مؤتمر العصابة
بعد أن خرج مستر هوكر في الليلة السابقة من عند إيفا، وقد تركها ملأى حبًّا وسعادة ذهب إلى «تشيناتون». أما تشيناتون هذه (ومعناها بلدة الصينيين) فهي جزءٌ من القسم الشرقيِّ من نيويورك، ومعظم سكانه صينيون، وفيه يُرتكَب كثير من الفظائع.
ذهب هوكر إلى هناك نحو الساعة الحادية عشرة، ودخل منزلًا حقيرًا؛ فوَجَد خمسةً ينتظرونه بينهم امرأة، فحياهم بمثل الهمس، وقال: يجب أن ننقص واحدًا الآن.
فقال أحدهم: بالطبع لست أنا الذي يجب أن يحذف.
– لا أعني أن يحذف أحدٌ، بل أن يبرح واحد منا هذه المدينة.
فقال آخر: هل تريد أن أبرح أنا؟
أجاب: كلا، بل تبرح ألما.
فقال واحدٌ: لا غنى لنا عنها.
قال: لا بد من سفرها الليلة؛ لأنها لا تقدر أن تتقي تجسس البوليس السري، ولأن الدبوس يجب أن يكون معها، فلا تستطيع أن تعرضه على صائغ هنا لكي يفك حجاره.
فقال آخر: ولماذا لا نبرح كلنا؟! فإن ٦١ ألف ريال ودبوسًا تكفينا قسطًا من نيويورك، فالأفضل أن ننتقل الآن إلى بلد آخر.
فقال هوكر: لماذا نبرح نيويورك العظيمة، وحتى الآن لم يظهر منا في مرسح النصب إلا اثنان أنا وألما. أما ألما فتبرح الليلة إلى نيو أورلينس، وأما أنا فلا أبرح حتى أتمم أدواري كلها، وأشغل صحف أميركا شهرين والبوليس السري عامين.
فقالت ألما: أتعني أني أنتظر هناك.
– نعم، تنتظرين هناك إلى أن يرد لك خبرٌ جديد مني، فإذا أرسلت لكِ تلغرافًا أقول فيه: «انتظري تلغرافي من مونتغمري» مثلًا كان المعنى أن تذهبي إلى هناك في الحال، تنتظرين رسائلك وتلغرافاتك في دار البريد، تستوطنين كل ٣ أيام في مكان، والآن وزِّعي على كل منا حصته من النقود التي معنا، وها الدبوس خذيه، ولا تحسبي حسابه حتى تباع كل جواهره فهو أمانة معك الآن، ونكل إلى مهارتك أمر فك جواهره وبيعها.
فقالت ألما: ولكن تعلمون أنَّ جواهره منفصلة لا تساوي أكثر من ثلثي ثمنه الأصلي.
فقال أحدهم: ليس أحدٌ منا يستخونك فلك أن تتصرفي بحكمتك.
وعند ذلك وزعت ألما على كل نصيبه من غنيمة ذلك النهار، ثم قال أحدهم: يبقى الآن أن نعلم ما هي واجباتنا غدًا، والبوليس يبحث عن مستر هوكر.
فأجاب هوكر: غدًا لا يهتدي البوليس إلى جاك هوكر حتى الساعة الخامسة أو السادسة.
فقالت ألما: وهل يقبض عليك؟
أجاب: من غير شك يا عزيزتي.
قالت: لا أفارقك.
– بل تفارقينني لأنني أبقى في إدارة البوليس حتى ضحى اليوم الثاني، ومن ثم أخرج وعلى أثر خروجي يختم الدور الثاني أو بالأحرى الثالث أو الرابع إذا حسبت أننا لعبنا على مس كروس دورين وعلى أفلن دورًا.
قالت: ولماذا يقبض عليك مساءً حتى تنام في السجن؟ فدع القبض يتم صباحًا لكي تخرج مساءً.
– تعلمين أنَّ البنوك تقفل الساعة الثالثة، فيجب أن أخرج الظهر على الأكثر؛ لكي أقبض من البنك تحويلًا كبيرًا إن شاء الله.
فالتفت الإخوان بعضهم إلى بعض كأنهم يستغربون، وقال أحدهم: لا علم لنا بهذا التحويل.
قال: لأنه لم يكتب بعد.
– لهذا سألنا ماذا علينا أن نفعل غدًا؟
– ليس عليك إلا أن تبقى كاتبًا أول في مكتب جان شفلر السمسار، وعلى نوبلي أن يبقى الكاتب الثاني. وأما زيمر وبهل فيبقيان بعيدين لا نعرفهما ولا يعرفاننا حتى يعلم زيمر أني خرجت من دار البوليس فيقابلني في الحانة المعتادة. بقي أن أسألكِ يا ألما: هل استحضرتِ لي محلول يودور البوتاس؟
أجابت: نعم، ها هو وبعض القطن أيضًا.
– إذن تعالي أزيلي به هذه النقطة السوداء من يمين عنقي.
وتقدمت إليه وهي تقول له: هل تؤكد أنه يزيله؟
أجاب: لو كنت كيماوية لعرفتِ أنَّ سواد نترات الفضة لا يزيله عن الجلد إلا محلول يودور البوتاس.
– صدقتَ صدقتَ، أتذكَّر الآن أني أعرف امرأة كانت تصبغ شعرها بمحلول فيه نترات الفضة، فإذا أصاب أصابعَها منه شيءٌ مسحَتْها بمحلول يودور البوتاس، وبعد أن أنجزت ألما هذه العملية قبَّلته، ثم التفت هوكر إلى زيمر، وقال له: هاتِ تقريرَك يا زيمر.
– أي تقرير تعني؟
– أما ذهبت هذه الليلة إلى ملعب مديسون سكوار غاردن.
– نعم ذهبت، وتقريري سطران ها هما: ودفع له ورقة صغيرة، فأودعها هوكر في جيبه بعد أن قرأها، ثم جعلوا يخرجون الواحد بعد الآخر كل إلى مكان.