القبض على هوكر
في مساء اليوم التالي الذي أخلف فيه هوكر بوعده لمستر أفلن ولعاشقته المفتونة مس إيفا كروس، كان دويل الكاتب في محل أفلن وشركاه مارًّا أمام حانة بالقرب من المحل المذكور، فأبصر شخصًا يدخل الحانة، فاشتبه أنه جاك هوكر، فأسرع إلى المستر أفلن وأخبره، فأوعز هذا إلى مركز البوليس، فأسرع بضعة من الشرطة إلى الحانة يصحبهم أفلن بنفسه، وأشار إلى شخص واقف بين الشاربين، فقبض عليه بعض الشرط، وقاده إلى المخفر وهو يقول لهم: «لماذا تقبضون عليَّ؟ ماذا أجرمت؟» فكانوا يقولون له: «ستعلم في المخفر.» أما أفلن فكان يقول له: إن كنت يا خبيث قد دهورت الدبوس، وبذرقت الفلوس؛ فسأقبض على روحك يا لعين.
وكان لما سمع المقبوض عليه كلام أفلن جعل يقول للشرطي القابض عليه: ماذا يعني هذا الرجل فيما يقول، ألأجل دعواه تقودونني إلى المخفر؟ إما أنه مجنون أو أنه غلطان، ما أنا المطلوب.
ولما وصلوا إلى المخفر به أحضروه لدى المستر بنهام رئيس البوليس وأفلن يتبعه، وكان مدير البوليس قد عرف التهمة من قبل؛ إذ أبلغها إليه أفلن نفسه — كما علم القارئ — ثم جعل المدير يستجوبه فسأله: ما اسمك؟
– جان شفلر.
فنظر فيه المدير جيدًا، وقال: اسمك جان شفلر!
– نعم، وهل من غرابة في اسمي؟!
– كلا، ولكن أجان شفلر أم جاك هوكر؟
– قلت لك إن اسمي جان شفلر، فلماذا تختلق لي اسم جاك هوكر؟
– لأن هذا هو اسمك، وأنت تختلق جان شفلر اسمًا جديدًا لك.
فنظر فيه هوكر أو شفلر نظرة المستغرب المتعجب، وقال: ما أدري ما هي وظيفتك يا هذا.
– أنا مدير البوليس والآن أستجوبك.
– حسن جدًّا، سألتني ما اسمي، فقلت لك: جان شفلر؛ فكذبتني وقلتَ إني جاك هوكر، فإن كنت أَعْرفَ عنِّي مِنِّي فلا تسلني، أو سَلْني وجاوِبْ عنِّي.
– ولكن، أليس اسمك جاك هوكر؟
– قلت لك: إن اسمى جان شفلر، يا الله! أليس للفرد أن يحافظ على اسمه؟! ومتى جاز لمدير البوليس أن يجرده من اسمه؟!
وكان أفلن ينظر إليه ويتميز غيظًا، فالتفت إليه مدير البوليس وسأله: هل تعرف هذا الشخص؟
– نعم، أعرفه جيدًا واسمه جاك هوكر لا محالة.
وكان جان شفلر ينظر مبهوتًا تارةً إليه وتارةً إلى مدير البوليس، ثم سأله مدير البوليس: هل تعرف هذا الرجل؟
– كلَّا، لم أعرفه قط ولا أذكر أني رأيته في حياتي، فلا شك أنه مجنونٌ.
وكان أفلن يحرِّق الأرَّم عليه؛ فقال: لا ريب أني كنت مجنونًا حين سلمتك الدبوس بلا ضمانة.
فقال مدير البوليس: أنا الذي أستجوبك فجاوب على أسئلتي، ماذا تشتغل؟
– أشتغل بسمسرة الأراضي في «لون آيلند» (لون آيلند جزيرة محاذية لنيويورك)، ولي مكتب مسْتَقل في ١٦٠ من شارع برودواي.
– هل يعرفك أحد تشتغل بهذه المهنة؟
– بالطبع؛ عندي كاتبان وزبائن، وأمسِ عقدتُ شرِكةً مع اثنين على أرض للبناء في «لون آيلند».
وكان أفلن ينظر إليه مستغربًا، ثم سأله المدير: أما اشتغلت بتجارة الحلي؟!
– كلا، البتة.
– ألم تَعتَدْ أن تبيع بعضَ السيدات حليًّا؟
– كلا كلا، شغلي سمسرة الأراضي فقط.
– هل تعرف محل أفلين وشركاه؟
– هل هو محل سمسرة؟
فقال أفلن مستشيطًا: يا الله من قحته! يتجاهل أيضًا.
فقال له المدير: بل هو مخزن حلي وجواهر.
– لا رغبة لي في الحلي والجواهر؛ ولهذا لا أعرفه ولا أعرف سواه من زملائه.
– ألم تذهب إليه أمسِ بعد الظهر الساعة الثانية؟
– لا أعرفه قط؛ فكيف أذهب إليه؟!
– إذن تنكر كل شيء؟
– لم أنكر شيئًا قط، فقد أجبتك حسب أسئلتك.
– هل تعرف سيدة تدعى مس إيفا كروس؟
ففكر شفلر هنيهة وهزَّ رأسه قائلًا: لا أعرف سيدة بهذا الاسم البتة.
– هي تسكن في الأفنيو الخامس (موطن الأغنياء).
– لا أعرف أحدًا هناك، والأغنياء لا يمكنهم أن يكونوا زبائني؛ لأن شغلي مع الطبقة الوسطى.
فالتفت المدير إلى أفلن؛ فبادره هذا بقوله: إنَّ مستخدميَّ الثلاثة هنا ينتظرون أن تدعوهم لكي تستجوبهم.
فاستدعاهم المدير واحدًا واحدًا، وسأل كلًّا منهم نفس الأسئلة، فنال تقريبًا نفس الأجوبة. سألهم إن كانوا يعرفون ذلك الشخص الذي يدعي أنَّ اسمه جان شفلر.
فأجاب كلٌّ منهم: نعم؛ أعرفه.
– كم مرة رأيته؟
– لا أقل من ٣ مرات في محلنا.
– لماذا؟
– كان يأتي فيشتري بعض خواتم ودبابيس وشنوفًا، وأخيرًا أخذ الدبوس النفيس لكي يريه لمس إيفا كروس.
فنظر المدير إلى شفلر، وقال له: ماذا تقول يا هذا فيما قرره هؤلاء عنك؟
فلمس شفلر جبينه بيده، وقال: لعلِّي أنا في حلم الآن، ولكني ألمس جبهتي بيدي، فأتأكد أني في يقظة، فإما أني مجنون وأتوهَّم ما أسمع توهمًا، أو أنَّ هؤلاء مجانين لا يفهمون ماذا يقولون، لا أعرف أحدًا منهم، فهم من غير شك إما منافقون أو مجانين.
فقال المدير: وهل عندك من يثبت دعاويك؟
– من غير بد، آتيك بألف شخص يعلمون أني أنا جان شفلر السمسار، ومحلي في ١٦٠ برودواي.
– ولكن هذا لا ينفي أنك كنت تتردد إلى محل مستر أفلن باسم جان هوكر، وقد أخذت منه دبوسًا بقيمة ١٠ آلاف ريال، وأنت تتوارى بهذا الاسم.
– نعم، ولا ينتفي أيضًا أن يكون مستر أفلن وكتابه مدعين عليَّ زورًا.
– تقول إنك لا تعرفهم البتة، فلماذا يدَّعون عليك دون سائر الأنام؟!
– لا أدري لماذا وقع اختيارهم عليَّ، ولكني أَقدِر أن أُقدِّم تقريرًا عن حياتي كلها وأُثبِت طهارتها.
– لا يهمنا تاريخ حياتك، بل يهمنا أن نعلم أين كنت أمسِ بعد الظهر؟ وماذا فعلت؟
– حسن جدًّا، كنت في مكتب المستر جوزف بلاك المحامي في ٣١٠ برودواي، وبقيت هناك منذ الساعة الواحدة حتى الثالثة ونصف تقريبًا.
– هل عندك شهود على ذلك؟
– نعم، المحامي وكتابه والمستر إبراهام بكاروف، فقد كنت معهم كل الوقت.
فنظر المدير إلى أفلن كأنه يسأله رأيه؛ فقال: يجب أن يُستدعَى كل هؤلاء.
فقال المدير بنهام: غدًا نستدعيهم ونستدعي غيرهم؛ لأنه يتعذر استدعاؤهم الآن، ولهذا نرجئ التحقيق إلى الغد.
فقال شفلر: لا بأس، وأنا!
– تبقى سجينًا للغد.
– أقدم كفالة.
– لا أقبل كفالة قبل استيفاء التحقيق.
– إنَّ هذا لَظلمٌ واضحٌ.
– أتريد أن تخرج لكي تُدَبِّر شهود النفي؟
– إنك تهينني يا هذا.
– لا هوان للوقح.
– غدًا متى انجلى التحقيق تندم على هذا القول.
ثم أمر بنهام فأخذه الشرطة إلى سجن المخفر.
بعد ذلك كتب مدير البوليس قائمة بأسماء الأشخاص الذين استشهد بهم شفلر أو هوكر وأفلن، وأخذ عنواناتهم، وأرسل إليهم يستدعيهم في صباح اليوم التالي.