دمياط في العصور القديمة
دمياط مدينةٌ عريقة في القِدم، ذُكرتْ في التوراة باسم «كفتور»، وعُرفتْ في العصر
اليوناني باسم تامياتس Tamiatis، وفي العصر القبطي
باسم تاميات Tamiat أو تامياتي Tamiati — ويقال إن معنى هذا اللفظ في اللغة المصرية القديمة: الأرض
الشمالية أو الأرض التي تُنبِت الكتان — ومع هذا فنحن لا نكاد نجد لها ذكرًا في المراجع
القديمة، وإنما تبدأ معرفتنا بها بعد الفتح الإسلامي لمصر.
ولعل السر في غموض تاريخها القديم أن فرع دمياط كان أقل فروع النيل السبعة القديمة
أهمية، وكان الفرع البلوزي الذي يصب في البحر عند مدينة بلوزيم — أو الفرما — أهم
الفروع التي تمر بشرقي الدلتا، وأنه كان يجاور دمياط على شاطئ البحر الأبيض المتوسط
مدينتان قديمتان، لهما ما لها من سمات ومميزات، وهما: مدينة تنيس، ومدينة الفرما أو
بلوزيم Pelusium، فكلٌّ منهما كانت تُشرِف على
البحر الأبيض المتوسط؛ الفرما عند نهاية الفرع البلوزي، وتنيس عند نهاية نهرٍ صغير كان
يخرج من فرع دمياط، ويسمى الفرع التنيسي.
وكان موقع هاتَين المدينتَين ممتازًا من الناحيتين الحربية والتجارية، بل لعلهما
كانتا تفوقان دمياط القديمة في هاتين الناحيتَين؛ فتنيس كانت جزيرة في الطرف الشرقي من
البحيرة التي كانت تحمل اسمها (بحيرة تنيس أو المنزلة الحالية)، كما كانت هي والفرما
تقعان في نهاية خطٍّ مستقيم تقريبًا يمتدُّ عبره طريق قوافل صحراوي يصل بينهما وبين
ميناء البحر الأحمر الهامِّ القلزم (أو السويس الحالية)، فكانت تجارات الشرق التي تصل
إلى القلزم تُحمَل منه عبر هذا الطريق إلى الفرما، حيث تحملها سفن البحر الأبيض المتوسط
إلى سواحل الشام وآسيا الصغرى واليونان، وهاتان المدينتان — إلى هذا كله — أقرب إلى هذه
السواحل من دمياط.