الدبوس والأحد عشر ألفًا
نحو الساعة الثامنة مساءً دخل جاك هوكر إلى منزل مس إيفا كروس، فاستقبلته هذه على الرحب والسعة، ودخلت به إلى القاعة، وهمت أن تقبله، فنفر منها قائلًا: بربك مس كروس لا تجربيني.
فقالت عابسة: هل ندمت على حبي وتأسفت على وعدك؟
– كلا، بل آسف أني لم أعرفك منذ أول صباي، فتهللت قائلة: إذن لماذا تضن عليَّ بقبلة دفعت ثمنها ٥٠ ألف ريال اليوم؟
– لم تدفعي الخمسين ألف ريال ثمن قبلات يا عزيزتي، بل افتديت بها قلبًا منكسرًا.
– إذن رأيت مسز هوكر اليوم بعد الظهر؟
– بالطبع، رأيتها مقطبة عابسة فسألتها: ما الخبر؟ فقالت إنها كانت زائرة لكِ اليوم، وعرفت ما بيننا من الحب والغرام، فسألتها: كيف عرفت ذلك؟ فقالت إنكِ ساومتها على طلاقي بمبلغ كبير وأرتني بعض المال، فقلت لها متهللًا: «يسرني أن تكوني راضية»، فهاجت وسخطت عليَّ فقلت لها: «لماذا تسخطين وبأي حق تستشيطين، وقد قبلتِ بدلي ثمنًا؟!»
– وماذا أجابتك حين قلت لها ذلك؟
– عادت تنحب وتقول: «إذا كنت تحبني فأتفل على ألوف الريالات، ها الخمسون ألف ريال رُدَّها لمس كروس وحبني ولو شهرًا، وأرضى بعده أن أموت.»
– إذن لا تزال تحبك، فماذا أجبتها؟
– رق قلبي لها، ولو لم أتذكركِ لدنوت منها ومسحت دموعها.
فهجمت عليه مس كروس وضمته وقبلته بالرغم منه، وقالت: بربِّك لا تقابلها بعد.
– لا بد من مقابلتها الليلة بعد؛ لأنها لم تزل زوجتي حتى غدٍ الساعة العاشرة.
– هل رضيت أن تذهب غدًا معك إلى المحكمة للطلاق؟
– بعد جدال طويل لم ترَ بدًّا من ذلك؛ لأنها يئست من حبي لها، ووجدت في ألوف الريالات تعزية عظمى.
فابتهجت قائلة: إذن صرتَ في حكم الزوج لي.
– غدًا بعد الظهر يا حبيبتي الساعة الواحدة أكون هنا لنذهب معًا لأخذ الرخصة.
فطوقت خصره بذراعها، ورامت أن تقبله وهي تقول: إذا كنت تضن عليَّ بالقبلات، فكيف تبرهن أنك مخلص في حبي؟
فتناول جاك من جيبه الدبوس الألماسي، وقال: هاك هديتي لكِ برهانًا.
فدهشت، وقالت: من قال لك أني أحببت هذا الدبوس؟!
– أعلم ذوقك وما رأيته إلا شعرت أنه لا يليق إلا لهذا الصدر الناهض.
فابتسمت، وقالت: هل اشتريته لي؟
– لا أشتريه لسواك.
– هل دفعت ثمنه؟
– لا تهتمي بأمر ثمنه.
– أنا أعلم أنك ظلمت نفسك، فإن ثمنه لا يقل عن ١٢ ألف ريال؛ فاعذرني إذا استأذنتك أن أدفع ثمنه أنا.
– ولكن لا يبقى هدية مني.
– أنا أحسبه كذلك، وحسبي أنك افتكرت أن تقدم هذه الهدية الثمينة لي، وما الفرق أن تدفع ثمنه أنت أو أنا وكلانا واحدٌ؟
– ولكن حتى الآن وأنا أقدم الهدية لم نزل اثنين.
– مهما يكن الأمر فإن ثمن هذا الدبوس لم يزل كله أو بعضه دينًا عليك، ولا أريد أن تكون مديونًا لأحد، فخذ تحويلًا بقيمة ثمنه. كم ثمنه؟
– صاحبه يطلب ١١ ألف ريال، وأنا لا أريد أن أدفع له إلا عشرة آلاف.
– إذن لم تشتره بعد؟
– بل اشتريته، فإن أبى إلا ١١ ألفًا أضطر أن أدفعها له.
وهمت أن تكتب تحويلًا فقال: ماذا تفعلين؟
– أكتب تحويلًا بقيمة ١١ ألف ريال.
قال: اكتبي التحويل «لناقله»، فأقبض القيمة، وغدًا آخذ له الدبوس وعشرة آلاف ريال، فمتى رأى الفلوس يرضى بها دونه، وإن أصرَّ أدفع له الباقي أو بعضه.
الحب يعمي البصيرة حتى البصر؛ فكانت إيفا كروس وهي في إبان حبها كالطفل بين يدي أمه مهما أمرته يفعل راضيًا مسرورًا، فكتبت في الحال تحويلًا «لناقله» بقيمة ١١ ألف ريال، ودفعته لجاك هوكر عشيقها، فألقاه إلى جانبه غير مكترث به كأن نفسه شابعة من الفلوس، والتفت إليها فرأى لهبات الوجد تكاد تندلع من لحظيها، فرمى كفه في كفها، فقبضت على كفه بكل قوتها وجذبته إليها، وقبلت فمه حتى كادت تحرقه أنفاسها الحارة، فما شفت منه غليلًا حتى نشأ فيها غليل جديد، ولكنه أشغلها برهة بالحديث عن مستقبلهما، ثم ودعها وأخذ معه الدبوس والتحويل، وانصرف على موعد لقائها غدًا الساعة الواحدة بعد الظهر.