مقدمة صاحبة الديوان
إن الشعر في اللغة هو العلم، أو هو فن البلاغة والخيال، وهو لذلك يكون في النثر كما يكون في النظم، ولكنه أُطلق على المنظوم؛ لأنه في الغالب أكثرُ بهاءً، وأشد روعةً على النفس، وأقوى تأثيرًا في العواطف من المنثور، حتى وإن جاراه المنثور في دقة الخيال وحسن المعاني؛ لأن وزن المنظوم وقافيته يكسبانه بهاءً لفظيًّا لا وجود له في المنثور، والنفس عادة تُطرِبها النغمات الموسيقية، فإذا اجتَمعَت تلك النغمات المحبوبة مع الخيال الدقيق والمعاني الجذابة أَدخَلَت على النفس سرورًا لا يُدخِله نفس ذلك الخيال وتلك المعاني لو أنها في منثورٍ لا وزن له ولا قافية.
لهذا أعتقد أن وزن المنظوم إن لم يكن من البحور المُطرِبة في نغماتها كان المنثور أفضلَ منه، ولا شك أن المنثور في سهولته وطلاقته أفضلُ من منظومٍ يأتي من بحرٍ لا تُطرِب النفسَ نغماتُه الموسيقية الشيقة، ولا تخِفُّ عليها قافيتُه التي يظهر فيها من التكلُّف اللفظي ما ينفر منه الذوق السليم، فإمَّا أن يكون الكلام منثورًا لا وزن له ولا قافية، وإمَّا أن يكون منظومًا بوزنٍ وقافيةٍ يجذبان النفوس إليه لا يُنفِّرانها منه؛ ولهذا كان أغلب أشعاري من البحور التي تخِفُّ على النفس نغماتُها والقوافي التي لا تكلُّف فيها. هذا وللمنظوم أغراضٌ لا يجوز أن يخرج عنها مثل الفخر والمديح والهجاء والرثاء والشكوى والغزل والوصف الخيالي الذي لا يُقيَّد بحقائق، فإن خرج عن هذا إلى تدوين العلوم المُقيَّدة بحقائقَ، كالتاريخِ وغيره، فقد أصبح سخريةً وسخفًا كألفيَّة ابن مالك.
ولستُ كغيري ممن يقولون الشعر أو النظم وهم مُتفرِّغون له، بل أنا مُعلِّمةٌ شغلني حب التعليم عما سواه من الفنون الجميلة، وما قلت شعرًا إلا لحاجةٍ أطلبها لذلك التعليم، أو لشيءٍ آسف على ضياعه، وكنتُ أرومُ منه الخير لتعليم البنات الذي شغَفَني حبُّه؛ فقلَّما تخلو قصيدةٌ من قصائدي من الإشارة إليه، فإذا مدحتُ شخصًا فمن أجل ذلك التعليم أَمدحُه، وإذا شكوتُ الدهرَ فمن أجله أشكو.
وتكاد قصائدي تكون مجمل تاريخٍ لأول أدوار تعليم البنات في مصر، وقد ضمَّنتُها جزءًا عظيمًا مما كان في الحركة الوطنية التي قد تكون الظاهرةَ الثانيةَ في أشعاري إذا اعتبرنا أن الظاهرة الأولى هي تعليم البنات.
لهذا أقول: إن ديوان أشعاري — إن جاز لي أن أُسمِّيه كذلك — ليس كدواوينِ الشعراء كلُّه خيال، بل هو تاريخٌ إجمالي للحركة الوطنية والنهضة النسائية في مصر.