «ماك» وعُد!
توقَّفت الطلقات، ونظر «أحمد» حوله وقال: نستطيع أن نلتفَّ حولهم دون أن يفطنوا لنا. إن النباتات حولنا تُعطينا الفرصة!
كانوا يرقدون على حافة حقل ذرة، وكانت سيقان الذرة ترتفع بما يُعطيهم فرصة الحركة، غير أن «رشيد» قال: إن أية حركة في سيقان الذرة سوف تجعل الطلقات كالمطر! ولم يكَد ينتهي من كلامه، حتى هبَّت بعض الرياح فأثارت أعواد الذرة، ومن جديد، دوَّى صوت الطلقات، فقال «رشيد»: كما توقَّعت، لكننا مع ذلك نستطيع أن نتصرَّف!
رقد «خالد» عند حافة السيارة، ثم أخذ يرصد حركة «الستروين». فجأةً اقترب صوت سيارة كانت آتيةً من الاتجاه المُضاد. لمح «خالد» أحد الرجال يقف في الطريق وهو يرفع منديلًا أبيض حتى تتوقَّف السيارة، إلا أن السيارة ظلَّت في تقدُّمها، واختفى الرجل. وصلت رسالة من «قيس» تلقَّاها «أحمد» وكانت الرسالة تقول: «تمَّ كل شيء … إنني في الطريق. استعدوا!»
ارتفع صوت سيارة قادمة فقال «رشيد» الذي كان يرقبها: إنها ليست «البورش»! وظهرت «ريتا» ترفع يدها بمنديل أبيض، فتباطأت سرعة السيارة حتى توقَّفت، ودار حوار بين «ريتا» والسائق الذي كان وحده. فجأةً نزل السائق، وفي لمح البصر كان أحد الرجال قد قفز حتى أصبح بجوار السيارة، فانقضَّ على سائقها الذي أُصيب بالفزع، وبسرعة كان الرجل يجلس إلى عجلة القيادة ويستدير بالسيارة مُقتربًا من «الستروين».
فقال «أحمد»: هذه فرصتنا أنهم سوف يقعون بين فكَّي الكماشة، نحن، و«قيس»!
انتقل أفراد العصابة إلى السيارة الأخرى التي انطلقت. وعندما قفز الشياطين داخل سيارتهم اكتشفوا أن أحد الإطارات قد أصابته رصاصة، فنزلوا بسرعة لاستبدال الإطار، إلا أن «البورش» كانت قد وصلت، وكان مفترق الطرق فرصةً ليتصرَّف «قيس».
أنزَلوا «ماك» الذي كان فاقد الوعي، وقفز «أحمد» مع «قيس»، وقال «أحمد»: استبدلا الإطار، وعالجا التي مع «ماك»، ثم الحقا بنا!
ضغط «قيس» قدم البنزين فانطلقت «البورش» كالريح. كان الطريق يبدو خاليًا أمام «البورش»، حتى إن «أحمد» تساءل: هل اختفت السيارة؟ ظهرت لافتة على يمين الطريق مكتوب عليها: «ليون» ٥ كم. فقال «قيس»: ربما دخلوا المدينة، أو إنهم في الطريق إليها. ثم رفع سرعة السيارة أكثر.
فجأةً أُضيئت لمبة حمراء في تابلوه السيارة، فعرف أن هناك رسالةً ما، كانت رسالةً من الشياطين: «الحقيبة لا تضم سوى بعض الأوراق العادية. نحن في الطريق إليكم».
فقال «أحمد»: كما توقَّعت! الحقيبة الهامة هي التي يحملها «مايلز»!
من بعيد ظهرت سيارة فقال «أحمد»: إنها هي نفس السيارة التي استولَوا عليها. وأسرع «قيس» أكثر حتى اقترب منها. كانت السيارة تدخل مدينة «ليون»، فقال «أحمد»: ينبغي أن تتبعها حتى تخرج من المدينة. إنها يمكن أن تختفي منَّا!
مرَّت لحظة صمت، وتوقَّفت السيارة أمام محطة بنزين، في نفس الوقت نزل أحد الرجال، ثم غادر المحطة … كان «أحمد»، و«قيس» يراقبانه.
اقترب من تاكسي، ثم ركبه واختفى، فقال «أحمد»: يجب أن يسبقا «خالد» و«رشيد» إلى خارج المدينة في الطريق إلى «جرنيول»! وبسرعة أرسل رسالةً إليهما بنفس المعنى.
ظلَّا … يُراقبان السيارة في محطة البنزين، وبعد لحظات غادرت السيارة المحطة، تبعاها عن بُعد، كانت السيارة تتجه إلى خارج المدينة، وبعد قليل دخلت موقف سيارات، ثم نزل الجميع بما فيهم «مايلز» الذي كان يحمل حقيبةً سوداء، أخذ الجميع طريقهم إلى مقهًى صغير على جانب الشارع، جلسوا قليلًا وأخذوا مشروبات باردة، ثم عادوا إلى موقف السيارات، لكنهم لم يركبوا نفس السيارة، لقد ركبوا سيارة مرسيدس بيضاء، انطلقت بهم بعد أن انضمَّ إليهم الذي تركهم في محطة البنزين.
ومن بعيد ظلَّ «أحمد» و«قيس» يُتابعان السيارة البيضاء. قطعوا المدينة، ثم بدءوا يصلون إلى خارجها. أرسل «أحمد» رسالةً إلى «رشيد»: «تقدَّموا في الطريق بما يكفي؛ إننا نحتاجكم في منتصف الطريق».
بدأ الريف يظهر خارج المدينة. كانت المرسيدس البيضاء تنطلق في هدوء، وكان من الضروري أن تظهر «البورش»؛ فالطريق مستقيم ولا يمكن أن يخفيها شيء … أسرعت «البورش» أكثر حتى اقتربت من المرسيدس التي لم يظهر أنها اهتمَّت لذلك، وفي لمح البصر … تجاوزتها حتى لا يشك أحد في اختفاء «ماك» ووجود «أحمد».
ما إن أصبح أمام المرسيدس حتى أعطاه السائق إشارةً ضوئية لمعت في المرآة الأمامية تعني انتظر، في نفس الوقت كان صوت الكلاكس … يعني نفس المعنى. قال «قيس»: إن المسألة لن تحتمل لحظةً واحدة. إننا يجب أن نشتبك معهم مباشرة!
قال «أحمد»: انتظر قليلًا!
أرسل رسالةً سريعةً إلى «رشيد»: «انتظر الصدام النهائي الآن».
كان «قيس» قد خفض سرعة «البورش»، لكن ذلك لم يجعل المرسيدس الضخمة تلحق بها. فجأةً ظهرت سيارة «رشيد» و«خالد» في جانب الطريق. تجاوزها «قيس»، ثم تجاوز المرسيدس التي ظلَّت تعطي إشارةً ضوئيةً حتى يقف «قيس».
توقَّف «قيس» فجأةً عندما أصبح أمام المرسيدس مباشرة، ونزل «قيس» بسرعة حتى لا يُعطي فرصةً لأحد أن يقترب ويكشف وجود «أحمد».
أظهر «قيس» الدهشة على وجهه وهو يرى «مايلز» و«ريتا» … وسأل: ما هذا؟! هل تسافرون في نفس الطريق؟!
ابتسم «مايلز»، وقال: ادعُ «ماك»!
قال بسرعة: إنه مُتعب قليلًا؛ فقد شعر ببعض الألم في معدته، واضطُررت أن أُعطيه بعض المهدِّئات، فنام.
نظر له «مايلز» قليلًا، ثم غادر السيارة. كانت الحقيبة تقبع على ركبتَي «ريتا». تقدَّم «مايلز» إلى «البورش» من ناحية «قيس» وليس من ناحية «أحمد». اضطُر «قيس» أن يُسرع خلفه. كان «أحمد» قد التفَّ في بطانية فلم يظهر منه شيء.
قال «مايلز»: «ماك»، «ماك»، هل أنت نائم؟
لم يردَّ «أحمد». أدخل «مايلز» رأسه من الشباك ومدَّ يده يهز «ماك». في لمح البصر كان «أحمد» قد ألقى البطانية، ثم جذب «مايلز» بسرعة، حتى إنه اصطدم بالسقف، وفي نفس الوقت كان «خالد» و«رشيد» قد أسرعا إلى المرسيدس، إلا أن السائق الذي لمح ما حدث كان أسرع منهم، فانطلق بالسيارة متجاوزًا «البورش»، حتى إنه كاد يصدم «قيس» الذي ألقى نفسه على جانب الطريق. وقبل أن تبتعد المرسيدس كان «خالد» قد أصاب عجلتها الخلفية برصاصة سريعة، جعلتها تتوقَّف في النهاية.
وقف «مايلز» ينظر حوله. كانت السيارة المرسيدس مُعطَّلةً بعيدًا قليلًا، ومَن فيها لا يستطيعون التصرُّف. في نفس الوقت التفَّ الشياطين حول «مايلز» الذي قال: ماذا تريدون؟
قال «أحمد»: استدعِ «ريتا» ومعها الحقيبة!
مايلز: أية حقيبة! لقد كانت مع «روبين». أليس كذلك؟! ثم نظر ﻟ «قيس» وقال: إنني لا أفهم شيئًا أيها العزيز «روبين»؛ فليس هذا اتفاقنا!
قال «قيس»: أي اتفاق … يا سيدي؟!
مايلز: اتفاقنا بتوصيل الحقيبة والرجل!
ابتسم «قيس» وقال: إنني عند وعدي يا سيدي؛ فمعي الرجل والحقيبة، وسوف أقوم بتنفيذ اتفاقنا، إنني لا أدري بالضبط ماذا يريد هؤلاء؟
نظر «مايلز» إلى الجميع بلا فهم، ثم قال: إنني لا أفهم شيئًا!
أحمد: سوف تفهم بعد قليل فقط، استدعِ «ريتا» ومعها الحقيبة، ولا تدَع أيًّا منهم يقترب!
استند «مايلز» على حافة «البورش» ولم ينطق، كان يبدو مستغرقًا في التفكير، جذبه «أحمد»، ثم أخرج مسدسه ووضعه في ظهره، ثم قال في هدوء: تقدَّم!
لم يتحرَّك «مايلز» … لكزَه «أحمد» في ظهره بطرف المسدس فاضطُر إلى الحركة، بسُرعة قفز «قيس» في «البورش» وتقدَّم خلفهما، أيضًا قفز «خالد» و«رشيد» في السيارة الأخرى، وتقدَّما خلف «البورش».
كانت المسافة تضيق بين الشياطين والمرسيدس البيضاء التي لم يكُن أحد خارجها. توقَّف «أحمد» بعد أن اقترب من المرسيدس بما يكفي، ثم قال: اطلب من «ريتا» أن تُحضر بالحقيبة!
لم ينطق «مايلز» فقال «أحمد»: إذن، لا بد من تفجير السيارة! نظر «أحمد» إلى «خالد» و«رشيد»، ثم قال: الخطة «ن»!
نظر «مايلز» إلى «أحمد»، ثم إلى «خالد» و«رشيد» في دهشة، وفي لمح البصر رأى «مايلز» ما جعله أكثر دهشة؛ لقد أخرج كلٌّ منهما قنبلةً في حجم «البلية» الصغيرة، ثم دحرجها بالقرب من السيارة المرسيدس.
مرَّت دقائق وأخذت بعض الغازات البيضاء تتصاعد من القنبلتَين. انتشر الغاز بسرعة، حتى إن «مايلز» صرخ: اخرجوا من السيارة فسوف تنفجر! إلا أن أحدًا منهم لم يخرج من السيارة.
فجأةً دوَّت طلقات الرصاص على أثر صوت تكسير زجاج. لقد كسروا الزجاج الخلفي للسيارة المرسيدس، وأطلقوا النيران، لكن قبل أن تنطلق الرصاصات كان الشياطين قد انبطحوا أرضًا، فجأةً دوَّى انفجار قوي، ثم أعقبه آخر جعل «مايلز» يسقط على الأرض. لقد انفجرت القنبلتان وهما قنبلتا دخان فقط. بدأ الدخان ينتشر، حتى إن المرسيدس … البيضاء لم تكُن تظهر جيدًا.
لبس الشياطين نظَّارات الرؤية … رأوا الرجال الثلاثة و«ريتا» ينزلون في هدوء، ويتقدَّمون في الاتجاه المضاد. قيَّد الشياطين … «مايلز»، ثم وضعوه في حقيبة السيارة، وركبوا السيارتَين، ثم تقدَّموا في هدوء حتى دخلوا منطقة الدخان. كان الآخرون قد تجاوزوها وأصبحوا يقفون مكشوفين في الطريق. خرجت السيارتان من منطقة الدخان … فجأةً انهالت الطلقات على الشياطين، وأسرع الآخرون بالفرار جريًا.
انطلق الشياطين بالسيارتَين في اتجاههم … وعندما أصبحوا بجوارهم تمامًا تركوا السيارتَين وقفزوا عليهم. كانت الحركة مفاجئة، حتى إن الرجال لم يستطيعوا التصرُّف. أسرع «خالد» بضرب الأقرب إليه، في نفس الوقت كان «رشيد» قد أطار المسدس من يد الآخر بضربة وهو لا يزال طائرًا في الهواء. أمَّا الثالث فقد عاجله «قيس» بضربة جعلته يتلوَّى من الألم، ووقفت «ريتا» تنظر إلى المنظر في دهشة؛ لقد رأت شياطين فعلًا!
لم تتحرَّك من مكانها، في نفس الوقت كان «أحمد» يجلس في … «البورش» يرقبها. نزل في هدوء بينما كان الشياطين قد أمسك كلُّ واحد منهم بأحد الرجال، ووضع يدَيه خلف ظهره.
تقَدَّم من «ريتا» وتحدَّث إليها في هدوء: هل تسمح سيدتي بالحقيبة التي تحمل الشمس؟
نظرت إليه «ريتا» في عدم فهم وسألت: هل ستقوم بتوصيلها؟
ابتسم «أحمد»، ونظر إلى الشياطين وقال: نعم، سوف أقوم بتوصيلها.
في نفس الوقت دوَّت في الخلاء الريفي سيارات الشرطة آتيةً من كل اتجاه.
نظر «أحمد» إلى «ريتا» وقال: نعم، سوف أقوم بتوصيلها … للشرطة!
وفي دقائق كانت سيارات الشرطة قد وصلت. نزل أحد الضباط، ثم حيَّا «أحمد» في حرارة، بينما كان جنود الشرطة يجمعون أفراد العصابة.
كان «أحمد» قد أخذ الحقيبة من «ريتا»، ثم فتح حقيبة السيارة حيث يرقد «مايلز» … وفتح الأخرى حيث يرقد «ماك».
وعندما انصرف رجال الشرطة كان «أحمد» يتلقَّى رسالةً من رقم «صفر»: «تهنئتي. إلى اللقاء».
وانطلقت «البورش» الصفراء في طريق العودة إلى «باريس».