الفصل الثاني
(المنظر: نفس المنظر السابق؛ صباح أحد الأيام قبل شروق
الشمس، عزوز على الدكة مختفٍ تحت الملاية صابح يُعد القهوة.)
عزوز
:
(وهو يختفي تحت الملاية) إنت يا واد يا جربولي!
جربولي
:
نعمين يا معلمي!
عزوز
:
فتحت خلاص يا واد؟
جربولي
:
أيوه يا معلمي!
عزوز
:
طيب تعالى.
جربولي
(مقتربًا من المعلم)
:
… نعم يا معلم!
عزوز
:
إتكَّ على كفوف رجلية يا واد، أيوه يا سلام عضمي زي مايكون فيه كلبة
مسعورة.
جربولي
(بهدوء)
:
أنا عاوز خمسة جنيه يا معلم!
المعلم
:
إياك عايز تتجوز تاني؟ يا أخي جتك نيلة يعني بطل قوي. مش تحمد ربنا
اللِّي مراتك ماتت.
جربولي
:
لا يا معلم، هو مين دا، اللي يتجوز تاني، لهوانا مجنون اعملها
تاني؟!
عزوز
:
أُمال عاوز خمسة جنيه ليه يا وَلَه؟
جربولي
:
أنا عاوز خمسة جنيه من غير مؤاخذة علشان اطلَّع بزابورت.
عزوز
(وقد اعتدل في جلسته)
:
… تِطلَّع بزابورت ليه؟
جربولي
:
توكل أفندي، سافر بره ورجع اتعدل حاله، والحتة كلها اتجننت من يوم ما
رجع والناس كلها بتسعى علشان تسافر والواد زينهم هيسافر.
عزوز
:
طيب وانت زي زينهم؟ زينهم صايع، مالوش متوة، لكن انت جرسون قد
الدنيا، ثم تسافر وتسيب القهوة ليه؟
جربولي
:
البركة فيك برضه يا معلم، ثم أنا مش ها اغيب كتير، يا دوب سنة وارجع
تاني.
المعلم
:
بقى يا واد يا حمار حد يسيب بلده ويهاجر، هناك لو عييت هاتلاقي حد
يقف جانبك، ولو جعت هاتلاقي اللي يديك لقمة، هتروح تعمل ايه في البلاد
دي، وانت لو جعت هناك تموت من الجوع.
جربولي
:
وهو فيه حد بيجوع هناك يا معلم، دنا هارجع معايا ألف جنيه، وحتة
عربية مرشيدس أعملها تاكسي بيجيب خمسين جنيه في اليوم يا معلم!
المعلم
:
وهاتجيب الحاجات دي منين يا ناصح؟
جربولي
:
ها اشتغل واحوِّش.
عزوز
:
وانت فاهم ان شغلك هايجيب لك الحاجات دي كلها؟!
جربولي
:
ماهو كل الناس اللي بتروح بتشتغل وتجيب.
المعلم
:
صحيح انك مغفَّل يا واد، العالم بتجيب الحاجات دي من حاجة تانية، إنت
ماسمعتش عمك توكل أفندي لما أر على كل حاجة؟
جربولي
:
أر على إيه يا معلمي؟
المعلم
:
ماسمعتوش وهو بيتكلم في الكندشة؟
جربولي
:
أيوه سمعته.
المعلم
:
طيب ازاي مافهمتش (يضربه) أُمَّال عامل جدع ومِفتَّح، اتَّكَّ …
اتَّكَّ … اتَّكَّ … قوي، أحسن عضمي زي ما يكون فيه كلبة سعرانة.
جربولي
:
على فكرة، إنت مافيكش قوة خالص يا معلم، إنت منظر وبس من غير مؤاخذة
يا معلم! زي الطور من غير مؤاخذة بس يا معلم إنت مافيكش مُروَّة … عضمك
مسوس يا معلم!
المعلم
:
(يرمي الملاية بعيدًا ويقفز من فوق الدكة ثائرًا) خلاص بقيت دكتور؟
إنت راخر فتحت عيادة؟ ماتكتب لي روشتة أحسن، واللِّي خلق الخلق لاكون
مكسر عضمك علشان اوريك، أنا عندي مروة والا لأ (ينهال عليه ضربًا ويصرخ
جربولي ويجري مبتعدًا عن المعلم).
(تخرج زوجة توكل.)
حكمت
:
صباح الخير يا معلم عزوز.
المعلم
:
أهلًا يا ست حكمت شرفتي الحتة ونورتيها.
حكمت
:
منورة بأهلها ياخويا، إزي المدام؟ إياك تكون المدام كويسة؟
المعلم
:
يدوم عزك يا ست هانم، والله بيني وبينك، الصحة مش كويسة، والواحد
ركبه بتنشر عليه زي ماتكون مخوخة، انجر يا واد هات حاجة ساقعة للست
حكمت.
حكمت
:
لا وحياتك يامعلم، أنا ماقدرش أشرب حاجة أبدًا.
المعلم
:
لازم تشربي حاجة ساقعة.
جربولي
(بصوت منخفض)
:
أزوزة يا ست حكمت!
الزوجة
:
لأ، كتر خيرك يا جربولي أنا أصْلِي لسه شاربة عصير … الخلاط عندي
بيعمل عصير فضلة خيرك … اقعد بالعافية يا معلم!
جربولي
:
بقولك ايه يا ست هانم، لا مؤاخذة كنت عاوز اعمل بزابورت علشان أسافر
لكن مش عارف أعمل إيه.
المعلم
:
إنجر يا واد خش جوة بلاش قلة أدب.
(يبلضم جربولي ويدخل القهوة.)
المعلم
:
بقولك ايه يا ست حكمت هانم، أنا طالع في دماغي كده أتوكل على
الله.
حكمت
:
تتوكل على الله فين ياخويا؟ بعد الشر عليك.
المعلم
:
لأ، أنا عاوز أسافر يعني في أيها حتة.
حكمت
:
تتوكل على الله ياخويا، بعد الشر عليك … آه ياخويا … بعد الشر
عنك.
المعلم
:
حاكم أنا طالع في دماغي آخد لي سنة والا اتنين في أيها حتة، افتح حتة
قهوة اعملي قرشين وآجي مصر ابنيلي حتة عمارة على البحر واجيب لي حتة
مرشيدس كمان … يعني تاخد كام الشغلانة دي؟
حكمت
:
متاخدش ياخويا، شغلانة ايه قصدك؟
المعلم
:
شغلانة البازبور.
حكمت
:
ما دام اشتريت الورق ورحت عند مجمَّع التحرير وطلعت السلالم … وكلمت
الصول … يبقى كله تمام.
المعلم
:
بيني وبينك أنا رحت مجمع التحرير وكلمت الصول، بس ما جاوبنيش.
حكمت
:
بإذن الله كل حاجة تخلص … بس قول يا رب!
المعلم
:
ربنا يخليكي يا ست هانم، والله ماكنت عارف اعمل ايه.
حكمت
:
وهي دي ياخويا حاجات صعبة، دا كل الناس تعرفها، أفوتك بعافية بقى يا
معلم … (تدخل).
المعلم
:
مع السلامة يا ست … (يكلم نفسه) أَتصور، لأ أتهندم الأول واتصور …
واروح المجمع واشتري الورق واطلع السلم، وادوخ، واكلم الصول مايجوبنيش …
بسيطة (يتجه نحو الدكة) إنت يا واد يا جربولي.
جربولي
:
نعمين يا معلمي!
المعلم
:
تعالى يا واد اتكَّ على العضمة دي.
(تخرج نبوية من المنزل وتتجه ناحية القهوة … يكتشف
المعلم وجودها فيطرح جربولي جانبًا وينظر إليها بشراسة.)
المعلم
:
إيه اللِّي جابك الوقت دا على الصبح؟
نبوية
(متربصة)
:
نعم؟
المعلم
:
نعم الله عليكي … مابتسمعيش والا إيه؟
نبوية
:
لا، ماباسمعش، طرشت أي خدمة؟
المعلم
:
ياولية اطلعي فوق، خلينا نعرف نشوف أكل عيشنا.
نبوية
:
أكل عيشكو دا ايه يادلعدي؟ هو فين أكل عيشكوا ده؟ دي القهوة اللي
كانت بتصفي عشرة جنيه كل يوم مابقتش بتعمل ببريزة يا معلم.
المعلم
:
إنت هاتحاسبينا؟
نبوية
:
هو انا ها احسبك وبس، دانا ها احاسبك واجرجرك في حديد.
المعلم
:
طيب والنبي تتهوي وتروحي كده بلاش كلام فارغ.
نبوية
:
أتهوَّى اروح فين؟ إنت ناسي انها قهوتي يا معلم؟!
المعلم
:
بقى دي قهوتك يا ولية؟ دي كانت اربع حيطان وعملتها ولا
الشِّرتون.
نبوية
:
بقى كانت أربع حيطان يا ضلالي، القهوة اللي سلمتها لك وفيها كراسي
بالصدف وفيها شِيَش بنُّور لما تقعد تمانين سنة مش هاتحصل واحدة منها …
كانت اربع حيطان يا عزوز؟!
المعلم
:
لا، كانت روف جاردل.
جربولي
:
ماتقصري الشر يا ست أم إمام خلينا نشوف شغلنا.
نبوية
(تلهفه بالقلم وتخطف منه المفاتيح)
:
شغلك دا إيه يا واد انت يا صايع يا ضايع؟! إنتو بتوع شغل
انتو؟!
جربولي
:
إنتِ بتضربيني ليه الوقت؟ أنا ماباشتغلش عندك أنا باشتغل عند المعلم
… المفاتيح بتاع المعلم.
نبوية
:
المعلم مالوش مفاتيح، المعلم سلم المفاتيح من زمان.
المعلم
:
إذا كانت القهوة مكتوبة باسم المعلم، مكتوبة قدامك أهه، قهوة المعلم
عزوز، مش قهوة أم إمام، إنت مابتعرفيش تقري؟
نبوية
:
لا، الحمد لله لا بقرا ولا بكتب اتفضل اتهوَّى من هنا.
جربولي
:
أتهوَّى اروح فين؟ أنا واقف جنب المعلم.
نبوية
:
طيب وادي المعلم بتاعك راخر.
(تقذف الدكة بعيدًا عن القهوة.)
المعلم
:
الله، اوعي تحطي إيدك على الدكة.
نبوية
:
اتفضل خد دكتك وروح من هنا.
المعلم
:
أحطها في الحتة اللي تعجبني.
نبوية
:
قلتلك مش هاتحطها يا عزوز! اتفضل اتهوى من هنا.
المعلم
:
اللهم اخزيك يا شيطان، طيب يا أم إمام ما ابقاش عزوز ان ما
وريتك.
نبوية
:
هتوريني إيه يا حسرة؟ إنت معاك حاجة توريها لي يا شيخ اتوكل، جتك
وكسة من دون الرجالة، قال يعني شملول قوي.
(المعلم يضرب جربولي بالقلم.)
جربولي
:
بتضربني ليه يا معلم؟
المعلم
:
شيل الدكة حطها هنا جنب الحيطة (صائحًا) هي … مش خدت قهوتك خليها
تقرقضها، واحنا كمان لازم نثبت ان احنا رجالة … إنت راجل والا لأ يا
واد؟
جربولي
:
أنت أدرى يا معلم، طول النهار ادعك لك في عضمك … كليت؟
المعلم
:
فكرتني يا واد، تعالى، اتكَّ لي على العضمة اللي في رقبتي دي.
جربولي
:
خدامك يا معلم!
المعلم
:
نعمل رجالة الأول، اجري استأضى لنا باجور جاز من عند أيها حد وهات
لنا براد شاي من أيها حد، وكام كباية من أيها حد، وكم كنكة قهوة، وكم
فنجال من عند أيها حد واستلف لنا كام صينية كمان.
جربولي
:
منين يا معلم؟
المعلم
:
أُمال راجل ازاي يا واد؟ من أيها حد، اخلق من الهوا، جرسوم قليل
الحيلة صحيح.
جربولي
:
حاضر يا معلمي (يخرج مسرعًا).
(ينظر المعلم للدكة ويجلس عليها وينظر في اتجاه القهوة.) واللِّي خلق
الخلق لاثبت لك ان انا عزوز ابن شلبية … يانا يانت يا نبوية في الحتة دي.
جبر
:
صباح الخير يا معلم (ينتبه إلى التغيير.) الله، بسم الله الرحمن
الرحيم … أنا غلطت في العنوان والَّا إيه؟ إيه الحكاية؟ آدي الحيطة
والدكة بتبقى هنا جنبها، طيب آدي الحيطة، أمال فين الدكة؟ دا عمر تاني
دلوقت، والتلت حاجات دول جنب بعض الحيطة والدكة والمعلم، والأكادة
التلاتة شبه بعض.
(تخرج نبوية من القهوة وقد شمرت عن ساعديها.)
نبوية
:
إنت بتخرف تقول ايه يا واد يا جبر؟
جبر
:
أهلًا ست أم امام، إيه اللي نزِّلك الصبح بدري بالشكل ده؟
نبوية
:
حُكم الزمان.
جبر
(يجلس)
:
أُمال المعلم فين؟
نبوية
:
المعلم ساب القهوة.
جبر
:
ساب القهوة؟ ودا معقول، هو فيه قهوة من غير معلم؟!
نبوية
:
يعني كل قهوة وفيها معلم، والا كل معلم معلم.
جبر
:
والنبي دا فيه معلمين الواحد منهم بصراحة مايستاهل بصلة.
نبوية
:
خلاص، يبقى مش المهم المعلم، المهم الشغل.
جبر
:
هو طلق صحيح؟
نبوية
(وهي تدخل القهوة.)
:
قال بركة يا جامع.
جبر
:
ولا يهمك يا معلمة، تعالي رايحة فين؟
نبوية
:
عاوز حاجة يا جبر، أعملك شاي؟
جبر
:
ولا تتعبي نفسك انتِ (يسحب كرسيًّا ويضعه في مكان دكة المعلم
القديم.) اقعدي انت هنا زي الملكة، أنا خدامك، أنا هبقى معاكي هنا لحد
ماتشوفي حد يساعدك.
نبوية
:
لا، مالوش لزوم يا جبر!
جبر
:
لا والنبي، إنت واحدة ست برضه، مايصحش نسيبِك لوحدك. (اعمل واحد شاي
ميزة وصلحه).
(يدخل جربولي ومعه مستلزمات القهوة الجديدة لابسًا
بيجامة.)
جربولي
:
يا معلم … معلم!
المعلم
:
وهو نائم … إيه يا واد جرى إيه؟
جربولي
:
جبت العِدة أهه يا معلم، وترابيزة كمان.
المعلم
:
طيب يللا ولَّع قوَام واعملي واحد شاي مظبوط.
جربولي
:
حاضر يا معلمي، بقول ايه يامعلمي؟!
المعلم
:
عاوز ايه تاني يا زفت؟
جربولي
:
أجيب الواد الخطيط يكتبلنا يافطة عا الحيطة؟
عزوز
:
لأ … مش دلوقتي. سيبني لما اصحى واشرب الشاي ويضرب في نفوخي، وانا
حفكر حتة دين تفكيرة ليها العجَب.
(يدخل زينهم مرتديًا ملابس نظيفة.)
زينهم
(ينفجر ضاحكًا)
:
الله … إنتو أَلَبتوها صيفي ولا إيه يا واد يا جربولي؟
جربولي
:
متصطبح يا واد يا زينهم!
زينهم
:
إيه الحكاية يا واد؟ فهمني.
جربولي
:
إيه، اقعد بس اقعد.
زينهم
:
أما أروح اجيب كرسي.
جربولي
:
لا، مطرحش ناحية هناك.
زينهم
:
أُمال عايزني اقعد على الأرض؟!
جربولي
:
يا معلم … يا معلم … يا معلم!
عزوز
:
ميروح يقعد في ستين داهية … لازم تِقلقوا منامي.
جربولي
:
إتزحزح كده شوية عشان فيه زبون عايز يقعد.
عزوز
:
فيه إيه يا واد تاني؟
جربولي
:
دا زينهم، يا معلم!
عزوز
:
يعني زينهم باشا … عاوز ايه يا واد يا زينهم؟
زينهم
:
الله … إيه الحكاية يا معلم؟ … أنا جاي اشرب شاي قبل ما روح المطار
مسافر النهاردة.
عزوز
:
خلاص روح اتلقح هناك وحبعتلك الشاي.
نبوية
:
إذا كان حيتلقح هنا … يبقى يشرب الشاي من هنا.
عزوز
:
حيتلقح عندك … ويشرب الشاي من هنا.
نبوية
:
إنت يا جبر … جبر!
جبر
:
أيوه حاضر … نعمين يا معلمة!
نبوية
:
إعمل شاي لزينهم.
جبر
:
زينهم … إنت لسه مسفرتش؟
زينهم
:
أنا مسافر النهاردة … بس آجي أشرب الشاي قبل مطلع المطار … لكن قوللي
ياوله … إنت اشتغلت جرسوم والا إيه؟
جبر
:
جرسوم … فشر دي خدمة لوجه الله؛ عشان ست وحدانية فيه زعل بينها وبين
المعلم … طلقها … دي حكاية كبيرة حبقى احكيهالك بعدين. أجبلك
الشاي؟
جربولي
:
الشاي يا زينهم … والنبي متنساش تشوفلي شغلة في بين النهدين عشان
ابعد عن إيد المعلم التقيلة … ووشه النكد ده.
نبوية
:
خد شايك وارجع يا واد تاني.
جبر
(يحضر الشاي)
:
الشاي يا زينهم!
(يمد زينهم يده ليأخذ الشاي من جبر.)
جربولي
:
قسمًا برب العزة إن مديت إيدك على شايهم لاخلِّي المعلم يقوم يهرسك
تحت رجليه.
(يترك زينهم شاي جبر فورًا.)
نبوية
:
إمسك الشاي واشربه أحسن احط بوزك في التراب.
(زينهم يمد يده نحو كوب الشاي.)
جربولي
:
واللِّي خلق الخلق إن ماشربت شاي لأخلي المعلم يطفحك الدم.
(يتراجع زينهم.)
جبر
:
إمسك الشاي يابني آدم ماكنتش أفكر إن لنا شغلة عندك.
(يمد زينهم يده ليأخذ الشاي.)
جربولي
:
إنت هتشرب من عندهم برضه؟ يا معلم، يا معلم!
زينهم
(لاطمًا على وجهه)
:
يا جدعان خلصوني انا في عرض النبي، الطيارة معادها هيفوت.
جبر
:
إمسك الشاي.
جربولي
:
خد الشاي بتاعنا احسن لك.
زينهم
:
يا جدعان خلصوني.
المعلم
:
إيه الدوشة دي يا واد؟
جربولي
:
الواد زينهم طالب الشاي ومش عاوز يشربه.
المعلم
:
ومش عاوز يشربه ليه؟
نبوية
:
مادام الزبون متلقح على قهوتنا يبقى لازم طلباته من عندنا.
المعلم
:
الزبون يقعد في الحتة اللي على كيفه ويشرب من الحتة اللي على
كيفه.
جبر
(يحضر الشاي)
:
الشاي يا زينهم!
(يمد زينهم يده ليأخذ الشاي من جبر.)
جربولي
:
الواد زينهم طالب الشاي ومش عاوز يشربه.
نبوية
:
دا مين اللي قال كده؟
المعلم
:
أنا المعلم وانا اللي يقول كده.
نبوية
(ضحكة ساخرة)
:
معلم؟
المعلم
:
إقصري الشر يا نبوية أحسن انا …
نبوية
:
إنت إيه يا معلم؟ إنت إيه والنبي؟
المعلم
:
يا فتاح يا عليم … يا رزاق يا كريم، اقصري الشر على الصبح أحسن
لك.
زينهم
:
يا جدعان، مش عاوز اشرب شاي، معاد الطيارة زمانه هايفوتني.
المعلم
:
عنك ما طفحته … لكن هتدفع حقه.
زينهم
:
أدفع حقه منين؟ أنا معييش فلوس مصري تاخدوا فلوس انجليزي؟
المعلم
:
معكش فلوس مصري يعني إيه؟ (ينهال عليه ضربًا).
جبر
:
أيوه ناخد، معاك فلوس ايه؟ استرليكي، دونارات إيه اللي معاك؟
زينهم
:
يا جدعان حرام عليكم، اعتقوني لوجه الله، أبوس رجلك يا معلم
سيبني.
(يخرج توكُّل مرتديًا بيجامة وروب دي شامبر.)
توكُّل
:
ياناس حرام عليكم … الواحد لسه هايغمض عينه.
نبوية
:
يخلصك يا توكل أفندي، يخلصك الزبون يبقى قاعد عندي وعاوز يسقيه هو
الشاي؟
توكُّل
:
يا ست نبوية! عيب اللي بتعملوه ده، العربية المرشيدس بتاعتي في
الأجانس، والنهاردة الضهر هاروح أجيبها، وعاوز أنام ساعتين.
زينهم
:
معلهش يا توكل أفندي! خش انت ريح جنبك خش.
توكُّل
:
إبعد إيدك القذرة دي عني اللي زيك في بلاد بره لازم يحطوه في
الكارتينا.
زينهم
:
طيب خش ماتزعلش نفسك خش (يلتقط البقجة بسرعة وينطلق هاربًا في أثره
جبر وجربولي).
المعلم
:
أهو الزبون جري علشان يعجبك يا توكل أفندي!
توكُّل
:
دي أحوالكم اللي بقت عجب، أنا لازم اكلم سعادة المحافظ يشوف له حل
معاكو.
المعلم
:
والله عندك حق، ثم كمان القهوة دي مالهاش تصريح … ولا يصحش كمان يكون
فيه قهوة في حارة زي دي كفايا قوي حتة ترابيزة زي دي.
نبوية
:
لأ، حقَّاني قوي يا معلم!
المعلم
:
أيوه … ولازم اقول الجد ولو على نفسي.
توكُّل
:
دي آخر مرة اسمح فيها بالشجار.
المعلم
:
هو فين الشجر ده يا توكل أفندي؟ يعني شايف الجناين ما شاء الله في
الحارة.
توكُّل
:
لازم الناس يكون قلبها على قلب بعض يا معلم! أنا راجل عيان وصحتي على
قدي طول الليل صاحي ولا دقت طعم الأكل، وحياتك انت مادقت حاجة غير صنف
العصير، المِكْسَر شغال على طول عندي بعصُر واشرب.
المعلم
:
شوية برد وبكره تروق، اقعد اشرب شاي.
توكُّل
:
عارف لو شربت شاي مش ها انام.
المعلم
:
لا، دا شاي من الجمعية حلو قوي تشربه تنام بعون الله … زي مايكون
مافيش فيه ريحة الشاي.
توكُّل
:
لكن إيه الحكاية يا معلم؟ إنتوا قسمتوا القهوة نصين … والا إيه؟!
المعلم
:
لا من غير مؤاخذة، أصله حصل شوية زعل كده وبعدين حصل انعزال.
توكُّل
:
قصدك انك سبت القهوة يعني خلاص؟
المعلم
:
آه سِبْتها.
توكُّل
:
وبعدين ناوي تعمل ايه؟
المعلم
:
أعمل ايه ازاي بقى؟! منا فاتح قهوة اهه.
توكُّل
:
قصدك الدكة دي قهوة؟
المعلم
:
قهوة ونص طبعًا، إيه مالها؟
توكُّل
:
وانت فاهم هاتنجح بالشكل ده.
المعلم
:
أنا ناوي اجيب دكة تانية.
توكُّل
:
دا انت لازم تعمل حاجات كتير يا معلم.
المعلم
:
قوللي اعمل ايه وانا اعمل.
توكُّل
:
يعني لازم تبين للناس انك فاتح قهوة … بتختلف اختلاف جذري في الشكل
والمضمون عن القهوة اللي انت سايبها.
المعلم
:
أيوه انا نختلف، حاكم الولية دي مجنونة، وهو أصل الخلاف إيه؟ عاوزاني
اقعد والْزق جنبها زي الولية الخايبة طول النهار، وطول الليل، أنا ما دام
ورايا شغل لازم أنام جنبه.
توكُّل
:
أنا مش قصدي الخلاف ده، أنا قصدي لازم تعمل قهوة مختلفة عن القهوة
دي.
المعلم
:
طيب منا عامل كده.
توكُّل
:
فين اللي انت عامله ده؟
فين الديكور؟ فين التنسيق؟ الكراسي شكل! الستاير شكل! الأرضي شكل!
الشِّيَش شكل! الصَّواني شكل! بعدين يبقى لازم فيه هارمُني بين كل
الحاجات دي.
المعلم
:
الواد جربولي هو اللي له دعوة بالحاجات دي، أنا ماليش دعوة بالحاجات
دي، أنا المعلم، أنا انام وبس.
توكُّل
:
يا اخي انتوا، هتَّنْكوا نايمين لإمتى؟ ماتيجي بره القهاوي بتعمل
ازاي؟ القهوة بتتكلف ميت ألف جنيه، الجرسون لابس أشكال وألوان،
الترابيزات رخام طلياني، العدة نحاس … الحيطة عليها ميت لوحة.
المعلم
:
هو كل برغوت على قد دمه، وكل واحد ومقدرته، ثم احنا هنجيب الحاجات دي
منين؟
توكُّل
:
ما انت لما تتكلف فلوس هاتكسب فلوس، بدل الزبون ما يدفع قرش في
القهوة يدفع شلن.
المعلم
:
هاأو الواد زينهم هرب دلوقت علشان قرش صاغ.
توكُّل
:
إسمع، تسمح لي أساعدك.
المعلم
:
دنا ابوس إيدك وتساعدني.
توكُّل
:
طيب، أنا هاوريك ازاي تعمل شيء جميل بحاجات بسيطة.
(يدخل إلى المنزل.)
(يدخل جبر ومن خلفه جربولي لاهثًا.)
نبوية
:
إيه يا جبر؟!
جبر
:
لحقته ابن الهرمة بعد ما قطع قلبي.
المعلم
:
جبت الفلوس يا واد يا جربولي؟
جربولي
:
خد منه الشلم ومش عاوز يديني حق الشاي.
المعلم
:
الله الله، ليه يكنش فاكرنا خمة يا واد يا جبر؟
جبر
:
أنا خدت منه شلم بس، نص افرنك حق الشاي، وتلاتة صاغ كانوا عليه من
زمان.
المعلم
:
قِب بالتلاتة صاغ أحسن واللِّي خلق الخلق اعملك زرع بصل.
نبوية
:
مين اللي يعمله زرع بصل ده؟ طيب الراجل اللي في وشه شنب يمد إيده
عليه.
المعلم
(يمسك جبر)
:
بقولك قب بالفلوس.
نبوية
(تغمزه)
:
سيب يا معلم واقصر الشر (ويتراجع خائفًا)
(يخرج توكل من المنزل ومعه بعض الصور وشاكوش وبعض قطع
القماش.)
توكُّل
:
إحنا مش هنبطل خناق والَّا إيه؟ مافيش حد في بلاد بره بيتخانق …
أبدًا كل واحد يشوف شغله.
المعلم
:
ماهي بلاد بره فيها عالم بني آدمين، لكن دول ناس بعيد عنك.
توكُّل
:
الخناق دا ياخويا يا معلم! إنت بتضيع فيه مجهود كبير، كان لازم تضيعه
في الإنتاج.
المعلم
:
إنتاج إيه ياخويا، هو انا باشتغل في السيما؟
توكُّل
:
إيه كنت دلوقت عملت لك خمس ست شاي.
المعلم
:
هي فين الزباين بس وانا اعمل؟
توكُّل
:
ماهي الزباين اللي كانت جاية هربت من الخناق ده … المسائل بياخد
بعضها برقاب بعض، تتخانق تطفش الزباين، تخسر فلوس، تنتج تيجي زباين، تكسب
فلوس.
المعلم
:
والنبي انت فكرتني بالراجل اللي كان بيقول زمان: كده تسلك، كده تولع
… تشتري منه بعون الله لا تلاقي تسليك ولا توليع.
توكُّل
:
أنا هاثبت لك بالطريق العملي إن الإنسان يستطيع انه ينتج تحت ظل أي
ظروف، تعالَ امسك الكرسي ده.
(يمسك المعلم الكرسي ويصعد توكل ويبدأ في تعليق الصور
والستاير.)
المعلم
:
(ينظر للصور) ميت حلاوة، أهو كده الشغل (ينظر لجبر) والنبي يابن
القرعة لأخليك تعمل شاي على الشمس.
نبوية
:
ماتردش عليه يا جبر، سيبه يعض في الأرض، تعالى اقعد هنا (يجلس جبر
بجوارها). أما أقوم اعمل شاي، صلح هدومك كده واقعد وحط رجل على رجل (تدخل
القهوة).
توكُّل
:
إيه رأيك بقى يامعلم؟
المعلم
:
آخر براوة، منظر حلو قوي، بس الزباين هتقعد فين؟
توكُّل
:
اسمع، هاجيلك واجيب كرسيين موقتًا لبكره، وبعدين انت لازم
تتصرف.
المعلم
:
يا سلام (ينظر لجبر) إحنا قهوة افرنجي يا فلاح.
توكُّل
(يحضر معه فوطة)
:
آدي كرسي، يتحط هنا … ولا اخليه هنا؟ ثانية واحدة (يدخل).
المعلم
(ينظر لجبر)
:
تعرف لو ماسبتش القهوة، واللِّي خلق الخلق لاكسر لك رجلك.
توكُّل
(يخرج ومعه شيء آخر)
:
وادي كرسي كمان ينحط هنا، شوف بقى المنظر يا معلم بس خد بالك، الكرسي
يتوسخ مش حيحصل كويس، ناقص إيه؟ نَضافة، إنت يا واد يا جرسون.
جربولي
:
أيوه يا توكل أفندي!
توكُّل
:
هات كوز فيه ميه وشوف أي شجرة وازرعها هنا.
جربولي
:
إن كان على الرش بسيطة، لكن ها اجيب شجرة منين؟
المعلم
:
هات شجرة من عند أيها حد، وان مالقتش روح عند التروماي فيه شجرة هناك
يا واد روح اقطعها وتعالى.
جربولي
:
أقطعها ازاي دي بتاعت الحكومة؟
المعلم
:
طيب ما الحكومة بتقطعهم.
جربولي
:
أيوه دي حكومة تقطع على كيفها، لكن أنا إيه؟
المعلم
:
قول لهم: أنا باشتغل عند عزوز.
نبوية
(تخرج من القهوة ومعها كوز.)
:
… أنا هاخطف رجلي أجيب جاز وارجع على طول، خليك قاعد مطرحك ماتعبرش
حد منهم انشا الله يارب ياكلوا في هدومهم.
جبر
:
لا أنا مش هتكلم علشان خاطرك انت بس.
(تنصرف نبوية ومعها الكوز.)
توكُّل
(لجربولي المنهمك في العمل)
:
ما تعملك همة يا واد، إنت مالك قلبك ميت كده ليه؟!
جربولي
:
مانا برش اهه.
المعلم
:
طيب يالا شيل علشان تروح تجيب الشجرة.
توكُّل
:
طيب اخرس داهية تاخدك.
جربولي
:
وانا هاجيب شجرة منين؟
المعلم
:
دا أصله الواد ده رمة … تعالى معايا نخطف رجلنا نجيب الشجرة.
توكُّل
:
وانا هاجي معاك اعمل ايه؟
المعلم
:
إنت تنقي الشجرة اللي على كيفك وانا أقطعها.
توكُّل
:
أي شجرة يا أخي.
المعلم
:
الله … مش لازم تنفع الدنكور .
توكُّل
:
مش مشكلة، بس ماتكنش شجرة كبيرة … تبقى شجرة صغيرة، المهم تعمل منظر
.
المعلم
:
خلاص، أنا ها اخطف رجلي اجيب الشجرة، خد بالك من القهوة يا واد لحد
ما ارجع.
توكُّل
:
إنت يا واد يا جرسون!
جربولي
:
نعم.
توكُّل
:
إنت تعرف ما نقطة قهوة تقع على الكرسي هاقطع رقبتك، فاهم.
جربولي
:
ها تقطعوا رقبتي؟
توكُّل
:
إنت بتقول ايه؟
جربولي
:
ماقلتش حاجة، إنت سمعتني قلت حاجة مانا مكتوم اهه.
توكُّل
:
أيوه انكتم.
جربولي
:
حاضر.
توكُّل
:
أنا رايح اريح جنبي شوية، إياك اسمع صوت بقى. (يدخل).
(تدخل فواكه المسرح.)
فواكه
:
دبة … إسعاف … دبة لوتارية.
جربولي
:
جتك دبة لما تاكلك.
فواكه
:
صباح الخير يا واد يا جربولي!
جربولي
:
صباح الزفت على عنيكي ماحدش خرب بيت المعلم الا انت … مرة زي
الحرباية صحيح، قال الحق معشوق مات.
فواكه
:
طيب وانا ذنبي إيه يا واد يا جربولي؟ إذا كنا قعدنا نقلب فيه ساعتين
وهو ساكت.
جبر
:
الله هو معشوق أفندي مماتش يابت … لا حول ولا قوة الا بالله.
فواكه
:
أهو زي الفل، بيطلع وينزل زي العفريت.
جبر
:
هاتي كرسي وتعالي اقعدي.
(تحضر كرسيًّا وتجلس بجوار جبر.)
فواكه
:
إنت مالك عامل كده ليه؟
جبر
:
الواد زينهم الله يخرب بيته وقَّع قلبي.
فواكه
:
طيب، تقوم تصلح نفسك كده وانت قاعد زي الفرخة الدايخة.
جبر
:
والله ماقادر اقوم يا فواكه، ضهري اتمزع بعيد عنك زي مايكون حد
ضاربني بسكينة، هوه القميص اتقطع؟
فواكه
(تتحسس ظهره بيدها)
:
لأ … مش مقطوع.
جبر
:
أيوه اتكِّي على الحتة دي قوي … الله، يا سلام يا فواكه! عندي حتة
بنطلون هولانكة إنما متفصل عليكي.
فواكه
:
صحيح والنبي يا جبر؟!
جبر
:
أديهولك دلوقتي بس اتكَّى قوي … واد يا جربولي.
جربولي
:
عاوز ايه؟
جبر
:
على فكرة الواد زينهم هايبعت لك عقد عمل من بين النهدين.
جربولي
:
صحيح؟ … إنت كلمته؟
جبر
:
آه … أنا كلمته.
جربولي
:
بس البزابورت يعني والحاجات دي.
جبر
:
ولا يهمك، أنا بقى أسلفك قرشين تبعت لي بيهم حاجات من هناك.
جربولي
:
أنا خدامك ياسي جبر .
جبر
:
خد يا واد سيجارة كنك.
جربولي
:
يدوم عزَّك ياسي جبر … طول عمرك مجدع.
جبر
:
مانت تقف عند راس الشارع، تشرب السجاير الكنك اللي أنا مديهالك،
وتتكيف، وخد بالك من المعلمة لما تيجي تدي لي إشارة.
(يبتعد جربولي)
فواكه
:
وهتديني البنطلون بكام؟
جبر
:
وهو احنا بينا وبين بعض حساب يا فواكه!
فواكه
:
بس أنا هديك اللي معايا وتقسط لي الباقي.
جبر
:
معاكي معكيش ماحدش لابسه غيرك … أيوه فوق … فوق شوية والنبي يا فواكه
عند كتفي.
فواكه
:
معندكش قميص من اللي بيلمع ده يا جبر؟
جبر
:
لو سمعتي كلامي يبقى عندك بدَل القميص مية … وبدل البنطلون دستة،
وتلبسي قباقيب من أم ترتر … وشعرك تكويه كمان.
فواكه
(ضاحكة)
:
يعني انا هروح عند الواد عبد الفضيل يكويلي شعري كمان؟!
جبر
:
عبد الفضيل مين يا هبلة … إنت تروحي عند الكوافير في بيروت.
فواكه
:
وانا بس هروح بيروت دي أعمل ايه؟
جبر
:
تعملي فنانة.
فواكه
:
وهو أنا اعرف أفنن؟
جبر
:
يابت يا عبيطة دا هناك ييجي ستميت بنت كانوا كلهم بيلموا سبارس هناك
كلهم اشتغلوا فننين في بيروت.
فواكه
:
وهوا الفننين ده مش يحتاج تعليم برضه ياسي جبر؟
جبر
:
بقى انت صغيرة، ماتعرفيش تقعدي تشربي وتتمازجي وتتساهري؟
فواكه
(مندهشة)
:
وهو ده الفن ياسي جبر … مزاج وسهارى؟
جبر
:
وهو فيه فن بعد كده؟
فواكه
:
طيب وانا هاطلَّع بزابورت ازاي؟
جبر
:
مالكيش دعوة انت، أنا هطلَّعلك البزابورت، واقطع التذكرة، والبِّسك
لبس ما تحلميش بيه أبدًا.
فواكه
:
طيب إذا كنت ضامن إننا نرجع ومعانا قرشين أنا معنديش مانع.
(تدخل نبوية من الجهة المقابلة للجهة التي يقف فيها
جربولي فتؤخذ بالمنظر وتقف.)
جبر
:
على العموم اصبري شوية؛ لأن فيه مشروع تاني قدامي.
فواكه
:
مشروع ايه ياجبر؟
جبر
:
المرة نبوية، المعلم طلقها وقاعدة وحدانية في القهوة وبرضه تحتاج
لراجل.
فواكه
:
وهو انت قد الشغل في القهوة؟ دا يهد الحيل.
جبر
:
هو أنا ها اشتغل في القهوة دا انا ها انام على الدكة طول النهار،
وأجيب واد جرسون يشتغل وهو اللي يطفح الدم، والإيراد نقسمه أنا
وهيه.
فواكه
:
إوعى تلف عقلك وتتجوزك.
جبر
:
أعوز بالله، هو انا قد أم اربعة واربعين دي … دا المعلم عزوز اللي زي
الطور الصومالي جابت داغه.
(يتقهقر جربولي في اتجاه جبر وفواكه.)
جربولي
:
ماتخلص بقى يا جبر الراجل زمانه جاي.
جبر
:
خلاص يا واد، اصبر خمسة بس.
جربولي
:
والنبي تخلص بقى يا جبر لو شافك هتبقى داهية (يصطدم بنبوية فيفزع)
يامه (يصيح مذعورًا).
جبر
(ينهض فزعًا)
:
إيه يا واد، المعلم جه؟ (يفاجأ بنبوية والشبشب في يدها).
نبوية
:
معلم مين يا صايع يا ضايع! والنبي ماحد شارب من دمك الا أنا.
(تنهال عليه ضربًا بالشبشب بينما يسرع جربولي بنقل
الدكة إلى مكانها … يهرب جبر وفواكه — تدخل نبوية القهوة — يعود جبر إلى
المسرح … يراه جربولي.)
جربولي
:
تسمح تغور من هنا الوقت ده بقى.
جبر
:
الشنطة بتاعتي جوه، روح هاتها لي يا جربولي!
نبوية
:
فين الشلن اللي انت خدته من الواد زينهم؟
جبر
:
أهه … يخرج ورقة بعشرة صاغ يعطيها لها … اتفضلي عشرة صاغ أهه.
نبوية
(تأخذها)
:
هات، خش خد الشنطة (يرفع يديه وهو داخل ليحمي وجهه فتضربه بالشبشب
ويسمع صراخه من الداخل وهي تنهال عليه ضربًا — في لحظة خروجه مسرعًا يدخل
المعلم ممسكًا بيده شجرة في حجم عود البرسيم) … (يخرج جبر مسرعًا من
المسرح، وينهمك المعلم في غرس الشجرة).
المعلم
:
إيه الحكاية يا واد يا جربولي؟
جربولي
:
أصله كان عاوز ياكل الشلم يامعلم! اللي خده من زينهم.
المعلم
:
وبعدين؟
المعلم
:
روح هات منها تلاتة صاغ.
جربولي
:
حاضر يا معلمي! (يتقدم نحو القهوة): إنت يا ست أم إمام.
نبوية
:
عاوز ايه يا واد؟
جربولي
:
إنتِ مش خدتِ الشلم من الواد جبر؟
نبوية
:
آه … عاوز ايه يا واد؟
جربولي
:
هاتي التلاتة صاغ بتوعنا.
(تضربه بالشبشب.)
جربولي
:
الله بتضربيني ليه دلوقتي؟
(يدخل معشوق متكئًا على عصا.)
أعوذ بالله طول ماحنا في الحتة دي مش هانشوف خير أبدًا.
معشوق
:
صباح الخير، مش كده، أعوذ بالله العظيم، لازم اعزِّل من هنا خالص …
دا شيء لا يطاق.
المعلم
:
أهلًا معشوق أفندي، إزيك يا معشوق أفندي؟
معشوق
:
إنتوا بتزعقوا على الصبح ليه بس؟
المعلم
:
عاوزة تاكل تلاتة صاغ وانا ماحدش ياكلني ابدًا.
معشوق
:
طيب تعالى يا معلم اقعد … شلن أهه يا سيدي وبلاش زعيق.
المعلم
:
لا أنا ماخدش فلوس من حد، أنا لازم آخد فلوسي.
معشوق
:
يا سيدي منا هبقى أحاسبها.
المعلم
:
آه … إن كان كده معلهش … اعملنا اتنين شاي يا واد يا جربولي!
جربولي
:
حاضر يا معلمي (ينصرف لعمل الشاي).
معشوق
(متلفتًا لما حدث في الغرزة)
:
إش إش، إيه دا كله؟
المعلم
:
دا دنكور .
معشوق
:
لكن دا مين اللي شار عليك بالحكاية دي؟
جربولي
:
دي تفانين بلاد بره بتاعة عم توكل أفندي.
المعلم
:
هو انتوا مش عاوزين تترقوا، عاوز عمرك تتنك جرسوم بلدي، طيب إيه رأيك
أنا ها اجيبلك بدلة.
جربولي
:
يا ريت يا معلمي، عاوز فانلة كمان والنبي.
المعلم
:
شوف البطر بتاع الناس، بقولك هاجيبلك بدلة، تقولي: وفانلة
كمان.
جربولي
:
وهلبس البدلة على اللحم يا معلمي؟
المعلم
:
شوف الجهل، وهي البدلة تتلبس الا على اللحم، دي حتى ما يبقالهاش طعم
الا على اللحم.
جربولي
:
وهلبس بدلة وانا حافي يا معلم؟
المعلم
:
وهو يعني حد هيشوفك حافي والا لابس … إنت كفاية قوي بدلة وبمباخ
تترسم آخر رسم.
جربولي
:
لأ أنا مش عاوز بمباخ، أنا عاوز بدلة.
المعلم
:
إنت أصلك صنف نمرود، واللِّي خلق الخلق لأكون مكسَّر دماغك.
توكُّل
:
إزي صحتك الوقت يا معشوق أفندي؟
معشوق
:
والله الصحة مش عال يا توكل أفندي!
توكُّل
:
مش هتروح عند دكتور؟
معشوق
:
والله رحت لما غلبت، وفي الآخر القومسيون كتب لي أسافر برة.
توكُّل
:
خلاص، يبقى هنيا لك، ما دام رحت بره تبقى هاترجع صاغ سليم زي الجنيه
الدهب، دكاترة إيه! ومستشفيات إيه! … ممرضات إيه! أدوية إيه! … دا الميت
يقوم.
معشوق
:
صحيح يا توكل أفندي؟
توكُّل
:
طبعًا.
المعلم
:
يعني لو أي حاجة من غير مؤاخذة ميتة خلاص تقوم؟
توكُّل
:
والله يا معلم! الطب هناك بيعمل المعجزات.
المعلم
:
يعني من غير مؤاخذة أي حاجة ميته تقوم لو الواحد يروح بلاد
بره؟
توكُّل
:
آه طبعًا، تقوم وبس، دي تقوم وتجري.
توكُّل
:
وهاتروح لوحدك يا معشوق أفندي؟
معشوق
:
واعمل ايه … الدنيا هناك غالية قوي … المُرافق هيكلفني كتير.
توكُّل
:
بس هاتروح تلطش لوحدك ازاي في البلاد دي؟ إنت راجل عيان وعاوز اللي
يشيلك.
معشوق
:
وادي الله وادي حكمته! … يا توكل أفندي! الفلوس اللي معايا يادوب
تكفيني.
المعلم
:
والله أنا مستعد اروح معاك، ولا عاوز ابيض ولا اسود … وادي انت
اللقمة اللي بتاكلها نقسمها سوا وخلاص.
معشوق
:
أنا حتى لو خدت واحد معايا يا معلم على الأقل يكون بيعرف انجليزي؛
علشان يسأل عن المستشفى، ويسأل عن الدكتور.
المعلم
:
وهي دي عاوزة سؤالات، شفتي
اسبتاليا، شفتي حكيم، تمشي، ثم أنا اعرف انجليزي كتير، كان هنا عساكر
انجليز في مصر زمان، ولا بد هانقابل منهم ناس كتير، كان منهم عيال جدعان
ولاد بلد كانوا اصحابي … الروح بالروح، علمتهم عربي واللِّي خلقك.
معشوق
:
والله يا معلم! أنا رايح غصب
عني، أنا يعني إيه اللي وداني غير الشديد القوي.
المعلم
:
إطلع من دول بقى يا معشوق أفندي! دا انت رايح حتة يا عم هنيالك …
الكندشة فيها على ودنه.
توكُّل
:
هي العالم دي اللي اخترعت الكندشة.
المعلم
:
عالم ناقصة داهية تاخدهم.
توكُّل
:
أنا عارف انت بتزعل ليه من الكندشة؟
المعلم
:
أعوذ بالله … ربنا يكفينا الشر يا أخي!
توكُّل
:
ده قُصر ديل يا معلم.
المعلم
:
إيه يعني قصر ديل؟ … قصدك ايه؟
توكُّل
:
قصدي انك مش طايل … ولا معشوق أفندي طايل … ولا أنا طايل … ولو احنا
قادرين نكندش كل حتة كنا كندشناها.
المعلم
:
إنت معلهش … لكن أنا لأ … كل واحد يتكلم على نفسه.
توكُّل
:
وزعلان قوي كده ليه يا معلم؟ خلاص يا سيدي … إنت متكندش.
المعلم
:
أيوه بكندش طبعًا … والا انت بتسمع كلام الولية المجنونة دي.
(لنبوية) عاجبك السمعة اللي انت عملها لي دي؟!
توكُّل
:
لا … ده شيء لا يطاق … قسمًا بالله العظيم لانا ماشي، ماشي من هنا …
حسيبلكم الحتة وامشي … ياللا يا حكمت … يا للا يا سمرة (يخرج).
المعلم
:
أنا كمان لازم امشي … أنا لازم اروح معاك لندن.
معشوق
:
حتروح ازاي يا معلم؟ الحاجات دي عاوزة ترتيب.
المعلم
:
إيه يعني عاوزة ترتيب؟ … أنا لازم اسافر معاك، مش ممكن اسيبك لوحدك،
ثم يعني سر … قلت: البلاد دي لازم فيها سر … إللي خلا توكُّل العدمان عرف
يكندش هناك يبقى لازم فيها سر … قلت إيه؟ … إن كان عالبزبورت أنا حطلعه …
وان كان عالفلوس الصعبة أنا برضه حعرف ادبر قرشين … لازم أسافر
لندن.
معشوق
:
حتسافر تعمل ايه بس يا معلم وتسيب شغلك هنا؟
المعلم
:
ملعون أبو الشغل … أنا لازم أسافر معاك … وادي شغلي أهه (يرفص
الترابيزة) ملعون أبو الشغل لأبو اللي يشتغلوه … أنا لازم أسافر لندم.
معشوق
:
مهو بس يا معلم عزوز!
المعلم
:
… مفيش بس ولا حاجة … إنت يا واد يا جربولي!
جربولي
:
نعمين يا معلمي!
المعلم
:
خد عدة الشاي دي واتصرف فيها،
إديها لأيها حد … وانت يا ولية ياللي اسمك نبوية، خدي الدكة دي … أنا
خلاص مسافر … سلامو عليكو … سلامو عليكو يا توكل أفندي! (يرقص فرحًا)
سلامو عليكو … إن كنت مسافر خدني معاك (ينطلق خارجًا من المسرح).
(يخرج توكل وأسرته.)
جربولي
:
على فين يا توكل أفندي؟
توكُّل
:
رايحين نتفرج على شقة في الزمالك يا واد، إذا عجبنا حانعزل.
جربولي
:
هاتوحشنا والله يا توكل أفندي!
توكُّل
:
وحش لما ياكلك.
حكمت
:
أنا مش مرتاحة لحكاية الزمالك دي يا توكل … إن كنت عاوز تعمل فينا
معروف بيع المرشيدس وابني لنا حتة بيت.
توكُّل
:
شوف الولية المجنونة، أبيع المرشيدس! دول بيقولوا: فوت على عدوك
معرَّش ولا تفوتش مكرَّش.
جربولي
(يضحك بهستيريا)
:
حلو معرش دي … أما صحيح راجل معرش.
توكُّل
:
اخرس يا بغل، صحيح أهل اللغة كانوا على حق لما سموا الجرسون النادل،
وتختصر أحيانًا وتبقى ندل … ندل، عالم رعاع صحيح (ناظرًا لابنته) … والست
أمك عايزة تكرمك هنا لكن مش ممكن أقعد في حتة زي دي … أنا مش ممكن اعاشر
أندال زي كده … أنا حاجة تانية خالص … أنا شيء مختلف … مختلف تمامًا …
أنا راجل ببص لفوق فوق.
حكمت
:
والنبي دلِّلي يبص لفوق يتعب … الناس تبص لقدام معلهش، لكن
لفوق.
نبوية
(هي والجربولي على المسرح)
:
شيل يا واد الحاجات دي دخلها القهوة … خش شوف شغلك واصلب طولك خد
بالك من القهوة، القرش اللي ييجي منها بالنص … المفاتيح بتاعة القهوة اهه
… فتح عنيك. v1
جربولي
:
قصدك.
نبوية
:
… قصدي اللي قلتهولك.
جربولي
:
بس أنا كنت عاوز امشي.
نبوية
:
طب متمشي في ستين داهية … أنا مسكاك … بس متبقاش تتأخر.
جربولي
:
لا أنا قصدي يعني … أنا عاوز أسافر .
نبوية
:
تسافر فين؟
جربولي
:
بين النهدين يا معلمة! عاوز احوِّش قرشين وارسم نفسي.
نبوية
:
حتى انت ياسي جربولي؟
جربولي
:
ماهو توكل أفندي راح وجاب المرشيدس، والواد زينهم راح، وانا عاوز
اسافر انا راخر ألم قرشين كده من غير مؤاخذة وابني حتة بيت على البحر،
واجيب حتة مرشيدس وأعملها تاكسي، واصرف بقى على كيفي بقى، وآكل لحمة بقى
زي منا عاوز … شوفي طول النهار آكل لحمة طول النهار وطول الليل آكل لحمة
… آكل لحمة على طول، واشتري علبة سجاير عشرين، وابعزق بقى وافنجر
.
نبوية
:
هتفنجر.
جربولي
:
هو أنا أقل من مين يعني؟ دا توكل مكانش لاقي يهرش، تعالي اتفرجي عليه
عقبال أمَلْتك … الوقت مابياكلش غير عيش مفقع والجبنة دي ما يحبهاش الا
دوبل كريم.
نبوية
:
هي الناس جرالها إيه؟ اتجنوا والا إيه؟ الناس ركبها عفريت اسمه
مرشيدس! طيب اركب جزمة الأول، الحتة مالها يا اخواتي؟ جرالها ايه؟ اتشقلب
كيانها ليه؟ … توكُّل من يوم ما رجع من السفر والناس ركبها ميت عفريت، هو
إيه اللي زاد على توكل؟ وإيه اللي زاد على مراته؟ وإيه اللي زاد على
بنته؟ حتى الهدوم اللي لابساها مش خايلة عليها … البت عرت ركبها شوية،
وتوكل نفسه عمل ايه؟ قلع البدلة المزيتة ولبس بدلة جديدة شوية، وهو
الراجل بإيه؟ (تضحك) الله يمسيك بالخير يا عزوز! … صحيح هو الراجل بإيه؟
بالبدلة الجديدة؟ ياما رجالة لابسين بِدل وهم من جوه قش، طيب وعاوز تروح
انت راخر يا جربولي؟!
جربولي
:
هو أنا كفرت يا خالة نبوية ما كل الناس بتدوَّر على حالها، هو توكل
مش بيدور على حاله!
نبوية
:
يا واد، إنت حاجة، وتوكل حاجة تانية … توكل تشيله من الأرض دي وتحطه
في الأرض دي مايجرلوش حاجة، يا واد توكل زي القصب مالوش أرض، تشيله من
هنا ترميه هناك مايحصلش حاجة، لكن انت زي القمح تقلعه من الأرض روحه تطلع
معاه، شايف الشجرة بتاعة المعلم — يمسيه بالخير — عزوز شوف نشفت ودِبلت
ازاي؟
جربولي
:
منا ناشف ودبلان اهه، هانشف تاني اكتر من كده؟! يمكن دي مش أرضي يا
خالة نبوية! آه صح يمكن ألاقي أرضي، يمكن لما أغرس في الطين هناك أزَرَّع
واخضر، وافرض نشفت هانشف ايه تاني عن كده! فيه نشوفية أكتر من كده يا
عالم! دنا حاسس لو قعدت هنا كمان سنتين هتيجوا تدوروا عليه ماتلاقونيش،
لو قعدت هنا مش حاموت هاخلص، علشان كده بقول اروح، وهانخسر ايه لما أروح؟
منا مش خسران حاجة.
نبوية
:
على رأيك يا واد يا جربولي! مين عارف أرضك فين؟ ويا عالم أرض أي واحد
فينا فين … روح يا واد يا جربولي، روح زي مانت عاوز، اشمعنى انت اللي
هتفضل هنا، يمكن يبقى عندك مرشيدس، وبيت على البحر، ومين عارف يمكن تموت؟
على كل حال روح أحسن لك مانت ميت هنا … دا دور وماشي على الناس، الحارة
كلها اتجننت مش ناقص الَّا الحارة يشيلوها ياخدوها بين النهدين … إذا كان
عزوز اتخبط في دماغه وسافر راخر … عزوز بعد عشرين سنة خدمة من خدمة عزوز
ملبساك ومهنياك، وشيلة ترابك على راسي من فوق … إيه اللي جرى في عقول
الناس يا اخواتي؟ سترك يا رب! سترك علشان خاطر حبيبك النبي! … سترك علشان
خاطر حبيبك النبي!
(تبكي وتدخل البيت بسرعة.)
جربولي
(بعد دخولها)
:
أنا عارف هي عاملة الهلولة دي كلها علشان ايه؟ خايفة اطلع أنا
وماتلاقيش جرسون تاني، ما الجراسيم على قفا مين يشيل في الحارة؟ … إيه
يعني؟ وقفت على جربولي، ولية مجنونة صحيح … قال إيه زعلانة على عزوز، دا
جرى لما كان بياكل ضرب يا قوة الله … الأكادة إلِّلي يشوفها وهي ماسكة
الشبشب … صحيح النسوان دي … مية من تحت تبن، علشان كده أنا مارضتش اتجوز،
كفايا مرة واحدة شفت المر … أنا بقيت قطاع عام دلوقت.
(يضع يده في جبة جلبابه ويتمخطر ويتمخطر على
المسرح.)
يا سلام! مافيش أحسن من شغلة الجرسوم برضه … شغلة الجرسوم اريح،
المعلمة برضه مسئولة … أمال بقى اللي بيشتغل وزير يعمل ايه؟ الله يكون في
عونه … شوف مسئول عن كام قهوة وكام جرسوم، ياه حاجة تهرش المخ.
الزبون
:
قوم يا واد هات واحد شاي.
جربولي
:
معاك فلوس؟
الزبون
:
إيه يعني فلوس؟ … هات عالنوتة.
جربولي
:
ما معكش.
الزبون
:
معييش.
جربولي
:
وأنا مش قايم … خش انت اعمل الشاي واعملي واحد شاي أنا راخر.
الزبون
:
حاضر يا معلم (يهم بدخول القهوة).
جربولي
:
تعالى يا واد!
الزبون
:
نعم يا معلمي!
جربولي
(ينام على الدكة)
:
اتكَّ لي يا واد على العضمة دي … اتكَّ على السنسنة (يدعك له ظهره)
تحت شوية … أيوه … تحت أوي ياد … كمان يا ولَه، اتكَّ زي الناس يا جرسوم
خرع ياللي مافيكش مروة … يلعن أبوك.
(يدخل عزوز ويفاجأ بالمنظر فينهال ضربًا على الاثنين
بينما يدوران حول نفسيهما على المسرح، وعزوز في أثرهما يكيل لهما الضربات،
وصراخهما يتصاعد إلى عنان السماء.)
عزوز
:
إيه اللي بتعمله ده يا ابن الهرمة انت وهوه؟ … إياك فاكر نفسك
معلم.
جربولي
(بشدة)
:
وبتضرب ليه دلوقتي انت يا معلم؟
عزوز
:
بتبوَّق فيَّه يا واد؟
جربولي
:
آه … أبَوَّق فيك … إيه؟ … عاوز مني ايه؟ إنت مالكش ضرب عليه
دلوقتي.
عزوز
:
بتبَوَّق فِيَّه يا واد يا جربولي؟
جربولي
:
آه أبوق فيك قلتلك قبل كده … الله.
عزوز
(يجلس)
:
طيب معلهش … اطلع هات العباية من فوق.
جربولي
(للزبون)
:
اطلع يا واد هات العباية من فوق.
عزوز
(يضرب جربولي)
:
أنا قلت: انت.
جربولي
:
طيب وبتضرب ليه دلوقتي؟
عزوز
:
طيب معلهش … اطلع هات العباية.
جربولي
:
أنا ماحدش يضربني أبدًا … آه … ماحدش يضربني غير المعلمة. آه يكون في
معلومك … بعد كده اللي يضربني المعلمة بس، وأيها حد يضربني تاني أنا لازم
أقول للمعلمة.
نبوية
(تطل من البلكونة)
:
… فيه إيه يا واد يا جربولي؟
جربولي
:
الراجل ده نازل فيه تلطيش أنا والجرسوم بتاعي.
نبوية
:
راجل … راجل مين يا واد؟ … استنى أنا نازلا لك. (تختفي)
جربولي
:
وشرف النبي، إلِّلي يمد إيده عليَّ لازم أجيب كرشه.
عزوز
:
بقى انت تجيب كرشي؟
جربولي
:
آه … أهو اللي يضربني أجيب كرشه … ثم أنا المعلم بتاع القهوة دلوقتي
ماحدش يضربني أبدًا … أما أكون جرسوم معلهش … لكن معلم يضرب معلم! … تضرب
معلم ازاي انت؟!
نبوية
:
إيه يا واد الحكاية؟ … فين الراجل ده … مين عزوز؟ … إيه اللِّي جابك
تاني؟ … اتفضل اتهوى من هنا.
عزوز
:
أنا ح اتهوى على طول بس اديني العباية.
نبوية
:
العباية ما انت خدتها.
عزوز
:
أنا ماخدتهاش … إنتي رمتيلي الهدوم بس … العباية لسه عندك.
نبوية
:
مافيش عِبْيان عندي … اتفضل من هنا.
عزوز
:
ياولية اقصري الشر، واطلعي هاتي العباية من فوق … أنا رايح لندن،
والدنيا برد هناك.
نبوية
:
لندن ايه يا راجل اللي انت رايحها؟ … إنت اتجننت في عقلك؟
عزوز
:
أنا رايح مع معشوق وقطعنا التذاكر، والبزابورت، وكل حاجة جاهزة، وهو
مستنيني في استنجرية.
نبوية
:
ومش عيب يا راجل تروح استنجرية بهدومك المقرَّحة دي!
المعلم
:
ماحدش له دعوة بيه.
نبوية
:
ورايح لندن، وسايب بيتك، وسايب قهوتك، أروح لمين يا اخواتي؟
المعلم
:
أنا ماليش بيت، وماليش قهوة، وماليش حد خالص … هه.
نبوية
:
يا راجل اطلع فوق غيَّر هدومك، واعمل زي الرجالة اللي خلقهم ربنا …
انت مش مكسوف من نفسك؟!
المعلم
:
الله … … إنتِ هاتفتحيلي محضر؟
نبوية
:
يبقى مش عيب يا راجل بعد السن ده تتجنن في عقلك وتدور تتصرمح في
الشوارع ورا معشوق، وهو انت زي معشوق؟
المعلم
:
هه مش عاوز عِبي (يقف ويهم بالانصراف).
نبوية
:
إنت فاهم الحكاية إيه؟ … إنت اياك فاهم نفسك عيل صغير وطايش، وسيدنا
النبي مانت منقول من هنا ولأكون شاربة من دمك.
(تخلع نبوية الشبشب وتمسك عزوز من جلبابه من الخلف
وتطرحه أرضًا وتنهال عليه ضربًا.)
نبوية
:
تعالى يا واد يا جربولي! … طلع الرزية دا معايا.
المعلم
:
مش طالع، جاي … جاي مش طالع.
جربولي
(بزغدة)
:
هاتطلع غصب عنك.
المعلم
:
إنت بتضرب يا واد يا جربولي؟! ودين النبي لأكون شارب من دمك.
جربولي
:
اخرس، لاديك على بوزك على طول.
المعلم
:
مش طالع، أتكلم هنا، لكن فوق لأ، ها أصور قتيل لكن مش طالع … والله
لا صور قتيل هنا.
(ينهض ثائرًا يصرخ في نبوية وجربولي يزجه من القهوة
ويمسك كرسيًّا ويهم بضربهما وهما بين صارخ وهارب.)
(ستار)