ودار الباب الكبير!
أحسَّ الشياطين الأربعة الذين كانوا في المقر السري بهزةٍ بعد قراءة تقرير رقم «صفر» الرابع … فهم قد درسوا في المقر السري الرئيسي «ك. س» بعض المعلومات عن منظمة «الورلد ماسترز» التي تسعى لوراثة منظمة «المافيا» القديمة … ولكن المعلومات عن منظمة «الورلد ماسترز» غامضة؛ فلا أحد يعرف مقرَّها الرئيسي بالضبط، وهل هو في شيكاغو أو في لندن أو باريس أو روما أو غيرها من العواصم التي تتكوَّن فيها عادةً أعتى العصابات؟ … أمَّا زعامة المنظمة فإنها تتم بالانتخاب سنويًّا من بين أعضاء الفرق، وكل فرقة تُشكِّل في حد ذاتها عصابةً ضخمةً مستقلة، ورئيس الفرقة عضو في مجلس منظمة «الورلد ماسترز».
باختصار عرف الشياطين اﻟ «١٣» أنهم الآن يُواجهون أكبر منظمة في تاريخ الإجرام تقريبًا، منظمةٌ أسطورية، لو كسبوا منها جولة؛ فسوف يدخلون جولةً ثانيةً وثالثةً ورابعة، مع أصناف وأنواع من المجرمين العالميين الدهاة …
وليس هناك شك في أن قوة الشياطين اﻟ «١٣» مهما بلغ نظامهم وتدريبهم لا يمكن أن تُقارَن ﺑ «الورلد ماسترز» … بل حتى بفرقة واحدة من هذه المنظمة المخيفة!
وضع «أحمد» كوب الشاي من يده وقال: «الورلد ماسترز»؟!
إلهام: نعم!
أحمد: إن جميع المغامرات التي مرَّت بنا هي مجرَّد مداعبات بالنسبة لهؤلاء، وأشك أن رقم «صفر» سيقبل التحدي … إنه يخاف علينا كما يخاف الأب على أولاده، ولا أظن أنه سيسمح لنا بالدخول في صراع مع هؤلاء «العتاويل».
بو عمير: لننتظر ونرَ … فقد طلب منا رقم «صفر» ألَّا نتحرك حتى نتلقى تعليماتٍ جديدة.
ومضى أغلب الليل دون أية معلومات أخرى من رقم «صفر»، وأوى الشياطين اﻟ «١٣» إلى مضاجعهم، وكلٌّ منهم يُفكِّر في الساعات القادمة وما يمكن أن تحمل من تعليمات.
هل يقبل رقم «صفر» التحدي؟ هل يتراجع ويُفضِّل أن ينسحب الشياطين اﻟ «١٣» من الميدان، ويتركوا المعركة للجهات الرسمية، أو يخوض المعركة لأنها ستُفرض عليه فرضًا؟!
هذا ما جاءت به تعليمات الصباح من رقم «صفر».
من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س»
لا سبيل أمامنا إلَّا الاشتباك معهم … إنهم — حتى لو انسحبنا من أمامهم — لن يُصدِّقوا، وسوف يسعَون للقضاء علينا بكل الوسائل، خاصةً بعد انتصارنا عليهم في الجولة الأولى، وقضائنا على «كاتسكا» أحد زعمائهم … لهذا فإنني أرجو أن نُسرع بالانتهاء من «مالمو» ومن مستر «ون بولت» قبل أن يتكاثر عددهم. وقد علمتُ في ساعة مبكرة من الصباح أن «ون بولت» لن يُسافر إلى «القاهرة»؛ لأن جراحه خطيرةٌ وسيبقى للعلاج، وسيُسافر «مالمو» وحده إلى «القاهرة» … ضعوا خطتكم، وأخطروني بها، وسأُرسل لكم كل المعلومات التي تصلني أولًا بأول.
ساد الصمت بعد أن انتهت «إلهام» من قراءة التقرير، ثم قال «أحمد»: ستظل خطتنا كما هي … سأُسافر إلى «القاهرة» ومعي «عثمان»، وستبقى أنت يا «بو عمير» و«إلهام» هنا، وعليكما باستدعاء من تشاءون من الشياطين لمساعدتكما … وإذا احتجنا لمساعدة فسوف نُرسل لكما.
ورفع «أحمد» سمَّاعة تليفون داخلية وتحدَّث إلى عمِّ «سرور»: أرجو أن تكون أوراقنا وتذاكرنا أنا و«عثمان» جاهزةً للسفر هذا المساء إلى «القاهرة». ويبقى «بو عمير» و«إلهام» هنا.
ووضع «أحمد» السمَّاعة ونظر إلى «إلهام»، وجد وجهها جامدًا لا يعكس حقيقة مشاعرها. وكان مُتأكِّدًا أنها كانت ترغب في السفر معه إلى «القاهرة»؛ فقد كانت فرصةً ذهبيةً ليكونا قريبَين أحدهما من الآخر، ولكن العمل كان أهم … والواجب قبل الصداقة … فإذا انقسم الشياطين إلى قسمَين؛ واحد في «القاهرة» والآخر في «بيروت»، فلا بد أن يكون «أحمد» في قسم «القاهرة» لأنه من مصر، و«إلهام» من قسم «بيروت» لأنها من لبنان، وليس هناك حل آخر …
من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س»
هناك برقية وصلت اليوم إلى «مالمو»؛ سيلحق به في «القاهرة» ثلاثة رجال، وسوف تصل إليكم تقارير عنهم في الأيام القليلة المقبلة … أمَّا مستر «ون بولت» فقد علمتُ الآن أنه ينزل في فندق صغير جدًّا في جبل لبنان، وسوف أُرسل لكم عنوانه في المساء عندما نتأكَّد. خذوا حذركم … وتمنياتي لكم بالتوفيق.
قرأ «أحمد» التقرير واستعد هو و«عثمان» للمسير. وقال ﻟ «إلهام»: بلِّغي رقم «صفر» ما اتفقنا عليه … وسننتظر برقياتكم وتليفوناتكم حسب الخطة «ب. م». ثم شدَّ على يد «إلهام»، وكذلك فعل «عثمان»، وانطلقا إلى المطار.
قضى «عثمان» و«أحمد» أول ليلة لهما في «القاهرة» في شقة مفروشة بمدينة المهندسين، وهي إحدى الشقق التي يملكها الشياطين اﻟ «١٣» كأماكن مؤقتة في «القاهرة». وفي الصباح خرجا لأول نزهةٍ بلا عمل … فقد قرَّرا إرسال برقية إلى رقم «صفر» في «بيروت»، طالبين منه توصيةً للعمل في فندق «الميريديان» ﺑ «القاهرة». وحسب الخطة «ب. م» أرسلا برقيةً على عنوان معروف في «بيروت»، هو واجهة لأحد أنشطة رقم «صفر». ثم قضيا اليوم في الاستمتاع بشمس «القاهرة» الدافئة في أيام شهر ديسمبر الباردة … وفي المساء أخذا طريقهما إلى فندق «ميريديان»، وكانت أول مرة يراه «أحمد» بعد افتتاحه.
وقال «عثمان» وهما يدوران في قاربٍ صغير في النيل: إن هذا أجمل موقع لفندق في «القاهرة» داخل في النيل، ويطلُّ على أجمل مشهد في العاصمة.
أحمد: لقد كان في مكانه في الماضي مطعم يُدعى «فونتانا»، لكن لم يكن سعيد الحظ، وأرجو أن يكون هذا أسعد حظًّا.
عثمان: وما هي خطتك بالضبط؟
أحمد: سنلتحق بالعمل في الفندق كما اتفقنا … وسنُحاول معرفة سر حضور «مالمو» إلى «القاهرة» … فإن قضاءنا على «مالمو» — على فرض أننا سنتمكَّن من هذا — ليس كافيًا لدخول معركة مع منظمة «الورلد ماسترز» أو «و. م»، بل المهم معرفة ماذا تُريد المنظمة بالضبط … إننا عرفنا أن المنظمة تسعى إلى فرض نفوذها الشرير على هذه المنطقة من العالم، وهي بالطبع لا تسعى لفرض هذه السيطرة بشكل ظاهر، وإلَّا لتصدَّت لها الحكومات، ولكن بشكل سري طبعًا، فكيف سيكون شكل هذه السيطرة؟ ومن الذين يتعاونون مع المنظمة في مصر وغيرها من البلاد العربية؟ … إن هذه هي المعلومات التي يجب أن نعرفها قبل أن ندخل في صراع مع المنظمة.
عثمان: إنها خطةٌ طموح جدًّا يا «أحمد» …
وبعد ساعة كانا يقفان أمام الفندق الكبير … ونظر كلٌّ منهما إلى الآخر وابتسما، فسوف يعملان بعد لحظات في الخدمة، وسوف يحملان أطباق الطعام للنزلاء، وهي مهمة تمرَّنا عليها في المقر السري، كما تمرَّنا على عشرات من الأعمال لا تخطر على البال.
ودخلا من الباب الدوَّار، وانطلقا للسؤال عن مدير الفندق … واستقبلهما الرجل بابتسامة عندما قدَّما نفسَيهما وقال: لقد وصلتني توصية لا أستطيع إلَّا تنفيذها … وفهمت أنكم ستعملان هنا بضعة أيام فقط.
ردَّ «أحمد»: نعم يا سيدي … ثلاثة أو أربعة أيام.
قال الرجل: مرحبًا بكما … ولكن لمزيد من التأكُّد لإجادتكما للعمل، سوف يقوم «المترودوتيل» باختباركما؟
أحمد: نحن مستعدَّان يا سيدي.
وبعد لحظات كانا يحملان — حسب أوامر «المترودوتيل» — عددًا من الأطباق يمشيان بها في المطبخ بسرعة، وفي الواقع إن الرجل أُعجِب ببراعتهما، خاصةً وهما يسيران بثبات وكلٌّ منهما يحمل صينيةً عليها طعامٌ كامل … وقال «المترودوتيل» وهو يُحدِّث المدير: إنهما من أفضل من رأيت في أسلوب الخدمة ورشاقة الأداء.
وسعد المدير بهذا القرار، وسلَّمهما العمل … وبعد نصف ساعة كان كلٌّ منهما يلبس ملابس الجرسونات، ويقف في جانب من الصالة الواسعة. وأخذ «أحمد» يُراقب الحاضرين باحثًا عن «مالمو» قارئ الأفكار ذي الرأس المستدير الكبير، ولكنه لم يكن موجودًا.
فكَّر «أحمد»، ونظر إلى «عثمان» الذي كان يقوم بخدمة بعض الزبائن، ولكن قبل أن يُحوِّل الحديث إليه دار الباب الكبير، وظهر أربعة رجال … ثلاثة طوال القامة كالعمالقة، وواحد قصير، مستدير الرأس، لامع العينَين كالذئب … ولم يشك «أحمد» لحظةً واحدةً أنه أمام الرجل الخطير قارئ الأفكار «مالمو»!