التقاء هوكر وشفلر في حلم
مستر بنهام مدير البوليس
في نيويورك
أما بعد: فقد ضقت ذرعًا من عيشة الفرار من مكان إلى مكان من وجه الشرطة الجهريين والسريين، وعن نيويورك لا غنى لي؛ ولذلك شعرت أني واقع في أيديهم لا محالة، ولهذا فضلت أن أسلم نفسي إليك تائبًا حتى متى سمعت وجدتني رجلًا طيبًا، وتقبل اقتراحي في أن تعينني شرطيًّا، فأفيد المدينة أكثر من أن أكون في سجنها يومًا ثم أهرب، فإذا مررت غدًا أمام مركز البوليس ووجدت عند الباب راية بيضاء علمت أنك وعدت بشرفك أن تعفو عني، وتعينني بوليسًا سريًّا، سأمر من هناك بين الساعة ٨ و١٠.
فلما قرأ مدير البوليس هذه الرسالة دُهِش وذهب توًّا إلى حاكم نيويورك، وعرضها عليه وسأله رأيه، فقال: عده وعدًا صادقًا، ولا ترى أفضل من هوكر بوليسًا سريًّا، ومن كان في وظيفة كهذه، فلا بد أن يتوب عن أفعاله، فانصب الراية غدًا.
وفي صباح اليوم التالي، ظهرت الجرائد ناشرة هذا الخبر وقرار الحاكم أيضًا، فتقاطر الألوف إلى أمام دار البوليس لكي يروا هوكر الذي حيَّر البوليس وهرب من السجن، والمستر جان شفلر نفسه سأل في التليفون مدير البوليس عن صحة الخبر فأثبته له، فقال شفلر له: سآتي الآن إليك لكي أرى هوكر هذا؛ لأني رأيته الليلة الماضية في نومي مصافحًا لي، ولهذا أتوق أن أراه.
وكانت الساعة الثامنة ونصف حين وصل جان شفلر إلى مكتب مدير البوليس، فحياه تحية الصديق للصديق، وسأله: أما جاء هوكر بعدُ؟
– لم يجئ بعد، ننتظره الدقيقة بعد الدقيقة، ولكن مرت الساعة التاسعة كلها حتى وافت العاشرة وهوكر لم يأتِ، فقال شفلر: لقد مللت الانتظار وعندي شغل، فلا أقدر أن أنتظر بعد، فإن جاء في غيابي أرجو أن تكلمني تلفونيًّا فآتي حالًا.
فوعده المدير بذلك، وذهب، ثم مرت الساعة بعد الساعة حتى بعد الظهر فلم يأتِ هوكر؛ فيئس مدير البوليس والذين انتظروه معه من مجيئه، وقال بعضهم: إنَّ هوكر يهزأ بالبوليس والحكومة، وقال آخرون: لعله غير واثق من وعد الحاكم بالعفو، فقرر الحاكم أن ينشر العفو عنه في الجرائد رسميًّا لعله يؤمن فيسلم.
ولما كانت الساعة السابعة مساءً طُلِب مدير البوليس إلى التليفون؛ فتناول البوق ووضعه على أذنه، وقال: من هذا؟
– أنا دولن أحد الشرطة السريين.
– ماذا عندك؟
– علمت من مصدر ثقة أنَّ هوكر وشفلر سيجتمعان اجتماعًا سريًّا هذه الليلة الساعة الثامنة في مكتب شفلر، وسيكون المكتب مقفلًا مظلمًا حسب عادتهما؛ لأنهما كان متواطئين دائمًا، وكذا كانا يجتمعان.
– كيف عرفت ذلك؟
– متى التقينا أخبرك، أنا في جرزي ستي الآن؛ فعجلوا بالاستعداد للقبض عليهما معًا.
عند ذلك، جمع مدير البوليس قوة من الشرطة الجهريين والسريين، وأوعز إليهم أن يذهبوا واحدًا بعد الآخر إلى ١٦٠ برودواي، وينبثوا في جهات مختلفة حول ذلك المكان من غير أن يلاحظ أحدٌ، وأن ينتبهوا للإشارة جيدًا حتى متى سمعوها أسرعوا وأحاطوا بمنافذ المكان.
وكان مدير البوليس قد أوعز إلى بواب البناية أنَّ البوابة غير موصدة، وكان اثنان من البوليس السري قد دخلا إلى البناية وصعدا إلى السطح، فلما صارت الساعة الثامنة دخل المدير واثنان من الشرطة، وصعدوا إلى مكتب شفلر من غير أن يسمع لوقع أقدامهم صوت، فوجدوا الباب مقفلًا كسائر أبواب المكاتب في البناية، فنقر المدير عليه فلم يُجِب أحدٌ من الداخل قط، فحرك مصراع الباب فانفتح في الحال كأنه غير موصد، ولكن لم يرَ شيئًا في الظلمة؛ فنادى: «شفلر، هوكر»، فلم يجب أحدٌ، فخاف أن يغدرا به إذا دخل. فأشعل أحد الشرطيين عود ثقابٍ (كبريتًا)، ودخل والمدير معه فلم يلمحوا أحدًا في المكان، وقبل أن ينطفئ العود ضغط زر النور الكهربائي فضاء المكتب فلم يجدوا أحدًا، ولكن وجدوا على الجدار ورقة وقد كتب فيها بالقلم العريض هكذا: «إذا كان شفلر وهوكر قد زاراك أمس من الساعة الثامنة ونصف حتى الساعة العاشرة ولم تهتدِ إليهما؛ فهل تنتظر أن تهتدي إليهما في هذه المرة؟! الوداع، الوداع يا دائرة البوليس، ويا أفلن، ويا بكاروف، ويا بلاك، ويا مس كروس.»
فبُهِت مدير البوليس إذ قرأ هذه الكتابة، وبعد هنيهة قال: إذا لم أستطع القبض على هذين الشقيين فيجب أن أستعفي.
وما انتهى من هذه العبارة حتى دخل بلاك، وقال: قل هذا الشقي ولا تثنِّ؛ لأن هوكر وشفلر واحد، إنَّ شفلر هذا لنصاب عظيم، الأرض التي باعها للشركة التي عقدناها معه ليست ملكه؛ بل ملك رجل آخر لأننا لما شرعنا اليوم بتخطيطها جاء مالكها الأصلي ومنعنا وأثبت لنا أنها ملكه.
عند ذلك دخل دولن أحد الشرطة السريين؛ فقال له مدير البوليس: من قال لك أنَّ شفلر وهوكر سيجتمعان هنا الليلة؟
– لم يقل لي أحد، ولا قلت لأحدٍ كذلك، ولما أتيت إلى مركز البوليس، وسألت سؤالك هذا وعلمت أنَّ واحدًا كلمك باسمي كذلك أسرعت لأرى ما الخبر، وخطر لي أنَّ شفلر نفسه هو الذي كلمك باسمي لأنه يعرفني، ويعرف أني بوليس سري.
وعند ذلك عاد الكل بصفقة المغبون، وفي اليوم التالي ظهرت جرائد نيويورك تهزأ بإدارة البوليس التي لعب فيها شفلر ألاعيبه وهي لا تدري، والقرَّاء دُهِشوا لغرائب هذا الإنسان وصاروا يتوقعون منه أعمالًا أغرب وأعجب.