الخطة الجهنمية
مضت لحظات صمت، ثم قال «أحمد»: الآن نستطيع أن نجمع المعلومات المتناثرة ونُكوِّن منها شيئًا معقولًا … إن العصابة تقدَّمت إلى هيئة التليفونات على أنها تُمثِّل شركة تليفونات لعلها من «أوروبا» أو «أمريكا»، وستقوم الشركة بتركيب أجهزة «الميكرويف» بشكل عادي، ولكن ضمن هذه الأجهزة أجهزة تنصُّت ستُركَّب في الأماكن الهامة التي بها تليفونات كبار المسئولين ليمكن التجسُّس على مكالماتهم، وهذا هو السبب في إدخال الأجهزة على أجزاء، مع الرجال جزء، ومع الفتيات جزء آخر … وبهذه الطريقة يمكن إدخال أجهزة التجسُّس دون أن يتنبَّه أحد.
بو عمير: معقول، ولكن ما هي حكاية السلاح السري؟
أحمد: لعل «عثمان» يُجيب عن هذا السؤال.
عثمان: الحقيقة ليست عندي معلومات دقيقة. لقد سمعت الفتاة مرةً تتحدَّث إلى «مالمو» عن سلاح سري، ولا أدري ما هو المقصود … هل عند العصابة سلاح سري، أو أنها تسعى للحصول عليه؟
أحمد: المهم الآن أن مكان المعركة القادمة سيكون المعادي … لو أننا ربطنا كلمة دكتور التي جاءت في التسجيل، بالرسم الكروكي لمستشفى المعادي؛ لكان معنى ذلك أن شيئًا ما سيحدث في المستشفى الكبير … وأعتقد أننا يجب أن نذهب إلى هناك لبحث الأمر على الطبيعة.
عثمان: إن كل ما أحلم به الآن هو عشاء دسم ونوم طويل؛ فقد قضيتُ الليلة الماضية كلها في المراقبة.
وقامت «إلهام» بإعداد عشاء سريع تناولوه، ثم قاموا جميعًا إلى غرفهم واستسلموا للنوم.
في صباح اليوم التالي نادى «أحمد» بائع الجرائد وحصل منه على كل الجرائد الصباحية التي نشرت خبر لصوص الليل في الفندق الكبير … وابتسم «أحمد»؛ فقد نجحت خطته في خداع العصابة التي ظنَّت أن السطو الليلي كان للاستيلاء على بعض الملابس والنقود.
وبعد أن استعدُّوا للخروج قال «عثمان»: سأذهب لمقابلة الفتاة في الشقة التي تُقيم بها في شارع «شريف» حسب الموعد حتى لا تشك في شيء … فما هي خطواتنا القادمة؟
كان «أحمد» منهمكًا في قراءة الجرائد بدقة، وبدلًا من أن يردَّ على سؤال «عثمان»، أشار إلى خبر في اجتماعيات الأهرام، وأخذ يقرؤه بصوت مرتفع: يصل اليوم إلى «القاهرة» البروفيسير «ف. ك. منكن» أستاذ جراحة المخ. وسوف يقوم البروفيسير بإجراء بعض العمليات الجراحية بمستشفى المعادي.
وأنصت «بو عمير» و«عثمان» و«إلهام» إلى الخبر في اهتمام، ثم قال «أحمد»: لقد قرأت أمس خبرًا آخر يمكن ضمه إلى هذا الخبر، فتُصبح عندنا قضية جاسوسية وقتل أو خطف لا مثيل لها.
وقام «أحمد» بإحضار جرائد الأمس، ثم قلَّبها سريعًا ووقف عند صفحة وأشار إلى خبر فيها، وأخذ يقرأ: نُقل أمس إلى مستشفى المعادي عالم مصري كبير بعد إصابته بنزيف مفاجئ في المخ.
قالت «إلهام»: معك حق … عالم مصري يُنقل إلى مستشفى المعادي. دكتور أجنبي يصل لإجراء جراحات المخ … العصابة تتحدَّث في التسجيل عن شيء ما وصل إلى شخص، وعن وصول دكتور … و«عثمان» يتحدَّث عن سلاح سري، وأجهزة غريبة تصل متفرِّقةً من أماكن متعدِّدة … إن الخطة التي وُصفت بأنها جهنمية تُطبَّق الآن … فماذا سنفعل؟
قال «أحمد» بسرعة: «عثمان» … اذهب بسرعة إلى موعدك مع الفتاة. حاول أن تحصل على أكبر قدر من المعلومات. سأحصل اليوم على إذن لي وﻟ «إلهام» بزيارة المستشفى، وعلى اسم العالم المصري الذي نُقل إلى هناك، وقد نُضطر إلى الاستعانة بزملاء رقم «صفر» في «القاهرة» لتحذيريهم من البروفيسير القادم.
بو عمير: هل تشك في هذا الرجل؟
أحمد: طبعًا … إنه بروفيسير إمَّا مزيف … وإمَّا يعمل مع العصابة!
عثمان: ومتى نلتقي؟
أحمد: سيبقى «بو عمير» هنا بجوار التليفون، وسنتصل به لإبلاغه بكل التطوُّرات التي تتم … والمعتقد أن المعركة الفاصلة ستتم الليلة، فلا تنسَوا أن «مالمو» قال إن كل شيء سينتهي خلال ٤٨ ساعة، وقد مضى حتى الآن ٢٤ ساعةً على هذا الكلام، وأعتقد أنهم يُدبِّرون إمَّا لخطف العالم المصري … أو قتله.
ركب «عثمان» مع «أحمد» و«إلهام» السيارة «الرينو»، فأوصله «أحمد» إلى شارع «شريف»، وانطلق هو و«إلهام» إلى مكتب تليفونات شارع «عدلي»، ومن هناك اتصل «أحمد» برقم تليفون سري، وتحدَّث مع شخص ما، مستخدمًا الرموز المتفق عليها …
وعندما خرج من كابينة التليفون قال ﻟ «إلهام»: العالم المصري عالم في الأسلحة الإلكترونية. وكان يقوم بتطوير سلاح مصريٍّ سري سيُحدث انقلابًا في موازين الحرب، وأثناء عمله أُصيب فجأةً بنزيف في المخ ونُقل إلى المستشفى.
إلهام: هل تظن …
وقبل أن تُكمل جملتها قال «أحمد»: بالطبع … إن العصابة دسَّت له عقارًا يُؤدِّي إلى هذه الحالة، أي نزيف المخ … أو …
وصمت «أحمد» فقالت «إلهام»: أو ما يُشبه نزيف المخ.
أحمد: بالضبط … والآن إلى مستشفى المعادي، وسنجد تعليمات بتسهيل مهمتنا هناك.
وانطلقت «الرينو» الصفراء هادئةً في مصر القديمة، وعندما وصلت إلى كورنيش النيل أطلق لها «أحمد» العنان.
كان شارع الكورنيش بين مصر القديمة والمعادي من أجمل المناظر التي وقع عليها بصر «إلهام» … الاتساع، والمياه، والشمس، والخضرة، وجزيرة الذهب القابعة وسط النيل … واستلقت «إلهام» على مقعدها مبهورةً بالجمال الذي حولها … بينما «أحمد» يعضُّ على أسنانه وهو يُفكِّر في الساعات المقبلة وكيف تنتهي … وبعد ربع ساعة تقريبًا وصلوا إلى مبنى المستشفى الكبير، وهو أكبر مستشفًى في منطقة الشرق الأوسط.
ودخل «أحمد» بالسيارة من البوابة حيث وجد تعليمات بتسهيل مأموريته. وطلب «أحمد» أن ينزل كمريض في غرفة مجاورة لغرفة العالم المصري، ورغم صعوبة إيجاد غرفة خالية في المستشفى فقد تمَّ تدبير المكان، ووجد «أحمد» نفسه ممدَّدًا على الفراش، يتلقَّى ابتسامات الممرِّضات الحسناوات. وطلب «أحمد» من «إلهام» أن تتجوَّل في الدهليز الذي يضم الغرفتَين، وتعرف كل مسالكه وطرقاته، بينما رفع «أحمد» سمَّاعة التليفون واتصل ﺑ «بو عمير» وقال له: إنني الآن نزيل الغرفة رقم «٤٠٦» في مستشفى المعادي. هل هناك أخبار عن «عثمان»؟
ردَّ «بو عمير»: لا أخبار حتى الآن.
أحمد: لا تتحرَّك حتى أتصل بك.
واستلقى «أحمد» على الفراش وأخذ يُحدِّق في السقف: ما هي الخطوات القادمة؟ وما هو المطلوب بالضبط من العالم المصري؟ … وكيف سيدخل أفراد عصابة «الورلد ماسترز» إلى المستشفى ذي النظام الصارم؟
ومضت الساعات، وفي الخامسة مساءً دقَّ جرس التليفون بجوار «أحمد»، وكان المتحدِّث «بو عمير»: اتصل «عثمان» الآن … وصل الطبيب العالمي البروفيسير «منكن» ونزل في فندق «الميريديان»، وسيذهب إلى المستشفى في العاشرة ليلًا.
أحمد: في العاشرة؟
بو عمير: نعم … هكذا قال «عثمان».
أحمد: إذن تعالَ الآن … اركب تاكسيًا واطلب منه أن يتوجَّه بك إلى المستشفى وكن مستعدًّا.
وفهم «بو عمير» القصد من «كن مستعدًّا» … إن لها معنًى واحدًا، أسلحة مناسبة … إذن لا بد أن معركةً ستنشب على غير ما توقَّع «أحمد».
وفي السادسة مساءً كان «أحمد» و«بو عمير» و«إلهام» يجلسون معًا وقد وضعوا أسلحتهم تحت الوسادات. وفجأةً دخل أحد الأطباء ليُقرِّر العلاج اللازم ﻟ «أحمد» الذي تظاهر بالإعياء الشديد، وقال إن حالات إغماء مفاجئة تنتابه بين ساعة وأخرى لا يعرف لها سببًا … وقام الطبيب بالكشف الدقيق، ثم قال: إن صحتك على ما يرام، بل إنها ممتازةٌ بكل المقاييس، ومع ذلك سأقوم غدًا بإجراء بعض الاختبارات والتحاليل؛ لعل هناك شيئًا لا يظهر في الكشف العادي.
وتنفَّس «أحمد» الصعَداء والطبيب يُغادر الغرفة … ومضت الساعات بطيئةً حتى أشرفت على العاشرة. وأشار «أحمد» إلى «إلهام» فخرجت إلى الدهليز، وسرعان ما عادت قائلة: حركة غير عادية … الطبيب العالمي حضر ومعه بعض المساعدين … وطبيب مصري يتقدَّمهم إلى الغرفة المجاورة.
بو عمير: ما هو التصرُّف الآن؟
أحمد: إنني أُريد أن أرى مساعدِي الطبيب … فإنني أعرف الرجال العاملين مع «مالمو»، ولا بد أنهم هم.
وقام «أحمد» مسرعًا وغادر الغرفة … كانت الغرفة المجاورة مغلقةً، ولم يتردَّد «أحمد» فمدَّ يده وفتح بابها ودخل، والتفت كل من في الغرفة إليه، فقال معتذرًا وهو يتفحَّص الوجوه: آسف … ظننتها غرفتي.
وفي نفس الوقت حدثت عدة تصرُّفات غريبة؛ فعندما نظر «أحمد» إلى وجوه الرجال الثلاثة المحيطين بالطبيب العالمي، عرف فيهم على الفور اثنَين ممن يعملون مع «مالمو»، وعرفاه هما أيضًا، وتلاقت العيون في نظرات أشبه بالمبارزة بالسيوف … وقبل أن يتحرَّك «أحمد» كان أحد الرجلَين قد أشهر مسدسه وقال: أغلق الباب خلفك.
ولم يستطِع «أحمد» إلَّا تنفيذ الأمر … وبدا الذهول على وجه الطبيب المصري، وسرعان ما كان رجلان ينقضَّان عليه، وأخرج الطبيب العالمي حقنةً دسَّها سريعًا في ذراع الطبيب المصري الذي انهار في ثوانٍ قليلة.
كانت هناك نقَّالة في جانب الغرفة، قام الرجال الثلاثة بنقل المريض إليها، ووضعوا الطبيب مكانه، ثم رفع ذو المسدس ذراعه وهوى على رأس «أحمد» فسقط على الأرض، وشاهد وهو يغيب عن وعيه باب الغرفة يُفتح، والنقَّالة تُغادره، وخلفها الرجال الثلاثة والطبيب العالمي المزيَّف.
جلس «بو عمير» و«إلهام» لحظات صامتَين … لماذا غاب «أحمد»؟ … وما هي الخطة التي نفَّذها؟ وبعد دقائق قال «بو عمير»: لن ننتظر أكثر … وخرج من الغرفة وخلفه «إلهام»، وتقدَّم «بو عمير» من الغرفة المجاورة وفتح الباب. كان ثمة شخص ملقًى على السرير، قالت «إلهام»: إنه الطبيب المصري! … واستعدَّا لمغادرة الغرفة عندما سمعا أنينًا تحت الفراش، وانحنى «بو عمير» ووجد «أحمد» ملقًى على الأرض يُحاول أن يرفع رأسه فلا يستطيع، فجرَّه إلى الخارج وحمله إلى الحمَّام ووضع رأسه تحت الماء البارد، وشيئًا فشيئًا بدأ «أحمد» يُفيق، وقال بصوت واهن: لقد خطفوا العالم المصري.
قفز «بو عمير» خارجًا ونظر إلى الدهليز فوجده خاليًا، فوقف لحظات لا يدري ماذا يفعل … ولحقه «أحمد» مترنِّحًا ومعه «إلهام»، وقال «أحمد»: إنهم سيخرجون به من البوَّابة في عربة دون أن يدري أحد.
وأسرع الثلاثة إلى المصاعد، ولكنها كانت مشغولة، وأسرعوا ينزلون السلم إلى ساحة المستشفى الواسعة … شاهدوا عند الباب سيارةً تُغادره … وقال «أحمد»: إنها السيارة الإلكترونية المسلحة.
أسرع الثلاثة إلى السيارة «الرينو»، واندفعوا خلف السيارة التي أخذت تجري في اتجاه حلوان وليس في اتجاه «القاهرة».
قال «أحمد» وهو جالسٌ بجوار «بو عمير» الذي تولَّى القيادة: هل معكما أسلحة؟
إلهام: نعم … كل منَّا معه مسدس.
أحمد: لا يصلح المسدس أمام هذه السيارة المدرَّعة؛ فكل شيء فيها مضاد للرصاص.
ومضت السيارتان بسرعة رهيبة على الكورنيش الواسع، وفجأةً قالت «إلهام» وهي تُشير إلى السيارة: إنني أرى شخصًا يجلس فوق السيارة.
نظر الثلاثة إلى حيث أشارت «إلهام»، وانطلق من فوق السيارة خيط من الضوء، وعرفوا على الفور … وصاحت «إلهام»: إنه عثمان!
قال «أحمد» وقد بدأ يستردُّ نشاطه: يا له من شيطان!
مضت السيارة الإلكترونية تشق طريقها كالصاعقة وخلفها «الرينو» كالسهم، وقال «أحمد»: إنها السيارة التي أطلقت النار علينا أوتوماتيكيًّا في جبل لبنان … لقد أحضروها إلى «القاهرة» ليُنفِّذوا بها خطتهم الشيطانية … ومن المؤكَّد أنهم كانوا سيضعون الطبيب المصري في مخبأ فيها، ثم يُغادرون بها البلاد دون أن يشك أحد؛ فهي كبيرةٌ ويمكن إخفاء شخص فيها ببساطة.
إلهام: ماذا سيفعل «عثمان»؟
أحمد: الحل الوحيد أن ينحني ويُطلق الرصاص على قائد السيارة.
وقد نفَّذ «عثمان» فعلًا ما فكَّر فيه «أحمد»؛ فقد شاهدوه يزحف فوق السيارة، ثم ينحني داخل كابينة القيادة. وبعد لحظات شاهدوا السيارة الإلكترونية تترنَّح وتخرج عن خط سيرها … ثم تنزل إلى الرمال المحيطة بطريق حلوان.
وأوقف «بو عمير» «الرينو» الصفراء، واندفع الثلاثة يحملون مسدساتهم. قفز «عثمان» إلى الأرض وانضمَّ إليهم … وفجأةً بدأت السيارة المدرَّعة تُطلق نيرانها في دفعات قوية … وارتمى الأربعة على الأرض، واتخذوا ساترًا لهم … وبدأ رجال العصابة يُغادرون السيارة وهم يُطلقون النار … ولكن الشياطين الأربعة كانوا مستعدِّين … فانطلقت ثلاثة مسدسات في ثلاث طلقات محكمة، وترنَّح الرجال الثلاثة وسقطوا على الأرض.
واقتحم الشياطين الأربعة الطريق إلى السيارة الإلكترونية، وعندما فتحوا بابها الخلفي وجدوا العالم المصري ممدَّدًا على كرسي طويل، وبجواره الطبيب المزيَّف مصابًا بجرح في رأسه ومغمًى عليه.
قال «أحمد»: يبدو أن رأسه اصطدم بحديد السيارة وهي تترنَّح.
أخرج الشياطين العالم المصري من السيارة الإلكترونية، ووضعوه في السيارة «الرينو»، وربطوا الطبيب المزيَّف في مقعده حتى لا يتحرَّك إذا أفاق.
ثم عادوا بالعالم المصري إلى المستشفى … وفي الطريق قال «أحمد»: إن «مالمو» ليس معهم.
عثمان: لقد غادر «مالمو» «القاهرة» منذ ثلاث ساعات بعد أن تأكَّد أن الخطة الجهنمية تسير في طريقها دون عوائق.
أحمد: لقد هرب مرةً أخرى … معنى ذلك أن لنا جولةً ثالثةً معه.
تهانيَّ … لقد انتصرتم على «الورلد ماسترز» مرةً أخرى … لقد كانوا يُريدون تركيب أجهزة تجسُّس في المناطق الهامة ﺑ «القاهرة» تحت ستار تركيب أجهزة «الميكرويف» التليفونية، ويُريدون في نفس الوقت خطف العالم المصري. لقد دسُّوا له عقارًا ليبدو كأنه مصابٌ بنزيف في المخ حتى يمكنهم خطفه بواسطة البروفيسير المزيَّف من المستشفى … ولكنكم أثبتُّم عظمتكم مرةً أخرى … قررت صرف مكافأة لكم، وإجازة لمدة أسبوع … أُكرِّر تهانيَّ!